أشتات

براءة أئمة أهل البيت من مبادئ المعتزلة (الجزء الثالث)

أئمة آل البيت ومذهب أهل السنة

يصر هادوية اليمن على القول والتقرير بأن جملة مبادئ (العدل والتوحيد أو الاعتزال) – باستثناء الإمامة والمنزلة بين المنزلتين- كانت معروفة منذ البدء عند أئمة آل البيت الأوائل، وكما تبلورت بعد ذلك لدى مفكري الاعتزال وأئمة المذهب الهادوي في اليمن، ومن ثم فهم لم يكونوا متأثرين بالمعتزلة إطلاقا لأنهم أخذوا هذه العقيدة مباشرة أبا عن جد حتى أوائل أئمة أهل البيت!

وكالعادة ليس لدى القوم أدلة من النصوص الثابتة تؤكد كلامهم هذا، ولا يوجد أحد ممن يستشهدون به في كتاباتهم من أوائل الأئمة من آل البيت، وكلهم يملؤون الكتب تأكيدات لفظية على أن عقيدتهم مستمدة من قدماء أهل البيت حتى إذا جاء وقت الاستشهاد لم يجدوا أمامهم إلا القاسم الرسي الذي ولد ومات ما بين 170 و242ه! ومن بعده حفيده يحيى بن الحسين الذي بدوره ولد ومات في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري(245-298)!

خلال الإعداد لهذه القراءة توفرت عدة شهادات ومعطيات وإشارات واضحة تنفي علاقة عقيدة أوائل أئمة آل البيت بمباديء التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد كما استقرت عند المعتزلة ومن بعدهم: فرق الشيعة المتأخرين والهادوية الزيدية في اليمن، فكلها منفصلة في منبتها ومخالفها في مضامينها عن عقيدة أئمة آل البيت الأوائل؛ ومنهم الإمام زيد بن علي؛ وحتى زمن القاسم بن إبراهيم الرسي الذي كان هو أول إمام من العلويين يتبنى مبادئ العدل والتوحيد الاعتزالية أي: التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ مع استبدال أصل (المنزلة بين المنزلتين) المعتزلية.. بأصل أساسي هو (الإمامة)، وإن كان الرسي بدوره اختلف عمن جاء بعده في فكرة الإمامة فقد نبذ فكرة الخروج على الظلمة، ولم ينص إلا على مواصفات للإمام دون ذكر أسماء بعينها خلافا لعقيدة حفيده يحيى بن الحسين في الزعم بالوصية لعلي وابنيه ثم لمن توفرت فيه الشروط من أبناء الحسن والحسين وخرج شاهرا سيفه داعيا لنفسه.

ومن الواضح أن هناك خلطا كبيرا ومتعمدا في أحيان عديدة عند كثيرين عندما يتحدثون في هذا الموضوع، فهم يتحدثون عن عقيدة الشيعة المتأخرين موهمين أنهم يتحدثون عن عقيدة أئمة أهل البيت المتقدمين؛ اعتمادا على أن المتأخرين – الذين عاشوا في زمن التدوين- كانوا موافقين للمعتزلة في أصولهم ما عدا الإمامة والمنزلة بين المنزلتين، ويتجاوزون بأسلوب غير علمي التحقيق في صحة هذه الدعاوى، مثلما فعل الشيخ محمد أبو زهرة الذي كان يثبت الشيء وعكسه في مقام واحد! وقد نقل د. علي سامي النشار آراء متناقضة لفرق تثبت لجعفر الصادق في صفحات انتماءه لعقيدة أهل السنة ومباديء الشيعة الإمامية في وقت واحد!(1)

ويبدو أن كثيرين من المؤرخين المتأخرين كانوا يعتمدون ما يقوله المتقدمون دون تمحيص، والثابت الذي اتضح لنا أن الشيعة المتأخرين وخاصة هادوية اليمن أسهموا كثيرا وما يزالون في تعميم هذا القول للاتكاء على مكانة أهل البيت الأوائل في نفوس العامة، ومن ثم الحصول على مشروعية دينية مقدسة، وأنهم على الحق المبين مما يبرر دعوتهم إلى اتباعهم بوصفهم حملة علوم أهل البيت من لدن الإمام علي وأبنائه المباشرين!

فما صحة القول إن عقيدة أئمة أوائل أهل البيت هي عقيدة المعتزلة كما هي معلومة في مباديء الاعتزال أو مباديء العدل التوحيد؟

بالإضافة إلى الاختلاف المؤكد في مبدأ المنزلة بين المنزلتين المهم والأساسي في عقيدة المعتزلة، وفي مبدأ الإمامة؛ فإن هناك شهادات مهمة تؤكد الاختلاف في مباديء مهمة مثل الصفات، والعدل، والوعد والوعيد، وهاكم هذه الأدلة بأسانيدها:

أ/ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه

وجوب الإيمان بصفات الله على ظاهرها كما جاءت في القرآن:

جاء في خطبة الأشباح المنسوبة للإمام علي بن أبي طالب في نهج البلاغة، وهو حجة على من يؤمن بصحته:(2)

[ وكان سأله سائل أن يصف الله له حتى كأنه يراه عيانا فغضب عليه السلام لذلك.. ومما جاء فيها بعد كلام… فانظر أيها السائل فما دلك القرآن عليه من صفته فائتم به (!!)، واستضيء بنوره، وما كلفك الشيطان علمه مما ليس في الكتاب عليك فرضه ولا في سنة النبي – صلى الله عليه وآله- وأئمة الهدى أثره؛ فكلْ علمه إلى الله سبحانه وتعالى فإن ذلك منتهى حق الله عليك، واعلم أن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم عن اقتحام السدود المضروبة دون الغيوب الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب، فمدح الله اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما، وسمى تركهم التعمق فيما لم يكلفهم البحث كنهه رسوخا، فاقتصرْ على ذلك، ولا تقدر عظمة الله سبحانه على قدر عقلك فتكون من الهالكين..].

يستفاد من هذه النص موافقة الإمام علي مع عقيدة أهل السنة كما يتضح في الآتي:

– نفور الإمام علي من طريقة المتكلمين في الخوض في صفات الله، ونصيحته بعدم تقدير عظمة الله وصفاته وفقا لمقاييس العقل البشري القاصر لأن ذلك من أسباب الهلاك.

– وصيته للسائل أن يلتزم بظاهر الآيات القرآنية التي دلت على صفات الله أي دون تعطيل أو تشبيه أو تكييف.

– وصف الإمام علي ما لم يرد فرضه في القرآن ولا في سنة النبي وآثار أئمة الهدى بأنه من وسوسات الشيطان وتكليفاته.. وأوصى بعدم الخوض فيه وإيكال أمره إلى الله تعالى، فذلك هو من حقوق الله على العباد.

– الراسخون في العلم عند الإمام علي هم الذين يرفضون الخوض في تفاصيل أمور الغيب المحجوب، ويقرون ما جهلوا تفسيره جملة.

– الله تعالى امتدح هؤلاء الذين اعترفوا بعجزهم عن تناول ما لم يحيطوا به علما، وسمّى فعلهم رسوخا في العلم.

أئمة أهل البيت من مبادئ المعتزلة 2 01 براءة أئمة أهل البيت من مبادئ المعتزلة (الجزء الثالث)

ب/ الإمام العلامة/ أبو عبد الله محمد بن علي الحسني العلوي:

1/ إجماع قدماء أهل البيت على صريح مذهب أهل السنة:(3)

يقول ابن الوزير:

[ ذكر السيد الشريف الإمام العلامة أبو عبد الله محمد علي بن عبد الرحمن الحسني العلوي في كتابه (الجامع الكافي) في مذهب الزيدية عن قدماء أهل البيت عليهم السلام ما يدل على إجماع قدماء آل البيت في المئة الأولى والثانية وأكثر الثالثة؛ وهي القرن الثالث؛ على صريح مذهب أهل السنة، والحمد لله على وجود ذلك في كتب الزيدية وخزائن أئمتهم ورواية ثقاتهم.].

2/ موافقة أهل البيت لأهل السنة في القضاء والقدر :(4)

وقد نقل عنه ابن الوزير في العواصم والقواصم، نصوصا كثيرة عن أئمة من أهل البيت تؤكد أن عقيدتهم في القضاء والقدر هي عقيدة أهل السنة، ولطولها سنختار نماذج منها:

– [ قال الإمام العلامة محمد بن علي الحسني العلوي في كتابه (الجملة والألفة) في المجلد السادس منه في كتاب(الزيادات)، باب القدر والمشيئة والإرادة، قال محمد في كتاب أحمد قلت لأبي عبدالله أحمد بن عيسى: هل المعاصي بقضاء الله وقدره؟ قال: نعم، حكم الله أنه سيكون ما سبق في علمه من أفعال العباد، وكان أحمد يثبت القدر خيره وشره ويقول: الإيمان من مِنّة الله تعالى على أوليائه وتوفيق عصمته لتصديق علمه السابق..].

وقال الحسن بن يحيى: أجمع آل رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه من أحسن فلله عليه المنّة، ومن أساء فلله عليه الحجة في إساءته، وغير معذور في معصيته، ولن يخرج الخلق من قدرة الله وتدبيره وملكه.

وقال الحسن ومحمد: إن الله سبحانه خلق العباد، وعلم ما هم عاملون قبل أن يعملوا، وعرفهم طاعته، وأمرهم بها، وأعانهم عليها، وعرفهم معصيته، ونهاهم عنها، وأغناهم عنها.

قال الحسن: فليس أحد يصير إلى طاعة الله إلا بعلم الله وبفضله ورحمته، وليس أحد يصير إلى المعصية إلا بنعمة الله (هكذا وردت في الكتاب)، والحجة لله على المطيع وعلى العاصي.

وقال محمد في موضع آخر: إن الله خلق العباد جميعا لعبادته وأمرهم بطاعته، وأعانهم عليه، ومدحهم عليها، ونهاهم عن معصيته، وأغناهم عنها، وذمهم على فعلها، وجعل لهم السمع والأبصار والأفئدة… ثم أخذ بجميع نواصي العباد فلم يدع شيئا من مشيئتهم وإرادتهم إلا بمشيئته وإرادته استدلالا على الربوبية، وتعبدا للخلائق بالقدرة، فإذا نوى عبد من عبيده خيرا اختار عليه في نيته فإن شاء أمضاه له بعد توفيقه، وإن شاء حال بينه وبينه ببعض بلائه.

قال محمد: فمن علم الله منه الطاعة، وقبول أمره، والإنابة إليه فله من الله الهداية والمنّ والتوفيق.

وقال محمد في موضع آخر: فمن قبل أمر الله، وآثر طاعته، وعلم الله منه صدق النية في ذلك كله كان له من الله العون، والمن الزائد، والتوفيق الزائد، وبذلك سَعِدَ، ومن علم الله منه المعصية، وركوب ما نهاه عنه، وإيثاره هواه على طاعة الله، استوجب من الله الخذلان والترك وبذلك شقي ولم يكن له من الله هداية ولا من ولا توفيق..

قال الحسن ومحمد في كتاب (الجملة): فليس أحد ينال طاعة الله إلا يبدي امتنانه وفضله ورحمته.

قال الحسن ومحمد: وللعباد أفعال وإرادات نسبها الله إليهم، وعلم الله وإرادته ومشيئته محيط بإرادتهم ومشيئتهم فلا يكون منهم إلا ما أراد وعلم أنه كائن منهم..]

وقال الحسن: [ ولله أن يضل من شاء من عباده، ولا يظلمهم لأنهم عبيده، وملكه فيفعل فيهم ما يشاء بسبب البلوى والاختبار، وبغير سبب البلوى والاختبار، كما يشاء، ثم لا يكون ذلك ظلما منه لعبيده، بل له أن يفعل ما يشاء وليس لأحد أن يدخل على الله في علمه، ولا يسأله عما يفعل وهم يسألون.

وقال الحسن ومحمد في موضع آخر:

[ فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام، فيحبب إليه الإيمان، ويجعل في قلبه نورا يقبل به الإسلام، ويُخطر على قلبه الخير، ويزين في قلبه التقوى منّا منه على عباده ورحمة وفضلا، ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصّعّد في السماء، فمن لم يكن له من الله نور فما له من نور، قال الله عزو جل: (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون) الأنعام110.. قال الحسن: وقال سبحانه (ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قُبُلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون) الأنعام111

وقال محمد بسنده.. عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث طويل جاء فيه.. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أروي حديثي عن الله سبحانه قال الله تبارك وتعالى: وبمشيئتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء، وبإرادتي كنت أنت الذي تريد لنفسك ما تريد، وبفضل نعمتي قويتَ على معصيتي، وبعصمتي وبعافيتي وبقوتي أدّيتَ إليَّ فرائضي، أنا أولى بإحسانك منك، وأنت أولى بذنبك مني..)

وفي السياق نفسه ذكر ابن الوزير أن الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة، والإمام الناصر المشهور بصلاح الدين، وابنه الإمام المنصور علي بن محمد الناصر خالفوا المعتزلة – بالإضافة إلى من سبق ذكرهم في كتابه- ودانوا بقدرته سبحانه على هداية من يشاء اختيارا منهم.

3/ القرآن كلام الله: (5)

وفي كتاب العواصم والقواصم، أورد ابن الوزير ما يلي:

[ قال أبو محمد بن علي الحسني بسنده: إن القاسم كتب إلى عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن يسأله عن القرآن فكتب عبد الله: نحن نرى ان الكلام في القرآن بدعة اشترك فيها السائل والمجيب فتعاطى السائل ما ليس له وتكلف المجيب ما ليس عليه فانته بنفسك والمختلفون في القرآن إلى أسمائه التي سماه الله بها تكن من المهتدين، ولا تسم القرآن بأسماء من عندك فتكون من الذين يلحدون في أسمائه، سيجزون ما كانوا يعملون].

4- القرآن كلام الله عند أهل البيت وموافق لأهل السنة:(6)

كان أهل البيت أول من تصدى لبدعة القول بخلق القرآن، وأول المنكرين ويقولون كما في (الجامع الكافي) كتاب الزيادات…( لا رحم الله ابن أبي دواد كان الناس على جملة تؤديهم إلى الله عز وجل فطرح بينهم الفرقة- يعني حين أظهر المحنة في القرآن).

وفيه أيضا: [ قال محمد في كتاب أحمد: ذاكرت عبد الله بن موسى في قول من يقول: القرآن مخلوق فقلت: أدركت أحدا من آبائك يقول به؟ قال: لا].

وفي الجامع الكافي أيضا: سألنا عبدالله بن موسى بن عبد الله فقلنا له: ما تقول في القرآن؟ قال: من زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر لأن الله عز وجل يقول: [ وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله].

وفي رواية في الجامع الكافي أنه قال: القرآن كلام الله ليس بمخلوق.

وفي رواية أخرى قيل له: إن عندنا قوما يقولون إنه مخلوق، ويقولون من لم يقل إنه مخلوق فهو كافر قال: هم أولى بالكفر].

وقال محمد في الجملة: [ سألت القاسم بن إبراهيم عن القرآن فقال: كلام الله ووحيه وتنزيله لا يجاوز هذا إلى غيره، وهكذا كان أسلافنا].

وبسنده: سألت القاسم بن إبراهيم عن القرآن وأخبرته بما روي عن زيد بن علي: إنا لا نشبه بالله أحدا ولا نقول لكلام الله مخلوق فقال: هكذا أقول.

وبسنده عن علي بن الحسين أنه سئل عن القرآن فقال: كلام الله وكتابه لا أقول غير ذلك؟

وبسنده سألت جعفر بن محمد عن القرآن: خالق أو مخلوق؟ قال: لا خالق ولا مخلوق ولكنه كلام الله.

وقال في الجامع الكافي: [ إن القرآن كلام الله غير مخلوق، وقال ذلك من أئمة العترة: زيد بن علي، وجعفر الصادق، وعبد الله بن موسى، والحسن بن يحيى وغيرهم ممن محكاه عنهم محمد بن منصور.

ج/ محمد بن منصور/ الجامع الكافي:

نقل عنه ابن الوزير في العواصم والقواصم، ما يلي:

1- خروج الموحدين من النار:(7)

وفي الجامع الكافي في مذهب الزيدية عن محمد بن منصور في القول من مات على كبيرة أنه قال: [ والمؤمن المذنب لله سبحانه فيه المشيئة: إن غفر له فبفضله وإن عذب فبعدل]. وفي كتاب (علوم آل محمد) ويعرف أيضا بأمالي أحمد بن عيسى، تأليف منصور بن محمد من حديث علي بن أبي طالب عليه السلام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ في دبر كل صلاة مكتوبة مئة مرة: قل هو أحد جاز الصراط يوم القيامة وهو مطلع النار، من رآى فيها دخلها بذنب غير شرك أخرجه فأدخله الجنة.

د/ الإمام محمد بن إبراهيم الوزير ت840هـ):

يقرر ابن الوزير هذه التقريرات المهمة عن عقيدة قدماء أهل البيت، وعلى النحو التالي:

1- اختلاف قدماء أهل البيت ومتأخريهم في مسائل العقيدة:(8)

أكد ابن الوزير في كتابه الشهير (العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم) عن وجوب التمييز بين المتقدمين والمتأخرين من أهل البيت في مسائل العقيدة، فقال في معرض نفي القول بإجماع آل البيت على خلق القرآن:

[ إن هذا غير صحيح على الإطلاق؛ لأن أهل البيت عليهم السلام متقدمون ومتأخرون، فأما الصدر الأول من المتقدمين فمنهم من صرح بمثل مذهب أهل الأثر (أي أهل السنة)، ومنهم من لم ينقل عنه نفي ولا إثبات.. وأما المتأخرون منهم فقد صار في كل فرقة وقطر من فرق الإسلام وأقطاره منهم طائفة فيهم العلم ووراثة النبوءة….. وتعذر معرفة إجماعهم..].

شبهة تأخر تدوين السنة النبوية

2- قدماء أهل البيت مجمعون على مذهب أهل السنة:(9)

– وقال أيضا:[ ذكر السيد الشريف الإمام العلامة أبو عبد الله محمد علي بن عبد الرحمن الحسني العلوي في كتابه (الجامع الكافي) في مذهب الزيدية عن قدماء أهل البيت عليهم السلام ما يدل على إجماع قدماء آل البيت في المئة الأولى والثانية وأكثر الثالثة؛ وهي القرن الثالث؛ على صريح مذهب أهل السنة، والحمد لله على وجود ذلك في كتب الزيدية وخزان أئمتهم ورواية ثقاتهم.].

– وفي معرض تفنيد كلام شيخه عن انقطاع الاجتهاد والمجتهدين بعد الإمام الشافعي قال:[ السيد الإمام العلامة الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد ين علي عليهم السلام كان إمام الزيدية في الكوفة – ذكره محمد بن منصور- وإنه ممن أجمعت عليه الفرق، وله مذاهب في الفروع كلها مذكورة في كتاب/ الجامع الكافي على مذهب الزيدية، وهو كثير الموافقة لأهل السنة في الفروع والأصول..].(10)

3- مذهب أهل البيت في الصفات موافق لأهل السنة: (11)

– أوضح ابن الوزير أن مذهب قدماء أهل البيت في صفات الله تعالى هو مذهب أهل الحديث كما ورد عنهم في نصوص كثيرة صنفها محمد بن منصور الكوفي في كتابه المعروف (الجملة والألفة) في النهي عن الخوض في صفات الله وعلم الكلام وهو موقف أهل السنة.. وهو أمر مشهور عن أهل البيت موجود في كتبهم عن الإمام علي بن أبي طالب في وصيته لولده الحسن، وأشهرها رده على من سأله أن يصف له الله تعالى كما جاء في أمالي أبي طالب ونهج البلاغة: [ فعليك أيها السائل بما دل عليه القرآن من صفته..].

وقال ابن الوزير: [ وقد أشار جملة جلة من أهل البيت عليهم السلام إلى الاقتصار على الجمل في العقائد، ومنعوا من التعمق في علم الكلام، والخوض فيه.. وصرحوا بتضليل المعتزلة، والجبرية، والغلاة، والروافض، والنواصب، وأمثالهم، وصنفوا في ذلك الكتب، وقالوا فيه الأشعار والنخب مثل الإمام/ يحيى بن منصور العفيف بن مفضل وعدد كبير من علماء أهل البيت..].. وقد ذكرهم ابن الوزير بأسمائهم ومؤلفاتهم.

4- مذهب أهل البيت في الوعيد موافق لأهل السنة:(12)

وفي معرض تفنيد ابن الوزير لمبدأ الوعيد يقول: [ ومما يوضح مخالفة أهل البيت للمعتزلة في مسألة الوعيد أن النقلة لمذهبهم في الفروع اتفقوا على أن الإسلام عند أهل البيت وكثير منهم شرط في وجوب العبادات الشرعية كالصلاة والزكاة والحج والصوم، ونقلوا عنهم صحة الصلاة على الفاسق صاحب الكبيرة إذا كان من أهل الشهادتين المصدقين بالله ورسله، وهذا يستلزم الحكم بأنه مسلم، والمعتزلة تمنع من إطلاق اسم المؤمن على صاحب الكبيرة..].

وخلاصة الأمر عند ابن الوزير:(13)

[ كان مذهب سلف الامة وأئمتها إثبات ما وصف الله به نفسه من الصفات، ونفي مماثلته لشيء من المخلوقات].  ويندرج بالضرورة ضمنهم قدماء أئمة أهل البيت والعترة فهم من سلف الأمة وأئمتها.

هـ/ العلامة والمؤرخ/ يحيى بن الحسين بن القاسم بن محمد:

- موافقة قدماء أهل البيت مع قول الصحابة:(14)

[ كان السلف من أهل البيت قبل استقرار المذاهب مجتهدين مستقلين، ومنهم راجعون إلى غيرهم من الصحابة والتابعين في زمانهم، فما زالوا كذلك مدتهم. والمجتهدون مثل الحسنين وأولادهم كعلي بن الحسين، والصادق والباقر وزيد بن علي، وكانوا في الأصول الدينية على قول واحد حسبما كان عليه سيد البرية وأصحابه، وأما الفروع فيختلفون فيها بحسب اجتهادهم كما تضمنه كتاب الجامع الكافي في فقههم وأصول دينهم..].

و/ العلامة أحمد بن عبدالله الجنداري:

- قدامى أهل البيت يقولون بالصفات على ظاهر القرآن: (15)

ورد في كتاب(هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول الجامع لمعقول أدلتها والمنقول وما اختاره الأئمة من آل الرسول) للحسين بن القاسم بن محمد (999ه-1050ه)، إشارة من خط العلامة أحمد بن عبد الله الجنداري، عن عقيدة آل البيت في الصفات، وهذه العبارة جاءت تعليقا وتحفظا على نسبة بعض الآراء العقائدية في نفي الصفات والأحوال على طريقة المعتزلة إلى جماهير أئمة آل البيت:

[ يقال إن أريد قدماء أهل البيت كزيد بن علي والباقر ونحوهم فلم يسمع عنهم من ذلك نفي ولا إثبات بل يقولون بالصفات على ظاهر القرآن.. وإن أريد من بعد الثلاث مائة فمنهم من أثبت الحال ونفى الصفات كقول الشيخين أبي علي وأبي هاشم، ومنهم من أثبت أحوال اعتبارية كقول أبي الحسين، ومنهم من نفى الكل وقال: الصفة هي الذات، ولذا روى الحقيني والفقيه حميد عن أهل البيت اتفاقهم على إثبات الأحوال..].

ز/ مصلح اليمن ابن الأمير الصنعاني

عقيدة أهل البيت هي عقيدة أهل السنة:(16)

ولابن الأمير الصنعاني رسالة علمية يجيب فيها عن أسئلة وردته حول مذهب آل البيت في عدة مسائل من أعمال الصلاة وهي: الرفع، والضم، والتوجه بعد التكبير، والدعاء والتأمين، والقراءة خلف الإمام، والإشارة في التشهد، والتورك، وأبان فيها أن لا مسألة منها إلا وقد قال بها من أئمة الزيدية قائل بدءا من الإمام زيد إمام المذهب، وعلى خلاف ما هو معلن أنه مذهب آل البيت، ولخص جوابه في أبيات شعرية قال فيها:

لا عذر للزيدي في تــــــــــــــــــــــركه

في الرفع والضم وإحرامه

مكبــــــــــــــرا قبل الدعا إنـــــــــــــه 

مذهب زيــــــــــد عند إعلامه

وقــــــــول آميـــــــــــــن له مذهب

قال بذا عـــارف بأحكامه

فاعمل بذا إن كنت من حزبه 

واطـــــــــــــــــــرح اللـــــــــــــــــــــوم للوّامــــــــــــــــــــــــــه

وما يهمنا من هذه الرسالة هو المقدمة التي بدأ بها ابن الأمير رسالته، فقد أشار فيها إلى حقيقة انتشار أولاد الحسن والحسين ابني علي رضي الله عنهم في أصقاع المعمورة، وتفرقهم في كل أرض، مما يعني أنهم ليسوا محصورين في نطاق المذهب الزيدي حسبما يتوهم البعض فقد توزعوا على كل المذاهب والنحل، منبها إلى أن أهل البيت لم يكونوا بعيدين أو مجانبين لمذاهب أهل السنة، أو كما جاء في رسالته:

[ ومنهم من بقي على مذهب الزيدية وهم الأقلون (!).. والأكثرون منهم صارت كل طائفة من الطوائف فيهم في أي قطر من أقطار الدنيا فإنهم في مذاهبهم الدينية على رأي من هم فيهم إلا القليل.. فإن الأدارسة في المغرب مالكية المذهب، وكل مذهب هو في ديار الروم وغيرها، والهند حنفية وحنابلة وهؤلاء آل باعلوي جميعهم شافعية وهم أمة كثيرة..].

وكان العلامة ابن الوزير قد أشار بتوسع إلى مثل هذا التقرير في كتابه/ العواصم والقواسم ومن الفائدة الاطلاع عليها في الجزء الثاني ص19 عند تفنيده لفكرة إجماع العترة لتعذره!

ح/ العلامة صالح بن محمد المقبلي:

1- مذهب السلف إطلاق ألفاظ الصفات كما وردت: (17)

ذكر في كتابه العلم الشامخ قصة لقاه بشاب مغربي في الحرم المكي، فسأله الشاب عن قوله في الصفات، وفي خلق الأفعال، وفي خلق القرآن، فأوضح له المقبلي عقيدته وأنها موافقة لعقيدة السلف ويندرج بالضرورة ضمن هذا المصطلح أوائل أئمة أهل البيت.. قال:

[ أما الصفات، ومنها مسألة التكلم، فمذهبي مذهب السلف الأول فقد علمت مدلول: عالم وقادر ومتكلم مثلا لغة، وأطلق الألفاظ كما وردت، وما عدا ذلك حادث أطلب الدليل على جواز البحث عنه وأنه من الدين، وأرى ذلك مخاطرة تنافي الورع..].

moon light shine through window into islamic mosque interior براءة أئمة أهل البيت من مبادئ المعتزلة (الجزء الثالث)

ط/ شيخ الإسلام محمد بن علي الشوكاني

مذهب السلف: إقرار الصفات على الظاهر:(18)

في كتابه/ التحف في مذاهب السلف رد الشوكاني عن سؤال ورده حول آيات الصفات وأخبارها اللائي نطق بها الكتاب العظيم، وأفصحت عنها سنة الهادي إلى صراط مستقيم، وهل إقرارها وإمراها وإجراؤها على الظاهر بغير تكييف ولا تمثيل ولا تأويل ولا تعطيل عقيدة الموحدين وتصديق بالكتاب المبين واتباع بالسلف الصالحين أو أنه مذهب المجسمة؟ وما حكم من أوّل الصفات ونفى ما وصف الله به نفسه ووصفه به نبيه وتأيد بالنصوص واتفق عليه الخصوص من أن الله سبحانه في سمائه مستو بائن عن خلقه، وعلمه في كل مكان، والدليل آيات الاستواء والصعود والرفع وقوله تعالى:( أإمنتم من في السماء..).

وقد أجاب الشوكاني بتفصيل كبير نأخذ منه خلاصة رأيه في عقيدة السلف التي أكد أنها عقيدة الجميع في القرون الثلاثة الأولى الخيرية، وبمن فيهم بالضرورة أئمة آل البيت الذين كانوا من ضمن الصحابة والتابعين وتابعيهم في تلك الفترة. وهو وإن لم يذكر أئمة آل البيت صراحة إلا أنهم يندرجون ضمن مصطلح الصحابة والتابعين وتابعيهم، وما كان الشوكاني قادرا يومها على الإشارة إليهم بصراحة في زمن هيمنة الفكر الهادوي في الدولة القاسمية والإعلان أن عقيدتهم تخالف عقيدة الهادوية في اليمن، لكن الشوكاني أصدر حكمه على طريقته المعروفة في تفكيك المنظومة الفكرية المهيمنة بذكاء وهدوء ودون مباشرة كإشارته مثلا للمعطلة ويقصد بهم المعتزلة الذين هم شيوخ الهادوية في العقيدة ومعتمدهم فيها (استخدام مصطلح المعطلة مقصود كما يبدو لأن القوم يسمون مذهبهم في الصفات توحيدا ولا يقرون أنه تعطيل)، ودون منح معارضيه والكارهين له من المتعصبين المذهبيين والعنصريين فرصة للنيل منه بدعوى محاربته للمذهب والعداء لآل البيت، وهي التهم الجاهزة التي توجه لكل من ينخلع من إسار المذهب ومقولاته الخاطئة استنادا للدليل الصحيح، وتوردهم إما السجن وإما النزوح من البلاد أو التعرض لتهجمات السفهاء من العامة الذين يحرضهم المتعصبون ضد العلماء الرافضين للتقليد.

وقد شنع الشوكاني في جوابه على تجاوز الخائضين في علم الكلام في أبواب لم يأذن الله لهم بدخولها(راجع خطبة الأشباح للإمام علي)، ومحاولتهم بشيء استأثر الله بعلمه.. ومع أنه أقر بأن مقصد بعض الخائضين كالمعطلة والجبرية كان صحيحا (أي رغبتهم في تنزيه الله) إلا أن الغلو القبيح أوصلهم إلى الضلال والإضلال حتى قال بعضهم إن الله تعالى لا يعلم من نفسه أكثر مما نعلم عنه!

وفيما يلي خلاصة جوابه:

[ الحق الذي لا شك فيه ولا شبه فيه هو ما كان عليه خير القرون ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، وقد كانوا (رحمهم الله) وأرشدنا إلى الاقتداء بهديهم يمرون أدلة الصفات على ظاهرها، ولا يتكلفون علم ما لا يعلمون، ولا يتأولون، وهذا المعلوم من أقوالهم وأفعالهم، والمقرر من مذاهبهم لا يشك فيه شاك ولا ينكره منكر ولا يحاول فيه مجادل إن إمرار أدلة الصفات على ظاهرها هو مذهب السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم.

إن مذهب السلف من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين وتابعيهم هو إيراد أدلة الصفات على ظاهرها من دون تحريف لها ولا تأويل متعسف لشيء منها ولا جبر ولا تشبيه ولا تعطيل يفضي إلى كثير من التأويل.. وكان في القرون الفاضلة الكلمة في الصفات متحدة، والطريقة هم جميعا متفقة؛ فمن قال إنهم تلبسوا بشيء من هذه المذاهب الناشئة في الصفات أو في غيرها فقد أعظم عليهم الفرية!

ي/ شيخ الإسلام أحمد بن تيمية

ابن تيمية مؤرخ الفرق البارع والدقيق في تسجيل آرائهم – على حد وصف د. علي سامي النشار- يؤكد مرارا في موسوعته (منهاج السنة) أن أئمة آل البيت الأوائل كانوا على مذهب أهل السلف، ولم يكونوا معتزلة ولا قدرية، ويصفهم كثيرا بصفات الفضل، والصدق، والتحقق بالإيمان، والتقوى، أو كما يقول وهو ينزهم عن كلام الروافض من إباحتهم للتقية:

[ الرافضة تجعل هذا – أي – من أصول دينها، وتسميه التقية، وتحكي هذا عن أئمة آل البيت الذين برأهم الله عن ذلك حتى التقية يحكوا عن جعفر الصادق أنه قال: التقية ديني ودين آبائي، وقد نزه الله المؤمنين من أهل البيت وغيرهم عن ذلك، بل كانوا من أعظم الناس صدقا وتحقيقا للإيمان، وكان دينهم التقوى لا التقية..].(19)

وقد قرر ابن تيمية أيضا أن:

-[ لا نسلم أن الإمامية أخذوا مذهبهم عن أهل البيت: لا الاثنا عشرية ولا غيرهم بل هم مخالفون لعلي رضي الله عنه وأئمة أهل البيت في جميع أصولهم التي فارقوا بها أهل السنة والجماعة: توحيدهم وعدلهم وإمامتهم، فإن الثابت عن علي رضي الله عنه وأئمة أهل البيت من إثبات الصفات، وإثبات القدر، وإثبات خلافة الخلفاء الثلاثة وإثبات فضيلة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وغير ذلك من المسائل، كله يناقض مذهب الرافضة، والنقل بذلك ثابت مستفيض في كتب أهل العلم، بحيث إن معرفة المنقول في هذا الباب عن أئمة أهل البيت يوجب علما ضروريا بأن الرافضة مخالفون لهم لا موافقون لهم..]. (20)

– يلقي ابن تيمية مسؤولية الانحراف الذي حدث لدى الشيعة عن عقيدة أئمة آل البيت الموافقة لأهل السنة على عاتق بعض الشخصيات الشيعية:

[ كان متكلمو الشيعة كهشام بن عبد الحكم، وهشام الجواليقي، ويونس بن عبد الرحمن القمي، وأمثالهم يزيدون في إثبات الصفات على مذهب أهل السنة بما يقوله أهل السنة والجماعة فلا يقنعون من القول بأن القرآن غير مخلوق، وأن الله يرى في الآخرة، وغير ذلك من مقالات أهل السنة والحديث حتى يبتدعوا في الغلو في الإثبات والتجسيم، والتبعيض والتمثيل ما هو معروف من مقالاتهم التي ذكرها الناس، ولكن في أواخر المائة الثالثة دخل من دخل من الشيعة في أقوال المعتزلة كابن النوبختي صاحب كتاب الآراء والديانات وأمثاله، وجاء بعد هؤلاء المفيد بن النعمان وأتباعه، ولذا نجد المصنفين في المقالات كالأشعري لا يذكرون عن أحد من الشيعة أنه وافق المعتزلة في توحيدهم وعدلهم إلا عن بعض متأخريهم وإنما يذكرون عن قدمائهم التجسيم، وإثبات القدر وغيره..].(21)

-[ شيوخ الرافضة كالمفيد، والموسوي، والطوسي، والكراجكي وغيرهم أخذوا ذلك – أي مسائل القدر والتعديل والتجويز على مذهب المعتزلة- من المعتزلة وإلا فإن الشيعة القدماء لا يوجد في كلامهم شيء من هذا..].(22)

– [ إنهم (يقصد الاثني عشرية المتأخرين) في توحيدهم موافقون للمعتزلة وقدماؤهم كانوا مجسمة، وكذلك في القدر هم موافقون للمعتزلة فقدماؤهم كان كثير منهم يثبت القدر..].(23)

وفي منهاج السنة؛ مايز ابن تيمية عند ذكر فرق الشيعة  بين الروافض من جهة وبين الزيدية من جهة أخرى؛ أي الزيدية الذين كانوا على عقيدة أوائل آل البيت وزيد بن علي بالضرورة الذي ينتسبون إليه، وخاصة من كانوا في العراق؛ بل كان كثيرا ما يميز الزيدية عن الشيعة كتيار إن كان يقصد بهم الروافض الإمامية، فالزيدية عنده ليسوا من الروافض؛ فقد أشار إلى من كانوا في زمنه أكثر مرة باحترام وتقدير الأمر الذي يدل على أنه لم يكن يجد في أصول مذهبهم ما يستحق النقد أو الرفض، ولو كانوا على عقيدة الاعتزال التي طالما نقدها ابن تيمية وعدها من مذاهب البدعة لما كان خصهم بذلك المديح وهو المعروف عنه شدته في مثل هذه الحالات.(24)

ولعله مما يعضد ما ذكرناه أن ابن الوزير اليمني كان يستند كثيرا في (العواصم والقواصم) في تأكيد اختلاف أصول مذهب قدامى أئمة آل البيت عن أصول المعتزلة وهادوية اليمن على كتاب/ الجامع الكافي في علوم الزيدية للإمام أبي عبد الله محمد بن علي بن الحسن بن علي بن الحسين بن عبد الرحمن الحسني، ويشير كثيرا إلى محمد بن منصور الكوفي الشيعي محب آل البيت وراوية مذاهبهم في كتب له (مثل علوم آل محمد والجملة والألفة) ويورد منها من عقائد آل البيت كثيرا مما يخالف أصول المعتزلة ويوافق عقيدة أهل السنة، وقد أسهب ابن الوزير في النقل من ذلك مما يعضد كلام ابن تيمية عن فريق من الزيدية مما لا يتسع المقام هنا لإيراده.

الإمام زيد وأئمة آل البيت من عقيدة الاعتزال 3 براءة أئمة أهل البيت من مبادئ المعتزلة (الجزء الثالث)

ك/ الشيخ محمد أبو زهرة

في كتاب الشيخ أبي زهرة/ تاريخ المذاهب الإسلامية في السياسة والعقائد وتاريخ المذاهب الفقهية يورد التالي من الآراء المنسوبة لجعفر الصادق:

– [الروايات التي يذكرها علماء الملل والنحل المتشيعون وغير المتشيعين تبين أن الإمام الصادق كان يؤمن بالقدر خيره وشره، وأنه لا جبر، وأن هناك اختيارا وتوفيقا من الله..].

وينقل عن الشهرستاني في الملل والنحل دون اعتراض على قوله:

– [ السيد الإمام الصادق بريء من الاعتزال والقدر..]. (25)

–  [ وإذا كان ما ينقله الشيعة الاثناعشرية عن آل البيت صادقا فإنه يكون من الثابت(!) أنهم لا يرون في القدر وأفعال العباد غير ما ترى المعتزلة(!) اللهم إلا إذا قلنا إن الإمام محمد الباقر خاصة ما كان يرى رأي المعتزلة!].(26)

والملفت للنظر هنا أولا أن الشيخ زهرة لم يجد نصوصا ثابتة للباقر وابنه جعفر الصادق يعتمد عليها في تقرير عقيدتهما، فاعتمد على ما يقوله مؤرخو الملل والنحل دون تحديد أسماء، ثم على أقوال للاثني عشرية، وهو يعلم مدى الخلط والتزوير الذي يمارسه الاثناعشرية في كلامهم!

وثانيا أن الشيخ وهو ينقل براءة محمد الباقر ومن قبله جعفر الصادق من فكر الاعتزال أو عدم موافقتهما لهم في مسائل عقائدية مهمة؛ لا يتوقف ليقول لنا من هم إذن أهل البيت الذين من الثابت أنهم كانوا على رأي المعتزلة في القدر وأفعال العباد وهما من أخطر قضايا الخلاف، طالما أن إمامين كبيرين جليلين بإقراره من قدماء أئمة آل البيت لا يتفقان فيها معهم! ولا يتوقف ليستنبط من ذلك أن عقيدة آل البيت لا بد أن تكون مختلفة مع المعتزلة، ولا يسعى لاستنتاج شيء من ذلك فيما يتعلق بمذهب زيد الذي أورد أن معظم آرائه كانت تختلف مع عقيدة المعتزلة! وهل كان متفقا مع شقيقه وشيخه ومربيه وابن أخيه أم لا؟ وهل يمكن أن يخالف الباقر والصادق عقيدة آبائهم والأول منهم وارث علم أبيه علي بن الحسين وشيخ زيد نفسه؟!

وليس من شك أن الشيخ (أبوزهرة) قد اعتمد دون تمحيص ما يردده الهادوية في كتبهم – التي وصلت إليه ربما منهم عند إعداد كتابه عن زيد وخاصة ما يورده المرتضى في المنية والأمل – ومؤلفو بعض كتب الفرق الإسلامية عن عقيدة زيد وقدماء آل البيت دون تمحيص، ولعل هذا هو الذي جعل كلامه مضطربا كمحاولة نفي تلمذة زيد على عطاء بن واصل المعتزلي( وهو النفي الذي عليه يصر الهادوية) بحجة أنه أخذ الاعتزال من آبائه ومن بيته فيما تلقاه من علوم الحديث والفقه والقرآن، متجاوزا ما يثبته هو نفسه عن مخالفة الباقر والصادق للمعتزلة بل اشتهار عداء الصادق لهم عداء جعل المعتزلي الشهير القاضي/ عبد الجبار لا يضع اسمه ضمن كتابه عن طبقات المعتزلة التي أدخل فيها عددا كبيرا من الصحابة والتابعين وآل البيت!

ل/ د. علي محمد زيد

في دراسته المتميزة عن دولة الهادي وفكره أثبت د. علي زيد رأيه في عدم وجود علاقة فكرية بين المعتزلة وبين أئمة أهل البيت المتقدمين بمن فيهم الإمام زيد نفسه: (27)

– [ أول أثر معتزلي نعثر عليه في أعمال وصلتنا من أئمة الزيدية هو ما نجده في أعمال القاسم بن إبراهيم.. مع عدم وجود اعتراف صريح أنه صار معتزليا! ].

– [.. الهادي يحيى بن الحسين وهو من أهم أئمة الزيدية يدخل المعتزلة في عداد الفرق الهالكة أي أنه يكفرهم….].

ويصف زيد هذا الحكم الغريب للهادي مؤسس الهادوية وتلميذ المعتزلي الشهير أبي القاسم البلخي بأنه دليل على أن العلاقة بين المعتزلة والزيدية قد لا تكون بدأت بواسطة زيد وإنما في وقت متأخر].

– [ تكتسب أفكار القاسم أهمية كبيرة لأنها أول دليل  بين أيدينا عن التلاقي بين الزيدية والمعتزلة..].

– [ القاسم بن إبراهيم الرسي الذي أخذ تسمية الأصول الخمسة من المعتزلة حذف أصل المنزلة بين المنزلتين.. أما الهادي فقد أخذ هذا المبدأ من المعتزلة لكن موقفه منه اختلف في مرحلتين في الأولى جعل هذه القضية أحد الأصول الخمسة وأفرد لها رسالة منفردة سماها: المنزلة بين المنزلتين، وفي الثانية أسقطها من الأصول الخمسة..].(28)

02 01 براءة أئمة أهل البيت من مبادئ المعتزلة (الجزء الثالث)

م/ المستشرق الألماني/ ويلفريد ماديلونغ:

أجرت معه صحيفة البلاغ الهادوية الجارودية حوارا قال فيه عن العقيدة الزيدية:

[ الزيدية الأوائل في الكوفة كانوا أقرب إلى مذهب القدرية وفكرة القضاء والقدر.. والإمام القاسم بن إبراهيم هو أول مفكر زيدي يؤيد العدلية ثم بعد القاسم عم العدل والتوحيد عند الزيدية.]. (29)

( ملاحظة للتنبيه: الإشارة إلى أن زيدية الكوفة كانوا أقرب إلى القدرية يقصد به الإيمان بالقضاء والقدر (الذي يصفها خصوم السنة بأنه الجبر) وليس تيار القدرية التي هي عنوان المرحلة الأولى من الاعتزال عند خصومهم، وقد تبادل المعتزلة وأهل السنة إطلاق لقب القدرية على بعضهم بعضا فقد كانت تهمة وفقا للأثر: القدرية كلاب أمتي..).

ن/ د. علي سامي النشار

عن وضع المعتزلة لآل البيت ضمن طبقات رجال المعتزلة يقول النشار في كتابه نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام:

– [ لم يكن علي بن أبي طالب قدريا على الإطلاق بل كان سلف أهل السنة والجماعة الكبير كما كان إخوانه من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم..]. (30)

– [ جعفر الصادق لم يكن قدريا بل هو إمام أهل السنة والجماعة، والمحدث الذي تابع القرآن والسنة في تفسيرهما الصحيح، وكل ما ذكر من آرائه إنما هو سلف لأهل السنة والجماعة، والشيعة الإمامية الاثني عشرية التي اتخذت العدل والتوحيد وعقائدها الرئيسية فإنها تخرج عن آراء هذا الإمام العظيم الذي لم يخالف عقيدة أهل السنة والجماعة]. (31)

وعن الإمام جعفر الصادق ومدرسته يقول:

[ ما أبعد أراء جعفر الصادق الكلامية وما أبعد فقهه عن آراء وكلام وفقه الاثني عشرية بعد وفاة أو اختفاء الإمام الثاني عشر وتكوّن عقائد الشيعة الاثني عشرية..]. (32)

[ كان رجالها الكبار أبعد فكريا ومنهجيا عن مدرسة المعتزلة التي اختلطت عقائدها في وقت متأخر بعقائد الاثني عشرية.. لقد كان العمل الأساسي لهذه المدرسة معارضة المعتزلة بالذات، ومجادلة أهل الاعتزال بكل وسائل الجدل..]. (33)

ص/ د. أحمد محمود صبحي:

يشير في كتابه (الزيدية) أن سليمان بن جرير – أحد أبرز رجال الزيدية الأوائل ذوي الصلة المباشرة بالإمام زيد- لم يكن متفقا مع المعتزلة في بعض مبادئهم، أو على حد قوله:

[ سليمان بن جرير كان لا يوافق المعتزلة على أن الصفات هي الذات، وأن علم الله هو الله؛ بل كان يقول: إن علم الله لا هو الله ولا هو غيره..].(34)

ويقول صبحي عن القاسم الرسي جد مؤسس المذهب الهادوي، ومن تكررت الإشارة إليه أنه أول من تبنى مباديء الاعتزال من أئمة أهل البيت:

[ خالط علماء المذهب الحنفي في الفقه، وشيوخ المعتزلة في الأصول]. (35)

ومن الواضح أنها عبارة مهذبة بديلة عن تأثر الرسي وتلمذته على يد شيوخ المعتزلة في الأصول، وفقهاء الأحناف في الفقه، وأخذه مذاهبهم.

ط/ الباحث الأستاذ/ علي أحمد مجمل

سبق الإشارة في الحلقة السابقة إلى استشهاداته في كتابه الحدائق الوردية من مصادر زيدية في الجزء الأول على براءة عقيدة الإمام زيد بن علي من عقيدة المعتزلة، وهي نفسها تصلح أيضا للاستشهاد بها على براءة أئمة آل البيت من عقيدة المعتزلة، فيمكن الرجوع إليها.(36)

الهوامش:

  1. نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، ص161، جزء2، مصدر سابق.
  2. نهج البلاغة، خطبة الأشباح، ص74-75.
  3. العواصم والقواصم، ص 317، الجزء 2.
  4. المصدر السابق، ص125 وما بعدها، جزء2.
  5. آراء أئمة آل البيت في مسألة خلق القرآن: المصدر السابق، ص123 وما بعدها، جزء2.
  6. المصدر السابق، ص 317.
  7. المصدر السابق، ص 456-457، الجزء الثالث.
  8. المصدر السابق، ص 123، جزء2.
  9. العواصم والقواصم، ص 317، الجزء 2.
  10. المصدر السابق، ص19، جزء2.
  11. المصدر السابق، ص 753 وما بعدها، جزء1.
  12. المصدر السابق، ص457، جزء3.
  13. المصدر السابق، ص866، جزء1.
  14. المستطاب، 3:1، نقلا عن: حوار حول المطرفية لزيد الوزير والحوثي وعزان، ص 38، مصدر سابق.
  15. هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول لمعقول أدلتها والمنقول وما اختاره الأئمة من آل الرسول، الحسين بن القاسم بن محمد، هامش رقم 7 ص 434 الجزء الثاني، ط2، 1401ه، المكتبة الإسلامية. وقد نسبنا هذا القول للعلامة الجنداري اجتهادا مني في محاولة معرفة من هو صاحبه بسبب أن الطبعة القديمة للكتاب تجعل من الصعب على أمثالي تحديد هويته بسبب وجود أكثر من هامش لأكثر من علامة على الطريقة القديمة.
  16. نقلا عن كتاب/ مصلح اليمن: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني.. دراسة حياته وآثاره، تأليف الشيخ/ عبد الرحمن طيب بعكر، ص 102.
  17. ص70 و71، العلم الشامخ في تفضيل الحق على الآباء والمشايخ صالح بن مهدي المقبلي. اعتنى به وليد عبدالرحمن الربيعي، 2009 طبعة الجيل الجديد.
  18. التحف في مذاهب السلف، محمد بن علي الشوكاني، ص17 وما بعدها، نسخة إلكترونية.
  19. مختصر منهاج السنة، ابن تيمية، ص91، الجزء الأول.
  20. المصدر السابق، ص161.
  21. المصدر السابق، ص27.
  22. المصدر السابق، ص49.
  23. المصدر السابق، ص142.
  24. المصدر السابق، ص 108و393و ص836 جزء2.
  25. تاريخ المذاهب الإسلامية، الشيخ أبو زهرة، ص699، مصدر سابق.
  26. الإمام زيد، ص53، مصدر سابق.
  27. معتزلة اليمن: دولة الهادي وفكره، ص28 وما بعدها، مصدر سابق.
  28. المصدر السابق، ص178.
  29. صحيفة البلاغ، صنعاء، العدد 839.
  30. نشأة التفكير الفلسفي، ص 414، الجزء الأول.
  31. المصدر السابق، ص 415، الجزء الأول.
  32. المصدر السابق، ص161، الجزء الثاني.
  33. المصدر السابق، ص168، الجزء الثاني.
  34. الزيدية، د. أحمد محمود صبحي، ص82، مصدر سابق.
  35. المصدر السابق، ص94.
  36. الحدائق الوردية في بيان حقيقة أصول الدين عند الزيدية، مصدر سابق، بدءا من ص 74 وما بعدها.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى