الانسان كائن اجتماعي وابن بيئته يتأثر بما يحدث فيها من ظواهر ومتغيرات اجتماعية، ويؤثر فيها سلباً وايجاباً بمقدار ما يقدمه لها أو يمنعه عنها من جهد نافع ونماء؛ ولعل الحروب من أهم المتغيرات الاجتماعية التي تؤثر في بنية المجتمع وعلائقه متعددة الجوانب ومتنوعة الاتجاهات مما يؤثر على الفرد والأسرة والمجتمع.
والتاريخ اليمني مليء بالصراعات والأزمات والنزاعات المسلحة عبر تاريخه الطويل؛ مما ترتب عليه تأثيرات (اجتماعية وثقافية ونفسية واقتصادية وتربوية) على الأسرة اليمنية وأفرادها بما انعكس على بنية المجتمع اليمني حتى الوقت الحاضر.
بلا شك بأن الوضع الكارثي للحرب أثر على العلاقات بين(الفرد- الأسرة- المجتمع)؛ ويشير (موقع مواطن) و(منظمة العفو الدولية في 24مارس 2020م): بأنه قدرت خسائر الاقتصاد اليمني المباشرة الناتجة عن الحرب بـ(100) مليار دولار، وارتفعت معدلات الفقر في أوساط اليمنيين من (49%) قبل الحرب إلى(86%) نهاية العام(2019)، ليرتفع أعداد الفقراء الذين يحتاجون لمساعدات إنسانية إلى(24) مليون من أصل(30) مليون يمني، وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن الحرب أدت إلى وقوع(14,4) مليون نسمة في حالة عوز شديد، في ظل ارتفاع معدل التضخم إلى أكثر من(50%)، وأنه حتى نهاية العام 2019م لقي(233) ألف شخص حتفهم نتيجة القتال والأزمة الانسانية؛ واشتدت أزمة انسانية مع ما يقرب(16)مليون شخص يستيقظون جوعى كل يوم، وبات حوالي(24.1)مليون شخص بحاجة إلى مساعدات انسانية كي يبقوا على قيد الحياة، وترك النزاع (500)ألف عامل في القطاع العام بدون رواتب، و(12.24) مليون طفل بحاجة للمساعدة، و(3.65) مليون شخص أجبروا على ترك منازلهم.
يكتسب البحث أهميته من أن الاهتمام بالأسرة أساس الاهتمام بالمجتمع، وسلامتها يعني سلامة المجتمع من الكثير من الأمراض الاجتماعية التي تعيق التنمية والبناء والاستقرار؛ فهي المؤسسة الفعالة التي تهتم وترعى الفرد من خلال التنشئة الاجتماعية السليمة؛ ومعرفة تأثيرات الحرب على الأسرة يساهم في إيجاد حلول علمية للتخلص من تلك الآثار الضارة لأجل بناء مجتمع قوي متماسك.
هدف البحث إلى معرفة أثر الحرب اليمنية الأخيرة في التغيرات الاجتماعية الحادثة في المجتمع اليمني، ومدى تأثيرها في بنية المجتمع خلال الفترة (2014-2022)؛ ليجيب البحث عن السؤال الرئيس:
ما أثر الحرب الدائرة في اليمن خلال الفترة (2014-2022) وانعكاسها على بنية النظام الاجتماعي في اليمن؟ وتتم الإجابة عنه عبر دراسة تأثير الحرب على العلاقات التسع بين ثلاثية (الفرد -الأسرة – المجتمع)؛ والإجابة عن الأسئلة الآتية:
– ما أثر الحرب في اليمن على علاقة (الفرد-الفرد) اليمني خلال الفترة (2014-2022)؟
– ما أثر الحرب في اليمن على علاقة (الفرد –الأسرة) اليمني خلال الفترة (2014-2022)؟
– ما أثر الحرب في اليمن على علاقة (الفرد –المجتمع) اليمني خلال الفترة (2014-2022)؟
– ما أثر الحرب في اليمن على علاقة (الأسرة –الأسرة) اليمنية خلال الفترة (2014-2022)؟
– ما أثر الحرب في اليمن على علاقة (الأسرة –المجتمع)اليمني خلال الفترة (2014-2022)؟
– ما أثر الحرب في اليمن على علاقة (المجتمع-المجتمع) اليمني خلال الفترة (2014-2022)؟
– ما أثر الحرب في اليمن على علاقة (الأسرة –الفرد) اليمني خلال الفترة (2014-2022)؟
– ما أثر الحرب في اليمن على علاقة (المجتمع-الأسرة) اليمنية خلال الفترة (2014-2022)؟
– ما أثر الحرب في اليمن على علاقة (المجتمع-الفرد) اليمني خلال الفترة (2014-2022)؟
اقتصر البحث على دراسة العلائق المختلفة بين (الفرد -الأسرة-المجتمع)، وذلك في المحافظات التي استطاعت الباحثة دراستها وهي (صنعاء-عدن-تعز-حضرموت).
ورد تعريف ومعنى فرد في معجم المعاني الجامع بعدة معاني وأقربها إلى البحث:
وهو الفَرَدُ من الإنسان وغيره؛ والفَرْدُ: واحد، وتر، متوحّد، وحيد، منفرد، والفَرْدُ: أحدُ الزَّوْجَيْن من كلِّ شيءٍ.
أما في(ويكيبيديا) يعرف الفرد: هو انسان أو شخص له كينونة مستقلة بحد ذاتها غير قابلة للانقسام والتجزئة ومجموع الفرد أفراد يشكلون نواة المجتمع.
كما عرفها (ماكيفر،1992): عبارة عن وحدة بنائية تتكون من رجل وامرأة تربطهما علاقة زوجية متماسكة مع الأطفال والأقارب ويسكنون جميعهم في بيت واحد ولا يستطيع المجتمع الاستغناء عنها مطلقاً.
ويعرفها الدكتور أبو اليُسْر رشيد كُهُوس في (نظرات في مفهوم الأسرة ومكانتها في الإسلام)، بأن الأسرة في المعجم الوسيط هي: «الدرع الحصين، وعشيرة الرجل وأهل بيته، وتطلق على الجماعة يربطها أمر مشترك»
والأسرة من الأَسر وهو إحكام الربط وقوته، ومن ذلك سميت عشيرة الرجل (أسرة)؛ لأنه يتقوى بهم.
أما في الاصطلاح الفقهي عند ابن تيمية «فيراد بها الأب والأم وما انبثق منهما من ذرية أبناء وبنات وإخوة وأخوات، أعمام وعمات وعاقلة الفرد»
ضم الأشياء المتفقة وهو مشتق من الفعل اجتمع ضد تفرق وهو موضع الاجتماع والجماعة من الناس، وهو عدد كبير من الأفراد المستقرين تربطهم روابط اجتماعية ومصالح مشتركة تصاحبها أنظمة تضبط السلوك وسلطة ترعاها.
وفي ويكبيديا هو مجموعة من الناس تشكل النظام نصف المغلق والتي تشكل العلاقات بين الناس.
بعد انقسام المجتمع اليمني (المجتمع الأم) إلى مجتمعات صغيرة فبحسب سياق الكلام في البحث بما يتم توضيحه نسمي المجتمع اليمني بالمجتمع الأم.
والمجتمع الصغير هو المجتمع الذي تحكمه الجماعات المسلحة الذي يعيش فيه الفرد والاسرة.
تم الاعتماد على المنهج الوصفي المسحي لمعرفة أثر الحرب اليمنية الأخيرة في التغيرات الاجتماعية الحادثة في المجتمع اليمني من خلال مسح الوثائق لجمع البيانات والمعلومات من التقارير المحلية والدولية المتعلقة بأثر الحرب على الوضع الاجتماعي؛ كما تم استخدام المنهج النوعي، وهو من أنواع البحوث العلمية، التي تفترض وجود حقائق وظواهر اجتماعية يتم بناؤها من خلال وجهات نظر الأفراد والجماعات المشاركة في البحث لمعرفة تأثير الحرب على العلائق التسع بين ثلاثية (الفرد -الأسرة – المجتمع)، من خلال المقالات المعمقة والمجموعات البؤرية وتحليل مخرجاتها.
تمثلت العينة في مجموعة من أفراد المجتمع اليمني (رجال – نساء -شباب من الجنسين) في محافظات (صنعاء وعدن وتعز، حضرموت)، وكذلك من أفراد يمنيين في خارج اليمن لجأوا إلى دول أوروبا وأمريكا؛ وذلك لمعرفة أثر الحرب عليهم وعلى أسرهم.
نظرًا لطبيعة البحث وأهدافه؛ فقد تعددت أدوات البحث وفقًا لما يحقق هذه الأهداف، ويسهم في الوصول إلى البيانات المطلوبة على النَّحو الآتي:
1) المسح والتحليل: تضمنت عملية مسح الوثائق، والتقارير، والمؤشرات، والإحصائيات، والأدبيات المختلفة ذات العلاقة بأهداف البحث.
2) المقابلات: إجراء عدد من المقابلات بشكل شخصي منفرد؛ عبر المقابلة الشخصية، والهاتف، ورسائل عبر وسائل التواصل الاجتماعي ( واتس-فيس بوك- ماسنجر) في محافظات((صنعاء وعدن وتعز، حضرموت) ويمنيين في دول خارج اليمن.
3) المجموعات البؤرية: وهي أحد تقنيات النقاش التي تستخدم للتركيز حول نقاش ظاهرة معينة والخروج برؤية مشتركة حولها، وقد تم عقد اللقاء عبر وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي؛ في عدد من مجموعات الواتساب (WhatsApp) التي تضم مجموعة من أفراد المجتمع اليمني (رجال – نساء -شباب من الجنسين) من محافظات مختلفة من الجمهورية اليمنية، والتي شارك فيها جميع أعضاء المجموعة، بهدف مناقشة أثر الحرب عليهم كأفراد وأسر وجماعات، والمساعدة في الخروج برؤية مشتركة.
نظراً لتعدد أدوات البحث، فقد تم التأكد من صدق وثبات الأدوات عبر الخطوات الآتية:
قامت الباحثة بجمع وتحليل الوثائق المتعلقة بأثر الحرب على التغيرات الاجتماعية.
– قامت الباحثة بتوجيه الأسئلة المعمقة بعدة أساليب وعدة مرات وذلك أما باللقاء المباشر وبالتواصل الهاتفي مع من لا يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي، أو التواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
– تفريغ إجابات المخبرين وتقسيمها إلى محاور.
– إعادة صياغة الاجابات بما يتناسب مع سياق الكلام وكل محور.
– عرض الإجابات بعد إعادة الصياغة للمخبرين للتأكد من أن هذا هو ما يقصده من كلامه بالفعل.
– قامت الباحثة بتحديد الأسئلة.
– تقسيم الأسئلة إلى أسئلة رئيسة وفرعية.
– تحديد الموعد المناسب لجميع أعضاء مجموعة الواتساب (WhatsApp)، والوقت الكافي لضمان مشاركة أكبر عدد من المخبرين.
– تحديد مدير اللقاء والميسرين.
– تفريغ الأسئلة، ومن ثم تصنيفها.
– تحليلها وفق محاور محددة.
مرت عملية التحليل بعد جمع الإجابات بعدة خطوات يمكن تلخيصها في الآتي:
– قراءة وفحص الإجابات عن كل سؤال على حدة.
– تحديد وتصنيف الفئات المتعلقة بتلك الإجابات.
– مراجعة محتوى ما كتبه المُخبرون للمرة الثانية، وتحديد المفاهيم المتضمنة في الإجابات.
– اختيار النصوص المكتوبة من المُخبرين وإعادة صياغتها بما يتناسب مع سياق الفقرات.
بيّن ديننا الإسلامي ما يجب عليه أن تكون العلاقة السليمة بين الفرد المسلم وأخيه فقال تعالى (يا أيها الذين أمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم) سورة الحجرات آية 12
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز واجابة الدعوة وتشميت العاطس).
وقال الرسول الكريم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)
أثرت الحرب سلبًا على علاقات الأفراد (زواج -صداقة -اخوة-شراكة-زمالة -الجار) حتى وصلت إلى القتل بعد أن استفحلت ظواهر الخيانة وانتشرت الدعاوى الكيدية والتجسس وسوء الظن مما جعل القلوب مجروحة وضعفت الثقة بين الأفراد.
فتقول (ن .ن) بأن الناس تغيرت كثيرًا وصار كل واحد نفسي نفسي، والنفسيات سيئة والبيوت بالكاد تتسع لأهلها وحتى الضيف صار ثقيل على أصحاب البيت.
وتقول(س.ف) بأن صديقتها سجلت لها دون علمها، ونشرته بغرض إلحاق الضرر بها.
ويقول(م.م) بأن صديقه اختفى بعد أن تدين منه مبلغ من المال ونقل إلى مدينة أخرى بعد أن طالبه بسداد الدين.
وضاقوا الأزواج ببعضهم فتقول(أ.م) التي بصدد رفع قضية خلع بأن جميع معاريفها ممن تزوجوا في نفس فترة زواجها تطلقوا، وهي في الطريق للطلاق.
وهذا ما ذكرته صحيفة الأيام (يمن فويس) في تحقيق لها بتاريخ (29/9/2021) بأن نسبة الطلاق ارتفعت في اليمن بشكل عام بنسبة 80% منها 20% طلاق طبيعي و70% بطلب من الزوجة؛ وبلغت حالات الطلاق في العام 2019م (52465) حالة طلاق مقارنة ب (5000)حالة قبل الحرب.
وبذا انتفى أهم مقصد للزواج من تحقيق السكن النفسي الوجداني والمودة والرحمة بين الزوجين الذي ينتج عنه أسرة مستقيمة يسودها الاستقرار والطمأنينة والسكينة ومن ثم تلقي بظلالها على المجتمع كله؛ قال تعالى:﴿وَ مِنْ آَيٰتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوٰجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيٰتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [سورة الروم:21].
المفترض في علاقة الفرد بأسرته أن يكون نافع لها ومسؤول عن نمائها واستقرارها، والأسرة هي ملاذ الأمن للفرد والداعم له ولنجاحه؛ بحيث يحدث الانسجام في تكامل الأدوار والاستقرار النفسي للأفراد داخل أسرهم؛ وكما قال تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلوٰةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْئَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعٰقِبَةُ لِلتَّقْوٰى﴾ [سورة طه:132].
ولكن مع ارتفاع التكلفة الاجتماعية والإنسانية للحرب، فقدت (60%) من الأسر اليمنية مصادر دخلها الأساسي خلال السنوات الأربع الأولى من الحرب؛ ثقلت مسؤولية الأسرة اقتصادياً على الفرد فيها، ومنذ العام(2014) أظهرت الحرب سوءة النفس البشرية عندما تأتيها فرصة للانتقام من أحد أفراد أسرتها في ظل الانتماءات السياسية والعقائدية المتعددة للأفراد داخل الأسرة الواحدة، فيتم اعتقال الأفراد، وزجهم في السجن وتعرضهم للتعذيب ببلاغ من أحد أفراد الأسرة.
حيث قال (ع. أ) أنه تم اعتقاله من قوات الحوثي بتهمة داعشي، ببلاغ من أخيه الموالي لهم وتم الافراج عنه عندما قامت والدته بحبس أخيه مما اضطر أخيه للتوسط للإفراج عنهما معاً بعد أربعة أشهر فقط من اعتقاله.
وكلك قال (ص. د) بأن ابنه الموالي للحوثي قام بالتبليغ عنه وحبسه لمدة شهر ارضاء لوالدته بسبب مشاكل أسرية فيما بينهما.
وعن ثقل المسؤولية على الفرد عن أسرته تقول(ن.أ) بأن بداية الحرب كانت أسوأ أيام حياتها حيث أغلقت الشركة التي تعمل بها، وزوجها أغلق محله ومصدر رزقه، فتنقلت بين أكثر من عمل حتى تسد رمق أسرتها، وتوقفت عن تنمية وتطوير نفسها علمياً بسبب كثر الالتزامات الأسرية على عاتقها، أما زوجها فقد تأزم نفسياً وتخلى عن دوره تجاهها وتجاه أولاده مما جعلها تطلب الطلاق مرارا.
وتقول (م. ع) بأن ابنها صار شخص آخر تماماً ولا يزورها إلا نادراً فهو دائما شارد الذهن وكأنه مخدر منذ ان أنضم إلى جبهات القتال مع جماعة الحوثي وتمت اصابته عدة مرات ونجى من الموت في كل مرة؛ وبأنها وزعت أولاده -بعد أن خلعته زوجته وسلمتهم لها-وهي بدورها ولأنها تعاني من اكتئاب نفسي مزمن ولا تستطيع تربية الأطفال فقد وزعت أولاد ابنها لأناس اخرين يتولوا تربيتهم.
وتزايدت في الآونة الأخيرة جرائم “القتل العائلي” في المجتمع اليمني؛ وفي تحقيق لموقع المرصد السبت – 28 مايو 2022 باسم (جرائم القتل العائلي في اليمن تدق ناقوس الخطر)؛ ذكر التحقيق أخبارا عن ارتكاب جرائم مروعة تحدث بين أفراد البيت الواحد، مثل مقتل أب على يد ابنه، أو ابن على يد والده، وزوجة على يد زوجها، وأطفال على يد والدهم، وأخ على يد أخيه، أو أخت على يد أخيها، وما شابه ذلك، بمختلف طرق القتل البشعة.
كما أن الفرد مسؤول عن أسرته فهو كذلك مسؤول عن بناء مجتمعه والحفاظ على تماسكه، وللمجتمع كذلك دور في دعم أفراده وحثهم على النجاح والابداع.
وينتاب الشعور بالعزلة الشخص المختلف عن النمط السائد في المجتمع؛ في ظل انسياق المجتمع وتبعيته ومماهاته للنمط المفروض ورضوخ الأفراد والاسر بلا أدنى مقاومة جعلت الفرد اليمني بين نار الغربة داخل مجتمعه، ونيران الغربة خارج وطنه، وبسبب طول مدة الحرب فلم تعد تنفع الحلول المؤقتة لتفادي خطرها.
وكما قال (م. م) بأنه تم اختطافه والزج به في سجون الحوثي مدة سنتين وتعرض لأنواع من التعذيب والاخفاء بسبب بلاغ كيدي ضده من أحد جيرانه الحوثة-كما قيل له-وحتى الآن لا يعرف من الذي بلغ عنه، ولكنه فقد الثقة في جميع جيرانه ويتحاشاهم تماما ولازال يشعر إلى الآن بعد أربعة أعوام من خروجه من السجن بأنه غريب وسط مجتمع غريب.
كذلك (ل. ر) تقول بأنها استفادت من الحرب أنها اكتشفت معادن الناس السيئة مما جعلها تبتعد عن الاختلاط بالآخرين حتى على مستوى الأسرة الكبيرة وانحصرت كل حياتها في أولادها فقط.
تقول (م. ف) بأن صدمة قصف منزلهم وموت زوجها يوم لن يفارق ذاكرتها فقد ضاع فيه كل شيء من ماضي وحاضر ومستقبل.
أما (ن. ن) فتقول بأن الحرب ضيعت شبابها في ملاحقة البترول والغاز وترشيد استهلاك الماء والكهرباء، وصار كل اهتمامها متابعة الاخبار السياسية لتوقع الوضع وتموين البيت لاحتساب أي أحداث جديدة، وبالمقابل صارت تتوقع عند أي اتصال فاجعة أو موت أحد أقاربها، وعند كل صوت قوي قصف.
وتقول (هـ. ت) بأنها شعرت بالغربة والصدمة من الطقوس العقائدية لأسرتها الزيدية التي استحدثتها مؤخراً مما جعلها تلحق بزوجها وتستقر في مدينة تعز المحاصرة التي شعرت فيها بالحب والانفتاح والراحة بشكل لم تكن تتخيله.
أما (س. ع) الذي قال بأنه عانى من عدة غربات فقد كان يعاني من غربة في مجتمعه واتخذ قراره بالسفر لأوروبا وحصل على اللجوء في ألمانيا وهناك عانى من غربته عن أهله وأحبته، ومن صعوبة اللغة والاختلاط بالألمان، وحين كبر أبناؤه عانى من غربة الأبوة والسيطرة فليس له من الأمر شيء في مجتمع منفتح بالإمكان تأخذ الحكومة منه أبنائه لأبسط شكوى مما أضطره لإرجاعهم للدراسة في اليمن، ويتمنى العودة لليمن ولا يستطيع بعد أن باع كل ما لديه لحلم العيش في البلاد الأوروبية.
أما (هـ. أ) التي قررت مؤخراً العودة من كندا بعد أن أخذت الجنسية الكندية مع أبنائها وبعد أن حصلت على تخصص نادر في الطب قائلة بأنها فكرت بأن اليمن أولى بخيرنا وعلمنا وهي المكان الآمن لتربية الأولاد التربية الإسلامية، ولكنها للأسف ليست الحاضن للإبداع والعمل المثمر وتتمنى آلا يصيبها الإحباط وتضطر لمغادرة اليمن كما الجميع يخبروها ويستهزؤون بقرارها ولكنها لأجل تربية أبنائها في بلدها ستتحمل كل شيء.
وتعارضها (س. ف) بأن المناهج التعليمية التي عدلها الحوثي ستخلق جيل من العبيد للسيد وعندها لن تنفع الحلول المؤقتة لتفادي خطر الحرب على الأجيال القادمة.
ويحتدم النقاش أيهما أهون على تربية الشباب: مجتمع غربي متفتح بلا حدود أم مجتمع محافظ مع مناهج محرفة.
ففي بلد يتزايد فيه الرعب وانعدام الأمان والوضع الكارثي الصحي والتربوي عزف كثير من الشباب عن الالتحاق بالتعليم الجامعي، وتقول (ح. س) وهي دكتورة جامعية بأن الشباب تسربوا من التعليم الجامعي بحثاً عن فرص وتخصصات تقودهم سريعاً إلى سوق العمل مثل الدبلومات والدورات النوعية، مما تسبب في اغلاق عدة أقسام في عدد من الكليات النظرية (كليات التربية والآداب) في جامعة صنعاء، منها: أقسام (الفيزياء، التاريخ ، والفلسفة، الفرنسي، والعربي) مما جعل جامعة صنعاء تعلن عن قبول الطلبة بمعدلات 50% رابط موقع بوابة التنسيق الالكتروني للجامعات اليمنية بتاريخ 3/11/2022
يقول الرسول الكريم” مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوا تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.
وعلى العكس من دعوة الرسول صلوات الله وسلامه عليه تلك؛ تزايدت ضعف الثقة بين العائلات والجيران، وظهرت الفوارق الطبقية على السطح بشكل مقيت فهذا هاشمي وهذا قبيلي وهذا مزين، و…الخ.
وتقول (ر.أ) الهاشمية أنها استفادت مع زوجها المكرمي*(طائفة دينية تسكن منطقة حراز) من استنكار ورفض أهلها لزواجهما وهاجرا لاجئين إلى أمريكا والآن بعد أن أخذت الجنسية الأمريكية تفكر في العودة والاستقرار في اليمن لتربية بناتها وربطهم بالتقاليد اليمنية قبل أن تفقد سيطرتها عليهن، ولكنها تخشى العودة فلم تعد تستطيع العيش في اليمن بحسب ما تسمع من تضييق ومعاناة وكذلك لم تعد راغبة في العيش في أمريكا خوفا على بناتها في مجتمع متفتح.
وكثيرًا ما يثير قلق التحاق الشباب بالجماعات المسلحة الخلافات الأسرية، ويقوض الثقة بين الجيران، حيث لا تثق العائلات في الناس الذين يجندون المراهقين في مجتمعهم. وقال (م. س) وهو شيخ قبلي بأنه خوفاً على أبنائه المراهقين من الانضمام إلى الجماعات المسلحة ونقلهم إلى جبهات القتال؛ فقد ساعد ابنه الأول قبل خمس سنوات على التهرب بين البلدان واللجوء إلى أوروبا، والآن يعمل نفس الشي مع ولده الثاني الذي أنهي المرحلة الثانوية، وسيفعل كذلك مع ولده الثالث الذي لازال في مرحلة التعليم الأساسي -إذا استمرت الحرب -حفاظاً على مستقبل أولاده كما يقول، وعند سؤاله: هل يخاف عليهم من مخاطر التهريب؟ رد قائلاً: الحافظ الله، وعيالي ذيابه لا خوف عليهم.
وتقول (ل. ر) بأن هذه الحرب أخرجت أسوأ ما في الناس من حقد وغل وحسد فقد تعرضت أسرتها للمماحكات من داخل الأسرة نفسها وأسر منافسة؛ مما اضطرهم لتصفية نشاطهم التجاري في اليمن والاستقرار خارج اليمن وما تبقى من نشاط تجاري في اليمن لا يغطي أدنى الاحتياجات.
ويقول (م. ل) بأنه بعد انقطاع الرواتب نزح بأسرته إلى قريته وصرف كل مدخراته في اصلاح بيت والده في القرية، وساءت حالته المادية مما أضطره لبيع مقتنيات الأسرة للوفاء ببعض الاحتياجات، وانقطع أولاده عن الدراسة فترة طويلة وتراجع تحصيلهم العلمي وكانت تحدث لهم نوبات رعب وتشنجات من رعب الحرب، وعانت أسرته من مشكلات التكيف مع أسر القرية.
وكذلك (ف. ب) يقول:(بأنه كان موظف في أحد المشاريع المدعومة وكان راتبه بالدولار وحالته المادية ممتازة، ولكنه بعد الحرب وانقطاع الرواتب اضطر للرجوع للقرية وهناك صرف كل مدخراته حتى ساءت حالته المادية ومرض والده ولم يستطع اسعافه ومات بمرضه، والتحق ابنه الوحيد بجبهات القتال في الحدود لإعالة الأسرة وكان أكثر ما يؤلمه أن ابنه يعمل مرتزق مع السعودية لإعالتهم.
تأثرت الكثير من الأسر بصورة مباشرة أو غير مباشرة بالحرب مما انعكس على وضعها فأصابها التفكك والقصف والتنمر والاعتقال والنزوح والعنف والتهجير وترمل النساء وازدياد الأيتام و قتل وجرح آلاف المدنيين معظمهم من النساء والأطفال؛ وتدمير المنازل الذي أدى إلى نزوح الآلاف من المناطق الساخنة، ونتيجة لهذا النزوح تعرضت كثير من النساء والقُصر للانتهاكات والعنف، علاوة على فقدان الممتلكات، والسكن، والمعاناة النفسية والجسدية خلال عملية النزوح إلى مخيمات تفتقر إلى أدنى وسائل العيش الكريم، من مسكن، ومأكل ، وانعدام الخدمات الصحية، وفقدان الخصوصية في المخيمات التي تتصف بحشر عدد من الأسر في خيمة أو في غرفة واحدة، واشتراكهم جميعاً في حمام واحد وغيرها من الانتهاكات التي طالت الأسر تحت وطأة الحرب(الجوفي،2017).
تقول (ن. ن) بأن الحرب شتت شملهم نتيجة انعدام فرص العمل فالفرد يقرر الغربة ويتبهذل بعيدا عن أهله حتى لا يوجع قلبهم عليه؛ وهكذا فأبيها في بلد وأمها في بلد وأخيها الوحيد في بلد آخر.
وتوافقها(أ.أ) قائلة بأنها اشتاقت لوطنها والتقت بوالدتها في القاهرة؛ وتتساءل أين سيجتمع شملهم جميعا؟ فأخوتها في سيئون وأبوها في صنعاء وأختها في تعز وهي خارج البلاد، وكلما طال أمد الحرب زاد الحنين وزادت المسؤولية وزاد الحمل لنبحث عن مسارات أخرى بعيداً عن مجتمعنا السابق لنكون مجتمع جديد في الغربة.
وتوافقها (ن. ع) وتزيد بأنها تتمنى انتهاء الحرب حتى يعود زوجها من غربته التي لا تكفي إلا ايجار البيت والقوت الضروري بعد أن خرجت من عملها بداية الحرب ولم تجد أي عمل حتى الآن وكل ما لديهم تهرب به زوجها إلى بلد مجاور.
وتقول (ف. ش) بأنها كرهت المجتمع الذي تعيش فيه ونزحت أثناء الحرب مع ابنتها المعاقة وابنها إلى فرصة عمل بسيطة في حضرموت بعد أن توقف الراتب وتركها زوجها وتراكم عليها الايجار، ولكنها اليوم وعلى الرغم من تحسن أحوالها المادية إلا انها تشعر بالغربة والعجز مع ثقل المسؤولية، وكراهية المجتمع الذي لم يقف معها في إلزام طليقها بدفع مصروف لأبنائه، وخصوصاً ابنته المعاقة.
أما (ف. ب) فيقول بأن قريته البائسة تتنفس رائحة الموت يومياً بسبب أن منطقته تقع في منطقة تماس للحرب فالعديد من الضحايا من أهله وأبناء عمومته وكثير من الايتام والارامل في قريته.
أضرت الحرب بالعلاقات الاجتماعية، وأشعلت المواقف العدائية وأدت إلى ارتفاع خطاب الكراهية والجرائم، التي غالبا ما تكون مدفوعة بالانحياز والتحيز ضد مواطنين من أجزاء أخرى من البلاد مثلما انقسمت الأسر في اليمن وظهرت الطبقية المقيتة، أصبح المجتمع اليمني عدة مجتمعات فهذا من جماعة الحوثي وهذا من جماعة الانتقالي، وهذا من جماعة الإصلاح وهذا شمالي وهذا من جماعة السنة وهكذا…الخ وانتشرت جماعات التبشير والتشكيك في العقيدة الإسلامية بين الشباب لتظهر جماعات جديدة تقاوم واقع الحرب وتسمي نفسها الجماعات اللا دينية طمعا في دعم المنظمات الأجنبية واللجوء إلى الدول الأوروبية.
فيقول(ع. ص) بأنه بسبب اختلاف العلماء المسلمين والوضع المزري في بلاد المسلمين وازدهار بلاد الكفر ووجود العدالة وحقوق الانسان فيها جعله يتخلى عن الإسلام ويكون لا ديني حتى يعيش حر طليق -بحسب قوله-.
وفي حضرموت، قالت (ف. ش) إن الصراع أثر إلى حد ما على التماسك الاجتماعي بين الناس من مختلف مديريات المحافظة، وأشارت إلى التوتر والانقسام بين السلطات المحلية وأهالي المكلا من جهة، وسكان وادي حضرموت من جهة أخرى.
وتقول (م. ف) من عدن بأن أصحاب الضالع يضايقون أصحاب أبين، وأصحاب يافع ينظرون إلى أصحاب الضالع أنهم همج؛ ومن صنعاء توافقها (س. ف) بأن الحوثة من أهل صعدة الذين يعتبرون أنفسهم حكام باسم الله ينظرون للهاشميين من المناطق الأخرى نظرة دونية وينظرون للجميع بأنهم عبيد.
وتقول (هـ. ت) بأنها عانت الأمرين عندما نزحت في 2016 إلى عدن بسبب لهجتها الشمالية مما جعلها تقرر النزوح إلى محافظة شمالية أخرى.
ويقول(ع.ع) بأنه وكثير ممن يعيشون في صنعاء ممن ينتمون لحزب الإصلاح تعرضوا للاعتقال والتضييق عليهم -فالحوثي يسميهم طابور خامس -مما جعلهم ينكرون انتمائهم السابق ويتبرؤون من مواقف الحزب ويضيف ضاحكا: ويبحثوا عن الجد السابع عشر الهاشمي في عروقهم.
وتقول (ل. ر) بأن المجتمع تدهور جدا وانقسم إلى عدة مجتمعات فالشريف أعلن افلاسه المالي والخائن ارتفع شأنه.
وتقول (أ. ص) بأن زوجها اليافعي طلقها في العام 2015لأنها دحباشية بعد زواج استمر أكثر من عشر سنوات وظهرت الخلافات بينهما بعد الحرب بسبب إصرارها على ترك عدن بعد أن نفذ صبرها من النظرة لها بأنها شمالية.
ويحكي(ف.م) بكل حزن بأن من أسرته فريق مع الشرعية في جبهات مأرب وأبناء عمومته يقاتلونهم مع جبهات الحوثة وكل فريق حريص على قتل الفريق الآخر، والمحزن أن الولد لا يستطيع حضور جنازة أبيه والأب لا يستطيع دفن ابنه وهكذا.
تراجع دور الأسر الآمن والداعم لأبنائها ومسؤوليتها عن إعالتهم.
وأحيانا تتفق الأسر لنبذ واقصاء المختلف عنها في الانتماء مما سبب شتات أسري في معظم الأحوال؛ حيث قال (ف. م) بأن أخوته وأخواله وبنيهم يكيدون له ويتلقى العديد من التهديدات بسبب استقلاليته السياسية التي يتخذونها عذرا لمكائدهم للاستيلاء على أمواله وميراثه بعد والدته.
ومن ناحية أخرى صارت علاقة الأسر مع أفرادها علاقة تخلي بحيث يمكن للشخص أن يترك زوجته وأهله وأولاده عرضة للضياع والشتات، وتتخلى الأسرة عن أطفالها كما حدث مع (م.ع) التي وزعت أبناء ابنها لعدم قدرتها على تربيتهم
وبسبب الضائقة الاقتصادية وثقلها سببت ضغوط للحياة الزوجية وتدخلات الأسر في حياة الأزواج الجدد اقتصاديا فانتشرت ظاهرة الطلاق كما أشارت(أ.م).
انقسم المجتمع اليمني إلى مجتمعات(جماعات) صغيرة، ضيقة على أفرادها وتعمل لصالحها بعيداً عن مصلحة المجتمع اليمني الكبير(الأم)؛ ومن لازال ولائه للمجتمع اليمني الكبير تصيح كما (س. ف) التي تقول أين نبحث عن وطن؟ وطننا ضاق بنا وضقنا به، وتردف بأنها عانت الأمرين وهي تنتقل من محافظة إلى محافظة لتسوية وضعها الوظيفي ففي صنعاء تم تهميشها لأنها ليست من جماعة الحوثي وفي عدن تم تهميشها لأنها شمالية.
أما الفرد المنتمي لأحد تلك المجتمعات(الجماعات) الصغيرة يلقى كل العناية والاهتمام من مجتمعه الصغير كما تقول (ن. ب): بأنهم لم يعرفوا الراحة والنعيم إلا بعد الحرب ومنذ التحاق ابنهم ذا الخمسة عشر عاما مع جماعة الحوثي وتغيرت أحوالهم إلى الأفضل حتى الأب أصبح مرافق مع ابنه.
وكذلك تقول (ز.غ) بأن الشباب في حارتها الذين التحقوا بالتحالف وذهبوا للجبهات رجعوا وقد تحسنت ظروفهم المادية والأغلب يتوقفوا عن الذهاب للجبهات بعد أن يتزوج ويشتري باص يشتغل عليه.
وتقول(ن.م) بأن زوجها سيتوقف عن الذهاب إلى الجبهات بعد أن يستكملوا بناء بيت مستقل لهم.
المجتمع المتماسك هو نتاج أسر متماسكة ويبين الله جل وعلا عن بداية التكوين الأسري ووحدة البناء الاجتماعي؛ بقوله تعالى:﴿يٰٓأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنٰكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقٰكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [سورة الحجرات:13].
ولكن بسبب الأمراض الاجتماعية التي نهشت في نسيج المجتمع فقد صار المجتمع مخيف لا يرفع شأن إلا الأسر التي التحقت بكامل افرادها للجماعات المهيمنة فيه؛ واقتصر دعم المجتمع الصغير(الجماعات المسلحة من جماعات الامر الواقع) للأسر التي تعمل لصالحه فقط أما الأسر الأخرى فينظر لها نظرة شك، وريبة ودونية وتنمر.
فتقول (ن.أ) بأن المجتمع أصبح منحل لاتأمن فيه على نفسها أو أولادها.
وتقول (ن. ن) بأن المجتمع تغول واختفت الطبقة متوسطة الحال وصار أما ناس فاحشة الثراء فالعمارات تًبنى في شارعهم بسرعة عجيبة، وطبقة معدمة لا تجد قوت يومها.
من خلال إجابات المخبرين على العلائق التسع وجد بأن الحرب شديدة التأثير على التغيرات الاجتماعية في بنية المجتمع اليمني
ومما سبق أتضح بأنه كلما طال أمد الحرب كلما زاد تهتك النسيج المجتمعي وظهرت الأمراض الاجتماعية التي تنهش في جسد المجتمع حتى تقضي عليه، خصوصاً بعد تغيير المناهج المدرسية وغياب دور المدرسة في التنشئة الإيجابية للفرد وعزوف الشباب عن الالتحاق بالتعليم الجامعي في التخصصات الفلسفية التي تزرع الركائز الراسخة للمجتمعات الصحيحة.
الجميع تأثر بالحرب وحتى من استفاد منها تأثر بفقد قريب أو أخ أوصديق….
فالأسرة المفككة هي نواة المجتمع المفكك والمجتمع المشرذم يساهم في تخلي أفراده عن التزاماتهم تجاهه، وذلك لصالح المجتمعات الصغيرة التي احتوت أفرادها والأسر التي تعمل لصالحها وتحسنت أحوالهم لتضمن ولائهم لها.
بينما الأفراد والأسر الذين ظل انتمائهم للوطن والمجتمع الأم يتم تهميشهم ونبذهم ومضايقتهم؛ وهذا ما يهدد بكارثة أكثر من كارثة تمزق النسيج الاجتماعي؛ آلا وهي انحلال المجتمع الأم لصالح المجتمعات الصغيرة والولاءات الضيقة، وهيمنة انتماء الفرد والأسر للجماعات الصغيرة على حساب الانتماء للمجتمع الأم.
وفي الجدول الآتي خلاصة لنتائج أثر الحرب على العلائق التسع بحسب إجابات العينة:
يتضح من الجدول السابق عدد من الآثار الناتجة عن الحرب الدائرة في اليمن خلال الفترة (2014-2022) في العلاقات متعددة الاتجاهات بين (الفرد-الأسرة-المجتمع) وتسميها الباحثة الأمراض الاجتماعية في علاقات (الفرد-الأسرة -المجتمع)، وتحذر الباحثة من استفحال هذه الأمراض الاجتماعية لما فيها من خطر على بنية المجتمع وانحلاله.
– الضغط على القوى المحلية والقوى الدولية بكل السبل المتاحة لإنهاء الحرب فكلما طال أمدها زادت الأمراض الاجتماعية استفحالاً واستحال علاجها.
– الحفاظ على قيم وأواصر المجتمع اليمني الأم.
– إعلاء شأن الوطن والمجتمع الحاضن والتقليل من شأن الجماعات الصغيرة اعلامياً.