المدونة

لماذا خسر المسلمون الحضارة العربية؟

بين يديكم رحلة فكريَّة علمية ثرية بأفكارها ومعلوماتها مع المفكر البروفيسور اللبناني الأمريكي جورج صليبا.

أستاذ العلوم العربية والإسلامية في جامعة كولومبيا العريقة. المولود في عام 1939م،  ويعدُّ من أبرزِ المفكرين العرب، حصل على شهادة البكالوريوس في الرياضيات في عام 1963م، وبعدها حصلَ على الماجستير في الآداب في عام 1965م، من الجامعةِ الأمريكية في بيروت، وتمكَّن من الحصول على الماجستير في اللغاتِ الشَّرقية، وفي العلوم الإسلاميَّة، ويعتبر من الشَّخصيَّات العلميَّة البارزة، حصلَ على عدةِ جوائز متنوعة، وله إسهاماتٌ معرفيَّة عديدة.

مجموعة من الأسئلة التي قد تكلفكَ الإجابة عنها ساعات وربما أيَّامًا كثيرة، يجيبكَ عنها الأستاذ في ساعتيْن متواصلتيْن من حلقة بودكاست مميزة بعنوان: “لماذا خسر المسلمون الحضارة العربية؟”.

ومن أبرز ما تمَّ نقاشه في الحلقة:

– انشغاله المستمر بمقولةِ شائعة: (العلوم في الحضارة العربية أتت من الحضارةِ اليونانية عبر اللغة السّريانية؟!)، وكلفته تلكَ المقولة دراسة ست سنوات للغةِ السريانية؛ لأنَّ في ذهنه أنَّ أي حضارة لا تأخذ من غيرها دون أن تترك أثرًا ولابد من تعقب هذا الأثر. وبعد البحث في النُّصوص السريانية يجد الأستاذ أنَّ ٩٩% من الأدب السرياني إنما هو تعليق على التوراة وليسَ له علاقة بالعلوم أبدًا.

– في القرن السَّادس الهجري ومع الفتوحاتِ الإسلامية بدأ الدَّمج بينَ الحضارتيْن العربيَّة والبيزنطية (اليونانية)، وعن طبيعةِ الحضارة العربيَّة والعلوم التي كانت تتمتع بها في ذلك الوقت، يجيبُ الدكتور:

كتبَ عبد الرحمن الصُّوفي كتابًا يجمعُ فيه بينَ علوم الحضارتيْن _ وهو عالمُ فلك مسلم _ وفي كتابه ذلكَ يتضح أنَّ في الحضارة العربية – على سبيل المثال – كان هناك تصورات لأمور تتعلقُ بعلمِ الفلك مختلفة عما كُتِبَ عند اليونانيين، بل ومتطورة عنها.. ويؤكد ذلك أحد العلماء الأوربيين في عصر النَّهضة (بيتر أبيانوس) وكان يستخدم بعض الترجمات من العربيةِ للاتينية لأسماء بعض الكواكب أو الظواهر الفلكية، والتي كان يستخدم لها في الحضارةِ العربية اسمًا واحدًا، أمَّا في اليونانية كانوا يستخدمون وصفًا كاملًا للظاهرة، فهناك فرقٌ بين وصف العرب لأحد الكواكب (النَّجم الفرد) ووصف اليونانين له بـ (النَّجم في صورة الدب).. وهذا دليل على تفوق العرب في وقت الاندماج.

– من الخطأ اعتبار أنَّ النهضة العملية بدأت في العصر العباسي، والصَّحيح أنها بدأت في زمن عبد الملك بن مروان أيام الدولة الأموية، وقد بدأت برسالة من ملك بيزنطة لعبد الملك بن مروان، وفحوى الرِّسالة أن يتوقَّف الخليفة عن استخدام (بسم الله الرحمن الرحيم) في بدايةِ رسائله التي كانت بينهم في المناطق التي كانت تحت حكم الدولة الأموية مع تهديد بمنع تداول الدينار البيزنطي في تلك المناطق، وهي بلا شك مشكلة اقتصادية، فاختار عبد الملك بن مروان البدء بصكِّ عملة جديدة وكانت بداية ذهبية لتطور كبير فيما بعد.

– الحضارة اليونانية بدأت تنكمش وتتقولب حول المعتقدات الدينية فتراجع دورها من ناحية ازدهار العلوم، على العكس تمامًا من الحضارة العربية التي شكَّل لها الدين دافعًا ومحفزًا للتَّطور والازدهار، وفي ذلك دحض لفكرة نشرها المغفلون: من أنَّ الدِّين يتعارضُ مع العلم وازدهاره..

– أما عن السَّردية القائلة: إنَّ العلوم العربية هي نقلٌ للعلومِ اليونانية عن طريقِ السريانية، فسببُ ذلكَ المستشرقون والاستعمار الذين زرعوا تلكَ الفكرة بين أوساط النَّاس؛ لأنها محبطة وتدعو للخنوع، والمستعمر يعلم أنَّ اكتساب الثِّقة من توضيح هذه الأمور له الأثر في نهضة الشُّعوب وبالتَّالي نهاية المستعمر.

مما زيفه الغرب المستعمر: أنَّ العلوم تدهورت في الحضارة العربية الإسلامية من زمن الغزالي (رحمه الله) الذي ألَّفَ كتاب (تهافت الفلاسفة) وهم بحسب ما عاشوه من الصِّدام الدائم بين العلم والكنيسة، فأنت إما أن تكون متدينًا تابعًا للكنيسة أو علمانيًّا بعيدًا عن الدين مقتربًا من العلم والتطور. واتهموا الإمام الغزالي بأنَّ تأليفه للكتاب يعد هجومًا على الفلسفة والعلم، ويوضح الدكتور جورج هنا: الكتاب اسمه تهافت (الفلاسفة) وليس (الفلسفة) وهناك فرقٌ كبير.. والواقع يظهر كذبهم فانتشار العلم والمعرفة وازدهارها في الحضارة العربية بعد الغزالي كان شيئا جليًّا يشهد به كل عاقل..

– انهارت حضارات كثيرة بعد ذلك مع الحضارة العربية كالحضارة الهنديَّة وبعض الحضارات الشَّرقية وكان ذلك لسببين:

1- اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح 

2- اكتشاف الأمريكيتين .

من أسوأ ما فعله الأوربيون عند حصول النهضة العلمية لهم أن غيروا شكل العلم وهدفه، ومن ذلك على سبيل المثال ما سموه بـ (براءة الاختراع) وقد ظهر بسبب ذلك الاحتكار العلمي، وانتقلت الغاية من هدف الوصول إلى الحقيقة ونفع البشرية إلى هدف الكسْب المادي والاحتكار للمعرفة.

– بعد زوال المستعمِر ما زال التَّخلف موجودًا؟!

يجيب جورج صليبا: الاستعمار ليسَ شوكة تخرجها ويشفى الجسم. الاستعمار يترك خلفية وهذه الخلفية الأخلاقية تحتاجُ لأجيالٍ حتى تتخلَّصَ منها وتعود الثِّقة للشعوب بأنها قادرة على الإبداع وينتهي عنها العجر.

مما لاحظته بدقة أثناء مشاهدتي للدكتور صليبا، أنه وبعد إقامة في أمريكا تجاوزت الأربعين عامًا ورغم تدريسه بالإنكليزية كل هذه الأعوام لم يتكلم أثناء اللقاء الذي اِمتدَّ لساعتيْن بكلمةٍ اِنكليزية واحدة، فهو يعتزُّ جدًّا بلغته الأم، وهذا قلَّ ما نجده اليوم.. ولهذا أمحض لكم النصح بشاهدة الحلقة كاملة، فما ذكرته هنا لا يغني عنها أبدًا.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. مقال رائع بحفز على الرجوع المادة الاساسية
    شكرا للاستاذ المقدم الذي أبدع في التلخيص

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى