يدعي حلمي القمص يعقوب والبابا شنودة أنَّ التَّفسير الرمزي لنشيد الإنشاد هو التَّفسير الصَّحيح، حيث يقول شنودة: “سفر النشيد يتحدث عن المحبة الكائنة بين الله والنفس البشرية أو بين الله والكنيسة، في صورة الحب الكائن بين عريس وعروسه”(1).
ويتابع قائلًا: “ولكي نفهم سفر النشيد لابد من أن نفهمه بطريقةٍ رمزية، وليس بتفسيرٍ حرفيٍّ، إنَّ التَّفسير الحرفي لسفر النشيد بمفهوم جسداني هو تفسير منفر. ولا يتفق مع روح النَّص ولا مدلول الألفاظ […] قديمًا لم يكن أحد يقرؤه إلا بإذن أو بإشراف أبيه الروحي”(2).
ولكن يحقُّ لنا أن نسأل السُّؤال الآتي:
هل التَّفسير الرمزي هو التفسير الوحيد للسِّفْر؟
الحقيقة، لا. فهناك تفسيرات أخرى للسِّفْر، حيث يقول القس منيس عبد النور: “يصف السِّفْر مباهج الحياة الزوجية ولا خطأ في الجنس الذي هو داخل إطار الزواج”. ويتابع قائلًا: “هناك ثلاث طرق لتفسير سِفْر نشيد الإنشاد:
الأول: التَّفسير الحرفي: ويقول إنَّ نشيد الإنشاد قصيدة حب بين الملك سليمان وزوجته.
الثاني: التَّفسير الرَّمْزي: يهدف إلى التَّخلص من الأوصاف البدنية للمرأة التي أحبها الملك ولرؤية معنى أعمق في السِّفْر، وهو محبة الرَّب لشعبه بني إسرائيل.
الثالث: التَّفسير النَّبوي: وقد أدخله إلى الفكر الكنسي كل من أوريجانوس وهيبوبوليتس، ويقول: إنَّ السِّفْر نبوة عن مجيء المسيح وإعلان محبة للكنيسة”(4). ويقول بول فريشاور: “في نشيد الإنشاد أو «نشيد الأناشيد» وجهات نظر ثلاث مختلفة:
-الرأي الأول: ينظر إلى السِّفْر نظرة حرفية تاريخية، ويقول: إنَّ هناك ثلاث شخصيات رئيسة، هي: الراعية شولميت وحبيبها الراعي الشاب والملك سليمان الذي يحاول أن يجذبها إليه.
-الرأي الثاني: فإنهم يقصرون القصة على اثنين فقط، وهما شولميت وسليمان، إلا أنَّ هذا الرأي لا يفسِّر ما جاء في هذا النشيد من إشارات إلى الحبيب الراعي، والمراعي، والجبال، مما لا يتفق مع حياة سليمان الذي نشأ في أورشليم وعاش فيها.
-الرأي الثالث: فهو الرأي الرمزي أو المجازي، وذلك أن هناك معنىً خفيًّا في كل دقيقة من دقائق نشيد الإنشاد فكل محبة إنسانية بشرية صحيحة في رأي الرمزيين أو المجازيين إن هي إلا رمز لمحبة الله لشعبه وانعكاس المحبة الإلهية(5).
قلت: إذًا، إن كان للسِّفْر أكثر من تفسير لماذا تلجأ الكنيسة للتفسير الرمزي فقط وترفض أي تفسيرات أخرى كما فعل حلمي القمص يعقوب؟(6).
حتمًا، بسبب الصور الإباحية في “نشيد الإنشاد” فهي كثيرة وصريحة المعالم فقد جاء في مقدمة ترجمة الرهبانية اليسوعية لهذا السِّفْر: (لا يرى بعض المفسرين في نشيد الأناشيد سوى مؤلف دنيوي (كتبرير زواج سليمان ببنت فرعون) ويذهبون إلى القول بأنه نشيد إباحي دخل قانون الكتاب المقدَّس عن طريق المصادفة(7)!
فالتَّفسير الرمزي الذي يقدمه البابا شنودة وحلمي يعقوب ليس إلا تحريفًا لدلالاتِ الألفاظ اشفاقًا على حياءِ القارئ ولدفع الحرج عن أنفسهم، ولذلك جاء في مقدمة هذا السِّفْر في الترجمة العربية المشتركة: (نجد في التوراة مجموعة من أناشيد الحب، يعبر فيها الحبيبان عن عواطفهما بشعر وواقعية، هذا ما أدهش القراء، بل صدمهم، في كتاب يتضمن كلام الله. لذلك حاول الشراح منذ القديم أن يعتبروا النشيد قصيدة رمزية تصور علاقات الله بشعبه)(8).
فيجب علينا أن نهمس للبابا شنودة وتلميذه حلمي يعقوب ونقول: لا مجال لترميز النَّص فهو يروج للغزل الصريح فقط. يقول د. يوحنا قَمَير في كتابه “نشيد الإنشاد أجمل نشيد في الكون”، صفحة 15 – 16 بعد عرض الآراء حول السِّفْر: (أيعقل أن يستعين شاعر نشيد الأناشيد بالأوصاف الجسدية الجريئة الواقعية ليرمز بها مباشرة إلى الله؟ أو إلى المسيح أو إلى الكنيسة أو إلى نفس المؤمن؟ السِّفْر واضح ولا مجال لتعقيده أو ترميزه إنه نشيد الحب الجسدي لا أكثر ولا أقل)، فالنَّشيدُ ليس إلا حوارًا بينَ حبيبٍ وحبيبته والقراءة الرمزيَّة ليست إلا سخرية من عقلِ القارئ، يقول الدكتور يوحنا قَمَير في كتابه “نشيد الإنشاد أجمل نشيد في الكون”، صفحة 10: (يتألف السِّفْر من ثمانية فصول تحتوي حوارات بين حبيب وحبيبته بتعابير غرامية جريئة للغاية فالحبيب يتغزل بجسدها عضوًا عضوًا وكذلك الحبيبة، ولا يتوقفان إلا على جمال جسديهما وسعادة لقائهما في حب عنيف مُتبادل ومن وقتٍ إلى آخر نسمع أصواتًا تتخلل حوار الحبيبين ولهف حبهما).
قلت: إذًا التَّفسير الرمزي هو ليس إلا محاولة فاشلة للدفاع عن السِّفْر المُغرق في الفُحش والإباحية ليس كما يدعي حلمي القمص يعقوب الذي يرمي من يتعجبون من ألفاظ السِّفْر بأنهم جسدانيون!! الحقيقة أنَّ نشيد الإنشاد لا يوجد به أي شيء يمت للدِّين بصلة ولا يوجد به أي شيء يجعلنا نقول بأننا نقرأ في سفر مكتوب بوحي فسفر نشيد الإنشاد على سبيل المثال لا يحتوي على أي معجزات فقد قرأت كتاب للعالم هربرت لوكير والكتاب باسم ”كل المعجزات في الكتاب المقدس” وفيه يسرد المعجزات التي وردت في كل سِفْر فجاء عند نشيد الإنشاد، وقال:
(لا شيء معجز في هذا السِّفْر اللاديني الذي لا يرد فيه من البداية إلى النهاية كلمة واحدة ذات ارتباط بالدِّين. ومع ذلك فهو متضمن في الكتاب المقدس، ويعتبر جزءً من الإعلان الإلهي على الرغم من عدم وجود أي عاطفة روحية من أي نوع. ولا توجد أي إشارة عابرة لأي طقس مقدس أو فريضة ما، وغرضه الوحيد التعبير عن عاطفة الحب)(9).
ويقول بول فريشاور: “نشيد الإنشاد أغنية إنسانية تشيد بالحياة ومسراتها وتدعو الرجال والنساء معا إلى الشبع والارتواء وممارسة الحب”(10).
وبالطبع مثل هذه الألفاظ مكانها ليس خلوات المتعبدين فنشيد الإنشاد لا يوجد به ما يرتبط بالديانة: يقول محررو دائرة المعارف الكتابية في الجزء الثامن صفحة 32. 63: (وهو أحد الأسفار الشعرية في الكتاب المقدس، واسمه في العبرية ”شير هشيريم” أي ”ترنيمة الترانيم” بمعنى ”أجمل الترانيم”. وهو سفر شعري صغير (ثمانية إصحاحات). وتصف قصائده الجميلة الكثير من أبعاد الحب البشري، ولا يرتبط بالديانة صراحة إلا القليل منها ..)، قلت :أين هذا القليل؟!
إذًا ما هو أنسب مكان لقراءةِ نشيد الإنشاد؟
تقول: مَاري بلتييه مؤلفة كتاب ”نشيد الأناشيد” من سلسلة دراسات في الكتاب المقدس صفحة 8: (أكَّدَ بعض الكتَّاب أنَّ هذا النشيد كان يُقرأ في الخمَّارات، وكأنها أغنية خمريَّة..).
قلت :إذًا ما هي فائدة وجود هذا السِّفْر ضمن كتاب يعتبر كتاب مقدَّس؟
من المفترض أنَّ الكتب الإلهية أنزِلت لكي تنظم حياة البشر وتقدم لهم تشريعات وحكم لتقويم سلوك البشر وتهذيب أخلاقهم فما الذي استفادته البشرية من هذا السِّفْر؟
أسئلة منطقية لكن بلا إجابة كالعادة.
الهوامش:
- البابا شنودة الثالث، تأملات في سفر نشيد الإنشاد، الكلية الاكليريكية بالكاتدرائية-العباسية-القاهرة الطبعة الأولى، أغسطس. 2002، صفحة8.
- المصدر السابق صفحه9.
- د. منيس عبد النور، شبهات وهمية حول الكتاب المقدس، صفحه 209، كنيسة قصر الدوبارة 7شارع الشيخ ريحان جاردن سيتي .
- المصدر السابق صفحه 210.
- بول فريشاور، الجنس في العالم القديم ص270 ترجمة فائق دحدوح، دار نينوي (1999).
- حلمي القمص يعقوب، مدارس النقد ونشيد الإنشاد صفحه9-12.
- ترجمة الرهبانية اليسوعية، بيروت: دار المشرق 1994م، ص1380.
- الترجمة العربية المشتركة، لبنان: جمعية الكتاب المقدس 1995،ص839.
- كتاب كل المعجزات في الكتاب المقدس – هربرت لوكير – صفة 159.
- بول فريشاور، الجنس في العالم القديم 271ترجمة فائق دحدوح، دار نينوي (1999).