فكر

الإمامة بين العباسيين والعلويين

في هذا المبحث نحوم حول سؤال جوهري، من الممكن أن يكشف لنا لماذا كثرت الحركات العلوية في العصر العباسي، وما صلة ذلك بنشأة الخلافة العباسية. وسؤالنا هو: كيف استحق العباسيون الإمامة؟ نجيب على هذا السؤال من ثلاث وجهات نظر، الأولى: وجهة نظر كتب الفرق، والثانية: وجهة نظر كتب التاريخ، والثالثة: وجهة نظر الخلفاء العباسيين المؤسسين للدولة.

استحقاق الإمامة العباسية في كتب الفرق

سنبحث في هذا العنوان مسألة: كيف استحق العباسيون الإمامة؟ وذلك من خلال ما عرضته كتب الفرق المتقدمة.

تكاد تتفق الكتب المتقدمة التي أرخت لنشأة الفرق أن استحقاق العباسيين للإمامة مرده إلى محمد بن الحنفية (إحدى فرق الكيسانية)، وهذا مبني على دعوى إمامة علي، ومن ثم فهي طائفة شيعية. ولاحقا يظهر قول آخر لهذا الاستحقاق يرده إلى العباس بن عبد المطلب (عم النبي) وإنكار إمامة علي. وسأبدأ بالحديث عن هذا القول.

زعمت العباسية أن الإمامة كانت للعباس بن عبد المطلب بعد رسول الله بنص منه؛ لأنه عمه ووارثه (والله يقول: “وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله”)، وهو أقرب إليه من ابن عمه. وكل الأئمة الذين تولوا الخلافة بعد رسول الله هم مغتصبون للحكم حتى مجيء أبو العباس: (عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس). وأن الأئمة هم: العباس، ثم ابنه عبد الله، ثم علي بن عبد الله، ثم محمد بن عبد الله، ثم إبراهيم الإمام بن محمد (صاحب أبي مسلم)، ثم أخوه أبو العباس عبد الله بن محمد (أول خليفة عباسي)، ثم المنصور (1). وزعموا أن كل هؤلاء الأئمة بنص من الرسول نفسه .(2)

وفي ذلك يقول مروان بن أبي حفصة:

أنى يكون – وليس ذاك بكائن

لبني البنات وراثةُ الأعمام؟!

فرد عليه شاعر العلوية:

لبني البنات وراثة من جدهم

والعم متروك بغير سهام 

ما للطليق وللتراث، وإنما

سجد الطليقُ مخافةَ الصمصام

ويضطرب المؤرخون في منشأ هذا القول، فالسائد هو القول الثاني – كما سيأتي. أما هذا القول فقيل إن الذي أنشأه هو المنصور، ولذلك اختلف أبو مسلم الخراساني معه (3).  وقيل إن منشأ هذا القول هو الإمام المهدي(4) الذي رد العباسية عن اعتقاد الإمامة في محمد بن الحنفية وأنهم أخذوها من خلاله، وأثبت الإمامة بعد النبي للعباس، ودعاهم إليها، وقال لهم إن العباس هو الإمام بعد النبي وكل الخلفاء بعد النبي غاصبون متوثبون.

❃❃❃

والفرقة الثانية تجعل العباسية فرقة من فرق الشيعة، ويبدأ تفرقهم ضمن فرقة “الكيسانية”، وهي فرقة شيعية لم تحصر الإمامة في الحسن والحسين، بل قالت إن الإمام بعد الحسين هو محمد بن الحنفية. ثم إنهم بعد موت محمد بن الحنفية صاروا ثلاث فرق، فرقة زعمت أن محمدا لم يمت وأنه مقيم بجبل رضوى، وفرقتان زعمت أنه مات وأن الإمام بعده ابنه أبو هاشم (عبد الله بن محمد)، ثم اختلفوا، فقالت فرقة: من بعده محمد بن علي بن عبد الله بن العباس (ومن ثم انتقلت لبني العباس)، وفرقة زعمت أن الإمام بعده عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر (وعرفوا باسم الحربية، نسبة إلى عبد الله بن حرب المدائني)، وقد خرج عبد الله بن معاوية فقتله أبو مسلم(5).

ويسمي أبو حاتم الليثي الرازي (ت 300هـ)، في كتابه “الزينة” (6) إحدى فرق الشيعة: “العباسية”، ويقول عنهم: “زعموا أن أبا هاشم عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب أوصى إلى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس؛ لأنه مات عنده بأرض الشراة بالشام، ودفع الوصية إلى أبيه علي بن عبد الله، وذلك أن محمد بن علي بن عبد الله كان صغيرا عند وفاة أبي هاشم، وأمره أن يدفعها إليه إذا أدرك، فهو الوصي الإمام”.

وقال التنوخي: ثم إن الشيعة العباسية “الروندية” افترقت ثلاث فرق(7):

– فرقة منهم يسمون “الأبا مسلمية” أصحاب “أبي مسلم” قالوا بإمامته، وادعوا أنه حي لم يمت، وقالوا بالإباحات وترك جميع الفرائض، وجعلوا الإيمان المعرفة لإمامهم فقط، فسموا “الخرمدينية”، وإلى أصلهم رجعت فرقة “الخرمية”. 

– وفرقة أقامت على ولاية أسلافها، وولاية ابي مسلم سرا، وهم: “الرِّزامية”، أصحاب رزام، وأصلهم مذهب الكيسانية. 

– وفرقة منهم يقال لها الهُريرية، أصحاب أبي هريرة، الروندية، وهم العباسية الخلص، الذين قالوا الإمامة لعم النبي. وغلاتهم زعموا أن أبا مسلم نبي، وأن أبا جعفر المنصور إله، (وأن الإمام يعلم علم الإله بكل شيء)، فاستتابهم المنصور فمن لم يتب قتله وصلبه.

❃❃❃

ويذكر التنوخي (8)أن فرقتين من فرق الشيعة قالتا بالغلو في ولد العباس، إحداهما الروندية المذكورة آنفا التي قالت إن الإمام بمنزلة الإله. والثانية قالت إن الإمام بمنزلة النبي في جميع أموره، ومن لم يعرفه لم يعرف الله، فهو كافر مشرك.

❃❃❃

وفي مآثر الإنافة في معالم الخلافة ملحظ مهم يبين أن الخلافة العباسية قامت على الفكر الشيعي العلوي لا العباسي، فيقول القلقشندي : (9)“اللقب الثاني: الإمام، وهو من الألقاب المستجدة للخليفة في أثناء الدولة العباسية بالعراق، والأصل في ذلك أن الشيعة كانوا يعبرون عمن يقوم بأمرهم بالإمام، من حيث إن الإمام في اللغة هو الذي يقتدي به، وهم بأئمتهم مقتدون وعند أقوالهم وأفعالهم واقفون؛ لاعتقادهم فيهم العصمة، وكان إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس قد تلقب حين أخذت له البيعة بالخلافة بالإمام؛ نسجا على هذا المنوال وبقي في خلفاء بني العباس إلى الآن”. ويؤكد ذلك أن بني العباس كلا منهم قد تلقب بلقب خاص به، كالمنصور والمهدي والهادي… إلخ، كما هو المعروف في القاب أئمة الشيعة العلوية.

❃❃❃

بين العباسيين والعلويين5 الإمامة بين العباسيين والعلويين

التنازع بين الفرق العباسية:

ذكر أبو حاتم الرازي(10) أن “العباسية” اختلفوا؛ فـ”الهُريرية” قالوا الإمام بعد المنصور هو عيسى بن موسى؛ لأن أبا العباس أوصى إليهم جميعا، وأجروها في ولد عيسى، وخطأوا أبا المنصور في عزل عيسى، وخالفوه، وحاربه أبو مسلم لذلك، حتى قتل. وقيل بل خالفه أبو مسلم لأنه ادعى الإمامة والوصية من قبل العباس، وإنكاره محمد بن الحنفية.

ويذكر التنوخي(11) التنازع بين الشيعة العباسية جراء فعل المنصور، وأنهم افترقوا فرقتين، فرقة رفضت فعل المنصور (وقالت بإمامة عيسى بن موسى)، وفرقة اتبعت المنصور وأيدته في فعله؛ لأنه الإمام “الحي” الذي افترض الله طاعته، ومن ثم قالوا بإمامة المهدي من بعد المنصور.

❃❃❃

وكما حدث التنازع بين الفرق الشيعية العباسية، فقد حدث أيضا تنازع العباسية في مسألة الإمامة مع مجموعة من الفرق الشيعية العلوية، فالكيسانية مثلا، رفضت بعض فرقها التسليم للعباسية وقالوا بإمامة عبد الله بن معاوية.

والمغيرية قالوا إن الإمام بعد محمد الباقر هو محمد النفس الزكية بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب. وهو الذي خرج في عهد المنصور بالمدينة؛ فقتل. ثم خرج أخوه إبراهيم بالبصرة فقتل.

❃❃❃

استحقاق الإمامة العباسية في كتب التاريخ

تحت شعار “الرضا من آل محمد” خرجت عديد من الحركات في العصر الأموي، ومنها ما فعله المختار الثقفي، والمتبادر إلى الذهن أن هذا الشعار مظلة لإعادة الإمامة لآل الحسن والحسين بالتحديد، دون غيرهم من آل محمد. وفي نهاية العصر الأموي بدأت حركة العباسيين تحت هذا الشعار، فكان القائمون على الحركة في خراسان، كأبي مسلم وغيره، يدعون الناس إلى (كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وإلى الرضا من آل محمد)(12). ولقد كان الشعار فضفاضا استخدمه العباسيون عن ذكاء، حيث كانت “مظلوميات أهل البيت” في العصر الأموي، بدءا بمقتل الحسين بن علي وزيد بن علي وابنه يحيى، لافتة عريضة يتمكنون بها من حشد عواطف الناس؛ وهم يعتقدون أنهم يعملون لإعادة الإمامة لذرية الحسن والحسين. ولذلك حين تولى العباسيون الخلافة وقع النزاع بينهم وبين العلويين؛ باعتبار أنهم استخدموا لافتة يرون أنها تمثلهم، ثم استأثروا بالأمر من دونهم.

وثمة رواية يوردها أبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين(13) عن بيعة العباسيين والعلويين لمحمد النفس الزكية، وذلك في اجتماع حدث بالأبواء، أثناء سعيهم لإسقاط بني أمية، حضره العلويون والعباسيون (إبراهيم الإمام، والسفاح، والمنصور، وصالح بن علي، وعبد الله بن الحسن، وابناه محمد، وإبراهيم، ومحمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان)، وفي هذا الاجتماع دعاهم صالح بن علي إلى بيعة أحدهم، فبادر أبو جعفر المنصور ببيعة محمد النفس الزكية، وبايعه جميع الحاضرين. قال: (ثم لم يجتمعوا إلى أيّام مروان بن محمد. ثم اجتمعوا فبيناهم يتشاورون إذ جاء رجل إلى إبراهيم فشاوره بشيء فقام، وتبعه العباسيون، فسأل العلويون عن ذلك فإذا الرجل قد قال لإبراهيم الإمام: قد أخذت لك البيعة بخراسان، واجتمعت لك الجيوش، فلما علم ذلك عبد الله بن الحسن احتشم إبراهيم الإمام وخافه وتوقاه، فكتب إلى مروان بن محمد إني بريء من إبراهيم وما أحدث).

كما أن الطبري في تاريخه أشار إلى هذا الاجتماع(14): (وقد ذكر أن محمدا كان يذكر أن أبا جعفر ممن بايع له ليلة تشاور بنو هاشم بمكة فيمن يعقدون له الخلافة حين اضطرب أمر بني مروان مع سائر المعتزلة الذين كانوا معهم هنا لك)

وهناك باحثون يشككون في هذه الرواية؛ ويرجحون أنها وضعت لتبرير ثورات العلويين؛ بدليل أن العباسيين كانوا قد قطعوا شوطا طويلة في الإعداد والتنظيم للثورة وليسوا بحاجة لبيعة العلويين، كما أن محمد النفس الزكية لم يشر في مراسلاته مع المنصور لهذه البيعة(15).

ولقد كان العلويون الخارجون في عصر بني العباس يحملون هذه اللافتة، كمحمد النفس الزكية، وغيره، وقد كثرت الحركات العلوية الخارجة في العصر العباسي الأول، وكلها تحمل هذا الشعار. وكانت أشد الحركات هي التي حدثت حين نشأة الدولة، مع عبد الله بن الحسن وولديه محمد وإبراهيم، وقيام المنصور بسجن بعضهم وقتل آخرين.

ويذكر المؤرخون أن أبا سلمة الخلال – أحد مؤسسي الحركة العباسية – أراد صرف الأمر إلى العلويين لما بلغه خبر موت إبراهيم الإمام عام 131 هـ، وكان إبراهيم قد عهد بالدعوة لأخيه أبي العباس، وقد كان فعل أبي سلمة سبب مقتله بتدبير من المنصور(16).

ولقد كان الفعل اللافت في العصر العباسي الأول يتمثل في ما قام به المأمون حين جعل علويا وليا للعهد من بعده، يقول الطبري في أحداث سنة 201هـ: “جعل المأمون علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ولي عهد المسلمين والخليفة من بعده، وسماه الرضى من آل محمد، وأمر جنده بطرح السواد ولبس ثياب الخضرة، وكتب بذلك إلى الآفاق”… وجاء في تبرير الفعل: “وذلك أن المأمون نظر في بني العباس وبني علي، فلم يجد أحدا هو أفضل ولا أورع ولا أعلم منه، وأنه سماه الرضى من آل محمد”… ولكن بني العباس لم يرضوا عما فعله المأمون واجتمعوا وخلعوا المأمون، وبايعوا إبراهيم بن المهدي.. وخلال سنتين يتوفى علي بن موسى، ثم تعود الخلافة إلى المأمون، ويأمر الناس بخلع الخضرة والعودة إلى لباس السواد.

ليس من غرضنا هنا البحث عن دوافع المأمون لتولية علي بن موسى الرضا ولاية العهد، ولكن ما نشير إليه أن ثمة اعترافا واضحا خفيا من الخلفاء العباسيين بوجود أحقية مشتركة في الإمامة مع العلويين، حيث إنهم استحقوا الخلافة برفع مظلوميتهم، وشعار الرضا لآل محمد، وحين يطلق هذا اللفظ فالذهن ينصرف مباشرة إلى ذرية الحسن والحسين، ولا ينصرف إلى ذرية العباس.

ومن خلال هذا العرض التاريخي، يتبين أن المؤرخين ينظرون إلى نشأة الدولة العباسية على أنها نشأة شيعية، قامت باستحقاق شيعي يتمثل في شعار “الرضا من آل محمد”، ثم اختلف العباسيون والعلويون؛ فلذلك تعددت الحركات العلوية الخارجية في مختلف العالم الإسلامي: خراسان، والعراق، واليمن، والمغرب، …إلخ.

بين العباسيين والعلويين3 الإمامة بين العباسيين والعلويين

استحقاق الإمامة العباسية من خلال الخطب المنسوبة للخلفاء العباسيين

في هذا المبحث سنرجع إلى مجموعة من الخطب الرسمية لمؤسسي الخلافة العباسية (السفاح والمنصور وعمهم داوود بن علي)؛ لنتبين من خلالها المبررات التي يسوقونها لأحقيتهم بالخلافة. وقد اخترت ثلاث خطب إضافة إلى مراسلات المنصور مع محمد النفس الزكية. وهي:

خطبة أبي العباس السفاح عند توليه الخلافة، وهي أول خطبة عباسية رسمية(17)، وخطبة داوود بن علي في يوم تتويج أبي العباس بالخلافة(18)، وخطبة المنصور بعد سجن عبد الله بن الحسن وإخوته(19)، وأخيرا: مراسلات المنصور والنفس الزكية(20). وسأخص خطبة السفاح بتحليل مستقل لأهميتها في كونها أول بيان عباسي، ثم أحلل مجموع الخطب.

1/ تحليل خطبة الخلافة لأبي العباس السفاح:

يظهر الـ”نحن الديني” في الخطبة ظهورا واضحا من أول الجمل، فهو يقول:

(الحمد لله الذي اصطفى الإسلام لنفسه تكرمة، وشرفه وعظمه، واختاره لنا وأيده بنا، وجعلنا أهله وكهفه وحصنه والقوام به، والذابين عنه والناصرين له، وألزمنا كلمة التقوى، وجعلنا أحق بها وأهلها).

فهم اختيار الله الذين اختارهم لتأييد الإسلام وحمايته والذب عنه ونصرته، وهم الذين حكم الله لهم بكلمة التقوى وكتبها لهم وجعلها أهلها (وكلمة التقوى هي كلمة التوحيد)؛ فيسقط تفسير الآية عليهم. وهو بهذا يمنح العباسية الشرعية الدينية لاستحقاق الخلافة.

ثم بعد ذلك يقول:

(وخصنا برحم رسول الله ص وقرابته، وأنشأنا من آبائه، وأنبتنا من شجرته)….ويستشهد بآيات القرابة وأهل البيت، كقوله: “«إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا»، وقوله: «واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى». ثم يقول: (فأعلمهم جل ثناؤه فضلنا، وأوجب عليهم حقنا ومودتنا، وأجزل من الفيء والغنيمة نصيبنا تكرمة لنا، وفضلا علينا، والله ذو الفضل العظيم).

فهو ينازع الشيعة العلوية في تنزيل هذه الآيات، والاستشهاد بها لبيان استحقاقهم بالولاية، وأن الله قد فرض على الناس حقهم في كتابه، وأن الناس حين يسلمون لهم فإنما يعبدون الله بإتيان فرض من فروضه.

ثم يرد على العلويين الذين قالوا: إنهم أحق بالولاية، ويسميهم “السبئية”، وهو وصف مقصود تنفير الناس منهم، ويؤكد أن الحق إنما هو حقهم، وأنهم استردوا حقهم من بني أمية، فيقول:

(وزعمت السبئية الضلال، أن غيرنا أحق بالرئاسة والسياسة والخلافة منا، فشاهت وجوههم! بم ولم أيها الناس؟ وبنا هدى الله الناس بعد ضلالتهم…) إلى أن يقول: (فتح الله ذلك منة ومنحه لمحمد ص، فلما قبضه الله إليه، قام بذلك الأمر من بعده أصحابه، وأمرهم شورى بينهم،)… (ثم وثب بنو حرب ومروان، فابتزوها وتداولوها بينهم،)… (فلما آسفوه انتقم منهم بأيدينا، ورد علينا حقنا، وتدارك بنا أمتنا، وولى نصرنا والقيام بأمرنا، ليمن بنا على الذين استضعفوا في الأرض، وختم بنا كما افتتح بنا).

من هذه المقتطفات يتبين لنا أمران:

الأول: أن الخلافة العباسية قامت على دعوى الحق الديني؛ في ان الله جعل الولاية حقا لهم؛ كونهم قرابة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الله اختارهم لهذا الأمر، وأن من سبقهم قد اغتصبوا الحق منهم، فرده الله غليهم، وكما افتتح الحق بنبوة محمد الهاشمي فقد اختتمه برد الولاية إلى بني العباس الهاشميين. 

الثاني: أن النزاع بين العباسيين والعلويين قد بدأ مبكرا، قبل إعلان الخلافة العباسية، وذلك أنهم كانوا قد اشتركوا في الدعوة للرضا من آل محمد، وكل منهم يريدها أن تصير إليه، ولكن غلب عليها العباسيون، ولذلك تجد الخليفة العباسي يهتم في خطبة الخلافة بالرد على دعوى العلويين بأنهم أحق بالخلافة، فينكر ذلك عليهم، ويبين بطلان دعواهم.

2/ أهم ملامح الاستحقاق في خطب مؤسسي الخلافة العباسية:

أ: الاستحقاق الأساسي: يتمثل في الاستحقاق الديني.

فخلفاء بني العباس يؤكدون أن الخلافة حق لهم، استردوه بعد أن اغتصبه من قبلهم. وهو حق قد جعله الله لهم في كتابه (كما تبين من استدلال السفاح بآيات القرابة في خطبة التأسيس). ويتمثل هذا الحق – كما في خطبة داوود بن علي – في كونهم من قرابة النبي صلى الله عليه وسلم، وبذلك فهم أحق بالولاية من سائر الناس. يقول: (فأظهر فيكم الخليفة من هاشم، وبيض به وجوهكم)، ويسمي خليفتهم الإمام (ومن عليكم بإمام منحه العدالة).

ويؤكدون أن خروجهم على بني أمية لم يكن لطلب سلطة أو مغنم، بل لاسترداد حقهم المغتصب، يقول داوود: (وإنما أخرجنا الأنفة من ابتزازهم حقنا).

والسفاح يؤكد أن هذا الحق هو ميراث النبوة، فالله افتتح النبوة بالنبي الهاشمي، ورد الأمر إليهم (وختم بنا كما افتتح بنا). وقال المنصور: (وميراث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلّم ميراثنا).

وبذلك يحتفل العباسيون أن الله أعاد الحق المغتصب إلى أهله، وهم أهل بيت النبوة، يقول داوود: (ورجع الحق إلى نصابه، في أهل بيت نبيكم، أهل الرأفة والرحمة بكم). ويعلنون للناس أن الإمامة لن تخرج منهم بعد أن رجعت إليهم، يقول داوود: (فاعلموا أن هذا الأمر فينا ليس بخارج منا حتى نسلمه الى عيسى بن مريم). وبهذا يعلن داوود نهاية حركة التاريخ.

ب: الاستحقاق العباسي مقابل دعوى العلويين

بما أن الاستحقاق الأول إطار عام يشترك فيه العباسيون والعلويون؛ كان لا بد من إيجاد إطار أخص يبين لماذا هم أحق بالخلافة من العلويين. وقد تبين هذا في خطبة أبي العباس السابق ذكرها، ولا تكاد خطبة من خطب الخلافة تخلو من بيان هذا الحق. وهذا البيان يأتي ردا على دعاوى العلويين.

فعلى سبيل المثال حين خرج محمد النفس الزكية، جاء في رسالته للمنصور: (فإنّ الحق معنا، وإنما ادّعيتم هذا الأمر بنا وخرجتم إليه بشيعتنا، وحظيتم بفضلنا، وإن أبانا عليّا رحمه الله كان الإمام؛ فكيف ورثتم ولاية ولده، وقد علمتم أنه لم يطلب هذا الأمر أحد بمثل نسبنا ولا شرفنا، وأنا لسنا من أبناء الظّئار. ولا من أبناء الطلقاء؛ وأنه ليس يمتّ أحد بمثل ما نمتّ به من القرابة والسابقة والفضل).

فهو يتهم العباسيين أنهم استخدموا الحق العلوي في اغتصاب الولاية وخداع الناس، ويتمثل الحق العلوي في كون علي هو الإمام، ومن ثم فأولاده هم الذين يرثون منه هذا الحق، كما يتمثل هذا الحق في ادعاء أن العلويين هم أقرب الناس إلى النبي، ولهم السابقة والفضل؛ لذلك فهم أحق بالإمامة.

كان الخطاب السائد العباسي هو إنكار أي أحقية للعلويين، وبقراءة في خطب المنصور ومراسلاته، نرى هذا الإنكار يتمثل في ما يلي:

– عدم التسليم بإمامة علي، وادعاء أن الإمامة للعباس؛ كون العم أقرب من ابن العم. يقول المنصور: (لأن الله جعل العم أبا، وبدأ به في القرآن على الوالد الأدنى). فإذا كان العلويون يمتون بعلي فالعم أقرب، وإن كانوا يمتون بفاطمة فهي امرأة (لا تحوز ميراثا، ولا ترث الولاية، ولا يحل لها أن تؤمّ؛ فكيف تورث بها إمامة؟)، (ولم يجعل الله النساء كالعمومة والآباء، ولا كالعصبة والأولياء)(21).

بين العباسيين والعلويين4 الإمامة بين العباسيين والعلويين

– عدم التسليم بادعاء العلويين أنهم خير الناس، بل العباسيون هم خير الناس. يقول المنصور مخاطبا شيعته بعد حبسه عبد الله بن الحسن: (ولو بايعتم غيرنا لم تبايعوا من هو خير منا)، فهو يعرض بالعلويين، ويقول لشيعته لو أنهم بايعوا العلويين لتركوا بيعة الأفضل. 

– عدم التسليم للعلويين حين ادعوا أن العباسيين نالوا الخلافة باسمهم وحقهم وشيعتهم، فيقول المنصور مخاطبا أهل خراسان: (حتى ابتعثكم الله لنا شيعة وأنصارا، فأحيا شرفنا، وعزنا بكم أهل خراسان، ودمغ بحقكم أهل الباطل، وأظهر حقنا، وأصار إلينا ميراثنا عن نبينا). 

– مع التسليم بحق العلويين في الإمامة؛ فإنهم يعلنون أنهم تركوا لهم مدة كافية ليثبتوا فيها أهليتهم لهذا الحق، ولكن العلويين أثبتوا فشلهم، بدءا من خلافة علي، ومرورا بالخارجين من ذريته. يقول المنصور: (وإن أهل بيتي هؤلاء من ولد علي بن أبي طالب تركناهم والله الذي لا إله إلا هو والخلافة، فلم نعرض لهم فيها بقليل ولا كثير). 

– ومع التسليم بإمامة علي؛ فإنهم يطعنون في أهليته للإمامة، وبذلك لم يعد أهلا لها. يقول المنصور: (فقام فيها علي بن أبي طالب فتلطخ وحكم عليه الحكمان، فافترقت عنه الأمة، واختلفت عليه الكلمة، ثم وثبت عليه شيعته وأنصاره وأصحابه وبطانته وثقاته فقتلوه). وكذلك الطعن في كل من دعا للإمامة من ذريته؛ فالحسن “باع الإمامة بخرق ودراهم”؛ ” فإن كان لكم فيها حق فقد بعتموه وأخذتم ثمنه”.. وأما الحسين وزيد بن علي ويحيى بن زيد فقد قتلهم بنو أمية، وعجزوا عن أن ينالوا شيئا. (ثم طلب هذا الأمر غير واحد من بني هاشم فلم ينله إلا ولده [أي ولد العباس]). 

– التأكيد للعلويين أن خروج العباسيين فيه أخذ لثأرهم من بني أمية، ومن ثم وجب على العلويين شكر بني عمهم. قال داوود: (وإنما أخرجنا الأنفة من ابتزازهم حقنا، والغضب لبني عمنا)، وقال المنصور مخاطبا النفس الزكية: (حتى خرجنا عليهم، فطلبنا بثأركم، وأدركنا بدمائكم، وأورثناكم أرضهم وديارهم وأموالهم). 

– التأكيد أنهم [أي العباسيين] قد لقوا العنت من بني أمية بسبب خروج العلويين المستمر عليهم، يقول المنصور: (ثم وثب علينا بنو أمية، فأماتوا شرفنا، وأذهبوا عزنا، والله ما كانت لهم عندنا ترة يطلبونها، وما كان لهم ذلك كله إلا فيهم وبسبب خروجهم عليهم). فالعباسيون إذن لم يلاقوا من العلويين إلا الأذى والشر.

– وبعد نفي استحقاق العلويين للإمامة، يظهر العباسيون المن عليهم بأنهم دعوهم ليشركوهم في الملك، ولكنهم أبوا إلا الخروج. يقول المنصور: (وأردنا إشراككم في ملكنا، فأبيتم إلا الخروج علينا). وبذلك يقيم العباسيون الحجة على العلويين في أنهم هم الذين رفضوا المشاركة في الملك. 

– يهاجم العلويين بأنهم أرادوا البغي والظلم، فخرجوا على بني العباس وهم أصحاب الحق الشرعي. فلم يكتف العلويون بدعاواهم الباطلة أنهم أحق بالإمامة، بل بغوا على أصحاب الحق. يقول المنصور: (فلما استقرت الأمور فينا على قرارها، من فضل الله فيها وحكمه العادل لنا، وثبوا علينا، ظلما وحسدا منهم لنا، وبغيا لما فضلنا الله به عليهم، وأكرمنا به من خلافته وميراث نبيه). وببغيهم ونقضهم بيعة الخليفة فقد أحلوا دماءهم وأموالهم. يقول المنصور: (استحللت دماءهم وأموالهم وحلت لي عند ذلك بنقضهم بيعتي، وطلبهم الفتنة، والتماسهم الخروج علي).

وبهذا يتبين لنا جذور الصراع العباسي العلوي، الذي بدأ قبل بيعة أبي العباس، وأدى لاحقا إلى مقتل أبي سلمة الخلال، وظهر ذلك من خلال خطبة السفاح ورده على دعوى العلويين بأحقيتهم، وتصاعد هذا الصراع أيام المنصور حتى بلغ ذروته في خروج محمد بن عبد الله بن الحسن وأخوه إبراهيم على المنصور. ويكشف المنصور في مراسلاته أنهم عرضوا على العلويين مشاركتهم في الملك (إلا أن العلويين رفضوا). فلماذا إذن عرضوا عليهم ذلك؟ هذا يبين أن الدعوة كانت مشتركة بينهم، وأن شعار الرضا من آل محمد كان لافتة يتحرك تحتها الشيعة للإطاحة بحكم بني أمية وإقامة دولة بني هاشم، ويؤكد أن تحركهم كان تحت الإطار الشيعي العلوي (الذي يعترف بإمامة علي). فلما تمكن العباسيون من الحكم نقضوا ذلك؛ فلم يرض العلويون بالفتات، وأرادوا الأمر كاملا لهم(22)؛ فحينئذ اضطر العباسيون للقول بأنهم أحق بالإمامة من جهة العباس نفسه، لا من جهة علي. وقد أشرنا من قبل إلى أن الذي أنشأ هذا القول هو المنصور، ولذلك اختلف أبو مسلم الخراساني معه(23).

ومما يرجح ما نذهب إليه أن داوود بن علي في خطبة تتويج السفاح، قد أشار بوضوح إلى إمامة علي بن أبي طالب، فقال: (ألا وإنه ما صعد منبركم هذا خليفة بعد رسول الله إلا أمير المؤمنين على ابن أبي طالب وأمير المؤمنين عبد الله بن محمد- وأشار بيده إلى أبي العباس). فقيام الخلافة العباسية ارتكز على دعوى إمامة علي، وخطبة داوود توضح تبني النظرة الشيعية تجاه الخلفاء الثلاثة، وعدم الاعتراف بهم، وكأنما اغتصبوا حقا خالصا لبني هاشم؛ فلا خليفة إلا علي حتى أتى بنو العباس.

إلا أن هذه النظرة الشيعية تتغير مع المنصور، كما بينا آنفا، ومن ثم يبدأ بمهاجمة علي نفسه وذريته؛ بحجة أن ذلك سيمكنه من زعزعة السلاح الذي يستخدمه خصومه العلويون.

ج/ الاستحقاق الاجتماعي: 

لم يأخذ الاستحقاق الاجتماعي حيزا كبيرا في خطب الخلفاء المؤسسين أو أعمامهم، بالرغم من أهميته في إقناع الناس؛ مما يؤكد انشغال الخطاب العباسي بترسيخ الاستحقاق الديني. ومن القليل الذي يبين هذا الاستحقاق: الحديث عن ظلم بني أمية وتسلطهم على أموال الناس؛ مما جعل العباسيين يغضبون من أجل الناس؛ وفي ذلك محاولة لملامسة مصالح الناس، وبيان أن خروجهم على بني أمية كان ضرورة اجتماعية؛ مما يمنح حركتهم الوصف الثوري على الظلم والمظالم. يقول داوود: (ولقد كانت أموركم ترمضنا ونحن على فرشنا، ويشتد علينا سوء سيره بنى اميه فيكم، وخرقهم بكم، واستذلالهم لكم، واستئثارهم بفيئكم وصدقاتكم ومغانمكم).

خاتمة:

مما تقدم يتبين أن الاستحقاق الذي قامت عليه الخلافة العباسية كان استحقاقا مشتركا مع العلويين، سواء من وجهة نظر تاريخية، أم من وجهة نظر الخلفاء العباسيين أنفسهم، ومقتضى هذا الاستحقاق هو الشراكة الكاملة في الحكم، ولكن الذي حدث أن أقصى العباسيون شركاءهم في هذا الاستحقاق؛ مما أدى إلى تنازع الشركاء، وبذلك تفجرت الحركات العلوية في وجه العباسيين دون توقف، وبعضها استطاع أن يسيطر على الأقاليم التي خرجوا فيها، كاليمن والمغرب والديلم. وساعدهم على ذلك أن كثيرا من عامة الناس الذين كانوا يدعون للرضا من آل محمد كان هواهم مع آل أبي طالب؛ فحيثما تحرك أحدهم يدعو لآل البيت ساعده الناس على ذلك(24). ولهذا وجدت البيئة الخصبة لظهور داعية الزنج والقرامطة والإسماعيلية والفاطميين.

ولا شك أن هذا الاستحقاق – من وجهة نظر إسلامية – هو استحقاق مرفوض، فالإسلام لم يأت ليمنح الإمامة شخصا بعينه ولا أسرة بعينها، بل جعل أمر الناس شورى بينهم، وأعلن أن الناس سواسية لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، وأن الناس يختارون من يرتضونه حاكما، وهذا ما قرره التراث السني؛ رافضا دعوى الشيعة في القول بالإمامة، وقالوا إن استحقاق الخلافة إنما يكون ببيعة الناس واختيارهم للحاكم، لا بالنص الديني المتوهم.

ولربما يكون العباسيون استخدموا ذلك الاستحقاق ليتوصلوا به إلى الخلافة؛ فلما وصلوا إليها لم يكونوا على مذهب الشيعة، ولم يعتدوا بهم إلا في مقابلة العلويين. فمن المعلوم أن الخلفاء العباسيين كانت أفعالهم الظاهرة لا تؤيد الشيعة، بل دخلوا في حروب ضروس معهم، ووفروا البيئة الخصبة لترعرع الفكر السني، وحماية أهل السنة، وبذلك فالخلفاء العباسيون يمثلون امتدادا للخلفاء الأمويين في الاهتمام بالإسلام ونشره.

الهوامش:

  1. الزينة لأبي حاتم، ج1/ ص546. 
  2. مقالات الإسلاميين للأشعري، 21. 
  3. الزينة لأبي حاتم، ج1/ ص546. 
  4. فرق الشيعة للتنوخي، ص 43. 
  5. انظر: مسائل الإمامة للناشئ الأكبر، ص26. وانظر فرق الشيعة للتنوخي، ص29. 
  6. حققه وقدم له: سعيد الغانمي، بيروت-بغداد: منشورات الجمل، ط1، 2015م، ج1/ ص 545. 
  7. فرق الشيعة، ص41. 
  8. فرق الشيعة، ص 46. 
  9. القلقشندي، ج1/ص21. 
  10. الزينة لأبي حاتم، ج1/ ص546. 
  11. فرق الشيعة، ص44. 
  12. تاريخ الطبري، ج7/ 390 – ومواطن أخرى. 
  13. ص 226. وانظر الصواعق المحرقة لابن حجر الهيتمي، ج2/ 589، يروي فيه رفض جعفر الصادق مبايعة النفس الزكية وتعليله لذلك بأن الملك القادم ليس للعلويين بل للعباسيين، وكان أبو جعفر المنصور حاضرا. 
  14. تاريخ الطبري، ج7/ 517. 
  15. حسن فاضل زعير العاني، سياسة المنصور أبي جعفر الداخلية والخارجية، 257. 
  16. الكامل في التاريخ لابن الأثير، ج5/ 28. 
  17. انظر: تاريخ الطبري، ج7/ص425. 
  18. تاريخ الطبري، ج7/ ص426. 
  19. تاريخ الطبري، ج8/ 92. 
  20. العقد الفريد، ج5/ 337 – وما بعدها. وانظر البداية والنهاية، ج13/ 359. 
  21. وهذا ما أورده العقد الفريد، ج5/ 359 في حوار بين الخليفة المأمون وعلي الرضا: (قال المأمون لعلي بن موسى: علام تدّعون هذا الأمر؟ قال: بقرابة علي وفاطمة من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم. فقال له المأمون: إن لم تكن إلا القرابة فقد خلف رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم من أهل بيته من هو أقرب إليه من عليّ، أو من هو في قعدده، وإن ذهبت إلى قرابة فاطمة من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم، فإن الأمر بعدها للحسن والحسين، فقد ابتزّهما عليّ حقهما وهما حيّان صحيحان، فاستولى على ما لا حق له فيه. فلم يجد عليّ بن موسى له جوابا). 
  22. يبين ذلك مثلا ما أورده ابن عبد ربه في العقد الفريد [ج5/ 334] أن عبد الله بن الحسن رجع من عند السفاح بأموال ومجوهرات كثيرة، فلما وصل المدينة جمع العلويين وجعل يفرق فيهم تلك الأموال، فلما رأى السرور يملأهم، وبخهم وقال لهم: (فرحتم؟ قالوا: وما لنا لا نفرح بما كان محجوبا عنا بأيدي بني مروان حتى أتى الله بقرابتنا وبني عمنا فأصاروه إلينا؟ قال لهم: أفرضيتم أن تنالوا هذا من تحت أيدي قوم آخرين؟). 
  23. الزينة لأبي حاتم، ج1/ ص546. 
  24. ومن الأمثلة التي نذكرها على ذلك، وهي تبين شدة خوف خلفاء بني العباس من انصراف الناس إلى الطالبيين، ما ذكره الطبري وغيره من المؤرخين في أحداث سنة 284 هـ، أن الخليفة المعتضد عزم على لعن معاوية بن أبي سفيان على المنابر، وأعد كتابا يقرأ على الناس بعد صلاة الجمعة، قال الطبري: فحاول عبيد الله بن سليمان صرف المعتضد عن هذا الفعل، وخوفه من اضطراب العامة، ولكنه لم يلتفت إليه. ثم إن القاضي يوسف بن يعقوب كلم المعتضد فقال له: (يا أمير المؤمنين، فما تصنع بالطالبين الذين هم في كل ناحية يخرجون، ويميل إليهم كثير من الناس لقرابتهم من الرسول ومآثرهم، وفي هذا الكتاب إطراؤهم، وإذا سمع الناس هذا كانوا إليهم أميل، وكانوا هم أبسط ألسنة، وأثبت حجة منهم اليوم). فال: فأمسك المعتضد وتوقف عن قراره. [تاريخ الطبري، ج10/ 63]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى