أشتات

أقلُّ الحمل وأكثره: فقه الصَّحابة الرِّياضي

الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على مَن لا نبي بعده، وبعد:

تظهر مسألة (أقلُّ الحمل) التي ناقشها أصحاب الرَّسول – صلَّى الله عليه وسلَّم – إلى أي مدى كان أصحاب الرَّسول – رضي الله عنهم – عالمين بالرِّياضيَّات، والحساب، بدقَّة مذهلة. وكيف أنَّ عقليتهم الفقهية عقلية منطقية رياضية بالأساس. وهو ما سوف يظهر معنا في هذا المبحث الذي سأحاول فيه استظهار هذا الأمر، وإتمام ما ابتدأه علي -رضي الله عنه، مِن اجتهادٍ فقهي رياضي، يستند إلى معادلة رياضيَّة نصيَّة دقيقة.

ومبحث “أقلُّ الحمل وأكثره” مبحث حسَّاس جدًّا في الشَّريعة، وذلك نظرًا لارتباطه بمسألتين:

– حقوق الزَّوج والزَّوجة والطِّفل الوليد.

– صحَّة النَّسب.

فإنَّه يعتمد على حساب أقلِّ الحمل وأكثره تحديد حدوده التي تثبت بها الحقوق، ويثبت بها النَّسب، أو تنفى بها الحقوق، ولا يثبت بها النَّسب؛ وربَّما يترتَّب عليه اتِّهام المرأة بالزِّنا. وهذا كلُّه على اعتبار ما يمكن وما لا يمكن وقوعه مِن الحمل في مدَّة النِّكاح.

وقد كان أوَّل وقوف للصَّحابة -رضي الله عنهم- على هذه المسألة مصاحبًا لحادثة مشهورة، جرت زمن أمير المؤمنين عمر ابن الخطَّاب – رضي الله عنه- وقيل زمن عثمان بن عفَّان -رضي الله عنه -. فقد روى الأثرم بإسناده، عن أبي الأسود، أنَّه رُفِع إلى عمر بن الخطَّاب – رضي الله عنه – أنَّ امرأة ولدت لستَّة أشهر، فهمَّ عمر برجمها، فقال له علي بن أبي طالب – رضي الله عن-: ليس لك ذلك، قال الله تعالى: [والوَالِدَاتُ يُرضِعنَ أَولَادَهُنَّ حَولَينِ كَامِلَينِ] {البقرة:233}، وقال تعالى: [.. وحَملُهُ وفِصَالُهُ ثلاثَونَ شَهرًا] {الاحقاف:15}، فحولان وستَّة أشهر ثلاثون شهرًا، لا رجم عليها! فخلَّى عمر سبيلها؛ وولدت مرَّة أخرى لذلك الحدِّ.

في هذه الورقة سنحاول الإجابة على السُّؤال التَّالي: كيف قرَّر علي بن أبي طالب أقلَّ الحمل بمنطق رياضي؟ وما أكثره وفقًا لهذا المنطق الرِّياضي؟

مفاهيم وتعريفات:

سيكون للمصطلحات التَّالية المعاني الواردة إزاء كلٍّ مِنها:

الحمل: الحمل في حقيقته ظاهرة سننيَّة عاديَّة حسِّيَّة، ترتبط بطبيعة الحيوانات والبشر جميعًا. فهي ليست مسألة لغويَّة، أو شرعيَّة، أو فكريَّة. وعليه فإنَّ حقيقة الحمل هو التحام ماء الرَّجل بماء المرأة، وطبيًّا تلقيح الحيوان المنوي مِن ماء الرَّجل لبويضة المرأة، تلقيحًا يتشكَّل مِنه الجنين في رحمها. وتسمَّى المدَّة ما بين هذا اللَّقاح حتَّى خروج الجنين مِن رحم المرأة حملًا.[1]

لهذا فقد ربط الله تعالى سنَّة الخلق بهذا التَّلقيح، حتَّى بات أمرًا بدهيًّا مسلَّمًا به، لا يصحُّ وجود حمل وإنجاب طفل دونه. حتَّى أنَّ مريم ابنة عمران -رضي الله عنه- قالت حين بشِّرت بإنجابها لغلام زكيٍّ: [أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ ولَم يَمسَسنِي بَشَرٌ وَلَم أَكُ بَغِيًّا]، {مريم: 20.} فلا يمكن إطلاقًا، ويستحيل أبدًا، أن تنجب امرأة جنينًا، حيًّا كان أو ميتًا، دون أن يمسَّها رجل، فيجامعها جماعًا يتمكَّن معه مِن قذف مائه في فرجها. لذلك كان الحمل دون زوج مظنَّة الزِّنا دون شكٍّ.

وأيُّ تعريف للحمل يغيب عنه الابتداء والحقيقة فهو تعريف أبتر. وكلُّ إشارة في القرآن الكريم للحمل الطَّبيعي للنِّساء يقتضي هذه الحقائق، ويشمل الحمل المعلوم وغير المعلوم. ونقصد بالمعلوم ظاهر الدَّلالات للمرأة وللنَّاس، وغير المعلوم ما كان في طور التَّشكُّل البدائي الَّذي لا يمكن لحواس الإنسان إدراكه، لكن بُدِئ بإدراكه حديثًا بالمعدَّات التِّقنيَّة المتطوِّرة، حتَّى أمكن تلقيح بويضة المرأة بحيوان منويٍّ مِن ماء الرَّجل. فهو مِن الغيب النِّسبي الذي يمكن الإنسان بلوغه بتطوَّر علومه ومهاراته؛ كما أنَّ القدر الواقع على البشر كان علمًا غيبيًّا نسبيًّا تمكَّنت الجنُّ مِن إدراك بعضه ببلوغها مقاعد في السَّماء لتستمع إلى ما يقدِّره الله تعالى لبني آدم، ثمَّ تخبرهم به[2].

وتظلُّ دائرة كبيرة مِن الجوانب المعنويَّة لهذا المخلوق الجديد، وحول مستقبله، في علم الله تعالى تحديدًا، يقول تعالى: [واللَّهُ خَلَقَكُم مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُطفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُم أَزوَاجًا ومَا تَحمِلُ مِن أُنثَى ولَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلمِهِ ومَا يُعَمَّرُ مِن مُعَمَّرٍ ولَا يُنقَصُ مِن عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ]، {فاطر:11}، وقوله سبحانه: [إِلَيهِ يُرَدُّ عِلمُ السَّاعَةِ ومَا تَخرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِن أَكمَامِهَا ومَا تَحمِلُ مِن أُنثَى ولَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلمِهِ وَيَومَ يُنَادِيهِم أَينَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ]، {فصلت:47}. فصورة هذا المخلوق، وشخصيَّته، وأقداره، ومصيره في يد الله منذ تكوينه. فالآيات السَّابقة تتكلَّم عن الجانب المجهول الذي لا يحيط به البشر مهما أوتوا، وإلَّا بما أتاحه الله لهم مِن العلم، وبما حباهم مِن حواس وعقل وخبرة وأدوات، يمكنهم بلوغ علمه.

الرَّضاع: الرَّضاع ظاهرة طبيعيَّة متَّصلة بالحمل، وتالية لها. إذ أنَّ الله تعالى حبا معظم الإناث طبيعة إدرار الحليب ليكون غذاء لأطفالهنَّ بعد الولادة، وذلك لعدم قدرة الطِّفل بعد الخروج مِن رحم أمِّه على تناول الأطعمة المختلفة، فضلًا عن عدم ملاءمتها له لعدم استعداد جسده لها. فالرَّضاع ظاهرة حيوانيَّة سننيَّة حسيَّة، مستند إثباتها الحسُّ والعادة والطَّبيعة. وهو إتمام لعمليَّة تغذية الطِّفل بالحبل السُّرِّي، أثناء وجوده في بطن أمِّه، مع شيء مِن التَّغيير في طريقة وصول الغذاء له، ومحتوى ذلك الغذاء. وعادة ما يقوم المولود، مِن كافَّة أصناف الحيوانات الولودة، بالرَّضاع مِن ثدي أمِّه بشكل فطري تلقائي، دون الحاجة لإرشاده أو تعليمه أو تدريبه. ويمكن أن يكون الرِّضاع مِن الأمِّ كما يمكن أن يكون مِن غيرها. وللرَّضاع قدره المقدَّر والمعتبر شرعًا، وهو يتَّصل -كما سيأتي معنا- بحساب أقلِّ الحمل وأكثره.

منير أقلُّ الحمل وأكثره: فقه الصَّحابة الرِّياضي

الأدلَّة النَّصيَّة:

يقصد بالأدلَّة النَّصيَّة البراهين والحجج المستندة إلى الوحي: كتاب الله تعالى، وسنَّة نبيِّه -صلَّى الله عليه وسلم- فإذا كان محلُّ الاستدلال غيبيّا مطلقا كان الوحي هو محلّ الاستدلال الذي لا محيد عنه، ولا مناص مِنه؛ أمَّا ما كان يتَّصل بالظَّواهر الكونيَّة والحياتيَّة ويمكن إدراكه حسًّا، أو بنوع من الجهد الحسِّي والفكري، فإنَّ الدَّليل النَّصِّي يكون هنا فاتحًا أو موازيًا أو متمِّمًا للعلم البشري، عاضدًا للحقائق العلميَّة والوقائع الكونيَّة.

الأدلَّة الحسِّيَّة:

يقصد بها الأدلَّة القائمة على حسِّ الإنسان السَّليم الحواس، سواء بالحواس الظَّاهرة، كالسَّمع والبصر والشَّم والطَّعم واللَّمس، أو الحواس الباطنة كحاسة الجوع والألم والتَّعب والنُّعاس وغيرها. فكلُّ معرفة تستند إلى الحسِّ فإنَّ الحسَّ دليل على إثباتها: وجودًا ونفيًا وقدرًا.

الأدلَّة العقليَّة:

يقصد بها الأدلَّة القائمة على الجهد العقلي، سواء أكانت مقدِّماتها حسِّيَّة أو نصِّيَّة أو غير ذلك. المهم أن تكون عمليات التَّفكير والقياس والاستنباط والتَّحليل وغيرها حاضرة في صناعة الدَّليل ذاته. ويدخل فيها الخبرات والتَّجارب والأقيسة والمقارنات والبدهيَّات وغيرها.

الأدلَّة الطَّبيعيَّة:

ويقصد بها الأدلَّة التي تستند إلى طبيعة الأشياء، إمَّا في ظواهرها أو في علاقاتها أو في نتائجها، وسواء أفاد بها الحسُّ أو العقل أو النَّصُّ. والفارق أنَّها أقدم مِن هذه الأمور. فوجود الشَّمس نهارًا أسبق مِن إدراكها حسًّا، أو عقلًا، أو نصًّا، لكنَّ الجميع شاهد لها. ولهذا يمكن التَّمييز بين إنجاب زكريا وزوجه ليحيى على غير العادة والمألوف البشري، وبين إنجاب مريم لعيسى على خلاف الطَّبيعة البشرية كلًّا وأجمع؛ فكان إنجاب يحيى أقلُّ معنى مِن إنجاب عيسى إذ هو معجزة خارجة عن الطَّبيعة، ولهذا استنكرته مريم أشدَّ الاستنكار. ولو قيل إنَّها استنكرته على مقتضى الخبرة والعادة المجتمعيَّة لقيل: فإذن يصحُّ إنجاب طفل دون نكاح -شرعيٍّ أو باطل- إذا اختلفت الخبرة والتَّجربة، فلا تميُّز لعيسى حينئذ. وهذا خلاف للإنجاب عن كبر أو عقم فإنَّه يحدث لآحاد النِّاس تجاوزه ووقوعه. وقد تمكَّن الطِّب اليوم مِن تمكين بعض حالات العقم أو الكبر مِن الإنجاب، لكنَّه عاجز عن تخليق بشر مِن دون ذكر وأنثى.

التَّقدير سنَّة ربَّانيَّة:

تقدير المخلوقات، حجمًا، وصفة، ومكانًا، وزمانًا، ونموًّا، وحركة، وأجلًا، أمر ثابت بالنُّصوص القرآنيَّة قطعيَّة الدَّلالة. يقول سبحانه: [وخَلَقَ كُلَّ شَيءٍ فَقَدَّرَهُ تَقدِيرًا] {الفرقان:2}. وقال تعالى: [إِنَّا كُلَّ شَيءٍ خَلَقنَاهُ بِقَدَرٍ] {القمر: 49}. وعلى هذا فالحمل هو مِن جملة المظاهر البشريَّة المقدَّرة والمحسوبة، يقول سبحانه: [اللَّهُ يَعلَمُ مَا تَحمِلُ كُلُّ أُنثَى ومَا تَغِيضُ الأَرحَامُ ومَا تَزدَادُ وكُلُّ شَيءٍ عِندَهُ بِمِقدَارٍ] {الرعد:8}. فلا يمكن للحمل أن يقلَّ عن مقداره أو يزيد عليه، وإن اطَّرد في حدود طبيعيَّة في العادة، يقول تعالى: [أَلَم نَخلُقكُم مِن مَاءٍ مَهِينٍ * فَجَعَلنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * إِلَى قَدَرٍ مَعلُومٍ * فَقَدَرنَا فَنِعمَ القَادِرُونَ] {المرسلات: 20- 23}. وقد جاء في تفسير “أضواء البيان” عند قوله تعالى: [وَنُقِرُّ فِي الأَرحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى] {المرسلات:5}: [والقدرُ المعلُومُ هو مُدَّةُ الحملِ إِلى السَّقطِ أو الولادة]، وتقدَّم للشَّيخ التَّنويه إلى ذلك في أوَّل سورة (الحجِّ)، وأنَّها أقدار مختلفة وآجال مسمَّاة.

وهذا التَّقدير يشمل حتَّى مراحل الحمل ذاته، فقد قال تعالى: [وقَد خَلَقَكُم أَطوَارًا]، {نوح:14}. ولكلِّ طور سمته وخصائصه وأجله، بل وأحكامه الشَّرعيَّة الخاصَّة، وكلِّ محطَّة مِن محطَّات هذا الطَّور هو تحول في الخلقة:[يَخلُقُكُم فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُم خَلقًا مِن بَعدِ خَلقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ]الآية، {الزمر:6}.. ويقول تعالى: [ولَقَد خَلَقنَا الإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِن طِينٍ* ثُمَّ جَعَلنَاهُ نُطفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقنَا النُّطفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقنَا العَلَقَةَ مُضغَةً فَخَلَقنَا الـمُضغَةَ عِظَامًا فَكَسَونَا العِظَامَ لَحمًا ثُمَّ أَنشَأنَاهُ خَلقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحسَنُ الخَالِقِينَ]، {المؤمنون: 12 -14}.

وقد جاء تزمين هذه المراحل والأطوار ثابتًا في السُّنَّة النَّبويَّة الصَّحيحة، فعن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: حدَّثنا رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وهو الصَّادق المصدوق: (إنَّ أحدَكم يُجمَعُ خَلقُه في بطن أُمِّه أربعين يومًا نطفةً، ثمَّ يكون علقةً مثل ذلك، ثمَّ يكون مُضغة مثل ذلك، ثمَّ يُرسَلُ الملَكُ فيَنفخ فيه الرُّوحَ، ويُؤمرُ بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد)، متَّفق عليه.

فنفخ الرُّوح في هذا الكائن المتكوِّن الجديد لا يكون إلَّا بعد (120) يومًا مِن تلقيح بويضة المرأة؛ أي أنَّ نفخ الرُّوح يكون بعد أربعة أشهر مِن بدء الحمل. وكلُّ مرحلة مِن المراحل السَّابقة لذلك تمتدُّ (40) يومًا مِن مدَّة الحمل. وعلى هذا الاعتبار اختلف العلماء -قديمًا وحديثًا- في جواز إسقاط الحمل قبل نفخ الرُّوح، أي قبل (120) يومًا، ولكنَّهم مجمعون على حرمته بعد نفخ الرُّوح، لأنَّه والحالة هذه قتل للنَّفس المعصومة.

إذن لولا هذا التَّقدير المطَّرد لاختلَّت الموازين وانتفت المصالح والمنافع للعباد، واختلطت عليهم تدابير العيش وشئون الحياة، وفقدت الأشياء معانيها وقيمتها. وهذا شبيه بعالم النَّبات والثِّمار فإنَّ لها آجالًا معلومة بالخبرة والمشاهدة لا ينبغي التَّفريط فيها وإهمالها.

وعلى ضوء هذه التَّقديرات في شأن الحمل: وجودًا أو عدمًا، جاء تزمين العدَّة للمطلَّقة المدخول بها، والأرملة، وكذلك كلُّ ما يتعلَّق بالمرأة مِن أحكام النِّكاح والورث والزِّنا. مع بيان العلامات التي يمكن الحكم بها نفيًا أو إثباتًا، على المستوى الشَّخصي، وعلى المستوى الزَّوجي، وعلى المستوى القضائي.

وقد حذَّر سبحانه أن تكتم المرأة شأن حملها لما يترتَّب على ذلك مِن تبعات، فقال: [والـمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ولَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكتُمنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤمِنَّ بِاللَّهِ واليَومِ الآخِرِ وبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِن أَرَادُوا إِصلَاحًا ولَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالمعرُوفِ ولِلرِّجَالِ عَلَيهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ]، {البقرة: 228}. كما أنَّ خلاف العلماء حول حكم إسقاط الحمل إنَّما جرى في بعض اعتباراته على التَّقديرات المزَّمنة الواردة في النُّصوص الشَّرعيَّة، والخاصَّة بالحمل وأطوار تشكُّل الجنين في بطن أمِّه.

breastfeeding أقلُّ الحمل وأكثره: فقه الصَّحابة الرِّياضي

أقلُّ الرَّضاع وأكثره:

ذكرنا أنَّ التًّقدير سنَّة الله تعالى في الأشياء والأحداث والكون، والتَّوقيت نوع مِن أنواع التَّقدير ممَّا يتِّصل بالزَّمن.

وللرَّضاع أحكامه في الشَّريعة الإسلاميَّة، وقد اعتبر في الإخاء والرَّحم بوجه مِن الوجوه، فحرِّم مع ثبوته النِّكاح بين الجنسين، وإن كانا في الأصل محلَّ إباحته. وقد اختلف العلماء في أقلِّ حدِّ الرَّضاع الموجب لتحريم نكاح الرَّجل مِن امرأة رضعا مِن ثدي واحد. وجمهور العلماء على أنَّ الرَّضاع المعتبر للتَّحريم هو ما كان في حولي الرَّضاع، وأنَّ ما كان خارجهما لا عبرة له.

وكما أنَّ للحمل ابتداء وانتهاء، لا يثبت خروج عنهما، فإنَّ للرِّضاع ابتداء وانتهاء كذلك، لا يثبت خروجً عنهما. فالرَّضاع تقوم عليه علاقة معتبرة شرعًا، فتحقيق حدِّه الطَّبيعي والمعتبر شرعًا، بغض النَّظر عن التزام البعض به أم لا، هو محلُّ اعتبار في الشَّريعة. يقول تعالى: [حُرِّمَت عَلَيكُم أُمَّهَاتُكُم وبَنَاتُكُم وأَخَوَاتُكُم وَعَمَّاتُكُم وخَالَاتُكُم وبَنَاتُ الأَخِ وبَنَاتُ الأُختِ وأُمَّهَاتُكُم اللَّاتِي أَرضَعنَكُم وأَخَوَاتُكُم مِن الرَّضَاعَةِ]. الآية: {النساء: 23}. وفي صحيح مسلم، عن عُروة عن أمِّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنَّها أخبرته أنَّ عمَّها مِن الرَّضاعة، يُسمَّى أفلَح، استأذَنَ عليها فحجبته، فأخبرت رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم فقال لها: (لا تحتجبي مِنه، فإنَّه يَحرُمُ مِن الرَّضاعة ما يحرم مِن النَّسب).

وإذا كان أقلُّ مدَّة الرِّضاع[3] يمكن أن تكون يومًا، دون أن ينازع في ذلك[4] لا قدرًا ولا شرعًا، فإنَّ أكثر مدَّة الرَّضاع كما هو منصوص عليها شرعًا – والتي اعتمد عليها علي وابن عبَّاس رضي الله عنهما في فقههما[5]، تأسيسًا لاجتهادهما الذي أقرَّا عليه – هي حولان كاملان (أي 24 شهرًا). وقد أجمع العلماء على أنَّ أقلَّ الحمل ستَّة أشهر تأسيسًا على هذا الاعتبار، فلو لم يكن الإجماع منعقدا على المقدِّمة الأولى وهي أنَّ أقصى الرَّضاع هي (24) شهرًا لما جرى انعقاد الاجتماع على أنَّ أقلَّ الحمل ستَّة أشهر.

هذا المدخل الحسابي لا بدَّ مِن استصحابه في الحديث عن أقلِّ الحمل وأكثره، كما فعل علي وابن عبَّاس -رضي الله عنهما، واعتمده العلماء بإجماع [6] قبولًا باجتهادهما.

ما يثبت به الحمل:

هناك معنيان لإثبات الحمل:

– معنى يقصد به إثبات وجوده ظاهرًا؟

– معنى يقصد به إثبات وقوعه ابتداء؟

ونظرًا لأنَّ حواس الإنسان محدودة، وعلمه قاصر خاصَّة في العصور القديمة، فقد كان الاعتماد في إثبات الحمل على دلالات عدَّة؛ مِنها ما تعرفها المرأة مِن نفسها، ومِنها ما يعرفه النَّاس مِن أحوالها.

فالدَّلالات التي تعرفها المرأة مِن نفسها، ونقصد بالمرأة عموم جنس النِّساء، هي أمارات مختلفة قد تصدُق وقد لا تصدُق، وقد تقترن ببعضها وقد لا تقترن، وقد تكون دلالات لأمراض أخرى أحيانًا. وغالبها عُرِفت بالعادة والتَّجربة والاستقراء حتَّى أصبح علماء الطِّبِّ قديمًا مجمعين عليها في تغليب الرَّأي بها.

هذه الدَّلالات تشمل:

– انقطاع الدَّورة الشَّهريَّة عن موعدها.

– تورُّم الثَّديين مع وجود ألم بهما.

– الشُّعور بالغثيان، سواء رافقه قيء أم لم يرافقه.

– كثرة التَّبوُّل ووجود الإمساك في المقابل.

– ظهور تقلُّصات وآلام في الرَّحم.

وغيرها مِن الدَّلالات، النَّاتجة عن سعي الجسم للتَّكيُّف مع الحدث الجديد، والتَّهيُّؤ لاحتضان الكائن الجديد. لكن يبقى أنَّ هذه الدَّلالات تختلف ابتداءً عن لحظة حصول التَّلقيح للبويضة وتخصُّبها، فهي قد تظهر بعد ذلك بأيَّام وربَّما بأسابيع. فهي صالحة للاستدلال على وجود الحمل لا ابتدائه!

أمَّا العلامات الظَّاهرة مِن انتفاخ بطن المرأة، وإمكانيَّة مشاهدة الجنين بالوسائل الحديثة المتطوِّرة، في المستشفيات والعيادات الطِّبِّيَّة، فهي أدلَّة أخرى وأكثر تأخُّرًا عن سابقاتها.

لذلك، يبقى اكتشاف بدء الحمل مسألة تحتاج إلى وسيلة ما لتقريره، بشكل صحيح كي لا يخطر الشَّكُّ في بال زوج تأخَّر إنجاب زوجته أو تقدَّم عن العادة الغالبة في مدَّة الحمل، وهي التِّسعة أشهر، والَّتي ربَّما تزيد أيَّامًا أو تنقص أيَّامًا، كما هو معلوم مِن حال النِّساء. وهذا أمر متعذَّر، إذ لا يملك إنسان تحديده بدقَّة، لذا جاء مبحث أقلِّ الحمل وأكثره لضبط مدَّة الحمل الممكنة، لعلاج أي اختلال قد ينشأ عن خروج الحمل عن مدَّته الطَّبيعية.

وهذا ما حاول الصَّحابة الإجابة عنه: ما هو أقلُّ الحمل وأكثره؟

فأيُّ الأدلة ستقدِّم لنا دليلًا عن شيء كوني قدري غيبي بشكل دقيق؟!

دعونا نقرِّر ابتداء أنَّ هذا السُّؤال لا ينشأ في الظُّروف الطَّبيعيَّة للزَّواج، فالبشر عادة لا تسأل عن هذا الأمر، ولا يخطر على بالهم، لا في القديم ولا في الحديث. فحيث وجد الزَّواج بين رجل وامرأة، يتبادلان الثِّقة والمحبَّة، ويتَّصفان بالعفَّة والحياء والصَّلاح والطَّهارة، ليس مِن المهمِّ ولا الضَّروري لهم البحث في أيِّ يوم كان بدء الحمل؛ ذلك أنَّ الله سبحانه غيَّبه عنهم بحكمته، وحسب تقديره الكوني القدري، وحجب عنهم أدلته، وجعلنا -بمختلف أعراقنا ودياناتنا وثقافاتنا وتقاليدنا- مسلِّمين لجهالتنا به، ومتعايشين مع هذا الأمر.

وإنَّما ينشأ هذا السُّؤال في ظلِّ وجود ظرف استثنائيٍّ يخالف العادة الجارية للنِّساء، وتغلب معه المظنَّة والشُّكوك، خاصَّة إذا كانت هذه المخالفة غير معهودة في الخبرة والتَّجربة المجتمعيَّة. ويصبح لدى الزَّوج -لسبب أو لآخر- رغبة في التَّدقيق في مدى صحَّة إنجاب طفل مكتمل الخلقة، قادر على الحياة، في أقلِّ مِن مدَّة الحمل المعهودة[7].

ولأنَّ مدَّة الحمل المعتبر ترتبط أساسًا بابتداء الحمل الَّذي يجري في غياهب ظلمات رحم المرأة، حيث لا تبلغه حواس البشر، ومعرفة ابتداء الحمل لا يدرك بالحواس، فلا يوجد دليل حسِّيٌّ يصلح ليكون مستندًا للإثبات أو النَّفي. ولم يرد فيه نصٌّ شرعيٌّ ظاهر الدَّلالة والمعنى يمكن الرُّجوع إليه وجعله هو الحقُّ الذي لا يقبل الخلاف، لهذا لم يكن عمر بن الخطاب وهو القارئ للقرآن الكريم، وغيره مِن الصَّحابة الذين حضروه، مستحضرًا نصًّا -وهو الفقيه- في قصَّة المرأة صاحبة القصَّة المشار إليها سابقًا.

إذن، فالمجال مجال أدلَّة عقليَّة تقوم على معطيات الحسِّ والاستقراء والتَّجربة والبدهيَّات الطَّبيعيَّة[8] وإشارات النُّصوص الشَّرعيَّة اللَّصيقة بهذه القضيَّة. وهو ما ترجمه علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في اجتهاده الفذِّ إذ جمع بين الآيتين الكريمتين: [وَالوَالِدَاتُ يُرضِعنَ أَولَادَهُنَّ حَولَينِ كَامِلَينِ لِمَن أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وعَلَى الـمَولُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وكِسوَتُهُنَّ بِالـمَعرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفسٌ إِلَّا وُسعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا ولَا مَولُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وعَلَى الوَارِثِ مِثلُ ذَلِكَ فَإِن أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِنهُمَا وتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِمَا وإِن أَرَدتُم أَن تَستَرضِعُوا أَولَادَكُم فَلَا جُنَاحَ عَلَيكُم إِذَا سَلَّمتُم مَا آتَيتُم بِالـمَعرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ واعلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعمَلُونَ بَصِيرٌ{البقرة: 233}، وقيل: [ووَصَّينَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيهِ حَمَلَتهُ أُمُّهُ وَهنًا عَلَى وَهنٍ وفِصَالُهُ فِي عَامَينِ أَنِ اشكُر لِي ولِوَالِدَيكَ إِلَيَّ المصِيرُ]{لقمان: 14} وقوله تعالى: [ووَصَّينَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيهِ إِحسَانًا حَمَلَتهُ أُمُّهُ كُرهًا ووَضَعَتهُ كُرهًا وحَملُهُ وفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَربَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوزِعنِي أَن أَشكُرَ نِعمَتَكَ الَّتِي أَنعَمتَ عَلَيَّ وعَلَى والِدَيَّ وأَن أَعمَلَ صَالِحًا تَرضَاهُ وأَصلِح لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبتُ إِلَيكَ وإِنِّي مِن المسلِمِينَ]{الأحقاف: 15}، لأنَّهن جِئنَ في ذات السِّياق.

لذلك يقول الشَّوكاني -رحمه الله- في كتابه (السَّيل الجرَّار): [أقول لم يأت دليل قطُّ، لا صحيح ولا حسن ولا ضعيف، مرفوع إلى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في أنَّ أقلَّ الحمل كذا، ولم يستدلُّوا إلَّا بقوله عزَّ وجلَّ [وحَملُهُ وفِصَالُه ثلاثُونَ شهرًا] مع قوله سبحانه [وفِصَاله في عَامَين]، ويقوِّي هذه الدَّلالة الإيمائيَّة أنَّه لم يُسمع في المنقول عن أهل التَّواريخ والسِّير أنَّه عاش مولود لدون ستَّة أشهر، وهكذا في عصرنا لم يُسمع بشيء مِن هذا، بل الغالب أنَّ المولود لستَّة أشهر لا يعيش إلَّا نادرًا، لكن وجود هذا النَّادر يدلُّ على أنَّ السِّتَّة الأشهر أقلُّ مدَّة الحمل][9].

ومعلوم أنَّ القرآن الكريم تحدَّث بالمصطلحات على حقائقها. وهذا أمر مهمٌّ جدًّا.

ففي الآيات الأولى أشار القرآن الكريم للحمل على حقيقته دون ذكر مدَّة له. ثمَّ أورد مدَّة الرِّضاع على حقيقته الَّتي لا يتجاوزها، ألا وهي السَّنتان؛ فمِن المعلوم أنَّ الرَّضاع يبدأ منذ مولد الطِّفل فحدَّ الشَّارع لحقيقته سنتين، وما بعد السَّنتين لا يدخل في اعتبار الشَّارع. إذن الرَّضاع يبدأ مِن أوَّل يوم يولد فيه الطِّفل، وحتَّى سنتين قمريَّتين، وهذه المدَّة تمثِّل (مدى) قيمة (الرَّضاع) الحسابي كمتغيِّر قابل للتَّحرُّك بين القيمة الأقل (يوم واحدٍ مِن الرَّضاع)، وغالبًا تكون فيه خمس رضعات مشبعات، وهو أقلُّ حدِّ الرَّضاع المحرِّم للنِّكاح المعتبر شرعًا[10]، و(708 أيَّام)، تزيد أو تنقص قليلًا.

أمَّا الآية الثَّانية فقد أشار القرآن الكريم فيها إلى مدَّة الحمل والرَّضاع المعتبرين شرعًا، دون تحديد لأقلِّ الحمل وأكثره. فتشكَّلت لدينا معادلتان تقولان:

الأولى: الرَّضاع المعتبر شرعًا (ولنفترض أنَّه س) = خمس رضعات إلى حولين كاملين [يوم- 708 أيام]

فهو لا يكون أكثر مِن ذلك قطعًا وإلَّا بطل اجتهاد علي وابن عبَّاس الذي أجمع عليه الصَّحابة، إذ لو كان حدُّ الرَّضاع الطَّبيعي أكثر مِن عامين لاقتضى أن يكون أقلُّ الحمل دون ستَّة أشهر قطعًا.

الثَّانية: الحمل المعتبر شرعًا (ولنفترض أنَّه ص) + الرَّضاع المعتبر شرعًا (وقد افترضناه أنَّه س) = ثلاثون شهرًا [885 يومًا تزيد قليلًا أو تنقص قليلًا] كأقلِّ تقدير.

فإذا لا يصحُّ أن يتجاوز مجموع فترة الحمل والرَّضاع المعتبرين شرعًا (30) شهرًا وإلَّا بطل الاستدلال الذي قام به علي أو ابن عبَّاس، وفسد إجماع الصَّحابة، وهذا ما لا يكون.

وهنا يمكن تبديل المتغير (س) بقيمته في أقلِّ حدٍّ وأعلى حدٍّ لمعرفة حدود الحمل المعتبر شرعًا.

فإذا عبَّرنا عن (س) بأعلى قيمة معتبرة شرعًا، فإنَّ قيمة (ص) هي = 885- 708 = 177. وهي ما تعادل تقريبًا (6) أشهر. وهذه هي الطَّريقة التي استنتج بها علي -رضي الله عنه- أقلَّ الحمل، في حالة المرأة المقضي بشأنها (إذ لم يكن الجدال يدور حول المسألة مِن حيث هي).

وعليه فقد قرَّر الصَّحابة -رضي الله عنهم- والعلماء -رحمهم الله- مِن بعدهم، أنَّ أقلَّ مدَّة للحمل ستَّة أشهر، وأنَّ المرأة إذا ولدت لهذه المدَّة مِن حين دخل بها زوجها، فإنَّ الولد يلحق به، إذ أنَّ هذه المدَّة كفيلة بثبوت بدء الحمل وخروج الجنين مكتملًا قابلًا للحياة دون إشكال، ومجرَّد الظَّنِّ والاحتمال لا ينفي الولد عن أبيه، فإنَّ الولد للفراش، ولا يطعن في الحقائق القائمة إلَّا بأدلة قطعيَّة يقينيَّة؛ لذلك قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة، عندما سئل عن رجل تزوَّج امرأة بكرًا، ودخل بها، ثمَّ ولدت له بعد ستَّة أشهر مِن دخوله بها: [إذا ولدت لأكثر مِن ستَّة أشهر مِن حين دخل بها، ولو بلحظة، لحقه الولد باتِّفاق الأئمَّة. ومثل هذه القصَّة وقعت في زمن عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- واستدلَّ الصَّحابة على إمكان كون الولد لستَّة أشهر بقوله تعالى: [وحَملُهُ وفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهرًا]، {الأحقاف: 15}، مع قوله: [والوَالِدَاتُ يُرضِعنَ أَولَادَهُنَّ حَولَينِ كَامِلَينِ]،{البقرة:233}، فإذا كانت مدَّة الرَّضاع مِن الثَّلاثين حولين يكون الحمل ستَّة أشهر، فجمع في الآية أقلُّ الحمل وتمام الرَّضاع][11].

فإذا تصرَّفنا بتصرُّف علي، الذي قبله عمر وعثمان -رضي الله عنهما- وأصحاب محمَّد الذين حضروا هذا القضاء وعاصروه[12]، وعبَّرنا عن (س) بأقل قيمة معتبرة في الشَّرع ألا وهي يوم واحد.. فماذا ستكون النَّتيجة؟!

885- 1 = 884، وهو ما يعادل ثلاثين شهرًا. أي أنَّ أكثر الحمل لا يمكن أن يتجاوز هذه المدَّة إطلاقًا.

فهل هذا القياس صحيح؟!

روي عن عكرمة عن ابن عبَّاس -رضي الله عنهما- أنَّه كان يقول: [إذا ولدت المرأة لتسعة أشهر كفاها مِن الرَّضاع أحد وعشرن شهرًا، وإذا وضعت لسبعة أشهر كفاها مِن الرَّضاع ثلاثة وعشرون شهرًا، وإذا وضعت لستَّة أشهر كفاها مِن الرَّضاع أربعة وعشرون شهرًا، كما قال الله تعالى][13]، يعني قوله سبحانه: [وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا]{الأحقاف: 15}.

فابن عبَّاس ينطلق مِن ذات الآيات، وذات المنطق الاستدلالي القائم على المعادلة الرِّياضيَّة أعلاها، في أنَّ الحمل والرَّضاع تجمع حقيقتهما مدَّة ثابتة هي: ثلاثون شهرًا، كأقلِّ تقدير لا يمكن تجاوزه مهما نقصا أو نقص أحدهما؛ فأيُّما نقص في أحد الطَّرفين أتمَّه الآخر. وهذا يتناسب مع منطق الخلق والنَّشأة إذ أنَّ الطِّفل الماكث في بطن أمَّه لهذه الفترة يتغذَّى مِنها ما يتغذَّاه حال خروجه للحياة، بل ربَّما أكمل لأنَّه متَّصل بدمها، فكان الأنسب تخفيف مدَّة الرَّضاع عليها، لامتداد مدَّة الحمل. والحياة قائمة على مبدأ العدالة، فالغنم بالغرم، والعكس صحيح فالغرم بالغنم. وهذا التَّوازن بين الغنم والغرم، والحقِّ والواجب، هو ما نلمسه في الشَّريعة عمومًا؛ ومثله ما ورد في آيات الطَّلاق، إذ يقول تعالى: [واللَّائِي يَئِسنَ مِن المحِيضِ مِن نِسَائِكُم إِنِ ارْتَبتُم فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشهُرٍ واللَّائِي لَمْ يَحِضنَ وأُولَاتُ الأَحمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعنَ حَملَهُنَّ ومَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجعَل لَهُ مِن أَمرِهِ يُسرًا * ذَلِكَ أَمرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيكُم ومَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّر عَنهُ سَيِّئَاتِهِ ويُعظِم لَهُ أَجرًا * أَسكِنُوهُنَّ مِن حَيثُ سَكَنتُم مِن وُجدِكُم ولَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَملٍ فَأَنفِقُوا عَلَيهِنَّ حَتَّى يَضَعنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرضَعنَ لَكُم فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وأتَمِرُوا بَينَكُم بِمَعرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرتُم فَسَتُرضِعُ لَهُ أُخرَى * لِيُنفِق ذُو سَعَةٍ مِن سَعَتِهِ ومَن قُدِرَ عَلَيهِ رِزقُهُ فَليُنفِق مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجعَلُ اللَّهُ بَعدَ عُسرٍ يُسرًا] {الطلاق: 4- 7}.

وقد اختلف علماء المذاهب الأربعة في شأن أكثر مدَّة الحمل إلى عدَّة أقوال، وقد ورد في بعض المذاهب روايتان أو قولان[14]. وهناك مَن ينقله عن بعض الصَّحابة -رضي الله عنهم- والحقيقة أنَّ ما ذهب إليه بعض الصَّحابة -رضي الله عنهم- أو علماء وفقهاء المذاهب، إنَّما أخذوه مِن روايات أو وقائع لنساء عصرهم، أو ما نقل لهم عن السَّابقين. فالمسألة فيها نزاع بين الفقهاء، في القديم والحديث[15]. وعليه فأقوالهم في المسألة ولكونها لا تستند إلى نصٍّ شرعي، أو إجماع، أو قياس معتبر، فإنَّها يستدلُّ لها ولا يستدلُّ بها في المسألة، فلا حجَّة لها في ذاتها.

ولأنَّ هذه الأقوال والمأثورات نقلت على سبيل الرِّواية القصصيَّة لا الاعتقادية، فقد جرى الاعتراض عليها دون تأثُّم أو حرج، حتَّى ما ورد مِنها عن بعض الصَّحابة -رضي الله عنهم- فقد روي أنَّ الوليد بن مسلم [قال: قلت لمالك بن أنس إنِّي حُدِّثت عن عائشة -رضي الله عنها- أنَّها قالت: “لا تزيد المرأة في حملها عن سنتين قدر ظلِّ المغزل[16]، فقال: سبحان الله، مَن يقول هذا؟ هذه جارتنا امرأة محمَّد بن عجلان، امرأة صدق وزوجها رجل صدق، وحملت ثلاثة أبطن في اثنتي عشرة سنة، تحمل في كلِّ بطن أربع سنين][17].

وقد أجيب عن بعض هذه الرِّوايات إمَّا بنقد سندها وإثبات عدم صحَّتها أو ضعفها[18]، وإمَّا بإيراد الاستشكالات عليها، واحتمال الخطأ فيها؛ فقد قال ابن الهمام- رحمه الله-: [والمرأة يحتمل خطؤها، فإنَّ غاية الأمر أن يكون انقطع دمها أربع سنين ثمَّ جاءت بولد، وهذا ليس بقاطع في أنَّ الأربعة بتمامها كانت حاملا فيها، لجواز أنَّها امتدَّ طهرها سنتين أو أكثر، ثمَّ حبلت، ووجود الحركة مثلًا في البطن لو وُجِدت ليس قاطعًا في الحمل، لجواز كونه غير الولد، ولقد أخبرنا عن امرأة أنَّها وجدت ذلك مدَّة تسعة أشهر مِن الحركة، وانقطاع الدَّم، وكبر البطن، وإدراك الطَّلق، فحين جلست القابلة تحتها أخذت في الطَّلق، فكلما طلقت اعتصرت ماء، هكذا شيئًا فشيئًا إلى أن انضمر بطنها، وقامت عنها قابلتها مِن غير ولادة. وبالجملة مثل هذه الحكايات لا يعارض الرِّوايات].[19]

وبالرَّغم مِن أنَّ هناك مَن قال بأنَّ أكثر الحمل هو تسعة أشهر استنادًا إلى عادة النِّساء في الحمل، كما قال الطَّحاوي رحمه الله: “وذهب قوم إلى أنَّ أقصى مدَّة الحمل هي ما جرت به عادة النِّساء عليه، هي تسعة أشهر، وما جاءت به لأكثر مِنها لا يلزمه”[20] ، إلَّا أنَّ مجرَّد غلبة العادة في النِّساء لا تصلح مستندًا لإثبات أكثر الحمل لثبوت تجاوز النِّساء لذلك، في المرويَّات الفقهيَّة والوقائع والبحوث والدِّراسات الطِّبيَّة السَّريريَّة.

يقول ابن عبد البر رحمه الله: [وهذه مسألة لا أصل لها إلَّا الاجتهاد والرَّد إلى ما عُرف مِن أمر النِّساء][21].

ومعرفة الرَّأي الرَّاجح أمر بالغ الأهميَّة، لأنَّه ينبني عليه أحكام عدَّة، كالإرث والنَّسب والنَّفقة والعدَّة وغيرها عند الثُّبوت والاعتبار، والحدُّ في حال عدم الثُّبوت والاعتبار. مثلها في ذلك مثل مدَّة أقل الحمل.

وحيث ذهب جمهور العلماء في أنَّ أقلَّ مدَّة الحمل مستنبط مِن كتاب الله تعالى، لا أنَّ القرآن محلُّ كشفه، فهل يمكن العودة في مسألة أكثر مدَّة الحمل لذات الاستنباط الَّذي ذهب إليه علي -رضي الله عنه؛ لاستناده للآيات الكريمات بكلِّ ما فيهنَّ مِن دلالات ومحدِّدات واعتبار شرعي.

false pregnancy أقلُّ الحمل وأكثره: فقه الصَّحابة الرِّياضي

آراء الأطباء والحمل الكاذب:

تذكر الإحصائيَّات الطِّبِّيَّة -بحسب الَّذين كتبوا عن الموضوع- أنَّ وفاة المواليد تزداد وتتضاعف بازدياد مدَّة الحمل عن (42) أسبوعًا، أي ما يقارب (10) أشهر، وذلك بسبب تليُّف المشيمة. فالجنين بحسب بعض الأطباء يعتمد في غذائه على المشيمة، فإذا بلغ الحمل نهايته ضعفت المشيمة، ولم تعد قادرة على إمداد الجنين بالغذاء الَّذي يحتاجه لاستمرار حياته، فإن لم تحصل الولادة في الوقت الطَّبيعي عانى الجنين مِن المجاعة، فإن طالت المدَّة ولم تحصل الولادة قضى نحبه داخل الرَّحم. ويؤكِّد الأطباء الذين تناولوا هذه المسألة أنَّه مِن النَّادر أن ينجو مِن الموت جنين يبقى في الرَّحم لأكثر مِن (45) أسبوعًا.

وقد علَّل بعض هؤلاء الأطباء توهُّم بعض النِّساء بأنَّ حملهنَّ امتدَّ إلى مدَّة تزيد عن المعتاد بأشهر بأنَّ ذلك نتيجة إصابتهنَّ بما يسمَّى “الحمل الكاذب”، وحاصله أنَّ بعض النِّساء -وربَّما لأسباب نفسيَّة، كرغبتها في الحمل- قد تظهر عليها علامات الحمل، فتنتفخ بطنها، وتتوقَّف عادتها الشَّهريَّة، فتعتقد جازمة أنَّها حامل، رغم تأكيد جميع الفحوصات المخبريَّة والفحوصات الطِّبِّيَّة بأنَّها غير حامل! وقد يحدث لإحدى هؤلاء الواهمات بـ”الحمل الكاذب” أن تظلَّ على هذا الحال، ثمَّ تحمل فعليًّا، ثمَّ تضع مولودها الَّذي تتصوَّر أنَّه بقي في بطنها تلك السِّنين.

ولأنَّ أعراض الحمل الكاذب تشبه إلى حدٍّ ما أعراض الحمل الحقيقي فإنَّه يصعب غالبًا التَّفريق بينهما؛ حتَّى أنَّ العديد مِن الأطبَّاء يمكن أن ينخدعوا بعوارض الحمل الكاذب.

ويعتقد بأنَّ الحمل الكاذب ينتج عن تغيُّرات في جهاز الغدد الصَّمَّاء في الجسم، ما يؤدِّي إلى إفراز هرمونات تحدث تغيُّرات جسديَّة مشابهة لتلك التي تحدث في الحمل الحقيقي.

وغالب القصص والأخبار، القديمة والمعاصرة، الواردة في كتب التَّاريخ أو السِّير أو الفقه أو غيرها، مِن وجود نساء حملن لمدد طويلة تزيد عن الحدِّ المعتاد بأشهر، يكتنفها الكثير مِن الإشكالات مِن جهة الرِّوايات وثبوتها كما أسلفنا، أو مِن جهة ورود احتمال “الحمل الكاذب” عليها. خاصَّة وأنَّ عددًا مِن هؤلاء النِّسوة قد يحملن فعليًّا بعد ذلك، ويضعن مولودًا سليمًا، فينتج لديهم اعتقاد بطول فترة الحمل الطَّبيعيَّة لهذه المدَّة. وحيث إنَّه لم يتوفَّر قديمًا أجهزة دقيقة للكشف الطِّبِّي على النِّساء الحوامل، كما لم يتوفَّر ذلك -أيضًا- في العصر الحديث لكثير مِن نساء العالم اللَّاتي يعشن في مجتمعات فقيرة أو دول متخلِّفة طبِّيًّا، فإنَّ وجود هذه الظَّاهرة يظلُّ واردًا خاصَّة مع غياب العلم. وغالب البحوث الطِّبِّيَّة تتحدَّث بحسب الدِّراسات النَّاقلة عنهم في الموضوع تشير إلى أنَّ أقصى مدَّة للحمل هي ما بين (10 أشهر إلى 12 شهرًا).

رفع الخلاف:

الحقيقة هي أنَّ هناك حدًّا وقدرًا لكلِّ مرحلة مِن مراحل حياة الإنسان؛ ولكلِّ مرحلة طبيعتها وخصائصها ولوازمها. كما أنَّ هناك حدّا طبيعيّا مشتركا بين جميع البشر لا يمكن أن يتخلَّف إلَّا في حالة المعجزة. وعلى هذا يمكن تأويل قوله تعالى: [اللَّهُ يَعلَمُ مَا تَحمِلُ كُلُّ أُنثَى ومَا تَغِيضُ الأَرحَامُ ومَا تَزدَادُ وَكُلُّ شَيءٍ عِندَهُ بِمِقدَارٍ]، {الرعد: 8}. ذلك أنَّ كثيرًا مِن الأحكام الشَّرعيَّة تترتَّب على هذه المسائل كما أسلفنا؛ فوجود دليل عليها أمرٌ مهمٌّ لهم.

ومِن الطَّبيعي -والمشار إليه نصًّا- أنَّ خلق الإنسان في بطن أمَّه يتطوَّر شيئًا فشيئًا، إذ أنَّ أصل طبيعة الخلقة النُّموُّ والتَّطوُّر. فهذا الذي يمكث في بطن أمِّه لأكثر مِن الحدِّ الطَّبيعي المشترك، إمَّا أن ينمو استجابة لطبيعة النَّشأة والخلقة، وإمَّا أنَّه لا ينمو. فإن كان ينمو ويتضخَّم فإنَّ في ذلك ضرر عليه، وعلى الحامل التي تعجز عن تغذيته، فضلًا عن إنجابه فيما بعد. وعدم نموِّه محال لا يتِّفق مع طبيعة الخلقة والنَّشأة، وإن كان احتمالًا يَرِدُ فقط لإتمام القسمة.

ولا يصحُّ الاستدلال بمبدأ عدم الاستبعاد على قدرة الله فعل ذلك، فإنَّ مجرد عدم الاستبعاد لا يجيز الوقوع أو يوجبه. وقد يقال مثله في أقلِّ الحمل إنَّ الله تعالى لا يعجزه أن تنجب المرأة في أقلِّ مِن ستَّة أشهر مِن الحمل جنينًا سليمًا حيًّا. ومِن ثمَّ فلم يكن لبحث الصَّحابة ومَن بعدهم في مسألة التَّهمة على المرأة الحامل في زمنهم معنى.

كما أنَّ الاستدلال بأمور خارج العادة والمألوف ممَّا ورد به نصٌّ خاصٌّ، كالدَّجال وغيره، لا يقلُّ إهمالًا عن الاستدلال بمجرَّد القدرة الإلهية على فعل ذلك، كونه في غير محلِّ النِّزاع.

وعليه فإنَّ لا مناص مِن العودة لاستدلال علي وابن عبَّاس، رضي الله عنهما، كمعيار لإيجاد طرفي المدى الزَّمني، ابتداء وانتهاء، طالما وأنَّ هناك معادلة صحيحة ومتغيِّر ثابت محكوم بمدى دقيق يمكن إسقاطه في المعادلة لاستظهار النَّتيجة الأخرى في مقابل النَّتيجة الأولى.

وعليه فإنَّه إذا تقرَّر أنَّ أقلَّ الرِّضاع يكون يومًا واحدًا، وهو معتبر شرعًا، وممكن وواقع قدرًا، فإنَّ الصَّحيح أنَّ أكثر الحمل لا يزيد عن ثلاثين شهرًا، وهنا فقول ابن حزم أنَّ [مَن ادَّعى أنَّ حملًا وفصالًا يكون في أكثر مِن ثلاثين شهرًا، فقد قال الباطل والمحال، وردَّ كلام الله -عزَّ وجلَّ- جهارًا][22]، هو القول الأسلم والأصوب والأرشد. ومعلوم أنَّ مَن يقول بأنَّ أكثر الحمل يتجاوز 30 شهرًا فقد أسقط الآية التي اعتبرت حدًّ يبنى عليه في الاجتهاد كما فهمه الصَّحابيان (علي وابن عبَّاس),

إذن فالمعادلات هي:

– الحمل الحقيقي المعتبر شرعًا + الرَّضاع الحقيقي المعتبر شرعًا = 30 شهرًا.

– أقصى الرَّضاع الحقيقي المعتبر شرعًا = 24 شهرًا (بنصِّ القرآن)

– أقلُّ الحمل الحقيقي المعتبر شرعًا = 30 شهرًا – 24 شهرًا (أقصى الرِّضاع الحقيقي المعتبر شرعًا) = 6 أشهر. (اجتهادًا وإجماعًا)

أقلُّ الرَّضاع الحقيقي المعتبر شرعًا = خمس رضعات مشبعات ولو في يوم واحد. (بنصِّ السُّنَّة وما نسخ مِن القرآن)

– أقصى الحمل الحقيقي المعتبر شرعًا = 30 شهرًا – يوم واحد (أقلُّ الرَّضاع الحقيقي المعتبر شرعًا) = 30 شهرًا.

وهكذا يظهر أنَّ عليا بن أبي طالب وعبدالله بن عبَّاس، كانا على قدر وافٍ بالحساب والعمليَّات الرِّياضية (المعادلات)، وما تستلزمه مِن فرض مدى للمتغيِّر، وربط معادلة بأخرى. وهو ما قبله عمر بن الخطاب -رضي الله عنه،- وأصحاب النَّبي الكبار، وأجمعوا عليه.

Literacy e1664560060109 أقلُّ الحمل وأكثره: فقه الصَّحابة الرِّياضي

الأميَّة والحساب.. بين الذَّم والمدح والفهم الخاطئ:

لقد ذهب بعض الجهلاء إلى أنَّ حديث النَّبيِّ -صلَّى اللَّه عليه وسلَّم، في كتب الصِّحاح والسُّنن: [إنَّا أمَّة أمِّيَّة لا نكتبُ ولا نحسبُ]، أنَّه على سبيل مدح الأُميَّة مطلقًا، وذمِّ الكتابة والحساب، نازعين اللَّفظ مِن سياقه اللَّفظي، وسياقه التَّشريعي والتَّوجيهي؛ فمِن حيث السِّياق اللَّفظي، فإنَّ هذا النَّصَّ أتى في معرض الإنكار على استخدام علوم الأمم الأخرى، المتَّصلة بالنُّجوم والكواكب والأفلاك وحركتها، وما يرتبط بها مِن حساب، في معرفة ابتداء الشَّهر (القمري)، الذي تعلَّقت به العبادات والأحكام، وانتهائه، ففي الحديث: [الشَّهر هكذا وهكذا وهكذا، وعقد الإِبهام في الثَّالثة]، يعني تسعًا وعشرين، [والشَّهر هكذا وهكذا وهكذا]، يعني تمام الثَّلاثين، فلا يكون الشَّهر أقلَّ مِن ذلك ولا أكثر، وإنَّما يميَّز بينهما حسابيًّا برؤية الهلال الذي يرى عيانًا. فإنَّ أَصَحَّ المعلومات ما شُوهد بالأَبصار، وأمكن الجميع مِن إدراكه دون تكلُّف. وما جاءت به الشَّريعة هو أكمل الأمور، وأحسنها، وأبينها، وأصحُّها، وأيسرها، وأبعدها مِن الاضطراب. أمَّا الحساب الفلكي فهو يعتمد على الرَّصد، والمتابعة، والاشتغال بحركة سير الشَّمس والقمر، وهو أمر خفيٌّ، ولا يُعرف إلَّا بحساب ينفرد به بعض النَّاس، مع جهد متعب، وزمن كثير، وربَّما وقع فيه الغلط والاختلاف، كونه يحتاج إلى حساب دقيق جدًّا.

وعليه، فاللَّفظ لم يأت في سياق عامٍّ، ينهى عن الكتابة والحساب، أو يذمُّها ويذمُّ المتَّصفين بها، أو يبيِّن مفاسدها ومضارها. وهذا لا يتصوَّر في الشَّريعة الغراء التي جاءت بالمكارم والفضائل والمعارف والعلوم والمنافع والمصالح. “وأيضًا، فقوله: [إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّة]، ليس هو طلبًا، فإنَّهم أمِّيُّون قبل الشَّريعةِ، كما قال اللَّه تعالى: [هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنهُم] {الجمعة:2}، وقال: [وقُل لِلَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ والأُمِّيِّينَ أَأَسلَمتُم]{آل عمران:20}، فإذا كانت هذه صفة ثابتة لهم قبل المبعث لم يكونوا مأمُورِين بابتدائها”. وهم “لم يُؤمرُوا أن يبقوا على ما كانوا عليه مطلقًا”.

كما أنَّ “الأمَّة الَّتي بعثه اللَّه إليها فيهم مَن يقرأ ويكتب كثيرًا، كما كان في أصحابه، وفيهم مَن يحسبُ، وقد بُعث -صلَّى اللَّه عليه وسلَّم- بالفرائض الَّتي فيها مِن الحساب ما فيها، وقد ثَبَتَ عنه -صلَّى اللَّه عليه وسلَّم- أنَّه لـمَّا قدِم عامِله على الصَّدقة (ابن اللُّتبيَّة) حاسبه، وكان له كتَّاب عدَّة كأبي بكر وعمر وعثمان وعليٍّ وزيدٍ ومعاوية، يكتُبُون الوحي، ويكتُبُون العُهُود، ويكتُبُون كُتُبه إلى النَّاس، إلى مَن بَعَثَه اللَّه إليهم، مِن ملوك الأرض ورؤوس الطَّوائف، وإلى عمَّاله ووُلَاتِه وسُعَاتِه، وغير ذلك”[23].

أمَّا مِن حيث السِّياق التَّشريعي والتَّوجيهي، فقد أعلَّ الله تعالى بعض صنعه وخلقه بحاجة العباد إلى الحساب، فقال سبحانه: [فَالِقُ الإِصبَاحِ وجَعَلَ اللَّيلَ سَكَنًا والشَّمسَ والقَمَرَ حُسبَانًا ذَٰلِكَ تَقدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ] {الأنعام: 96}؛ وقال تعالى:[هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمسَ ضِيَاءً والقَمَرَ نُورًا وقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ والحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إلَّا بِالحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَومٍ يَعلَمُونَ] {يونس:5}؛ وقال كذلك: [وجَعَلنَا اللَّيلَ والنَّهَارَ آيَتَينِ فمَحَونَا آيَةَ اللَّيلِ وجَعَلنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبصِرَةً لِتَبتَغُوا فَضلًا مِن رَبِّكُم ولِتَعلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ والحِسَابَ وَكُلَّ شَيءٍ فَصَّلنَاهُ تَفصِيلًا]، {الإسراء: 12}؛ وقال: [الشَّمسُ والقَمَرُ بِحسبَانٍ]، {الرحمن:5}، قِيل: هو مِن الحِسَاب. فلا يمكن أن ينهوا أو يذَّموا على تعلُّمهم الكتابة والحساب، وقد جعلت علَّة الصِّنعة هذا الاعتبار الذي هم بحاجة له.

والأُميَّة والكتابة وردت في القرآن الكريم في محلِّ الذَّم ومحلِّ المدح، فإنَّ الصِّفات والخصائص المتعلِّقة بالعلم والمعرفة مِنها ما هي كمال في ذاتها، ومِنها الصِّفات والخصائص التي وصف الله تعالى بها نفسه، واتَّصف بها رسله وأنبياءه؛ ومِنها ما هي وسائل وأسباب لها حكم مقاصدها وما تُعمل فيه، فإن قُصِد بها وأُعملت في الحقِّ والعدل والخير كانت فضيلة وكمالًا، وإن قُصِد بها وأُعملت في الباطل والظُّلم والشَّر كانت رذيلة ونقصًا.

والأمِّيَّة صفة قد تكون نقصًا، وقد تكون كمالًا؛ وفي قوله تعالى عن نبينا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم: [الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكتُوبًا عِندَهُم فِي التَّورَاةِ وَالإِنجِيلِ]{الأعراف:157}، مدح له عليه الصَّلاة والسَّلام، فوصفه بالأمِّيَّة هنا لا مِن جِهة فقدِه للعلم النَّافع والمعرفة الحقَّة فإنَّه إمام الأئمَّة في هذا، وقد أغناه الله تعالى بعلمه وحكمته وهدايته، وإنَّما كان مِن جِهة أنَّه لا يكتب ولا يقرأ مكتوبًا، كما قال اللَّه فِيهِ: [ومَا كُنتَ تَتلُو مِن قَبلِهِ مِن كِتَابٍ ولَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ]{العنكبوت:42}. فالأمِّيُّ في الأصل هو مَن لم يتميَّز عن غيره بعلم خاصٍّ، سواء بقراءةٍ أو كتابةٍ أو غيرها، كما يقال: عامِّيٌّ لـمَن كان مِن العامَّة، غير مُتميِّز عنهم بما يختصُّ به مِن علوم وخبرات. والتَّميُّز الَّذي يخرج به الإنسان عَن الأمِّيَّة العامَّة إلى الاختصاص تارة يكون فضلًا وكمالًا في نفسه، وتارة يكون بما يتوصَّل به إلى الفضل والكمال، كالتَّميُّز عنهم بالكتابة وقراءة المكتوب، فيُمدح في حقِّ مَن استعمله في الكمال، ويذمُّ في حقِّ مَن عطَّلَه أو استعمله في الشَّرِّ، ومَن استغنى عنه بما هو أنفع له كان أكمل وأفضل، وكان تركه في حقِّه مع حصول المقصود به أكمل وأفضل.

وإذا تبيَّن أنَّ التَّميُّز عن الأمِّيِّين نوعان؛ فإنَّ الأمَّة الَّتي بُعث فيها النَّبِيُّ -صلَّى اللَّه عليه وسلَّم- أولاهم العربُ، وبواسطتهم حصلت الدَّعوة لسائر الأمم، وهو إنَّما بُعث بلسانهم، فكانوا أمِّيِّين عامَّة، ليست فيهم مزِيَّة علم ولا كتاب، ولا غيره، مع كون فطرهم كانت مستعدَّة للعلم أكمل مِن استعداد سائر الأمم بمنزلة أرض الحرث القابلة للزَّرع لكن ليس لها مَن يقوم عليها، فلم يكن لهم كتاب يقرءُونه منزَّل مِن عند اللَّه، كما لأهل الكتاب، ولا علوم قياسيَّة مستنبطة كما للصَّابئة ونحوهم، وكان الخطُّ فيهم قليلًا جدًّا، وكان لهم مِن العلم ما يُنال بالفطرة الَّتي لا يخرُج بها الإنسان عن الأُميَّة العامَّة، كالعلم بالصَّانع سبحانه، وتعظيم مكارم الأخلاق، وعلم الأنواء والأنساب والشِّعر، فاستحقُّوا اسم الأمِّيَّة مِن كلِّ وجهٍ، كما قال تعالى فيهِم: [هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنهُم]{الجمعة:2}، وقال تعالى:  [وقُل لِلَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ والأُمِّيِّينَ أَأَسلَمتُم فَإِن أَسلَمُوا فَقَدِ اهتَدَوا وَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيكَ البَلَاغُ]{آل عمران:20}، فجعل الأمِّيِّين مقابلين لأهل الكتاب، فالكتابِيُّ غير الأمِّيِّ. فلمَّا بُعث فيهم، ووَجَبَ عليهم اتِّباع ما جاء به مِن الكتابِ، وتدبُّره وعقله والعمل به، وقد جعله تفصيلًا لكلِّ شيءٍ، وعلَّمهم نبيُّهم كلَّ شيءٍ؛ صاروا أهل كتابٍ وعلمٍ، بل صاروا أعلم الخلق، وأفضلهم في العلوم النَّافعة، وزالت عنهم الأمِّيَّة المذمومة النَّاقصة، وهي عدم العلم والكتاب المنزَّل إلى أن علموا الكتاب والحكمة وأورثوا الكتاب، كما قال تعالى فيهم: [هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنهُم يَتلُو عَلَيهِم آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِم وَيُعَلِّمُهُم الكِتَابَ وَالحِكمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ]، فكانوا أمِّيِّين مِن كلِّ وجه، فلمَّا علَّمهم الكتاب والحكمة قال فيهم: [..ثُمَّ أَورَثنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصطَفَينَا مِن عِبَادِنَا فَمِنهُم ظَالِمٌ لِنَفسِهِ وَمِنهُم مُقتَصِدٌ ومِنهُم سَابِقٌ بِالخَيرَاتِ بِإِذنِ اللَّهِ]{فاطر:32}، وقال تعالى: [وهَذَا كِتَابٌ أَنزَلنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُم تُرحَمُونَ * أَن تَقُولُوا إنَّمَا أُنزِلَ الكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَينِ مِن قَبلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِم لَغَافِلِينَ * أَو تَقُولُوا لَو أَنَّا أُنزِلَ عَلَينَا الكِتَابُ لَكُنَّا أَهدَى مِنهُم]{الأنعام:155 – 157}، واستجيب فيهم دعوة الخليل، حَيْثُ قال: [ رَبَّنَا وَابعَث فِيهِم رَسُولًا مِنهُم يَتلُو عَلَيهِم آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكمَةَ وَيزَكِّيهِم إنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ]{البقرة:129}، وقال: [لَقَد مَنَّ اللَّهُ عَلَى المؤمِنِينَ إذ بَعَثَ فِيهِم رَسُولًا مِن أَنفُسِهِم يَتلُو عَلَيهِم آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِم وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكمَةَ]{آل عمران:164}. فصارت هذه الأمِّيَّة مِنها ما هو محرَّم، ومِنها ما هو مكروه، ومِنها ما هو نقص وترك الأفضل.

وقد كان سائر أكابر الصَّحابة، كالخلفاء الأربعة وغيرهم، يحسنون الكتابة والحساب لاحتياجهم إليها. وقد جاءت الشَّريعة بما يقتضي الحساب والدِّقة فيه، كالمواقيت والمواريث والأنصبة وغيرها، لكنَّها اعتمدت فيها مسالك حسيَّة، وعقلية، ومنطقية، ميسورة وسهلة، وبعيدة عن التَّكلُّف. وما ذمَّ مِن الحساب إنَّما هو “حساب” الجهَّال، والمدَّعين، وما كان فيه تكلُّف ظاهر، وتضيع معه مصالح العباد.

الهوامش:

  1. انظر: الشَّخصيَّة القانونيَّة للجنين- دراسة مقارنة، د. شفيق حادي، مجلَّة القانون والعلوم السِّياسيَّة، المجلَّد الرَّابع، العدد 20، يونيو 2018م/ رمضان 1439هـ: ص146- 147.
  2. انظر ما ذكره الجن عن أنفسهم في سورة الجن من القرآن الكريم.
  3. الكلام عن المدَّة لا عن عدد الرَّضعات، فتنبَّه.
  4. وذلك بغضِّ النَّظر عن عدد الرَّضعات المعتبرة في تحريم النِّكاح، إذ أنَّه وبرغم الخلاف حولها يمكن أن تكون في يوم واحد، كما يمكن أن تكون مفرَّقة على 24 شهرًا. والآية نصَّت على مدَّة الرَّضاع لا على عدد الرَّضعات لمناسبة قياس المدد الزَّمنيَّة معلومًا بمعلوم، كي يمكن جمع المتماثلات وطرحها خروجًا إلى نتيجة صحيحة مناسبة.
  5. كما سيأتي معنا. إذ لو كان الرَّضاع يزيد على عامين لما كان لحسابه معنى ولا اطِّراد، ولا لقوله اعتبار ملزم.
  6. حكى الإجماع على أنَّ أقلَّ مدَّة الحمل ستَّة أشهر: الجصَّاص، وابن عبد البر، وابن عطيَّة، وابن الهمام، والماوردي، وابن تيمية. انظر: مدَّة الحمل بين الفقه والطِّب وبعض قوانين الأحوال الشَّخصيَّة المعاصرة، د. محمد سليمان النور، متوفر على الرابط التالي:{ https://elibrary.mediu.edu.my/books/MAL06943.pdf}
  7. الكلام في هذه الورقة لا يشمل السَّقط الذي لم يكتمل نموُّه، ولا الذي اكتمل نموُّه ولكن لم يتمكَّن مِن العيش، إذ عادة ما تتلقَّف النَّاس هذا الأمر بالقبول، نظرًا لكون أنَّ العادة جرت بسقوط الجنين دون اكتمال نموِّه أو وفاته بعد ولادته قبل المدَّة المعهودة مع وفاته. والمقصود هنا دون تدخُّل الطِّبِّ وعلومه الحديثة في استنقاذه وإيجاد رحم بديل أو ظروف صناعيَّة ملائمة بديلة. إذ أخذت هذه الظَّاهرة تنتشر في ظلِّ تطوُّر العلوم والتِّقنيَّات. لذلك يقول ابن القيم -رحمه الله: “فاتَّفق الفقهاء كلُّهم على أنَّ المرأة لا تلد لدون ستَّة أشهر، إلَّا أن يكون سقطًا، وهذا أمر تلقَّاه الفقهاء عن الصَّحابة -رضي الله عنهم”. تحفة المودود بأحكام المولود: ص378.
  8. قال ابن القيم: “الدَّلالة على أنَّ أقلَّ مدَّة للحمل هي ستَّة أشهر تظاهرت عليها الشَّريعة والطَّبيعة؛ فالشَّريعة مِن خلال الآيتين السَّابقتين، وأمَّا الطَّبيعة فقد نقل أقوال الأطبَّاء أصحاب الاختصاص الذين أثبتوا أنَّ أقلَّ حمل كان في مائة وأربع وثمانين ليلة”. التبيان في أقسام القرآن، ابن قيم الجوزية، تحقيق عصام الحرستاني، مؤسسة الرسالة، بيروت- لبنان: ص213.
  9. انظر: السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار: ج2/334.
  10. تقول الأبحاث الطبية إنه يجب أن ترضع الأم طفلها ما لا يقل عن 10 أو 9 مرات في اليوم لضمان إنتاج الحليب.
  11. مجموع فتاوى ابن تيميَّة: ج19/7.
  12. وصف الحافظ ابن كثير استنباط علي -رضي الله عنه- لهذه المسألة بأنَّه “استنباط قويٌّ صحيح، ووافقه عليه عثمان، وجماعة مِن الصَّحابة -رضي الله عنهم”، انظر: تفسير القرآن العظيم: ج4/158. وقال الشيخ ابن عثيمين: “أقلُّ مدَّة للحمل ستَّة أشهر بمقتضى دلالة القرآن، فإنَّ الله تعالى يقول: ((وحَملُهُ وفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهرًا))، ويقول: ((وفِصَالُهُ فِي عَامَينِ))، فإذا أخذنا عامين للفصال بقي للحمل ستَّة أشهر، وهذا واضح”، الشرح الممتع: ج13/339.
  13. السُّنن الكبرى، للبيهقي: ج7، باب ما جاء في أقلِّ الحمل، برقم: 15548.
  14. تردَّدت الأقوال في أكثر مدَّة الحمل بين سنتين وسبع سنين، وقيل أكثر.
  15. كما تنازع فيها الأطبَّاء والباحثون.
  16. في هذه العبارة خطأ ما، وهي لا تتَّسق مع إبراز مدى السَّنتين الزَّمني بضرب مثال عليه في ظلِّ المغزل! والذي يظهر أنَّها مدونة خطأ.
  17. انظر: نصب الراية، للزيلعي: ج3/264؛ والتلخيص الحبير، لابن حجر: ج3/235.
  18. كما ذهب إلى ذلك ابن حزم الأندلسي رحمه الله، وغيره.
  19. انظر: فتح القدير، كمال الدين محمد السيواسي (ابن الهمام): ج٤/٣٦٢. ويشير بالرِّوايات إلى ما روي عن عائشة -رضي االله عنها: “لا يبقى الولد في رحم أُمِّه أكثر مِن سنتين”.
  20. مختصر اختلاف العلماء: ج٢/٤٠٥.
  21. الاستذكار، لابن عبد البر: ج7/159.
  22. المحلَّى، لابن حزم: ج10/132.
  23. يمكن العودة لما سطَّره شيخ الإِسلام ابن تيمية -رحمه الله، في مجموع الفتاوى (ج25/100- 185)، لمن أراد أن يرجع إلى ما سطَّره فكره وقريحته مِن علم نافع في هذا الشَّأن.

أنور الخضري

كاتب وباحث يمني مهتم بالقضايا السياسية والشأن اليمني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى