ترجمات

رموز الإعجاب، القلوب، تعليقات الثناء .. تضر بعقلي

ديفيد هانسون

ترجمة: نوال السُّليمان

قضيتُ نصف حياتي في نشر أفكار ومقالات وكتب وبرامج مثيرة للجدل، وقد منحني هذا جلدًا في مواجهة المبغضين، ومدّني بالقوة للمضي قدمًا برغمِ أقاويلهم، ولكن وبعد عقدين من تلقي عملي لردود فعل إيجابية، لازلت أجد صعوبةً في التعامل مع بوادر الإعجاب.

في الحقيقة يزداد الأمر سوءًا إذ يحقنني تطور التقنية -أو تواطؤها إن شئت القول- بجرعات ثابتة من رموز الإعجاب والقلوب والإطراءات، تنغرز تلك الجمل مباشرة في جزء من عقلي لم يزل هشًا وطريًا أمامها كما كان أبدًا .

يُسبب هذا التدفق المتكرر للأندروفين (ما يسمى بهرمون السَّعادة) الإدمان، ولاشك أنَّ هناك ضروب إدمانٍ أسوأ من إدمان رموز الإطراء لعمل يستحقها؛ غير أنَّ هذا لا يغير حقيقة كونها إدمانًا أيضًا بأعراض جانبية مشابهة لأي إدمانٍ آخر.

كبداية فإنها تقوم بتحفيز التبعية من خلال إرضائها الغرور، مما ينتج عنه تقلصٌ في المغزى الجوهري للعمل أمام موجات التفاعل الخارجي الذي يتلقاه، في انتظار أن تقوم الحشود بإضفاء القيمة على العمل، لا أن يحوز العمل كما هو مفترض على رضا الحشود .

تثير هذه المتتالية القلق وربما أدت إلى سلوك جنوني فعلًا. فقد وجدتُ أنَّ إثارة الجماهير بمنشور ما يقوم بدوره باستفزاز أعصابي بشكل مؤذٍ، وأنَّ نشر مقالٍ جدلي كفيلٌ بإفساد يومٍ جيد. حلقة لا تنتهي من التحديث لمشاهدة تعليقات المديح ومراقبة عدَّاد التغريدات المتزايد، ورؤية رموز الإعجابات تتدفق.

يسوء الحال مع اعتيادك هذا المستوى من التفاعل الإيجابي، فحين يحظى آخر منشور بتفاعل كبير فإن أي تدنٍ في التفاعل مع المقال التالي يُعدُّ فشلًا، يا له من خطٍ منحرف.

أظن أن هذا التساهل المتزايد أبدًا هو ما أفسد الكثير من المبدعين. وكلما زادت سطوة وسرعة تأثير إشباع التقدير والإعجاب هذا كان التخلي عنه والاعتياد على غيابه بالغ الصعوبة.

ليس عليك إلا أن تلقي نظرة على نجوم الروك، كم منهم انتهى به المطاف حطامًا مزعزعًا ، يحتاج لمخدرات حقيقية تحل محل مخدِّرِهِ الأول: استحسان الحشود، تلك النشوة الطبيعية الناتجة عن هتاف الجمهور لك يمكن بالكاد استبدالها بمواد كيميائية رديئة غير أنّها -على الأقل- تخفف من وطأة الأعراض الإنسحابية لذلك الإدمان.

وكما هو الحال مع معظم مواد الإدمان فإن مقدار الجرعة هي ما يصنع السم، ففي حال لم تك معتادًا على أن يحظى عملك بردود فعل إيجابية، فالنشوة الأولى جرّاء رؤية التفاعل هي ما يمنحك دفعة حقيقية من شأنها أن تزودك بالدافع للاستمرار في الوقت الذي كنت فيه قبلها على وشك الاستسلام. وهذا الدعم ليس سيئًا بحدِّ ذاته؛ بل التعرض له على المدى الطويل هو ما يتسبب بالضرر، إنه التساهل المتزايد، وإشباع الغرور بالتدريج ، إنه سقوطٌ لا بالضربة الأولى وإنما بالخامسة والأربعين.

لقد كان أسبوعا جديرًا بالامتناع عن استخدام تويتر  والانستغرام ما عكس هذا التأثير لدي، الشعور بالحرية ، التحرر من اللعب أمام جمهور يملك سلطة تقييم الأداء بشكل فوري. التحرر من رموز الإعجاب والقلوب وتلك الإطراءات.

لستُ واثقًا من رغبتي بالعودة.

لقد كتبتُ هذه المقالة لموقع (ميديوم) في عام ٢٠١٨، وهي الآن أصدق من أي وقتٍ مضى، وهذا من أهمِّ الأسباب التي جعلتني استمتع كثيرًا بالكتابة لموقع (هي وورلد)؛ حيث لا إعجاب ولا إعادة تدوير، بعض الردود عبر الرسائل البريدية وحسب.

لا تسلم إبداعك لسطوة استبداد المقاييس.
square headshot dhh رموز الإعجاب، القلوب، تعليقات الثناء .. تضر بعقلي
ديفيد هانسون
مبرمج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى