المدونة

مختصر أبي شجاع وشروحه المعاصرة (المد المستطاع) نموذجًا

على تنوع المنهجيات في دراسة الفقه الشَّافعي؛ فلا تكاد تخطئ عينك وجود متن (غاية الاختصار) للعلامة أبي شجاع أحمد بن الحسن الأصفهاني (ت: 500هـ) ضمن هذه المنهجية.

فرغم كونه من المتون المختصرة، إلا أنه كثير النَّفع، عظيم الفائدة، إذ قد أكثر فيه مؤلفه العلامة الأصفهاني من التَّقسيمات وحصر الخصال. والظاهر أنه اختصره من (الإقناع) للماوردي، وحلاه بزوائد من (التَّنبيه) للشيرازي وغيره.

ولذا لم يخل عصر منذ صنفه مؤلفه إلا وعليه شرح، أو اختصار، أو نظم، أو حاشية؛ إلى يومنا هذا.

وعلى الرغم من شهرة المتن؛ فإنك لا تكاد تظفر بترجمة تليق بهذا الإمام، بل العمدة في ترجمته ما ذكره الحافظ أبو الطَّاهر السِّلَفِي في معجم السفر (صـ 24): “أخبرنا القاضي أبو شجاع أحمد بن الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد الشافعي العبَّادَاني – بالبصرة – … والقاضي أبو شجاع هذا من أفراد الدَّهر؛ درَّس بالبصرة – أزيد من أربعين سنة – مذهب الشَّافعي؛ ذكر لي هذا سنة خمسمائة، وعاش بعد ذلك مُدة لا أتحققها. وسألته عن مولده فقال: سنة أربع وثلاثين وأربعمائة بالبصرة. وقال: ووالدي مولده بعَبَّادَان، وجدِّي الأعلى أَصبَهَاني”. ا.هـ.

وقد وقع خلط عند كثير ممن ترجم له بينه وبين الوزير أبي شجاع محمد بن الحسين بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم الرَّوذرَاوَرِي ؛ نظرا للتشابه والتقارب في الاسم والكنية ، كما أنهما كانا في عصر واحد.

نعود إلى المتن فنجد أنَّ أكثر ما يلاحظه القارئ لهذا المتن المبارك من ملامح، هي:

1. الاختصار والإيجاز، فكأنَّ هذا المتن حوى رؤوس المسائل وأهم المهمات وأكثر ما يحتاجه طالب العلم. 

2. الوضوح التَّام لألفاظه وعباراته؛ فهذا المختصر النَّافع شديد الوضوح حتى أنَّ الطالب ليفهم جله دون شرح. بخلاف بعض المختصرات التي قد تصعب على الطالب لما فيها من التعقيد والغموض الناتج من الاختصار الشَّديد. 

3. حسن التقسيم للفقرات، وتناسبها وانسجامها مع بعضها البعض. 

4. إكثاره من التقسيمات للأحكام وذكر أنواع وصور المسائل بطريقة مرتبة قريبة للذهن، مما يساعد على حسن التَّصور لمسائل الفقه وتبيُّن ترابطها. 

5. أن كلماته – في كثير من المواضع – مأخوذة بحروفها من نصوص الوحيين – الكتاب والسُّنة – ، مما جعل الدارس مستحضرًا لهذه النُّصوص الشَّرعية ويكون على ثقة في الأحكام المذكورة فيه.

وإلى عصرنا الحاضر يتبارى المشايخ والفقهاء الشَّافعية في شرح متن (غاية الاختصار)، ومن آخر هذه الشروح الشرح الماتع للدكتور علي زين العابدين الحسيني والذي وسمه بـ (المد المستطاع لمقاصد مختصر أبي شجاع).

وقد انطلقَ الدكتور – حفظه الله وباركَ في جهوده – من شرح العلامة ابن قاسم الغزي المسمى بـ (فتح القريب المجيب) وهو من أنفس شروح متن أبي شجاع لتحريره وإتقانه؛ حتى لقَّبه كثيرٌ من العلماءِ بـ (التُّحفة الصَّغيرة) إشارة إلى تحفة ابن حجر.

وقد وضعَ العلماء الكثير من الحواشي على شرح الغزي: مثل العلامة القليوبي، والعلامة الشبراملسي، والعلامة البرماوي، وغيرهم ؛ لكن أجمع هذه الحواشي وأنفعها وأكثرها فائدة هي حاشية شيخ الأزهر العلامة إبراهيم الباجوري؛ إذ أنه جمع فوائد من سبقه وزادها تحريرًا وتنقيحًا.

فانتقى الدكتور الحسيني من فوائد هذه الحاشية النَّفيسة زبدتها وجمع من هذه الزوائد خلاصتها؛ ثمَّ أعاد صياغة الكل وسبكَ المتن والشَّرح وفوائد الزوائد سبكًا محكمًا ومزجها لتخرج كتابًا واحدًا؛ فيريح الدارس من تشتت النَّظر ما بين المتن والشَّرح ثمَّ الحاشية.

فكان هذا الشَّرح على وجازته فيه تلخيص جهود عشرات من فحول علماء الشَّافعية، مع حسن ترتيب تبعًا للمتن، مع التزام بيان أصول المهمات من التَّعريف وتعداد الأركان والسُّنن ونحوها من الخصال. ثمَّ إنه اقتصر في هذا الشَّرح على ذكر المعتمد فقط، ليكون عونًا للطالب على معرفته دون عناء وتجشم بحث ذلك.

فجزاه الله خيرًا وبارك في جهوده ونفع بها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى