المدونة

رهاب الإخفاق … هل حقًّا يجب أن نخاف من الفشل؟

“لا شيء يقتل الأحياء مرتين مثل الخوف”

الخوف من الفشل أو الأتيكوفوبيا (Atychiophobia) هو أمر طبيعي في حياة أي إنسان، خصوصًا في الأيَّام الحالية، حيث يتصدر المشهد في وسائل التواصل الاجتماعي الكثير من الأشخاص الذين ليس لهم دور إلا رفع سقف توقعات وطموحات الأفراد، حتى أصبح الخوف من الفشل في الدراسة، أو في علاقة، أو حتى الفشل على المستوى الوظيفي هاجس يطارد الغالبية العظمى منّا. من منّا لم يمرّ بتجربة تملّكه فيها الخوف من النتائج المترتبة على ما يقوم به، ولكن، هل منعه الخوف من التوقف؟ في هذه المقال سأحاول الغوص سريعاً في معاني الخوف من الفشل وآثاره وكيفية مواجهته.

قبل كل شيء، يلزمنا تحرير المصطلح والتَّعريف به، فما هو الخوف من الفشل؟ إنه ذلك الخوف أو الرهاب الذي يصيب الإنسان فيمنعه من محاولة الوصول لأي هدف، على وجود القدرة والإمكانيات التي قد تعينه على تحقيق هدفه المرجو، وهو نوع من الخوف يؤدي عادة إلى الإحباط والعزلة.

في معرِض الكلام عن مثل هذه المخاوف يجب التَّأكيد على أنَّ منشأها يمكن أن يكون نتيجة التَّعرض لتجارب سابقة، أو نتيجة التَّعرض للانتقاد باستمرار، كما قد يكون ناتجًا عن التَّعلق بمظاهر الكمال، أو الافتقار إلى القدرة على اتخاذ القرار، أو حتى مجرد الخوف من المجهول. ومن أوجب الواجبات التذكير بأن تجاوز هذه المخاوف يحتاج لمختلف أنواع الدعم التي سيأتي الحديث عنها في المقال.

يقول براين تريسي “إن أسوأ المعتقدات المقيدة للذات هو الخوف من الفشل، الخوف من الخسارة، الفقر، الأخطاء، أو عدم تحقيق الهدف الذي وضعته لنفسك.”  ونقل عن مالكوم اكس قوله: “يجب أن نتعلم من الأطفال عدم الخجل من الفشل، إن معظم الكبار يرزحون تحت الخوف والحذر، ويركنون إلى الأمان، ولذلك تجدهم مجفلين وخائفين ولذلك يفشل أكثرهم”.

بالعودة للحديث عن حالة الرهاب من الفشل، فإنّا نجد أنها حالة تكون مصحوبة ببعض الأعراض الجسم-نفسية، منها على سبيل المثال لا الحصر؛ اضطراب المعدة -الإسهال-، الصداع، كثرة التعرق. تتفاوت الأعراض من شخص لآخر، وقد تدفع البعض لتجنب المحاولة لمجرد الخوف من الفشل، مما قد يترتب عليه الدخول في حالة اكتئاب، وما يتبع ذلك من أحداث.

ومن اللافت أثناء البحث في هذا الموضوع، أني وجدت أنه لا يلزم الاشخاص الذين يخشون الفشل، إخماد الخوف في نفوسهم، وبدلا من ذلك، عليهم إتباع طريقة تساعدهم في السيطرة على أفكارهم والتحلي بالشجاعة اللازمة لتخطى هذا الخوف، ومنها إلى اتخاذ القرارات.

مما يعين في التعامل مع الأمر، إذا أحسست أنك تعاني مثل هذا الرهاب، أو الخوف الغير مبرر من الفشل، فإنه يتوجب عليك أولا أن تتذكر المعنى الإيماني لتجاوز مثل هذه المخاوف، حيث أن واجب الأفراد لا يتعدى السعي، أما النتيجة فهي من أمر الله عز وجل، ويؤكد القرآن هذا المعنى في سورة القصص “مِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ”.

يقول ابن القيم – رحمه الله: “كان شيخ الإسلام ابن تيمية إذا اشتدت عليه الأمور قرأ آيات السكينة، وسمعته يقول في واقعة عظيمة جرت له في مرضه، تعجز العقول عن حملها؛ قال لمّا اشتد عليّ الأمر قلت لأقاربي ومن حولي: اقرؤوا آيات السكينة، قال: ثم أقلع عني ذلك الحال وما بي قبله” ثم عقّب ابن القيم قائلاً: “وقد جربت أنا أيضاً قراءة هذه الآيات عند اضطراب قلبي بما يرد عليه، فرأيت لها تأثيراً عظيماً في سكونه وطمأنينته.”

وبعد الجانب الإيماني لابد من التأكيد على الجانب العلاجي، فإذا أحس الفرد بحاجته للمساعدة، فتلك أول خطوة في طريق العلاج، وتلقي المساعدة دوما من الأشياء المعينة على تجاوز مثل هذه اللحظات.

وقبل الختام، وجب التَّأكيد على بعض النِّقاط المهمَّة، لا يحسن بنا تجاوزها، وهي على النَّحو الآتي:

الأولى: حتمية الفشل، إذ لا يمكن أن يكون المرء ناجحًا على الدوام، فلابد من وجود لحظات إخفاق، بمن فيهم العلماء.

والثانية: وجوب التحليل العقلاني لهذه المخاوف، فقد لا يكون ثمة داعٍ للقلق، وشعورك بالخطر محض توهمات خيالية لا أصل لها. 

والثالثة: ضرورة مواجهة هذه المخاوف، فمن المتعارف عليه أن التعرض المستمر والمتكرر للمحاولات، والفشل فيها، يزيد من فرص النجاح، ومن ثم التخلص شعور الخوف والقلق.

وفى الختام: لابد أن أعيد التأكيد على أن التكاسل عن العمل بسبب الخوف والرهاب قد تكون له كلفة عالية لا يستطيع البعض تحملها، ولذلك كان لابد من التأكيد على ما قاله ذلك الرجل الصلب العنيد نيلسون مانديلا: “تعلمت أن الشجاعة ليست غياب الخوف ، ولكن في الانتصار  عليه” لذلك فإن التغلب على هذا النوع من الخوف ضروري إذا كنت ترغب في تحقيق أهدافك. اجعل من هذا الخوف حافزاً ودافعاً نحو تحقيق النجاح لا التقوقع والانهزام، وتذكر كل أحلامك وكافح من أجلها. وأخيرا، أنهي حديثي بالمقولة الشهيرة التي تقول: “سوف توقعك الحياة مرارا وتكرارا حتى تعلمك كيفية مواجهة نفسك ومخاوفك”.

يوسف أبو العلا

يوسف أبو العلا طبيب جراح قلب في إنجلترا، وكاتب، وصانع محتوى متعلق بالكتب والعلوم علىٰ اليوتيوب، مهتم بالمجال التوعوي ونشر الوعي والثقافة العامة.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى