المدونة

أسئلة الهوية في أسطورة الثور الأبيض

لعلّ الجميع تقريبًا يعرف قصّة الأسد والثيران الثلاثة، وارتباطها بالمثل الشهير (أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض). أورد أبو هلال العسكري هذه القصّة في (جمهرة الأمثال) وأشار إلى وجودها في (كليلة ودمنة) من قبل. لذلك فرغم عدم عثوري على هذه القصّة في النسخة المعاصرة من كليلة ودمنة، إلّا أني لا أستطيع تجاهل إشارة أبي هلال لموثوقيته وقرب عهده بابن المقفّع وعليه فإنّي أرجّح نقص النسخة المعاصرة وسقوط هذه القصة من الكتاب المحقّق.

أورد أبو الفضل الميداني هذه القصّة كذلك في (مجمع الأمثال) بإسهابٍ أكثر ونسب للإمام عليّ رضي الله عنه التمثّل بها، وهو ما يستبعد صحّته بعض الباحثين، ولقولهم بعض الوجاهة كما لا يخفى، لتقدّم عهد الإمام على عهد مترجم الكتاب.

وردت هذه القصّة بشكل مقتضب جدًّا في (حكايات أيسوب) اليونانية والتي يرجعها المؤرخون إلى ما قبل الميلاد بأكثر من خمسمئة وستّين سنة، وهذا ما جعل عبد المجيد عابدين يقول باحتمال وصولها للمسلمين الأوائل عن طريق احتكاكهم بالسريان قبل ترجمة (كليلة ودمنة).

والقصّة التي جاءت عند الميداني هي:

(.. أثوارٌ ثلاثة كُنّ في أجمة، أبيض وأسود وأحمر، ومعهنّ فيها أسد، فكان لا يقدر معهنّ على شيء لاجتماعهنّ عليه، فقال للثور الأسود الثور الأحمر، لا يدلّ علينا في أجمتنا إلّا الثور الأبيض، فإنّ لونه مشهور، ولوني على لونكما، فلو تركتماني آكله صفت لنا الأجمة فقالا دونك فكله فأكله ثم قال للأحمر لوني على لونك فدعني آكل الأسود لتصفوا لنا الأجمة فقال دونك فكله فأكله ثم قال للأحمر إني آكلك لا محالة فقال : دعني أنادي ثلاثا فقال افعل فنادى ألا إني أكلت يوم أكل الثور الأبيض..).

إذن فعناصر القصّة هي:

-أجمة أي بقعة مغطّاة بالشجر الكثيف الملتفّ الذي تأوي إليه الحيوانات أحيانًا. 

-ثلاث حيوانات يجمعها الجنس نفسه مع اختلاف في الألوان (الثيران). 

-حيوان يتجسّد فيه خطرًا واقعًا مرئيًّا على الحيوانات الثلاثة (الأسد). 

-خطرٌ مقدّر غير محدّد تتوقّعه حيوانات الأجمة بما فيها الأسد، لعلهم (الصيّادون) أو نحو ذلك، يشير إلى وجود ذلك الخطر في القصّة عبارة (يدلّ علينا). 

– خطّة من صنع أحد أطراف القصّة (الأسد).

تكشف القصّة ثلاثة مستويات من تمايز الهويّة بمحددّات طبيعية، المستوى الأوّل: يشمل الأسد والثيران الثلاثة إزاء الخطر المقدّر عليهم من جهة، وإزاء المكان من جهة أخرى. أمّا المستوى الثاني: فهو ذلك الذي يميّز الأسد من حيث الجنس عن الثيران وأهم ملامح ذلك التمييز هو افتراس الأسد وعشبية الثيران. بينما يتجلّى المستوى الثالث: في التَمايز اللوني بين الثيران الثلاثة فأحدها أبيض والثاني أسود والثالث أحمر.

تقدّم القصّة الأسد بصفته الطرف النشط المغرض بنحوٍ متقدّم على الطرف الآخر المتلقّي الذي تجسّده الثيران الثلاثة.

يستغلّ الأسد الشعور بالمستوى الثالث من تمايز الهويّات لدى الثورين (الأسود والأحمر) ويحاول توجيه ذلك الشعور بحيث يدمجه معهما في وحدة هويّاتية جديدة، مستخدمًا في ذلك عاملًا بيئيًا وهو تنافر اللون الأبيض مع الإطار البيئي بخلاف لون الأسد الذي يشترك فيه مع الثورين الآخرين من حيث انسجامه مع الإطار البيئي. يوظّف الأسد هذا العامل في بناء حجّتين لهما طابع اقتصادي براجماتي هما:

-الدور الذي يلعبه هذا التنافر في استعجال الخطر الأجنبيّ (يدلّ علينا في أجمتنا). 

-المكسب الاقتصادي الذي يوفّره التخلّص من هذا التنافر (صفت لنا الأجمة).

إذن فمن خلال خلق (شعور جديد بالهويّة) قافز على المحدّدات الطبيعية كان بإمكان الأسد أن يتقدّم في خطّته بافتراس الثور الأبيض.

وهكذا سار الأمر في الخطوة الثانية بفارق بسيط ربما خلقه جاهزية الثور الأحمر للاقتناع بحجّة الأسد بسبب الشعور المسبق بإطار الهويّة الذي يضمّه مع الأسد (اللون الأحمر). أو ربّما لسبب آخر، ولكنّ القصة تعرض اقتناعه بالحافز الاقتصادي مرّة أخرى، وتنتهي بوصول الأسد لغايته التي خطط لها من البداية.

يبدو لي أنّ هذه القصّة نموذجًا جيّدًا لوصف العنف الفئويّ في أبسط صورة تجريدية. فلكي يحدث العنف بين فئة بشرية وأخرى من المهم وجود التفاعل بين عنصرين هما:

-العامل الاقتصادي ويتمثّل في المخاوف والمطامع على السواء، والحقيقة أن الفارق بين المخاوف والمطامع فارق ضئيل فكل خوف هو وجه للطمع غالبًا والعكس صحيح كذلك، كما أنّ العامل الاقتصادي ممتدّ من الخوف على نقص الهيمنة إلى الخوف على الوجود نفسه. 

-الشعور بتمايز في الهويّة بين الفئات المتصارعة بحيث يتيح هذا التمايز الممرّ الذي يشرعن لتوجيه العامل الاقتصاديّ بشكل يمنع خلق التنافر بين الغرض الجمعي والغرض الذي ينشده الفرد عند وعيه بالعامل الاقتصاديّ.

وأودّ التنبيه هنا إلى الفارق بين (تمايز الهويّات) والشعور بذلك التمايز، إذ أنّ الشعور بالهويّة ليس مرتبطًا تماما بالمحددّات الطبيعية أو المنطقية، بل أن كثيرًا ما يشوبه الاعتباط، بل واللا معيارية أحيانًا وهذا ما قد توضّح الورقة بعض المراد منه في الأسطر القادمة.

فلنحاول العودة إلى عناصر هذه القصّة ومحاولة تحريك بعض متغيّراتها، فكيف سيكون الأمر لو كان للثيران اللون نفسه؟ وماذا لو كان هناك لون مشترك لثورين ولون آخر يخالفهما به الثور الثالث؟ وماذا لو كان هذا اللون المختلف لونًا آخرًا غير الأبيض؟

ثمّ ماذا لو لم يكن هناك أسداً أصلًا؟ أو أنه كان موجودًا، ولكنه لا يملك الخطّة؟ وماذا لو كانت الأجمة أكثر اتساعًا وخصوبة؟ أو كان الخطر الأجنبي بعيدٌ جدًا في تقدير قاطني الأجمة.

لو حاولنا إضفاء المزيد من الأنسنة على القصة، فإنّ ذلك سيقود إلى تعقيدات أكثر ممّا سيجعل كلّ سؤالٍ من الأسئلة السابقة مبرّرًا بلا شك. ولكن أي من تلك الأسئلة كفيل بإحداث تغيير جوهريّ في نتيجة القصة.

الهوية في أسطورة الثور الأبيض 2 أسئلة الهوية في أسطورة الثور الأبيض

لكي نستطيع افتراض سيناريوهات ناتجة عن تغيير بعض عناصر القصة علينا إعادة طرح السؤال الأصلي من جديد: 

ما هي الهوية؟ وكيف تسير الهويّة بين حاجتين أساسيتين، ولكنهما متضادتين من حاجات الإنسان وهما احتياجه إلى الانتماء من جهة واحتياجه إلى الاستقلال من جهة أخرى.

إنّنا عند النظر إلى ما نسميه انتماءات يدركها الإنسان سنلاحظ أمورًا تجري في النسق الطبيعي الجبريّ الذي لا يملك المرء خيارًا تجاهه كالسمات البيولوجية والفيزيائية والانتماء بالولادة إلى مكان أو جيل معيّن أو لغة معيّنة. ولكنّنا في المقابل نجد من الانتماءات ما هو اختياري إلى حدٍ بعيد مثل الاهتمام ببعض الهوايات وتشجيع الفرق الرياضية أو بعض الانتماءات الفكريّة والحزبية. وهناك من تلك الانتماءات ما يسير في نسق الثقافة، والثقافة في نظري منطقة وسطى بين الجبر والاختيار ويشمل ذلك عندي كلّ ما يتلقّاه المرء بالنشأة في بما يشكّل بنيته النفسية والذهنية، ولكن ليس له نفس حتمية السمات الفيزيائية كالعرق واللون والطول ونحو ذلك، وأنا هنا أميّز بين ما أعنيه بالثقافة وما يسمّى المظهر الثقافي، فتشجيع نادٍ لكرة قدم أو الولع بطبقٍ شعبيّ يصنفان تحت المظاهر الثقافية وليس الثقافة نفسها، فهما ليسا على نفس الدرجة من الأهميّة كتلك التي يمثّلها الدين أو القيم الأخلاقية والاجتماعية للفرد على سبيل المثال.

من المفهوم أن شخصيّة الفرد الإنساني هي نتيجة لتقاطع كلّ هذه الانتماءات، ولكنّ أيّ هذه الانتماءات ينبغي أن نعتدّ به عند الكلام عن الهويّة؟

فلنفترض وجود شخصية تتقاطع فيه الانتماءات التالية:

(رجل طويل أسود من أصل أفريقي، مسلم على المذهب السنيّ، يحمل الجنسية السعودية، من الطبقة المتوسطة ماديًّا، عربي اللسان متزوج وأب لطفلين، من مواليد التسعينات الهجرية مولود في جدة يحبّ الكبسة ويشجع النادي الأهلي ويطرب لأم كلثوم ويستمتع بلعب البلوت).

أين هويّته من كلّ ذلك، وما هو الخطّ المنطقي الذي ترتّب فيه هذه الهوية أولويات انتمائه؟ وأيّ من هذه الانتماءات يملك طاقة تفجيرية أكثر من سواه؟ وما الذي يمكن حدوثه عند اصطدام أكثر من انتماء في وجدانه تحت ظرفٍ معيّن؟

هناك من يذهب إلى أن أهم تلك الانتماءات في تشكيل الهويّة هو: العرق والدين واللغة والجندر والطبقة الاقتصادية، مع اختلاف في ترتيب هذه الأهميّة.

ولكن هناك من يعترض على هذا الطرح مثل امارتيا سين، وأمين معلوف والذي يحاجج كلّ منهما بأنّ الهويّة ليست جوهرًا ثابتًا، بل صيرورة متغيّرة باستمرار وعليه فإنّ هذه الانتماءات تتناوب على الأهميّة بحسب الموقف المصيري، بل وحتّى اللحظي، فأثناء مباراة لفريقك فأنت مشجّع له أكثر من أي شيء آخر، وأثناء خطر محدق على بلادك فأنت منتمٍ لها أكثر من أي شيء آخر.

يقول سارتر: (اليهوديّ هو من يشعر الآخرون بأنّه يهودي)، وهذا يعني أن نظرة الإنسان لنفسه تتشكل بالضرورة من خلال نظرة الآخرين له، وأن الفاصل بين ما يعرفه عن نفسه وما يعرفه الآخرون أو يريدون أن يعرفوه ليسا بمعزلٍ قويّ عن بعضهما. وهذا متّسق إلى حد ما مع فكرة صيرورة الهويّة. فالعراقي على سبيل المثال عربيّ في أوروبّا، ولكنه سنّي أو شيعيّ في بغداد، وربّما كان السعوديّ في أمريكا مسلمًا، ولكنه عند التنزّه في بلاده سيكون رجلاً أو امرأة. فالهوية كما أفهمها على هذا النحو هي (تراتبية الشعور بالانتماءات وفق الظرف المحيط المتطلّب لقرار ما). فتصوّرها لا ينفصل عن وجود الأنا، والآخر، والظرف، والسلوك.

الهوية امتياز للإنسان دون غيره من الكائنات. للكائنات الأخرى ماهيّات بالطبع كما أن للإنسان ماهيّة كذلك. ولكن الإنسان وحده من يمتاز بوجود الهويّة. وذلك عائد لعاملين هما:

-الهويّة ليست مفهوم انطولوجي، بل مفهوم أبستمولوجي في الحقيقة، فهو يأخذ معناه من إدراكه والشعور به لا من وجوده العينيّ في العالم أو الطبيعة. 

-الإنسان هو الكائن الوحيد المتحرر نسبيًّا من مشروطيّات الطبيعة، فهو كائن بإمكانه أن يختار اجتماعيًّا أو فرديًّا السير عكس الحتميات السببية للطبيعة. 

لكي نفهم أثر هذين العاملين على الامتياز الهويّاتي للإنسان، من المجدي أن نشير إلى وجود ثلاثة مستويات من المحددات السلوكية في العالم، وهي المحددات ذاتها المسؤولة عن تقسيم الدلالات في الوعي البشري: 

-محددات الطبيعية كتمدد الحديد بالحرارة وكامتناع الجمل عن أكل اللحوم، وهي محددات لم يدركها العقل البشري بغير الألفة والعادة وإقرار العقل بحتميتها نسبي مرتبطٌ باطرادها لا أكثر. 

-محددات عقلية منطقية كامتناع وجود مسبّبٍ دون سبب، وامتناع كون الجزء أكبر من الكل وكذلك امتناع وجود مثلث دائريّ. وهي محددات منبثقة من العقل البشري بالجملة لا يستطيع تصوّر خلافها ولو حاول ذلك. 

-محددات وضعية عرفيّة، كتعارف الناس على اللون الأحمر لوقوف السيارات وتعارفهم على وقت وجبة الإفطار، أو تقسيم الأسبوع إلى سبعة أيام على سبيل المثال. وهي محددات تتراوح بين الأعراف المبررة والاعتباط البحت دون مشروطية طبيعية أو عقلية.

الهوية في أسطورة الثور الأبيض 3 أسئلة الهوية في أسطورة الثور الأبيض

نحن نعرف أن الإنسان كثيرا ما يعي المحددات الطبيعية والمنطقية وكثيرًا ما يحاول مراعاتها في سلوكه، ولكن ليس بشكل حتميّ دائمًا، ونحن عند التأمّل في أيّ شخصية تتقاطع فيها انتماءات ما، سندرك أن تلك الانتماءات تتراوح من حيث اتساقها مع الأنواع الثلاثة من المحددات، ولكن ماذا عن الهويّة بالمعنى الذي اقترحته الورقة؟

هل من الممكن أن تتعارض الهويّة مع المحدد الطبيعي أو المحدد العقليّ؟ هل من الممكن أن تسير على نحو اعتباطيّ أحياناً؟

يقول نسيم طالب “ليس أسهل من أن تقنع مجموعة من البشر بانتمائهم لكيان ما بمجرّد خلقه لهم”. وأشار برتراند راسل إلى هذا المعنى من قبل عندما قال كما أتذكّر: “الوطنية ليست أكثر من علم وبعض الحدود تحاول إقناعك بانك مختلف عن الآخرين”.

إلى أي مدى يمكن أن تكون الهويّات اعتباطية؟ لماذا على الدرعاوي أن يقتنع بأنه سوري وليس أردني مثلاً؟ ولماذا يرى بعض السلفيين أن الشيعة خارج دائرة الإسلام رغم اتباعهم لنفس القرآن والصلاة إلى نفس القبلة؟

يبدو لي أن الإنسان كما هو حرٌ في مخالفته لسير الطبيعة هو كذلك حرٌ في خلق هويّته بشكل متحرر عن المحدد الطبيعي، بل ربما الإنكار التامّ له أحيانًا ولذلك فشخص مثل فوكوياما ليس يابانيًا، بل هو أمريكيٌ جدًا رغمًا عن المحدد الطبيعيّ.

ولكن إذا كان الأمر على درجة نسبية من الاختيار، لماذا لا يختار أغلب الناس من الهويّات ما يدعهم يعيشون بطريقة أكثر سلميّة؟

يقول أوسكار وايلد: “أكثر الناس أناس آخرون، أفكارهم آراء لسواهم، ومعيشتهم محاكاة، وعواطفهم اقتباس”. إذن فالمفارقة تكمن في أن قدرة الإنسان على تجاوز المحدد الطبيعي هي غالباً دون قدرته على تجاوز المحددات الثقافية والاجتماعية، رغم أن حتمية هذه الأخيرة خارج وعي الأنسان من المفترض أن تكون أقل من حتمية عالم المادّة والطبيعة في حقيقة الأمر. بسبب هذه المفارقة كثيراً ما يصطدم أناس لا يعرفون بعضهم بسبب اعتناقهم لآراء أناس آخرين، ومن الطريف أن هؤلاء الأناس الآخرين يعرفون بعضهم أحيانًا.

من المفارقات التي تعرض لنا في الهوية بهذا المعنى ما تجسده في تراثنا العربيّ أسطورة الهجرس بن كليب، وكيف تحوّلت مشاعره بشكل عجيب نحو خاله جسّاس بالعداء بعد أن كان يشعر تجاهه بالولاء بمجرد أن عرف حقيقة هويّته التغلبية. تتكرر هذه الفكرة في كثير من الأعمال السردية العالمية، وإن كان أبرزها في الذاكرة العربية (عائد إلى حيفا) لغسان كنفاني، ولكن خلدون أو (دوف) في رواية كنفاني لم يكن كالهجرس في استجابته، بل ظلّ مخلصًا لهويته اليهودية المكتسبة ولم ينقلب على جسّاس.

تجاوز الهجرس محدّد النشأة وتجاوز خلدون محدّد الطبيعة، والأنسان من حيث هو إنسان يملك الخيارين بالطبع.

جرى الأمر في قصة الثيران الثلاثة على نحو أبسط مما يمكننا تصوّره عن تعقيدات الإنسان، فبإضفاء المزيد من الأنسنة على القصة يمكننا التبوء بأن الثور الأبيض كان سيقتل على كلّ حال دون حاجة لتدخّل الأسد لو كان للثورين الآخرين لون مشترك يجمعهما، كما بإمكاننا توقّع لجوء الثور الأبيض للأسد في حالة وجوده لحمايته من الثورين الآخرين، كما ليس من المستبعد أن يوهم أحد الثيران بوجود الأسد لضمان انصياعهم له والتخلّي عن بعض خيرات الأجمة لصالحه. كما من الممكن أن يوجد الأسد وأن يصل إلى نفس النتيجة، ولكن دون حاجته لأي خطّة، بل فقط بمجرد التمدد التلقائي للقوة، بواسطة تسابق الثيران في الولاء له ومزايدتهم على بعضهم في ذلك. أمّا العاملان الذي أخمّن هامشيتهما في سير الأحداث فهو اتساع الأجمة وخصوبتها لأن الإنسان في طموحه المعتاد للتملّك والهيمنة لا يأبه كثيراً لعامل الوفرة والندرة فكلّ ما تحت يده قليل وكلّ ما هو خارج حوزته كثير. وكذلك أتصوّر هامشية ابتعاد الخطر اللا مرئي من حيث الحقيقة، لأن الإنسان بطبيعته يتعامل مع كل خطرٍ بعيد كخطر لا يأتي أبداً، ستكون قدرة الأسد على الإقناع بوجود الخطر أكثر أهمية من المسافة التي تفصل قاطني الأجمة عن الخطر في عالمهم الواقعيّ. هذا ما أتصوّره رغم أن الأمر مفتوح في حقيقته قائمة لا تنتهي من التصورات والاحتمالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى