أشتات

عرش “حكمة يمانية” وماردها

تتَّخذ منصَّة “حكمة يمانية” مِن مصطلح “الحكمة” واسم “اليمن” مركبًا عابرا للأفكار والهُوية، مستلهمة حديث النَّبي -صلى الله عليه وسلم، في وصفه لأهل اليمن: (الإيمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمانية)، في تشكيل هذا الشِّعار المركَّب مِن روح “الحكمة” وجسد “اليمن”، حيث لا يمكن تصًّور روح بلا جسد، ولا جسد بلا روح.

هذا المشروع الرَّئد انطلق منذ عام، ليفتح آفاق التَّنوير والتَّثوير على أساس مِن الرُّؤية الإسلامية بكلِّ ما تحمله مِن هداية وبصيرة، للقضايا المعاصرة التي تهمُّ النُّخب اليمنية في المعترك الفكري والمعرفي والثَّقافي، حيث تشتعل جبهات تشكِّل فيها الأفكار والقيم والمبادئ ميدان الصِّراع والتَّنازع، في حرب موازية لتلك التي يعاني مِنها اليمن أرضًا، لأنَّ الأوطان إذا غزيت اختلَّ كلُّ شيء فيها، وأصبح كلُّ ما فيها مِن هُوية وثقافة وتقاليد وتاريخ ومعاني قابل للقصف والتَّدمير والتَّخريب والنَّهب والسَّلب. وفي حين يكافح جنود الوطن على سفوحه وجباله دفاعًا عنه، يحمل المفكِّرون والعلماء أقلامهم للدِّفاع عن كلِّ ما فوق هذا الوطن وله.

وقد أصبحت هذه المنصَّة “حكمة يمانية” ساحة رحبة، يشيد فيها أبناء اليمن صروح الفكر والمعرفة بلغتهم السَّهلة، وبلاغتهم الفطرية، ووجدانهم المخضرِّ إخضرار أودية اليمن وسهولها، حين يسقيها الغيث. وهي اليوم غنية بجدليَّات الفلسفة، وحفريَّات المعرفة، وتأمُّلات الفكر، وأدبيَّات الذَّوق واللُّغة؛ وهي ثرية بالكتابات الرَّصينة والأقلام المتمكِّنة والمواد المتنوِّعة.

يعرِّف مؤسِّسو “حكمة يمانية” بأنَّه “موقعٌ ثقافي، يُعنى بقضايا الفِكْر، والآداب والفنون، وعوالم المعرفة والعلوم الإنسانية، وتواصل الثَّقافات والحضارات، ويسعى إلى تنميةِ الوعي بالذَّات، وعلاقتها بالآخر، وينشدُ الإسهام في مدِّ الجسور، ومعالجة الظَّواهر الثَّقافية بروحٍ نقدية، وتعزيز المشتركات، وتوسيع الأنظار، واستعادة الدور والفاعلية والحضور، عبر خطابٍ معرفيٍّ وطني إنساني، يساعدُ في إصلاحِ العقل الثَّقافي والارتقاء بمداركه، متجاوزًا للعصبياتِ والهُويّات الضَّيقة، منفتحًا على فضاءاتِ الرُّوح والعقل، وعلى كلِّ ما هو جوهريٌّ ونبيل”. وهو تعريف جامع، ينعكس في عناوين المقالات والبحوث، وفي الصُّور والرُّسومات، وفي اللغة والبيان، وفي هوية المنصَّة البصرية السَّاحرة.

لقد أصبحت المنصَّة منبعًا ثريًا يروي عطش الشَّباب القارئ والمطَّلع والباحث، في قضايا تعصف بهم، وخواطر تتناوشهم، ودعاوى ترفع شعاراتها براقة لكنَّ عوارها بيِّن، فيخرج الشَّباب بعد الإبحار في “حكمة يمانية” وهم أكثر رسوخًا، وأهدأ نفسًا، وأوعى إدراكًا، مؤمنًا أنَّ تراثه الإسلامي جامع مانع، متين راسخ، وأنَّ العقل المسلم الذي يعود إلى منبع الوحي قادر على استلهام خبرة الماضين لتقديم نموذج عصري يلبي ضرورات الواقع واحتياجاته دون إشكال أو قطيعة، لا مع الماضي ولا مع الحاضر.

إنَّ مقالات وأبحاث المنصَّة تسري فيها روح “يمانية” تشع إيمانًا وفقهًا وأدبًا وذوقًا، حتَّى لكأنَّها ترتبط بشريان واحد ينبض في نسيجها المتألِّق بكلمات: ردِّدي أيَّتها الدُّنيا نشيدي! فالعلوم والمعارف إذا صيغت بروعة البيان كانت للعقول نشيدًا تترنَّم به في عالمها الخاص، كما يترنَّم الشُّعراء والمغنُّون بألحانهم.

عام أوَّل، وقد تربَّعت منصَّة “حكمة يمانية” على عرش “الصحافة الإلكترونية”، وأوتيت مِن كلِّ شيء، كمارد خرج يظهر المعجزات في زمن الخسائر والانكسار. وهكذا هم اليمانيُّون.

أنور الخضري

كاتب وباحث يمني مهتم بالقضايا السياسية والشأن اليمني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى