المدونة

قراءةٌ في كتاب: درس القرن العشرين لـ كارل بوبر

ماجدة العولقي

WhatsApp Image 2021 12 01 at 5.02.35 PM قراءةٌ في كتاب: درس القرن العشرين لـ كارل بوبر
كارل بوبر

ربما احتاجَ الفيلسوف الكبير (كارل بوبر) مع نهايةِ القرن العشرين أن يقفَ على سفحِ هذا القرن ويراه ماثلًا أمامه بجميعِ وقائعه وأحداثه ليقول خلاصة تجربته وعلمه في كل ما جرى من حوادث جسام وعلى رأسها الحربين العالميتين و سقوط الاتحاد السوفيتي.

الكتاب عبارة عن قسمين, 

القسم الأول: حوارٌ مع كارل بوبر

القسم الثَّاني: دراسات ومحاضرات قدَّمها حول الديمقراطية والحرية

ونُشر الكتاب في عام 1993م أي قبل وفاته بعامٍ واحد.

FEPz0sQXIAQULIe قراءةٌ في كتاب: درس القرن العشرين لـ كارل بوبر
كتاب درس القرن العشرين

من أهم دروس القرن العشرين التي قدَّمها بوبر هو نقده لفكرة الشيوعية وحتميتها التاريخية (شيء يجب أن يحدث) (الشيوعية ستحدثُ حتمًا) وكأنما هي مصيرٌ لا مفرَّ منه وبالتالي يهيئ هذا الادعاء لقبولها كأمر واقع لدى كثير من النَّاس.

يقول في ص٢٥: “المذهب الشيوعي هو اعتقاد بظهور عالم أفضل، مؤسس على قوانين الصيرورة التاريخية. إذا كانت هذه النواة، فعلى كل واحد واجب بديهي – خصوصًا الذين هم مثلي يكرهون الحرب والعنف- أن يؤيد الحزب الذي يحقِّق هذا الهدف. إن هذا الأمر الواقع، الذي يجب بكل الطرق أن يحدث، وإذا قاومت شخصية ما – علمًا بأنَّ الأمر يتعلق بشيء حتمي- فإن هذا يعد جريمة، لأنها تقاوم شيء يجب أن يحدث”.

تحدَّث كارل بوبر عن تجربته في إعادة دراسة وقراءة أعمال كارل ماركس بتمعن وتأمل شديد، وخلص إلى نتيجة مفادها: “أنَّ الرأسمالية كما وصفها ماركس لم توجد على الإطلاق. إنما هي محضُ اختلاق، نوعٌ من الخيال الشيطاني أو الرواية الشَّيطانية”.

كما انتقد إدخاله لفكرة الاقتصاد في فهم التَّاريخ وحركته وتطوره، وهو مالم يفعله أحد من قبله لدرجة قال عنه: ” إنه لمن الصَّحيح القول أنه قبل ماركس ليس هنالك تاريخ اقتصادي جديّ”(1).

واعتبار العامل الاقتصادي هو الوحيد في تفسير ملامح الحياة العامة والمجتمع أعطى نظرة سطحية لأنصار الماركسية ودفعهم في مبالغات كبيرة بينما الواقع ليس بهذه البساطة وهو أكثر تعقيدًا مما يظنون.

أيضا بيَّن أنَّ الماركسية خطأ علمي وعملي منذُ البداية؛ لأنها فكرة تقتضي البحث عن العدو وليس البحث عن الأصدقاء الذين من الممكن أن يساعدوا في إيجاد حلٍّ لمشاكل الإنسانية.

يقول بوبر: “أنت وأنا على سبيل المثال مهتمون بفكرة التَّعاون من أجل أن نساعد النَّاس، حتى يستطيع النَّوع الإنساني أن يجد حلولًا جيدة لمشاكله الأساسية. ماركس كان يبحث عن العدو الذي يقضي عليه، وهكذا ابتدع الرأسمالية كعدو يجب قتله”(2).

رفض بوبر أيضًا فكرة التاريخانية وهي في منظوره وتصوره محاولة التنبؤ بالمستقبل واعتبار هذا التنبؤ حقيقة وواقع لا مفرَّ منه بدلًا من ترك المستقبل مفتوحًا، يقول: “التَّاريخانية خطأ من أقصاها إلى أقصاها، يرى التاريخاني التَّاريخ مثل مجرى الماء، مثل النَّهر الجاري ويعتقد أنه يستطيع أن يتوقع أين يمر الماء”(3).

121396440 قراءةٌ في كتاب: درس القرن العشرين لـ كارل بوبر

هذه النَّظرة التَّاريخانية تقود النَّاس إلى الحكم على الأشياء من خلال التَّاريخ بينما نحن ربما نعيش مستقبلًا أفضل ولا داع للتكهن وربط المستقبل بالتاريخ، يقول بوبر: “أنظر إلى ماركس على سبيل المثال: كان يعتقد أنَّ كل الآلات سيكون لها محرك بخاري وأنَّ كل المحركات ستصبح كبيرة شيئًا فشيئًا. إنَّ آلة مثل آلة حلاقتي الكهربائية لم تكن لتخطر بباله، والظَّاهر أننا نسير نحو آلات صغيرة شيئا فشيئًا وليس آلات كبيرة وأنها موجهة لاستعمالاتنا الشخصية”(4).

يعتبر كارل بوبر رجل من رجال السَّلام العالمي وهو يؤكد على أنَّ السَّلام يبدأ من تربيةِ الأطفال وأنَّ وسائل الإعلام هي المسؤول الأول عن العنف، وهو يؤكد دومًا على ثلاثة مطالب: السَّلام، ومعالجة مشكلة الانفجار السُّكاني، والتربية على اللاعنف.

تحدث في القسم الثَّاني عن الديمقراطية وانتقد المبالغة في اعتبارها الشَّكل الأفضل في الحكم، إذ أنها كما يقول في ذاتها لا شيء مفيد فيها لأنها ليست أكثر من وسيلة لتجنب الطغيان لا أكثر ولا أقل.. يقول بوبر: “إنَّ كلمة الديمقراطية التي تعني (حكم الشَّعب) هي مع الأسف كلمة خطيرة، ذلك أنَّ كل فرد من أفراد الشَّعب يعرف تمامًا أنه لا يحكم ومن هنا يتكون لديه انطباع بأنَّ الديمقراطية تعتبر نوعًا من الاختلاس والنَّصب والاحتيال، وهنا يكمن الخطر”(5).

وقضية الأغلبية في الديمقراطية ليست شيئًا جيدًا دومًا لأنَّ الأغلبية قد تُنَصِّب الطَّاغية وتنتخبه حاكمًا لها.

وهو يرى أنَّ الديمقراطية في صورتها العملية التي ينبغي أن تكون عليها ليس هو (حكم الشعب) وإنما أن تكون (محكمة الشَّعب) أي: هي قدرتنا على إقالة الحكومة دونَ إراقةٍ للدِّماء.

وهو يرفض كثرة الأحزاب ويعتبره ضعفًا في الدولة لأنَّ ذلك يؤدي لحكومات ائتلافية وهي بطبيعتها غير واضحة المسؤوليات وبالتالي تصعب محاسبتها.

في الحرية انتقد الحريات المطلقة واعتبر أنَّ التَّعسف في استخدام الحرية مثل التعسف في استخدام السُّلطة سواء بسواء، فحرية الصَّحافة مثلًا وحرية التعبير يمكن أن تعطي أخبار كاذبة أو تدعو لإثارة الفتن وكل ذلك يضر المجتمع ولا يصح السَّماح به باسم الحرية.

فلا يجب إطلاق العنان للحريات وعلينا أن نربي الشعب على الاحترام وتحمل المسؤولية.. ويقول جملة معبرة وفي غاية الإيجاز : “نحن بحاجةٍ إلى الحرية لمنع الدَّولة من التَّعسف في سلطتها، ونحن بحاجةٍ إلى الدولة لمنع تعسف الحرية”(6).

الكتابُ على صِغر حجمه نفيسٌ جدًا, ويخرج القارئ منه وقد استوعب حقيقة الصِّراع السِّياسي والفكري في القرنِ العشرين بين قُطْبين كبيرين، قطب الشَّرق ممثلًا بالاتحاد السوفيتي وقطب الغرب ممثلًا بالولاياتِ المتَّحدة.

ومن المفيد جدًا مطالعة كتابه الآخر “المجتمع المفتوح وأعداؤه” مع هذا الكتاب؛ لأنه ناقشَ فيهما نفس الفكرة, وإن كانت بشكل أكبر وتفصيل أكثر في (المجتمع المفتوح).

هوامش:

(1) درس القرن العشرين, كارل بوبر, ترجمة: الزواوي بغورة, ط1, الدار العربية للعلوم ناشرون, بيروت 2008, ص٣٢.

(2) درس القرن العشرين, ص74.

(3) درس القرن العشرين, ص70.

(4) درس القرن العشرين, ص72.

(5) درس القرن العشرين, ص107.

(6) درس القرن العشرين, ص92.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى