أشتات

ميازاكي.. وجنون الفن

الهروب الكبير

“الهروب الكبير” هي عملية سريعة الانتشار، تنطلق في اتجاه عكسي ومباغت من الشوارع باتجاه المنازل، لم تكن عملية الانتشار السريعة تلك تستغرق منا أكثر من دقيقتين، كنا نقوم بها بشكل خاطف للظفر بفرجة تلفزيونية ماتعة لمشاهدة مسلسل ” الكابتن ماجد” لقد كنت أحد المهووسين بجاذبية ذلك المسلسل في حالات كره وفره عند كل ركلة لماجد أو تسديدة من وليد.

الفنان الساحر “هاياو ميازاكي” سيد الأنمي المعاصر ملهم جيل الثمانينات والتسعينات بلا منازع ومخرج سينمائي ذائع الصيت، أحد أشهر مخرجي اليابان والعالم، قاد الثورة الثانية في عالم الرسوم المتحركة بعد تيزوكا “الأب الروحي للمانجا والأنمي”.

باعتبار عالم الرسوم المتحركة مساحة حرة للخيال، تمكن “ميازاكي” بالتحليق بمتابعيه إلى عوالم سحيقة، نحو الخيال، نحو الجمال، نحو المواجهات الحتمية بين بصيص الأمل وظلامية الألم، بين خيرية الخير وجنون الشر.

"ميازاكي" وزرع بذور الكراهية

عاش “ميازاكي” طفولته أثناء الحرب التي خاضتها اليابان ضد الولايات المتحدة، مما ترك أثراً بالغاً في أعماله التي تميزت بنبذ الحروب، حصل أحد أفلامه على جائزة الأوسكار – رفض استلامها احتجاجاً على الحرب في العراق – فنان مثالي ينزع نحو السلام، سخّر جُل أعماله لزرع بذور الكراهية لكل ما يمت للحرب بصلة.

فلسفة إنتاج الرسوم المتحركة بالنسبة لميازاكي تعني “خلق عالم افتراضي” لبعث الطمأنينة والهدوء في روح أولئك المحبطين الذين يعانون من قسوة الواقع.

"ميازاكي" وأنسنة الفن

تمتاز أعمال “ميازاكي” بفن الصمت المتشبث بسينمائية الصورة كلغة عابرة للقارات، لا تقبل التأطير، ولا تعترف بالحدود، تتحلى بالبساطة وتعتمد التركيز.

فكرة دمج الإنسان بمحيطه الكوني وتحوله إلى جزء فاعل ومؤثر، حاضرة في الكثير من أفلامه بمعية الشخصيات الأسطورية.

فيلم “ناوسيكا.. وادي الريح” وفيلم ” الأميرة مونونوكي” قصص تحكي الصراع بين الخير والشر ونهاية الحضارة البشرية بعد الدمار، يعتقد “ميازاكي” أن الحب والسلام مفاتيح سحرية لحل صراعات بني الإنسان.

f02230708 ميازاكي.. وجنون الفن

"ميازاكي" والقوة الكامنة

رغم أن “ميازاكي” نال البكالوريوس في العلوم السياسية والاقتصادية، إلا أنه كان عضواً في نادي “أدب الأطفال” يقول عن نفسه: “لقد أفنيت حياتي الممتدة لـ 50 عاماً من الحب لهذا الفن، كي أرسم الابتسامة على وجوه أطفال اليابان والعالم، والذين لولاهم لما استمريت في هذا العمل المرهق”.

فيلم "القرن الحادي والعشرين"

يقول “ميازاكي” رغبت يوماً ما أن أصنع فيلماً يخص بنات أصدقائي، ففتحت كل الأدراج في عقلي ووجدتها كلها فارغة، فأدركت أن عليّ صناعة فيلم حول فتاة في العاشرة من عمرها فكانت رائعته الفيلمية فيلم “المخطوفة” ليصبح أحد تجليات حسه الإبداعي والإنساني، عدّه النقاد الفيلم الأكثر نجاحاً في التاريخ الياباني، أطلقت عليه صحيفة نيويورك تايمز عام 2017 لقب”أفضل فيلم للقرن الحادي والعشر

ميازاكي.. وجلد الذات

سأل أحد الصحفيين “ميازاكي” في أحد اللقاءات عن مستقبل استديو “غيبلي – ديزني الشرق” المختص في إنتاج كل أعماله، فأجاب دون تردد “المستقبل واضح كالنهار.. سينهار!! وأنه يستطيع رؤية ذلك بوضوح، وهو أمر محتوم بالنسبة إليه لا يفيد معه حتى القلق”.

توالت العديد من أفلامه في تحطيم الأرقام القياسية داخل اليابان وخارجه، إلا أنه يعاني من الضجر ويصارع الاكتئاب، بل إنه لا يشعر بالسعادة ولا يستطيع النوم من دون أخذ حبوب النوم، كما يقول عن نفسه!

يعتقد “ميازاكي” أنه ينتمي إلى حقبة القرن العشرين بإبداعاته التي طويت، فنان لا زال يؤمن بأصالة الرسم اليدوي التقليدي الأصيل، يعتقد أن ما فعله خلال 50 سنة الماضي يوشك على الانتهاء، كما أن المخرجين الشباب في نظره قد استسلموا للواقع وتقنياته التي عبثت بأصالة الفن وضيعت أركانه. يرتاب “ميازاكي” من استخدام الحواسيب ويرى أن العقل الياباني المبدع لا ينتمي لتقنية “الأبعاد الثلاثية”.

"ميازاكي" يلهم بيكسار!!

بما أن الواقعية تجعل الفكرة ضمن إطار الممكن، فإننا قد لا نكون واقعيين عند الحديث عن فن الرسوم المتحركة حين نتغافل عن أعماله الفنية الخالدة، من منا لم يستمتع يوماً ما بمشاهدة “كونان فتى المستقبل – عدنان ولينا – هايدي فتاة الألب.. الخ… “

إن ميازاكي هو أعظم صانعي الأفلام وأحد أبطالي الخارقين
640x480 e1655653936105 ميازاكي.. وجنون الفن
جون لاسيتير
مؤسس استوديوهات بيكسار
الريح ميازاكي.. وجنون الفن

الوداع الأخير

المشهد الأخير في فيلم “مهب الريح” كان كفيل بتصوير حالة الوداع الأخير بين “ميازاكي” وعالم الرسوم المتحركة.

بعد عرض الفيلم في مهرجان فينيسيا في دورته السبعين أعلن “ميازاكي” اعتزاله فن صناعة الرسوم المتحركة كمخرج.

يؤمن “ميازاكي” البالغ من العمر 76 عاماً أن السقوط والفشل أمر طبيعي، لكن من غير الطبيعي أن لا يحاول القيام مرة أخرى، لقد عاد وقام مرة أخرى! وفاجأ العالم بالعدول عن استقالته وصّرح بأنه يطمح للعمل على مزيد من الأفلام لـ10 أعوام قادمة، طالباً من زملائه في الاستديو مساعدته على ذلك نظراً لكبر سنه.

يقول أحد المقربين منه “إنه رجل يسعى نحو الكمال”

باسل الدبعي

منتج ومخرج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى