أشتات

إشكالية الحرية الفكرية في التَّاريخ اليمني (تهامة نموذجًا)

تهامة نموذجًا

أ.د عبدالودود قاسم حسن مقشر

قامت في اليمنِ الإسلامي حضارة ما زالت شواهدها المادية تتناثر في كلِّ ربوعِ هذا الوطن، وما زلنا نقرأ فيما سطَّره المؤرخون المعاصرون لتلكَ الحضارة، وتظلُّ تهامة المتفردة والمتصدرة لتلكَ البوْتقة الحضارية، وقد قامت دولٌ عليها رعت تلك الحضارة، ومن خلال رسمٍ كرنولوجي (تسلسل زمني) لتاريخ تهامة؛ سنجد أنَّ تهامة مثَّلت (المحور الإرتكازي) لقيام الحضارة اليمنية العربية الإسلامية في اليمن, وستسقط النَّظرية التي ردَّدها الكثير بوعيٍ أو بلا وعي, أنَّ الأئمة حكموا اليمن [ومن ضمنها تهامة] ألف سنه، وهذا هو التَّسلسل الزَّمني:-

11 – 41 هـ : الخلافة الرَّاشدة .

41 – 132هـ : الدولة الأموية.

132 – 203هـ : الدولة العباسية .

203 – 412هـ : الدولة الزيادية وكانت عاصمتها زبيد.

412 – 553 هـ : الدولة النَّجاحية وكانت عاصمتها زبيد.

554 – 569 هـ : الدَّولة المهدية وكانت عاصمته زبيد.

569 – 626هـ : الدولة الأيوبية وكانت العاصمة في فتراتٍ منها.

626 – 858 هـ : الدولة الرَّسولية وكانت زبيد عاصمة لفتراتٍ طويلة فيها.

858 – 923هـ : الدولة الطاهرية وكانت الأسرة الحاكمة تهامية الأصل قرشية من رمع.

923 – 945هـ : الدولة المملوكية الجركسية وكانت عاصمتها زبيد.

945 – 1045هـ : الدولة العثمانية وكانت زبيد عاصمة لهم في فتراتٍ متعددة.

1045 – 1141هـ : الأئمة اتخذوا عواصم متعددة عدا تهامة .

1141 – 1265هـ : الأشراف آل خيرات التّهاميين وعاصمتهم جيزان بتهامة .

1265 -1337هـ : الدولة العثمانية في الحكم العثماني الثاني لولاية اليمن واتخذت الحديدة عاصمة لها من 1264 – 1290هـ / 1849 – 1873م.

1337 – 1343هـ :الدولة الإدريسية وعاصمتها صبيا بتهامة.

1343 – 1382هـ : الإمام يحيى بن حميد الدِّين وولده الإمام أحمد.

الملاحظ: أنَّ أغلب الشَّواهد المادية التَّاريخية كالمدن التَّاريخية التي تأسَّست, والأسوار والجوامع والمساجد والمدارس والأربطة والتَّكايا والزَّوايا والأضرحة والقِلاع والحصون والمراصد الفلكية والقصور وقنوات الرَّي, والسدود, مرورًا بتأسيس موانئ ومرافئ جديدة خلال هذه العهود الإسلامية، بل, حتى التراث الفكري المكتوب كنتاج لهذه الحضارة والتي برزت في الثروة العلمية وشملت أغلب العلوم والفنون والتَّكريم للعلماء والمفكرين والكتَّاب في شتى المجالات، واستقطب الحكام العلماء من كل أرجاء العالم الاسلامي, حتى إنَّ أغلب من برزوا في القرْنين الثَّامن والتَّاسع الهجري بالعالم الإسلامي من العلماءِ المشاهير؛ نجدهم قد شدوا الرِّحال إلى زبيد, إمَّا لتولي منصب, أو تعليم, أو إسناد, أو زيارة وسياحة، ورغم البذخ والثراء الذي تحكي عنه كتب التَّاريخ اليمني, برزَ اتجاه صوفي راقي, فبرز أغلب أولياء اليمن المشهورين كزهاد يرفضون تولي المناصب ويفضلون التَّعليم, ونشر المعرفة، بل برز منظِّرين للتَّصوف أمثال العالم عبدالكريم الجيلي تـ(بأبيات حسين الزيدية – حاليًا – عام 823هـ) صاحب نظرية (الإنسان الكامل) والعالم محمَّد بن محمَّد المزجاجي صاحب (هداية السَّالك) ولا ننسى الحرية التي أُعطيت لكلِّ هذه الفسيفسائيات، فكتبوا بكل حرية، ورعت الدول العلوم وشجعت العلماء، ووصل الأمر إلى الاحتفالات السَّنوية بالإنتاج الفكري لكلِّ عالمٍ من العلماء, ومصاحبة نتاج العالم الفكري المكتوب من بيته مع فرقة الموسيقى الرسمية للسُّلطان (الطبلخانة) ونثر الأموال على العامةِ حتى وصول العالم مع كتابه للقصر السُّلطاني فيكرم بوزن ما كتَبَه ذهب وفضة…! إننا أمام ظاهرة فريدة تدلُّ على الوعي الحضاري في تهامة، واستمرَّ ذلك خلال العهد العثماني الأول ثمَّ جاء الأئمة فانكمش ذلك بشكلٍ كبير لدرجة أننا لا نجد عالمًا اشتهر خلال مائة سنة كاملة – اقصد القرن الثَّاني عشر الهجري، حتى إذا جاء القرن الثَّالث عشر الهجري وحكم الأشراف التهاميين والعثمانيين؛ نجد آيات البيان تسطعُ من جديد، علماء لا يحصون من علماء تهامة, يُؤتى إليهم من كلِّ مكانٍ في العالم الإسلامي.

1302b015c0ce9aaed88304462d3a30b1 إشكالية الحرية الفكرية في التَّاريخ اليمني (تهامة نموذجًا)
مدينة زبيد
الشاشة 2021 11 25 184635 إشكالية الحرية الفكرية في التَّاريخ اليمني (تهامة نموذجًا)
قلعة زبيد التاريخية

لا شكَّ إنَّ فترة الحكم العثماني الثَّاني لليمن (1849 – 1918) أعادت الرُّوح من جديد للحياةِ العلمية والأدبية والفكرية في تهامة، ولعلَّ السَّبب الرئيسي هو الحرية ودعم السُّلطات العثمانية الحاكمة للبحثِ العلمي من خلال تقديم العون المادي, وتقديم جميع الكتب التي كانت تُطبعُ خارج اليمن مجانًا ووقفًا على مكتبات الجوامع في اليمن, وخاصة تهامة اليمن, وتمثل الجوامع في الأساس مدارس علمية يأتي إليها الطُّلاب من كلِّ مكان، واهداء الكثير من هذه الكتب للعلماء البارزين في مكتباتهم الخاصة،  ونكتفي بذكر أشهر ثلاث شخصيات تهامية يمانية برزت خلال هذا العهد وهم :-

1- العلامة المفتي شيخ الاسلام محمَّد بن أحمد بن عبد الباري الأهدل (1241 – 1298هـ /1825 – 1880م).

2-    العلامة المفتي شيخ الاسلام مُحمَّد بن حسن فرج الفقيهي (1240 – 1306هـ / 1824 – 1888م) .

3-    الشَّاعر والأديب العلامة أحمد بن عبد الرحمن صائم الدَّهر(1215 – 1272هـ /1800-  1856م) .

ومن خلال البحث عن تراجم الثَّلاثة الأعلام ومدى نفعهم لمجتمعهم اليمني ومحيطهم الاجتماعي وتقديمهم المعرفة له، ثم تحليل مصنفاتهم، وأخيرًا علاقتهم بالدولة العثمانية, وتمتعهم بمزايا أعطتهم إياها هذه الدولة؛ نجد أنَّ الأول والثاني كتبهم تجاوزت العشرات, وما زال طلاب الدِّراسات العليا يحققونَ منها، أمَّا الثالث فهو شاعرٌ كتب مقاماتٍ شهيرة, يتردد صداها لدى المهتمين بفنونِ الأدب.

 لكن, لماذا خمد الوهج العلمي والحضاري بعد مجيء ما سمَّاه البعض بـ(الحكم الوطني)؟! سؤال ينتظر إجابة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى