المدونة

المنظمات الأممية العاملة في اليمن.. رأي تقييمي

المنظمَّات الإنسانية هي منظمَّات غير حكومية تسعى إلى تقديمِ المساعدة الإنسانية للأشخاص الذين يعانون من الكوارث الطَّبيعية أو النِّزاعات المسلحة أو الفقر المدقع. تعمل هذه المنظمات في جميعِ أنحاء العالم، بما في ذلكَ اليمن.

هناك العديد من المحاسن والمساوئ للمنظمَّات الإنسانية العاملة في اليمن. من بين المحاسن، أنها تقدِّم المساعدة الحيويَّة للأشخاص الذين يكافحونَ للبقاء على قيدِ الحياة. كما أنها تعمل على تحسين الظُّروف المعيشية للنَّاس وتعزيز السَّلام والاستقرار.

من بين المساوئ، قد تكون هذه المنظمات عُرْضَة للاستغلال من قبل الأطراف المتحاربة. كما أنها قد تكون محدودة في قدرتها على الوصول للأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة، كما قد يتم استغلالها لتنفيذ برامج ورؤى مخالفة للعادات والتقاليد للبلد، وقد تكون هذه الأجندات معلنة وبكل وضوح عبر الأمم المتحدة ومنظمات أخرى.

بشكلٍ عام، تمارسُ المنظمَّات الإنسانية دورًا مهمًّا في اليمن، هي تقدِّم المساعدة الحيوية للنَّاس الذينَ يكافحونَ الحياة بكلِّ مشاقها ومصاعبها، وتعملُ على تحسين الظُّروف المعيشية للنَّاس وتعزيز السَّلام والاِستقرار.

ولا شك أنَّ المنظمَّات الأممية العاملة في اليمن بمختلف أشكالها لها أجنداتها الخاصَّة التي تتقاطع وتلتقي مع المصالح الوطنية اليمنية في جزءٍ منها، وتفارقها في الجزءِ الآخر، وليست كل المنظمات على نمطٍ واحد، فهناك تفاوت في المحاسن والمساوئ.

لن أتحدثَ عن أرقام؛ لأنَّ هذا ليسَ تقريرًا رصْديًّا، وإنما مجرد مقالة قصيرة فحسب.. تلفتُ النَّظر إلى مقارباتٍ مهمَّة يحسن الوقوف عندها.

وأحبُّ أن أشير إلى أسلوب التَّعامل مع هذه المنظمات من قبل اليمنيين سواء كمواطنين بسطاء مستفيدين من خدماتها، أو كمثقفين مراقبين لأدائها.

وقبل أن نبدأ بسرد بعضِ المقترحات، يمكن إجمال بعض الإيجابيات والسلبيات لهذه المنظمات في دول العالم عمومًا، وفي اليمن خصوصًا.

الإيجابيات:

1) تقديم المساعدة وتوفير الغذاء والمأوى والرِّعاية الصِّحيَّة وغيرها من الضَّروريات الأساسيَّة للنَّاس في أوقاتِ الأزمات. 

2) تقديم الدعم في بناء البنية التحتية وتطوير المؤسسات المحلية. 

3) تقديم التوعية والتَّعليم للأطفال والكبار على حدٍّ سواء. 

4) التأثير على التشريعات والسياسات و المساهمة في تطوير وتحسين التَّشريعات والسِّياسات المحليَّة، وهذه النُّقطة تحديدًا بقدر ما فيها من إيجابية إلا أنه يتم توظيفها في الجانب السِّلبي كذلك، حيث إن بعض هذه التشريعات قد تكون مخالفة للعادات والتَّقاليد المستندة إلى القيم الإسلامية الأصيلة، ومسوغ هذه المنظمَّات هو العمل بالاتفاقيات الدولية العامَّة التي توافقت عليها دول العالم، علمًا بأنَّ لكلِّ بلد الحق في  العمل ببنود هذه الاتفاقيات بما لا يخل بمنظومة الأخلاق الاجتماعية العامَّة خاصَّة إذا تمَّ التَّحفظ على بنودٍ معينة، ومن المعروف أنَّ هناك تحفظات لبلدان عديدة ومنها بعض الدول الإسلامية على بعض بنود هذه الاتفاقيات. 

5) تعزيز التَّعاون والتنسيق بين الدول المختلفة في مجالِ الإغاثة والتنمية.

السلبيات:

1-التَّدخل السِّياسي، فقد يكون هناك تهم لهذه المنظمات بالتَّحيز أو التأثير على السياسة المحلية، وخدمة طرف دونَ طرفٍ آخر. 

2- قد تؤدي المساعدات إلى اعتماد زائد على المنظمَّات الدولية بدلًا من تطوير القدرات المحلية. 

3- الفساد وسوء الإدارة، حيث قد تذهب المساعدات إلى أيدي الفاسدين بدلًا من الوصول إلى الذين يحتاجونَ إليها. 

4- قد تكون الأولويات متناقضة أحيانًا، فقد تكون هناك تناقضات بين أولويات المنظمات الدولية واحتياجات المجتمعات المحلية. 

5- التكلفة الإدارية العالية التي قد تؤدي إلى تقليل كفاءة استخدام الموارد.

في سياق اليمن، يمكن أن تكون هذه السِّلبيات والإيجابيات أكثر تأثيرًا بسبب التَّحديات المعقدة مثل النزاع المستمر، والفقر المتفشي، والوضع الإنساني الهش. وقد تكون هناك حاجة لتقدير محدَّد وعميق لفهم التأثير الفعلي للمنظمَّات الدولية في هذا السِّياق.

ومن اللافت أنَّ هناك جهودًا حثيثة لبعض الدعاة والمثقفين حيال إبراز الجانب السلبي لهذه المنظمات، وهذا أمرٌ جيد كجانب نقدي، لكن تنقصه المهارة في التَّعاطي مع مثل هذه المواضيع..

فالمنظمات الأممية تعمل بأسلوبٍ (ناعم) في حين من يواجهونها يلجأون إلى أسلوبٍ (هجومي) مما يفقدهم نوعًا من المصداقية لدى قطاع من الشَّعب الذين يتعاملونَ مع هذه المنظمَّات ويستلمون منها المساعدات، ويقع المستفيدون منها في مفارقةِ (خبز المنظمات) وتحذير النشطاء والدعاة من تناول هذا الخبز.. وبطبيعة الحال- نعني بالخبز هنا كل ما يتم تقديمه من مساعداتٍ عينية ومعنوية، حيث ما يتم التركيز عليه -غالبا- جوانب معينة، مثل الجوانب الأخلاقية المتعلقة بالشُّذوذ وملف المرأة والطِّفل، في حين هذه المنظمات تغرق في ملفات فساد كبيرة، مثل مصروفات المنظمات المهولة التي تصل إلى نصفِ المساعدات الأممية تقريبًا، وتذهب كمصاريف إدارية للعاملين، كما قدمنا آنفًا.

الأممية العاملة في اليمن.. رأي تقييمي 1 المنظمات الأممية العاملة في اليمن.. رأي تقييمي

في ظني أنَّ مواجهة فساد المنظمات بحاجةٍ لرسم خارطة عمل تتألف مما يلي:

1) فريق قانوني يرصد المخالفات القانونية، ويرفعُ بها إلى الدول الدَّاعمة، وإلى الأمم المتحدة نفسها، ويتم تحريك الملفات قانونيًا، فهذا له أثر عملي على هذا الملف أعظم من الأثر التَّحذيري الخطابي المجرَّد. 

2) إنشاء لجنة علاقات عامَّة للتواصل مع هذه المنظمَّات والاطلاع على أعمالها من داخل المنظمةِ نفسها، وعدم الاكتفاء بما ينشر في الصُّحف عنها. 

3) مد يد التَّعاون مع هذه المنظمات، ومحاولة التَّأثير على برامجها وقراراتها من الداخل، وهذا يتطلب مهارات متقدمة في موضوع العلاقات العامة، ومن نافلة القول بأن خطوة كهذه تعني أنه ينبغي التخفيف من حدة الهجوم العشوائي لكسب هذه المنظمات، تمهيدا للشراكة المجتمعية معها من قبل المثقفين والنشطاء. 

4) توعية المستفيدين من الشَّعب اليمني بكيفيةِ الاستفادة من هذه المنظمَّات، والتَّفريق بين المحافظة على القيم الأخلاقية وبين الخبز الذي تقدمه المنظمَّة، وليس بالضرورة توجيه الاتهام مباشرة لهذه المنظمة أو تلك، ولا حتى إلى الأمم المتحدة نفسها، فليسَ مطلوبًا منَّا أن نشنع على الآخرين فيما يعتنقون ويفعلون، إنما يكفينا الاِهتمام بإغلاق منافذ الشَّر الدَّاخل علينا من قبلهم، وذلكَ بالتَّحفظ على البنودِ المخلة وعدم السَّماح بتطبيقها على الأرض. 

5) ليسَ كل خطأ يُرْصَد يمكن شن حملة إعلامية حوله؛ فهناكَ أولويَّات ينبغي مراعاتها بعد قراءةِ المشهدِ كاملًا. 

6) تجنب الدُّخول في متاهاتِ الحجج الخطابيَّة، مثل: هؤلاء كفَّار، ولا يحبونَ الخير لكم.. إلى آخره. 

7) لا ننسَ بأنَّ هذه المنظمَات تتبع سياسات الدُّول الممولة، وبالتَّالي ينبغي التَّواصل مع مراكز القرار- إن أمكن-وعدم اللجوء إلى ضربِ البردعة بدلًا من الحمار. 

8) التشبيك مع المراكز الرصديَّة ومراكز الدِّراسات في الداخل-إن وجدت- لتقديم معلومات ميدانية عن الأداء الإيجابي والسلبي لهذه المنظمات، وتشجيع طلبة الجامعات والباحثين لتقديم بحوث ميدانية تتعلق بهذا الأمر، مما يسهل استخلاص المعلومات الحقيقية، وبالتالي بناء مواقف وازنة. 

9) تشكيل لجنة تواصل (لجنة علاقات ولجنة قانونية) من النشطاء والمثقفين ووجهاء المجتمع للتواصل مع الحكومة اليمنية لمناقشة الملفات المشبوهة لهذه المنظمات واتخاذ خطوات حكومية، وقرارات رسمية بالحد من هذه التَّدخلات، وأقلها عدم الترويج للمثلية والشُّذوذ-إن كان ذلك ضمن برامج ورؤى هذه المنظماتِ فعلًا- واتخاذ قرارات بتجميد بعض بنود الاتفاقيات المتعلقة بهذه الجوانب، مع استمرار تفعيل الجوانب الإيجابية. 

10) أخيرًا: علينا أن نعلم بأنَّ المنظمات لم تأتِ من قبل نفسها، وإنما فرضتها الحاجة الماسة للشَّعب اليمني، في ظلِّ الوضع السِّياسي المعقَّد، والحصار المطبق، مما يعني أنَّ التَّعامل مع ملف المنظمات ينبغي أن يكون تعاملًا حصيفًا وحذِرًا، حتى لا نفقد مزيدًا من مصادر التَّمويل والإغاثة مهما كانت ضئيلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى