علوم

هل حجم الأشياء يدلُّ على قيمتها؟

مقاربات حول فرضيةِ الأرض النَّادرة

أحمد زكريا علي – مصر

مقدمة :-

ينظر البعض إلى الإنسان بل وإلى كوكب الأرض نظرة ضئيلة وكأنَّ الإنسان و الكوكب ذرة غبار, ولكن إذا ما نظرنا جيدًا للإنسان والكوكب سنعرف خطأ هذه النَّظرة, وفي هذا المقال سوف نوضح ذلك بشيءٍ من الإيجاز نظرًا لأنَّ الأمر يحتاج إلى أكثر من مقال.

أولًا: الكون والإنسان :-

588888888888888888888 هل حجم الأشياء يدلُّ على قيمتها؟

منذ وجود الإنسان في هذا الكون الفسيح وهو يشعر بهدف وغاية خُلِقَ من أجلها, لذلك بدأ الإنسان منذ القِدَم يبحث عن سببِ وجوده, بل, ويبحث لماذا نحن هنا؟ من تلك النقطة وغيرها من الأسئلة الوجودية الكبرى؛ اكتسب الإنسان إحساس في الشعور بمركزيته في هذا الكون, ولكن بدأ اتجاه يظهر معاكس للاتجاه السَّابق يقلل من شأنِ الإنسان بل من شأن كوكب الأرض مقارنة بحجمِ هذا الكون.

والسؤال الذي يفرضُ نفسه: ما علاقة المركزية بالحجم بل ما علاقة أهمية الأشياء بحجمها ؟

إنَّ الكون الذي يتكون من تلك الأجرام الكبيرة, يتكون كذلك من أشياء متناهية الصّغر, فمثلًا: النُّجوم التي نراها تتكون من ذرَّات, تلك التي بدورها تتكون من جسيمات أصغر, حيث أنَّ لدينا على صعيد الكون مستويين متناقضين أحدهما متناهي في الصغر, والآخر ضخم هائل, لذلك عندما حاول أنصار الاتجاه الثاني التقليل من مكانه الإنسان قاموا بمقارنة الإنسان بالكون في محاولة منهم لإثبات أننا لا شيء.

لكن من يريد الإنصاف والحكم على هذه الأمور  جيدًا عليه أن ينظر من جميعِ الجوانب, ولا يأخذ جانبًا واحدًا, لأنَّ كوننا عبارة عن ثلاثِ مستويات, وهي على النَّحو الآتي:-

1- المستوى الكبير الهائل الذي ينظر إليه البعض ويقوم بعمل مقارنة مع الإنسان وهذا المستوى الكبير تعمل فيه قوانين النِّسبية العامة.

2- المستوى العادي الطبيعي وهو ما نتعامل معه طبقًا لأحجامنا في الحياةِ الطبيعية وهو ما ينطبق عليه قوانين نيوتن أو الفيزياء الكلاسيكية.

3- المستوى الصَّغير وهي الذَّرة وما دونها, وهو ما ينطبق عليه قوانين الكوانتم ودومًا ما تكون نتائجه غريبة لنا لاختلاف طبيعته عنا.

قولنا يشمل نطاق علم الفيزياء, كل ما في الوجود, أي الكون, يشمل كل ما هو كبير للغاية, وما هو صغير للغاية, وبين ذلك العالم الكبير و العالم الصغير, يوجد الإنسان في وسط هذا التَّدرج حيث أنَّ البشر تركيبات بالغة الاستقرار في الكون, وبالتالي إذا قمنا بمقارنةٍ بين الإنسان والكون فعلينا أن ننظر نظرة شاملة, ولا نأخذ جانبًا واحدًا, فوفق المقياس اللوغاريتمي(1)  نقع في منتصفِ المسافة بينَ الحجم المتناهي في الصغر وبين الحجم المتناهي في الكبر, وعلى هذا يمكننا القول: حتى ولو لم نكن نحن المركز إلا أننا متميزون.

وعلى هذا إذا ما قمنا بعملِ مقارنةٍ بين المستوى المجري والذري, ومستوى الإنسان, سوف نجد أننا نحن البشر الكائن الواعي في هذا الكون, وأنَّ الإنسان هو الذي يستطيع تسخير المستوى المجري والمستوى الذري كليْهِما, وبالتالي فإنَّ المقارنة بين الأحجام هي مقارنة معيبه تنمُّ عن نظرة متحيزة وغير منطقية.

ثانيًا: كوكبنا المميز:-

555 هل حجم الأشياء يدلُّ على قيمتها؟

أولًا: معادلة الأرض النَّادرة :-

يقدم البروفيسور بيتر وارد عالم الجيولوجيا والأحياء الفضائية, والبروفيسور دونالد براونلي عالم الفيزياء الكثير من الأدلة بأنَّ الحياة المعقدة غير شائعة في الكون, وأنَّ كوكب الأرض هو الكوكب الوحيد الصَّالح للحياة, وذلك في “كتاب الأرض النَّادرة”, بينما الحياة الميكروبية قد تكون شائعة في الكون حيث أنَّ الحياة المعقدة تطلب مجموعة من الشروط النادر توافرها, وبالتَّالي فإنَّ تلك الحياة نادرة للغاية ولا تتوافر إلا في كوكبنا المميز, ومن أهم تلك الشروط:

– وجود كوكب أرضي مع صفائح تكتونية و أوكسجين

– وجود قمر وحقل مغناطيسي

– عملاق مثل كوكب المشتري يوفِّر الحماية للكوكب

– نجم داعم للحياة مع منطقة صالحة للسَّكن الكوني.

يجادل وارد وبراونلي كذلك أنَّ الحياة المعقَّدة لن تستمر على الأرض, وذلك بالنظر في الماضي الجيولوجي للأرض من كرة الثلج لانفجار كمبري لبعض حوادث الانقراض التي حدثت على الأرض, وهذا الأمر يدلُّ أنَّ بقاء الحياة المعقدة على كوكب نادر وهو كوكب الأرض لن يستمر للأبد, بل لذلك نهاية أكيدة وبالتالي يؤكد وارد وبراونلي أنَّ الحياة المعقدة ليست شائعة في الكون فقط, بل أيضًا له عمر محدود بحيث أنها تظهر في الوقت المناسب ولا تستمر دومًا بل لابدَّ لها من نهاية, ولذلك وضع براونلي وورد تلك المعادلة الشهيرة للأرض النَّادرة وهي المعروفة بمعادلة الأرض النَّادرة.

تلك المعادلة ينتج منها القيمة (N) هذه القيمة تمثل عدد الكواكب الشبيهة بالأرض والتي يمكن أن تحتوي على حياة معقدة كتلك الموجودة على كوكبنا

N = N* fp fpm ne ng fi fc fl fm fj fme

N*=  ويشير ذلك إلى عدد النُّجوم الموجودة في مجرتنا درب التبَّانة

Fp = ويشير ذلك إلى عدد النجوم الذي يتبعها نظام كوكبي

Fpm = وتشير إلى نسبة الكواكب التي يتوافر بها المعادن

ne = وتشير إلى عدد الكواكب التي تقع في النطاق الصالح للحياة بالنسبة لهذا النجم

ng = وتشير إلى أعداد النجوم الموجودة في النطاق المجري الذي يصلح للحياة

Fi = وتشير إلى عدد الكواكب التي توجد في النطاق الصالح للحياة والتي يمكن نشوء الحياة عليها.

Fc = وهي تشير إلى عدد الكواكب التي يحتمل أن تنشأ حياة متعددة الخلايا عليها.

Fl = تشير إلى نسبة حياة الكواكب التي نشأت خلالها حياة متعددة الخلايا

Fm = تشير إلى عدد الكواكب التي تمتلك أقمار كبيرة الحجم

Fj = تشير إلى نسبة الأنظمة الشمسية التي تمتلك كواكب بحجم كوكب المشتري

Fme = تشير إلى عدد الكواكب التي تمتلك رقم قليل من الحوادث المسببة للانقراض

4 هل حجم الأشياء يدلُّ على قيمتها؟

من ذلك كله, استنتج العالمان أنَّ الأرض هي كوكب مميز لا مثيل له تتوافر فيه جميع العوامل لنشوء الحياة المعقدة, وذلك على النَّحو الآتي:

1- N* : إنَّ تقدير عدد النجوم في مجرة درب التبانة أمر يواجه صعوبة لأننا لا نعرف كتلة مجرتنا بشكلٍ جيد كما أنه لا يوجد سوى معلومات ضئيلة حول عدد النُّجوم الصغيرة جدًا الأمر يقترب من (500) مليار نجم من جميع الفئات, ولم يكتشف حتى الأن نجم يتبعه حياة معقدة رغم ذلك.

2- Fp: يعمل العلماء بشكل مستمر على اكتشاف الكواكب, و منذ اللحظة التي اكتشف فيها وجود كواكب تدور حول نجوم أخرى, ومنذ ذلك الحين تمَّ اكتشاف الكثير والكثير من الكواكب ولكن غير واضح أي جزء من النجوم في المجرة يحتوي بالفعل على كواكب كبيرة أو متوسطة تتوافر فيها كل شروط الحياة.

3- fpm: رغم رصد الكواكب التي تدور حول نظام شمسي إلا أنَّ الكواكب الغنية بالمعادن قد لا تكون شائعة في الكون حيث أنَّ الأمر يقتصر على عدد قليل جدًا من الكواكب لكن النتيجة الأكثر إثارة أنَّ الأرض نادرة لما تحتوي عليه من معادن بتلك الوفرة, كما إنَّ قلب كوكبنا الغني بالمعادن هو المسؤول عن حسن ضيافتنا .

4- ne = يقع كوكب الأرض في المنطقة الصَّالحة للحياة بشكلٍ مدهش بحيث أنَّ مدارات الكوكب مضبوطة بدقة شديدة مما سمح بوجود المياه السَّائلة بحيث لو كان مدار الأرض أصغر ولو بنسبة (%5) أو أكبر بنسبة (15%) ستخرج الأرض من المنطقةِ الدَّاعمة للحياة, وبالتالي فإنَّ متوسط عدد الكواكب في المناطق الصَّالحة للسكن بالنسبة لجميع النجوم في المجرة ضئيل جدًا جدًا بالفعل.

5- ng: مجرتنا هي مجرة حلزونية, بالطبع هناك أنواع أخرى من المجرات مثل المجرات الإهليلجية وغير النِّظامية تقع شمسنا على بعض حوالي (25000) سنة ضوئية من مركز المجرة, وهي تساوي ثلث المسافة من المركز إلى الحافة, وفي هذا الموقع المميز ندور ببطء حول المحور المركزي للمجرة. إنَّ شمسنا ومجموعتنا الشمسية يعودانِ إلى حوالي 4.5 مليار عام ولقد نشأوا في مكانٍ محدد في مجرتنا, إذ تقع مجموعتنا الشمسية بعيدًا عن مركز المجرة وبين أذرع المجرة الحلزونية, لكن هل نقع بين أحد الذراعين؟ الإجابة: لا تقع شمسنا في مكان نادر جدًا يكون موافقًا لسرعتها حول مركز المجرة مع سرعة الأذرع التي تقع بينهما بحيث لا تخرج عن هذا المكان, وهذا بعكس النجوم التي تقع أقرب لمركز المجرة أو أقرب قليلًا من الأذرع فإنَّ هذه النجوم تغير مكانها الذي كان بين الأذرع وذلك بسبب عدم توافق سرعة دورانها مع سرعة دوران الأذرع, لكن شمسنا تظل في هذا المكان بين الأذرع حتى مع الدوران حول مركز المجرة, إذ  إن هذا الموقع الفريد هو الذي يمكننا من اكتشاف الكون؛ لأنه بعيد عن الغازات التي تملأ الأذرع والمواد التي تدور فيها وتدور معها كما أننا في هذا المكان نكون بعيدين تمامًا عن الأماكن ذات الكثافة العالية حيث تمتلئ تلك الأماكن بانفجارات “السوبر نوفا” التي قد تدمر مجموعتنا الشمسية لو كانت قريبة منها ولذلك نحن نمتلك نجم فريد وفي منطقة فريدة.

6- Fi: إنَّ موقع الأرض وجحمها وتركيبها وبنيتها وجوها ودرجة حرارتها وحركاتها الداخلية وكذلك دوائرها المعقدة الضرورية للحياة؛ تشهد بأنَّ كوكبنا متزن بدقة, ويسمح بوجود الحياة المعقدة فلا يوجد كوكب مثل الأرض في المناطق الخارجية من المجرة, فلقد تشكَّل كوكبنا في المنطقةِ الصالحة للسكنى من الشَّمس لكن إذا ما نظرنا للكواكب الأرضية الأخرى في الكون فإنها عادة ما تكون إما بعيدة عن المنطقة القابلة للسكنى الكوني أو إذا كانت قريبة من المنطقة القابلة للسكنى الكوني فإنها عادة ما تكون قليلة المياه بالإضافة إلى أنها تفتقر للعناصر الأساسية المكونة للحياة أو أنَّ هذه العناصر قليلة, وبهذا فإنَّ كوكب الأرض هو كوكبٌ فريد.

5611555656 هل حجم الأشياء يدلُّ على قيمتها؟

7- fc: إنَّ الكواكب التي تحتوي على حياة معقدة غير شائعة في الكون واحد فقط من الكواكب الذي يحتوي على ذلك هو كوكب الأرض, إذ  تشير الأدلة أنَّ كوكب الأرض هو الوحيد الذي مرَّ بسلسلة من الأحداث لظهور الحياة المعقدة حيث كان يحتوي في البداية على حياة بكتيرية ثم مرَّ بمجموعة من الأحداث المناخية والجيولوجية حتى ظهرت الحياة المعقدة خلال الانفجار الكمبري, فلا يوجد كوكب واحد حتى الأن يحتوي على حياة معقدة ولم يمر بهذا التطور من الأحداث باستثناء كوكب الأرض المميز, إذًا كوكب الأرض متفردٌ في هذا الكون.

8- FL: يعد عمر الكوكب أحد أهم الأسس لظهور الحياة المعقدة عليه, فظهور الحياة المعقدة يستغرق وقتًا زمنيًا كبيرًا, وبالتالي يعتمد وجود حياة معقدة على كواكب أخرى وجود فترة زمنية وظروف مثالية لوجود هذه الحياة, وهو ما لم يوجد حتى الأن سوى في كوكب الأرض.

9- Fm: على الرغم من وجود العشرات من الأقمار في النِّظام الشَّمسي, فإنَّ قمر كوكبنا الأبيض الشَّبحي المألوف الذي ينير سماء الكوكب هو قمرٌ فريد للغاية, وقد لعب دورًا مدهشًا في تطور الحياة على الأرض, إذ إنَّ وجود هذا الكوكب الفريد قد مكَّنَ الأرض لتصبح موطن طويل الأجل للحياة, فوجود هذا القمر التَّابع للأرض أمرٌ مهمٌ جدًا في مفهوم الأرض النَّادرة, وذلك لأنَّ احتمال وجود كوكب يشبه الأرض يمتلك مثل هذا القمر هو احتمال ضئيل جدًا فلو نظرنا حولنا فسنجد الكواكب الشبيهة بالأرض والتي تقع قريبة من الشمس, تقع ضمن المنطقة القابلة للسكن الكوني تخلو من وجود أقمارٍ لها, القمر الوحيد إلى الأن المناسب للحياة هو قمر كوكبنا, بينما نجد عطارد والزهرة ليس لديهما أقمار, بينما نجد لدي المريخ قمران صغيران هما” فوبوس وديموس” وهما ذاتا قطر عشرة كيلومتر, بينما نجد أنَّ بعض الأقمار ذات حجم ضخم مثل قمر المشتري “جانيميد” وهو تقريبًا في حجم المريخ, وكذلك قمر “تيتان” التابع لزحل كبير الحجم, فالمحصلة النهائية أنَّ قمر كوكبنا وتبعيته للأرض هو حدثٌ نادر جدًا أنتج قمرًا نادرًا استثنائيًا وهو أمرٌ غير شائعٍ في الكون .

10- fj: إذا لم يكن كوكب المشتري موجود في المنظومة الشمسية فإنَّ تردد اصطدامات المذنبات والكويكبات على الأرض ستزداد بمعدل عشرة آلاف مرة, فلولا وجود كوكب مثل المشتري فلن نكون موجودين الآن لندرس أصل النِّظام الشمسي, فإذا لم يكن المشتري موجود أو كان في مدار مختلف كثيرًا فقد تزداد فترة الاصطدامات إلى ضربة واحدة كل عشرة آلاف عام مما يعوق تطور الحياة.

11- fme: تعتبر حوادث الانقراض في تاريخ الكوكب قليلة أو نادرة للغاية, هذا الأمر يحتاج لنظام مضبوط بدقة, جميع عناصر هذا الأمر متوافرة في كوكب الأرض, وبالتالي كان ذلك مهم جدًا لتطور الحياة بشكلٍ منظَّم على الأرض.

استنتج العالمان من ذلك, ما يأتي:

– كوكب الأرض هو الكوكب الوحيد الذي يتوافر فيه كل هذه المقومات وهو معدٌّ بدقة.

– أنَّ الأرض النَّادرة هي الحل لمفارقة فيرمي.

المراجع العلمية :-

1- كتاب الأرض النادرة:
– عالم الجيولوجيا والأحياء الفضائية: البروفيسور: بيتر وارد
– عالم الفيزياء: البروفيسور : دونالد براونلي

2- كتاب الصنع المتقن:
الدكتور: مصطفى قديح: دكتوراة في الفيزياء النظرية

3- كتاب الكوكب المميز:البروفيسور:
– عالم الفيزياء: البروفيسور: غييرمو غونزاليس
– فيلسوف العلوم: البروفيسور: جي ريتشاردز

هوامش:

(1)  يراجع كتاب: “الصنع المتقن”, لتوضيح هذا المقياس.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى