أكبر أكذوبة وخدعة قبِلَ بها العرب والمسلمون بعد سقوط الخلافة الاسلامية وعاشوها حقيقة وحلمًا وكانت وبالًا عليهم في ماضيهم وحاضرهم وستكون كذلك في مستقبلهم _ مالم يفيقوا من سكرتهم _ هي:
إعطاء ما يسمى القانون الدولي الأممي وميثاقه الشَّرعية والمصادقة عليه في برلمانات بلدانهم دون قيدٍ أو شرط خاصَّة القانون المتعلق بمجلس الأمن الدولي الذي أسسَ على ميزان القوى بعد نهاية الحرب العالمية الثَّانية عام 1945 م .
لقد أسس ذلك الميثاق ( الأعوج والأهوج ) في جوهره على العنصرية المقنعة للعرق الأبيض على غيره من الأعراق .
كما أسس على حياة الرفاهية لدول الشمال على حساب دول الجنوب إلا ما قل؟!!.
ولا تزعج مسامعك _ أخي القارئ _ بأهداف الأمم المتحدة فهي أكذب ما كتب على ظهر البسيطة بعد الكفر بالله والحرب على أنبيائه وحملة دينه.
والسؤال هنا:
ما الفائدة من مجلس أمن لا تطبق قراراته إلا على الدول الضَّعيفة والشُّعوب المضطهدة .
وما الفائدة من بيانات وقرارات يتم إسقاطها بكل تبجح وغرور وعنجهية من الدول الاستعمارية والمتوحشة في مجلسِ الأمن أو في مجلس حقوق الإنسان بمجرد رفع اليد (بالفيتو).
ولمزيدٍ من إيضاح الفكرة:
تصور أخي القارئ الكريم، هذا الفيتو العنصري الخبيث هو الذي حمى دولة الاحتلال الصهيوني منذ بداية الاحتلال في عام 1948م وحتى مجازر غزة الان عام 2023 م .
وهذا الفيتو هو الذي حمى مجازر الصرب إلى انتهاء مهمتها في البوسنة والهرسك في الثمانينات من القرن الماضي .
وهذا الفيتو هو الذي استبيحت به الدماء والحرمات في مجازر صبرا وشاتيلا في لبنان كذلك في الثمانينات السابقة .
وهو الذي حمى وما يزال عمليات التَّطهير العرقي للأقليات من الأيغور المسلمين في الصين الشعبية عضو مجلس الأمن الدائم زعموا .
وحمى الهند من العقاب لجرائمها في آسام وضد شعب كشمير المسلم ومحاولتها الاحتلال لأرضها .
وحمى فرنسا _ بلد الحرية المزعوم _ من الاستعباد للدول الافريقية الغنية بالمعادن الثمينة من الألماس والذهب والغاز والبترول ويصبح الانقلاب على حكامها العملاء لفرنسا أخطر من احتلال العدو الخارجي لها ولثروات بلادها!!
وهذا النظام الأممي هو الذي حمى روسيا عند ارتكاب جرائمها في ضرب الشعب السوري المدني الأعزل دعما للنظام القاتل وما زالت الآثار باقية والشعب مشرد يئن ويتوجع.
وقبله شعب الشيشان المسلم الذي قصف بالطائرات وارتكبت فيه المجازر والمذابح قبل أن يستقر الأمر للنِّظام الموالي للحكم في روسيا، وقبله وبعده عد و(فقس) بعدد الجمهوريات الاسلامية الخارجة عن الطاعة!! ماذا جرى لها من الحصار والتَّنكيل السياسي والاقتصادي؟
وهو كذلك الذي يحمي روسيا اليوم في حربها ضد دولة أوكرانيا تحت دعاوى عملية عسكرية وإعادة الحق التَّاريخي.
ولابد من التذكير هنا أنَّ هذا الميزان الأممي الظَّالم هو الذي مكَّنَ لأمريكا من تدمير العراق واستباحته بعد فخ منصوب بمكر وخديعة وعناية شجَّعت حاكمًا عربيًّا مستبدًا في لحظة اغترار وعنجهية مخذولة ليرتكب جريمته النكراء باحتلال دولة الكويت ثمَّ جاء بعد ذلك التحالف الأممي ليحرر الكويت وهذا حق لكن ماذا جرى بعد التَّحرير؟
جاء الغازي الأمريكي بعد ذلك على ظهور الدبابات التي تحمل (الديمقراطية) والورود للشعب العراقي ليدمر ويستبيح مقدرات العراق وشعبه تحت دعاوى البحث عن أسلحة التدمير الشَّامل التي ثبت كذبها باعتراف قائد الحملة الصليبي (بوش الابن) وليت الأمر اقتصر على ذلك، بل أكثر من عشر سنوات من الحصار للشَّعب العراقي قبل ذلك قتل فيها ما يزيد عن مليون عراقي من الأطفال والنساء والكبار والصغار وكانت قرارات الأمم المتحدة تحمي وتنافح عن مصالح أصحاب مجلس الأمن ومصالحه وليس مصالح الأمم كلها وثبت لنا نحن المسلمين من خلال ما حدث بعد ذلك أنه يدمر مقدرات الأمَّة المسلمة وليس هدفه حزب البعث ولا النِّظام القائم فقط والتفاصيل مثبتة صوتًا وصورة في تاريخ تلك المرحلة.
وأمَّا قصة أفغانستان التي دامت لأكثر من عقدين من الزَّمان فهي ملحمة لا تحتملها هذه السطور وقد ارتكب مجلس الأمن وقراراته بحق الشعب الأفغاني الكثير مما تحتفظ به ذاكرة الأفغان، بل وحتى إخوانهم من العرب والمسلمين لكن يكفيهم فخرًا أنهم قد علموا أمريكا ومجلس الأمن وأعضائه في نهاية المطاف أنَّ الشعب الذي لا يصدقهم ولا يستمع لقراراتهم ولا يخضع لها هو الجدير بالحياة الحرة الكريمة وليس عيبًا بعد ذلك أن يكون فقيرًا أو متخلفًا بنظرهم.
وإنما العبرة كيف يرى نفسه وأين يريد أن يصل ؟ .
ولابد من التَّذكير في هذا السِّياق بقضيتنا اليمنية والنكبة العظمى التي حلَّت على الشَّعب اليمني في تاريخه الحديث بعد ثورته على الإمامة والكهنوت في 26 / سبتمبر / 1963 م:
إنها “نكبة تسلط عصابة الحوثيين السلاليين العنصرين الانقلابيين”، والتي يحاول هذا المكر الأممي من خلال مبعوثيه ولجان خبرائه والاتفاقات المنبثقة عن قراراته بشأن هؤلاء المجرمين أن يغطي على أهدافه الحقيقية في استباحة البلاد وثرواتها والهيمنة عليها استراتيجيا لصالح القوى المهيمنة.
وفي ثنايا ذلك تغيير تركيبتها السكانية السنية وإعادة رسم خريطتها الجغرافية وتقسيمها. وفي الوقت ذاته يجري تخويف دول الجوار بالشيطان الأكبر القابع في إيران من خلال الشيطان الأصغر القابع في مران!!!
فمن يا ترى الذي مكَّنَ للحوثيين في اليمن ونقلهم من عصابة مجرمة متمردة وهم كذلك _وما زالوا _ إلى شريك في صناعة السَّلام زعموا وكذبوا؟!!
أليست أمريكا ومجلس الأمن وخبرائه هو من أصدر القرارات والتوصيات واحدًا تلو الآخر وذر الرَّماد في العيون بقرارات أمميَّة ليس لها حضور على الأرض وإنما في بيانات القمم العربية وتقارير السياسيين وبيانات الأحزاب اليمنية المغلوب على أمرها؟
عليكم من الله ما تستحقون أيها الخبراء الأمميون _ بل الفجَّار الأمميون _
هل تقنعونا بطعم الشهد من شجر الحنظل!!؟؟
وعودا على بدء:
لا لم ولن تكون مجازر غزة بعد 7 / 10 / 2023 م، نهاية الإجرام العالمي والتَّوحش الهمجي الذي ظهرت به ما تسمى الدول المتقدمة؟؟!!
نعم هي متقدمة، لكنها كشفت لنا إنها ليست متقدمة فقط بالتكنولوجيا والاتصال والمعلومات وتقنياتها، بل هي كذلك متقدمة بما هو عندنا محرم شرعًا وممنوع عقلًا؛ لأننا متخلفون بنظرهم بعيد الرؤية!!!
فما الذي كشفته أحداث غزة الأخيرة وخلال نحو من 10 أيام فقط من عملية “طوفان الأقصى”:
لقد ظهر بكل جلاء أنَّ تلك الدول ومجلس الأمن وامبراطوريات المال والإعلام الغربي والمنظمات الحقوقية الغربية _ إلا ما شذ _
متقدمة كذلك بإعطاء المبررات والضوء الأخضر للمجازر والقتل الجماعي بالقصف المباشر على المدنيين خلافا لقانونهم الدولي المزعوم .
ومتقدمة بانتهاك الحرمات والدماء والاعراض للأبرياء من الأطفال والنساء.
ومتقدمة بانتهاك أوامر الدين وأخلاق العقلاء في التعامل بشرف أثناء الحروب.
ومتقدمة بشكل لا ينافس ولا يجادل فيه بدعم ومساندة القاتل والمجرم والجلاد على حساب الضحية والمظلوم _ عياذًا بالله من الضلال بعد الهدى ومن الحور بعد الكور ومن طاعة الخذلان _
أخي القارئ الكريم:
خلاصة ما أود طرحه بين يديك في ختام هذا الاستعراض الوصفي التَّاريخي:
هذه تحالفات ومنظمات ومجالس ينبغي للدول المسلمة والمنظمات الحرة عربية أو عجمية ومن خلال استنادها إلى عقيدتها ومبادئها ومطالب شعوبها المشروعة، إعادة النظر في التَّعامل معها وكيفية القبول بقراراتها وسحب بساط الشرعية عنها ولو بالتدريج شيئًا فشيئًا.
وليس ذلك صعبًا إذا اتخذت واتحدت الجهات الممثلة للشعوب والمنظَّمات والمتخصصين في هذه الجوانب لوضع الحلول القانونية والدستورية كل في بلده أولًا ثمَّ في الإقليم ثمَّ البحث عن الشركاء في العالم.
إنَّ ما حصل من الإجرام الموغل في الكراهية والحقد والوحشية في غزة يعتبر لحظة فارقة ندعو الله أن يسخر من قادة الأمة دولا وأحزابًا وجماعات من يقتنصها لبدء الخطوات للتخلص من هذا الكابوس الجاثم على صدر الأمة يقظة ومنامًا.
إنَّ هذا الأخطبوط الدنيوي الإلحادي سيظل محيطًا بالرقاب والقدرات والثروات لصالح نخبة من البشر قد مسخت جيناتها إلى جينات وحوش مفترسة لكل من لا يسير على مزاجها وهواها.
ولا يمكن لهذه الزمرة وجنودها وأعوانها من الحكام الغربيين والشَّرقيين أن تتعايش مع من يطالبون بحريتهم أو حقوقهم في أرضهم وبلادهم فضلًا عن ثرواتها المنهوبة وسيادتها المغتصبة.
إننا نعيش في أكذوبة النِّظام العالمي والشَّرعية الدولية المتعددة النسخ بقصد الخداع والتمويه وقد بدأ انكشافها ولله الحمد والمنة خلال النصف الثاني من القرن العشرين وما تزال دلائل الانكشاف مستمرة.
نعم، انكشفت أهدافها واهتماماتها وأولوياتها بحيث أصبحت محلًا للتندر والطرافة، وصدق فيها المثل:
“شر البلية ما يضحك”.
يقولون _ كذبًا وزورًا _ دول أعضاء في الأمم المتحدة ذات سيادة وهي تقبل بما يخالف دساتيرها وما تريده وتطلبه منها شعوبها عجبا!!!
ثم عجبا من أمة لا تقول للظالم يا ظالم وعجبا من اتفاقات سياسية وتحالفات اقتصادية وحروب عسكرية على حساب حق دم الإنسان في الحياة والحرية والعدل!!
ثمَّ عجبًا لمن يطلب العدل من منظمة وشرعية أسست على العدوان والظلم والبقاء للأقوى وليس الأصلح!!!
“أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أمن أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين”.
وفي إحدى الحلقات القدمة لهذه السلسلة _ إن شاء الله تعالى _ سأذكر خطوات مقترحة لإعادة التعامل مع شريعة الغاب الدولية حتى لا يصبح كلامنا في نظر المخذولين والمغرر بهم كلامًا عاطفيًا ينوح ولا يقدم حلولًا زعموا عليهم من الله ما يستحقون، “وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون”.