المدونة

القراءة التاريخية: هواية وثقافة ومتعة!

القراءة هي أحد أهم المهارات التي يجب أن يتقنها الإنسان، فهي تفتحُ له أبواب العلم والمعرفة، وتنمي قدراته العقلية واللغوية والإبداعية، ومن بين أنواع القراءة التي تستحقُّ الاهتمام والتَّشجيع، القراءة التَّاريخية، أي قراءة الكتب والمصادر التي تتناول تاريخ البشرية، والحضارات، والأمم، والشُّعوب.

ومن الأشياء التي تميز الإنسان عن غيره من المخلوقات هي قدرته على تدوين تاريخه ونقله إلى الأجيال القادمة، فالتَّاريخ هو شاهد على مسيرة البشرية ومرآة لحضاراتها وثقافاتها، ومعتقداتها، ونضالاتها، وإنجازاتها، ولكي نتعرف على التاريخ ونفهمه ونستفيد منه، لا بدَّ من القراءة التَّاريخية.

فما هي أهمية القراءة التَّاريخية؟ وما هي مزاياها وفوائدها؟ وكيف يمكن أن تكون هواية وثقافة ومتعة في آن واحد؟

في هذا المقال، سأحاول الإجابة على هذه الأسئلة، أسأل الله أن ينفعني وإيَّاكم بما أقول.

أولاً: أهمية القراءة التاريخية

القراءة التاريخية لها أهمية كبيرة في حياة الفرد والمجتمع معًا، فهي تمكنه وتساعده على:

– التعرف على ماضي الإنسان، ومراحل تطوره، وتحدياته، وإنجازاته.

– الاستفادة من تجارب الأجيال، والأمم السَّابقة، والاقتداء بهم، بالأمثلة الحسنة، والاستنباط من الأخطاءِ والعبر.

– الفهم العميق للواقع الحاضر، والعلاقات السِّياسية، والاجتماعية، والثَّقافية بين الدول والشُّعوب.

– التنوير الفكري، والثقافي، والموضوعية العلمية، والنقد البناء، والتحليل السليم للأحداث والظواهر.

– التشجيع على الهوية والانتماء، والاعتزاز بالتراث، والعادات، والأعراف، والتقاليد (1)، والإنجازات التي أسهمت في بناءِ الأمَّة والحضارة.

ثانياً: مزايا القراءة التاريخية

تتمتع القراءة التاريخية بالعديد من المزايا التي تجعلها نشاطًا ثريًا ومفيداً. إليك بعض هذه المزايا:

– توسيع الآفاق:  تفتح القراءة التاريخية نافذة على العالم، مما يسمح لك باستكشاف ثقافات وحضارات مختلفة وفهم الأحداث التي شكلت العالم الحديث.

– الترفيه والمتعة:  تقدم القراءة التَّاريخية قصصًا مثيرة ومغامرات تاريخية يمكن أن تكون مصدرًا للتَّسلية والإلهام.

– الإلهام للإبداع: قد تلهم الأحداث والشخصيات التاريخية الأعمال الإبداعية مثل الكتابة والفن والسينما.

– تنمية الذاكرة والتركيز، والانتباه، والملاحظة، والاستيعاب.

– تحسين مهارات القراءة والكتابة:  تعمل على تحسين اللغة ومهارات القراءة والكتابة من خلال التعرض لمختلف أنماط الكتابة التاريخية.

– تعزيز القيم الأخلاقية والاجتماعية، والتعلم من تجارب ودروس الأمم السابقة، والتغلب على التعصب والجهل والتطرف.

– زيادة الثقافة العامة والمعلومات الهامة والمفيدة في مختلف المجالات.

– التعلم المستمر: توفر القراءة التاريخية فرصة للتعلم المستمر واكتساب معرفة جديدة بشكل دائم.

– تطوير مهارات التفكير النقدي والتحليلي والاستنتاجي، والقدرة على مقارنة وتقييم المصادر والأدلة والنظريات التاريخية.

– تقوية الشخصية والهوية والانتماء، والثقة بالنفس، والاستقلالية، والمبادرة.

هذه المزايا تجعل من القراءة التاريخية تجربة غنية ومتعددة الأبعاد تسهم في تطوير الفرد على مختلف الأصعدة.

التاريخية هواية وثقافة ومتعة 1 القراءة التاريخية: هواية وثقافة ومتعة!

ثالثاً: كيف تكون القراءة التاريخية هواية وثقافة ومتعة؟

القراءة التاريخية يمكن أن تكون هواية رائعة وثقافة مثرية ومصدرًا للمتعة للعديد من الأسباب. إليك بعض الأسباب التي توضح كيف يمكن أن تكون القراءة التاريخية هواية وثقافة ومتعة:

– تحديد وقت ومكان مناسبين للقراءة، بحيث تكون مرتاحًا ومنتبهًا ومستمتعًا.

– اختيار الكتب والمصادر التي تناسب اهتماماتك ومستواك وذوقك وهدفك من القراءة.

– اختر المواضيع التي تثير اهتمامك: يمكن أن تكون القراءة التاريخية ممتعة عندما تختار مواضيع تجد فيها شغفًا شخصيًا، سواء كانت عن حضارات قديمة، أحداث تاريخية معينة، أو شخصيات تاريخية.

– ربط التاريخ بالحاضر: حاول أن تجد الصلات بين الماضي والحاضر. هذا يمكن أن يجعل التاريخ أكثر صلة وإثارة للاهتمام.

– تنويع القراءة والتنقل بين العصور والمواضيع، والأساليب، والمؤلفين، والآراء.

– استخدام مصادر متنوعة: لا تعتمد فقط على الكتب، استخدم الوثائقيات، المقالات، والموارد الرقمية لتوسيع فهمك.

– التفاعل مع النص والتساؤل والتفكير، والتعليق، والتلخيص، والاستنتاج.

– التحليل والتفكير النقدي: القراءة التاريخية تشجع التفكير النقدي والتحليلي. يمكنك تقييم الأسباب والنتائج والتأثيرات الجذرية للأحداث التاريخية. يمكنك أيضًا التعلم من أخطاء الماضي وتفادي تكرارها في المستقبل.

– المشاركة في نقاشات ومجموعات القراءة: التفاعل مع الآخرين الذين يشاركونك الاهتمامات يمكن أن يعمق فهمك ويزيد من متعة القراءة.

– زيارة المواقع التاريخية: إذا أمكن، زيارة المواقع التاريخية يمكن أن تجلب الأحداث والشخصيات التاريخية إلى الحياة.

 بهذه الطريقة، تصبح القراءة التاريخية ليست مجرد عملية جافة أو مملة أو صعبة، بل تصبح هواية تملأ الوقت بالفائدة والمتعة، وثقافة ترفع، ومتعة تسعد!

في خاتمة هذا المقال، نستطيع أن نقول: إنَّ القراءة التاريخية هي هواية وثقافة ومتعة في آن واحد، فهي تمنحنا فرصة التعرف على الماضي، والاستفادة من تجارب وعِبَر الأمم والشخصيات التي سبقتنا، كما أنها تنمي مهاراتنا الفكرية واللغوية والنقدية وتزيد من معارفنا وثقافتنا العامة، وليس هذا فحسب، بل إن القراءة التاريخية تمنحنا متعة روحية وعقلية، فنستمتع بقراءة القصص والأحداث والمغامرات التي عاشها الآخرون في زمن آخر.

القراءة التاريخية تربطنا بماضينا وتفهمنا حاضرنا وتنير مستقبلنا، وهي تزيد من معرفتنا وثقافتنا وذاكرتنا، ولغتنا، وأدائنا، وشخصيتنا، وهي تعلمنا الدروس والعبر والأمثلة والقيم من تجارب الأجيال والأمم السابقة، وهي تفتح لنا آفاقًا جديدة وتنمي اهتماماتنا وتثري حياتنا.

القراءة التاريخية تعد بمثابة نافذة تطل منها على العالم بأسره، حيث تمكنك من الإبحار في محيط الحضارات والأزمنة المختلفة. تُعرّفك على تنوع الأفكار والرؤى، وتُشركك في تجارب الشعوب والمجتمعات عبر العصور. تُمكّنك من رؤية الأحداث التاريخية وهي تتشابك وتُشكّل مسار التاريخ. هذه الرحلة الفكرية لا تُثري معرفتك فحسب، بل تُحفّز أيضًا على التفكير النقدي وتُعمّق إدراكك للعالم الذي تعيش فيه.

في القراءة التاريخية، نتجاوز حدود الزمان والمكان، ونعيش في عالم آخر. لذلك، أحثكم أيها القرّاء على ممارسة القراءة التاريخية بانتظام واهتمام، واختاروا الكتب والمصادر الجيدة والموثوقة، وتفاعلوا مع النصوص، وتسائلوا، وتفكروا، وعلقوا، ولخصوا، واستنتجوا، اجعلوا القراءة التاريخية هواية تمتعكم وتفيدكم، وثقافة تنهض وترقى بكم وتعليكم وتميزكم، ومتعة تفرحكم وتبهجكم وترويكم وتنشرح لها صدوركم؛ وتسعد قلوبكم وأرواحكم.

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلي الله عليه وعلى آله وصحبته أجمعين.

الهوامش:

  1. الشريعة الإسلامية هي الحكم الأعلى والمرجع الأول للمسلمين في جميع شؤون حياتهم، ولا يجوز للمسلم أن يتبع عادة أو تقليدا أو عرفاً يخالف ما جاء به الله -سبحانه وتعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، فالأعراف والعادات والتقاليد لا تكون حجة في الدين إلا إذا كانت مطابقة للكتاب والسنة، أو لا تخالفهما في شيء، أو لا يوجد دليل شرعي ينفيها أو يبطلها.

سامي منصور

سامي منصور محمد سيف حاصل على شهادة الليسانس من جامعة تعز، كلية الحقوق عام 2009م. حاصل علىٰ شهاد الماجستير بتقدير «ممتاز» مع مرتبة الشرف الأولى، من قسم الدعوة والثقافة الإسلامية، كلية الدعوة وأصول الدين، بالجامعة الإسلامية. وعنوان رسالة الماجستير (جهود الدولة الرسولية في الدعوة إلىٰ الله في بلاد اليمن). باحث في مرحلة الدكتوراة، قسم الدعوة والثقافة الإسلامية، الجامعة الإسلامية. لديه بعض الأبحاث العلمية والمقالات في العديد من المواقع المتخصصة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى