فكر

الرَّجم.. فلسفة الإثبات وسفسطة النفي

توطئة:

يثور بين وقت وآخر جدل سفسطائي حول بعض أحكام الشريعة وحدودها، بعيدًا عن الوعي واستغراق نصوص الكتاب والسنَّة، واستقصاء أبعاد تلك الأحكام في الآفاق والأنفس، إذ تؤخذ النصوص (آيات أو أحاديث) مبتورة عن منظومة وفلسفة الإسلام العامَّة والكلِّية، وهو ما يمكِّن البعض مِن الاعتراض والإسقاط والتحلُّل مِن تلك الأحكام. وبغض النظر عن الدوافع وعن النوايا، حيث تظلُّ مستترة في النفوس والزوايا، فإنَّ الحوار العلمي ينبغي أن ينصبَّ ابتداءً على تأسيس الأرضية المعرفية التي تحيط بالأمر، نشوءً وتطوُّرًا وانتشارًا. أمَّا البقاء في دائرة الجدل الضيِّقة التي تهتمُّ بالجزئيَّات وتهملُّ الكلِّيات، حيث تستنزف الطاقات وتهدر الأوقات، مدعاة لتفويت الوعي والفقه.

وحدُّ الرجم، وهو أحد الحدود التي وردت في الشريعة وجرى الجدال حولها كثيرًا، متَّصل بفلسفة الرجم بالقرآن الكريم، حيث ورد مصطلح “رجم” واشتقاقاته في عدَّة مواطن مِن القرآن الكريم، وحول أمور مختلفة. واستقراء هذا الحضور لهذا المصطلح في القرآن الكريم يمهِّد الإدراك بموقعه في الجزاءات والعقوبات الإلهية لمـَن خالف أوامر الله تعالى، والتي تعدَّدت مظاهرها وأساليبها اتِّساقًا مع طبيعة الجرم، وحجمه، وأضراره.

وفي هذا المقال الموجز نحاول أن نضع تصوُّرًا للرجم كما أبداه القرآن الكريم للجيل الأوَّل وهو يسعى لتشكيل مجتمع الالتزام والانضباط بالقانون الإلهي، والقادر على مواجهة النتوءات الفردية والجمعية التي تسعى لـ”خرق السفينة” مِن خلال ارتكاب المخالفات والوقوع في الانحرافات ليحافظ على كينونته وهويَّته وأمنه وسلامته، بل وأمن وسلامة مَن يلجأ إليه ويستظلُّ بسلطانه وإن لم يدخل في دين الإسلام ذاته.

الشَّيطان الرَّجيم:

إنَّ أوَّل وصف للرَّجم يُواجهنا في القرآن الكريم هو بحقِّ الشَّيطان خصوصًا؛ فقد ورد وصفه بكونه رجيمًا في أكثر مِن آية مِن آيات القرآن الكريم، ورجيم بمعنى (مرجوم). فقد حكى الله تعالى عن امرأة عمران أنَّها قالت: ((وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ))(1)، وقال سبحانه عن السَّماء: ((وحَفِظنَاهَا مِن كُلِّ شَيطَانٍ رَجِيمٍ))(2)، وقال عن القرآن: ((ومَا هُوَ بِقَولِ شَيطَانٍ رَجِيمٍ))(3)، وأمر نبيه محمَّدًا -صلَّى الله عليه وسلَّم- أن يستعيذ مِن الشَّيطان عند قراءة القرآن، فقال: ((فَإِذَا قَرَأتَ القُرآنَ فَاستَعِذ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ))(4) .

وقد استحقَّ إبليس الرَّجم على استكباره وعصيانه لأمر الله تعالى بالسُّجود لآدم، فأخبر سبحانه أنَّه أخرجه مِن سكنى السَّماء: ((فَاخرُج مِنهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ))(5).

وجعل الله الشُّهب رجومًا للشَّياطين المسترقة للسمع لما يدور في السماء، فقال تعالى: ((وَلَقَد زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعتَدنَا لَهُم عَذَابَ السَّعِيرِ))(6)، وقال سبحانه: ((إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنيَا بِزِينَةٍ الكَوَاكِبِ * وَحِفظًا مِن كُلِّ شَيطَانٍ مَارِدٍ * لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الـمَلَإِ الأَعلَى وَيُقذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا وَلَهُم عَذَابٌ وَاصِبٌ * إِلَّا مَن خَطِفَ الخَطفَةَ فَأَتبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ))(7). وهذا رجم على الحقيقة، منعًا لوصولهم إلى بغيتهم، ليستمعوا لأمور الوحي في محاولة مِنهم لإضلال الناس بتسريب أمور الغيب لهم مع شيء مِن الكذب والزيف.

وشُرِع للحُجَّاج رجم الجمرات أسوة بأبي الأنبياء، إبراهيم -عليه السَّلام؛ ففي الأثر عن ابن عبَّاس -رضي الله عنهما، مرفوعًا، قال: “لَمَّا أتى إبراهيمُ -خليلُ اللهِ، عليه السَّلام- المناسِكَ، عَرضَ له الشَّيطانُ عند جَمرةِ العَقَبةِ الأولى، فرماه بسَبعِ حَصَياتٍ حتَّى ساخَ في الأرضِ، ثمَّ عَرَضَ له عند الجَمرة الثَّانيَة، فرماه بسبعِ حَصَياتٍ، حتَّى ساخ في الأرضِ، ثمَّ عَرَضَ له في الجَمرة الثَّالثةِ، فرماه بسَبعِ حَصَياتٍ حتَّى ساخَ في الأرض”. فقال: “الشَّيطانَ تَرجمونَ، ومِلَّةَ أبيكم تَتَّبِعونَ”(8).

وبرغم أنَّ رجم الجمرات لا يؤذي الشواخص الحجرية المنصوبة، ولا يبلغ الشياطين، إلَّا أنَّ فيه تهيئة لنفوس المسلمين للتعامل مع هكذا جرم خبيث بهذا الأسلوب العنيف الخشن، لتنفر نفوسهم مِنه أساسًا فلا يصدَّ بعضهم بعضًا عن تطبيق أوامر الله تعالى مهما ثقلت. حتَّى أنَّ الله تعالى جعل رمي الجمرات عبادة تتناسب مع قدر الله تعالى الكوني في الشياطين الضالة العاتية عن أمر ربِّها.

الرَّجم في ملل الكفر:

في مقابل رجم الله تعالى للشَّيطان، فإنَّ الشَّيطان نفخ في نفوس أتباعه أن يتَّخذوا مِن الرَّجم عذابًا ونكالًا وتهديدًا لرسله وأنبيائه وأوليائه؛ كلُّ ذلك حقدًا وحسدًا مِنه عليهم؛ فقد قال قوم نوح لنوح -عليه السَّلام: ((لَئِن لَم تَنتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِن المرجُومِينَ))(9)، وقال آزر لابنه إبراهيم -عليه السَّلام: ((أَرَاغِبٌ أَنتَ عَن آَلِهَتِي يَا إِبرَاهِيمُ لَئِن لَم تَنتَهِ لَأَرجُمَنَّكَ وَاهجُرنِي مَلِيًّا))(10)، وقال قوم شعيب لشعيب -عليه السَّلام: ((يَا شُعَيبُ مَا نَفقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا ولَولَا رَهطُكَ لَرَجَمنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَينَا بِعَزِيزٍ))(11)، وجاء على لسان موسى -عليه السَّلام، تخوُّفه مِن قوم فرعون: ((وَإِنِّي عُذتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم أَن تَرجُمُونِ))(12)، وقالت معظم القرى لرسلهم: ((إِنَّا تَطَيَّرنَا بِكُم لَئِن لَم تَنتَهُوا لَنَرجُمَنَّكُم وَلَيَمَسَّنَّكُم مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ))(13)، بل هذا دأب المجتمعات الفاجرة المجرمة مع دعاة التَّوحيد والإصلاح على مدار التَّاريخ: ((إِنَّهُم إِن يَظهَرُوا عَلَيكُم يَرجُمُوكُم أَو يُعِيدُوكُم فِي مِلَّتِهِم وَلَن تُفلِحُوا إِذًا أَبَدًا))(14).

إذن فالرَّجم عقوبة متَّبعة عند كثير مِن الأمم لمن فارق دينهم وملَّتهم، للتنكيل به وردع مَن قد يسلك مسلكه.

3 3 الرَّجم.. فلسفة الإثبات وسفسطة النفي

رجم أهل الفاحشة:

وقع قوم لوط -عليه السَّلام- في فاحشة إتيان الذَّكر للذَّكر. وهي فاحشة مستقبحة ذميمة، لم يسبقهم إليها أحد مِن العالمين. وقد استحلُّوها واستلذُّوها حتَّى شاعت بينهم، وأصبحت خُلُقًا متفشِّيًا فيهم. فبعث الله تعالى إليهم لوطًا -عليه السَّلام، فأنكر عليهم، ودعاهم إلى الحقِّ والهدى وترك هذه الفاحشة الآثمة، وأنذرهم العقوبات الإلهية، وقدَّم لهم الحجج والبراهين، فأبوا وأصرُّوا على فجورهم وفواحشهم.

فبعث الله تعالى إليهم ملائكة العذاب، ليقلبوا عالي أرضهم سافلها، ويمطروها بحجارة مِن سجيِّل: ((قَالُوا إِنَّا أُرسِلنَا إِلَى قَومٍ مُجرِمِينَ * لِنُرسِلَ عَلَيهِم حِجَارَةً مِن طِينٍ * مُسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلمُسرِفِينَ * فَأَخرَجنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الـمُؤمِنِينَ * فَمَا وَجَدنَا فِيهَا غَيرَ بَيتٍ مِنَ الـمُسلِمِينَ * وَتَرَكنَا فِيهَا آَيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ العَذَابَ الأَلِيمَ))(15)، وقال سبحانه: ((فَلَمَّا جَاءَ أَمرُنَا جَعَلنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمطَرنَا عَلَيهَا حِجَارَةً مِن سِجِّيلٍ مَنضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ))(16)، وقال: ((فَأَخَذَتهُمُ الصَّيحَةُ مُشرِقِينَ * فَجَعَلنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمطَرنَا عَلَيهِم حِجَارَةً مِن سِجِّيلٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلمُتَوَسِّمِينَ))(17).

فنجد أنَّ الله تعالى ربط هذه الفاحشة بالرَّجم وهذا النَّوع مِن العذاب، وكلَّف به ملائكته دون سائر الخلق، نظرًا لبشاعة الجرم وشناعته، حتَّى شمل العذاب قوم لوط بأجمعهم. فكانت أوَّل عقوبة رجم عامَّة على فاحشة خبيثة. ومقدار العذاب كما هو معلوم يدلُّ على كِبرِ الجُرم، وعِظَمِ المخالفة.

رجم أصحاب الفيل:

ظلَّت الكعبة رمزًا مقدَّسًا ومصونًا في أتباع ملَّة إبراهيم -عليه السَّلام، على اختلاف ملَّتهم، باعتبارها بناء تعبُّديًّا قام به إبراهيم -عليه السَّلام- بأمر إلهي. والكعبة بناء معظَّم عند الله تعالى، وهي قبلة المسلمين، التي يتوجَّهون إليها عند الصَّلاة. وقد أمَّها جيش مِن أهل الحبشة، أرادوا هدمها، لا لشيء إلَّا لأبعاد سياسية واقتصادية، منتهكين حرمة هذا البيت وقداسته. فبعث الله تعالى عليهم طيرًا ترميم بحجار مِن سجِّيل، في ثاني عقوبة رجم عامَّة تشهدها البشرية، عقب قوم لوط. وقد خلَّد الله قصَّتهم في القرآن، كما خلَّد قصَّة قوم لوط، سواء بسواء. فقد قال تعالى: ((أَلَم تَرَ كَيفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصحَابِ الفِيلِ * أَلَم يَجعَل كَيدَهُم فِي تَضلِيلٍ * وَأَرسَلَ عَلَيهِم طَيرًا أَبَابِيلَ * تَرمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُم كَعَصفٍ مَأكُولٍ))(18).

عقوبة الرَّجم في وعي الكفَّار:

وقد وعى الكفَّار عقوبة الرَّجم الإلهية، وخبروا ذلك في مَن مضى، حتَّى جعلوا ذلك علامة على نكران الحقِّ. فقد حكى الله تعالى عنهم أنَّهم دعوا فقالوا: ((اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الحَقَّ مِن عِندِكَ فَأَمطِر عَلَينَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم وَأَنتَ فِيهِم وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُم وَهُم يَستَغفِرُونَ))، الأنفال: 32- 33. أي أنَّهم أدركوا أنَّ موقف العناد والرَّفض للحقِّ المنزل مِن الله تعالى لا يكافئه سوى عقوبة الرَّجم مِن السَّماء، أو عذاب أقوى مِنه.

ثبوت حدَّ الرَّجم:

بعد أن استعرضنا حضور عقوبة الرجم في السنن الإلهية مع المخالفين لأوامره القدرية والشرعية، يمكن الحديث عن حدِّ الرجم كشريعة موافقة لهذا النهج الربَّاني. وأيُّ محاولة لإسقاط هذا الحدِّ تحت مبرِّر البشاعة، ولافتة تنزيه الشريعة عن هكذا عقوبة، هو عبث يدلُّ على جهل وغفلة بالدِّين وسنن ربِّ العالمين في الآفاق والأنفس. وهو قول لا ينبغي الالتفات إليه وقد ثبت حدُّ الرجم في الشَّريعة الإسلامية في القرآن الكريم، والسُّنَّة النَّبوية، والإجماع، للزَّاني أو الزَّانية المحصنين إذا توفَّرت فيهما الشروط وانتفت الموانع.

الرَّجم في القرآن الكريم:

ثبت حدُّ الرَّجم في القرآن الكريم بادئ الأمر، لكنَّه نسخ لفظه وظلَّ حكمه مثبتًا يعمل به الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم، وأصحابه -رضي الله عنهم. فقد جاء عن عمر بن الخطاب ‏‏-رضي الله عنه- أنَّه قال: “إنَّ الله تعالى ‏بعث محمَّدًا -صلَّى الله عليه وسلَّم- ‏بالحقِّ، وأنزل عليه الكتاب، فكان ‏فيما أنزل عليه آية الرَّجم فقرأتها، ‏وعقلتها، ووعيتها، ورجم رسول الله -‏صلَّى الله عليه وسلَّم، ورجمنا بعده، ‏فأخشى إن طال بالنَّاس زمان أن ‏يقول قائل: ما نجد الرَّجم في كتاب ‏الله، فيضِلُّوا بترك فريضة أنزلها الله ‏تعالى، فالرَّجم حقٌّ على مَن زنى إذا ‏أُحصِن مِن الرِّجال والنِّساء، إذا ‏قامت البيِّنة، أو كان الحبل، أو ‏الاعتراف، وقد قرأتها: الشَّيخُ ‏والشَّيخة إذا زنيا فارجموهما البتَّة، ‏نكالًا مِن الله، والله عزيز حكيم.(19)

وقد جاء في الحديث، أنَّه -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: (خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قد جَعَلَ اللَّهُ لهنَّ سَبِيلًا، البِكرُ بالبِكرِ جَلدُ مِئَةٍ ونَفيُ سَنَةٍ، والثَّيِّبُ بالثَّيِّبِ جَلدُ مِئَةٍ، والرَّجمُ)(20). وهذا الحديث يشير فيه الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- لقوله تعالى: ((وَاللَّاتِي يَأتِينَ الفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُم فَاستَشهِدُوا عَلَيهِنَّ أَربَعَةً مِّنكُم فَإِن شَهِدُوا فَأَمسِكُوهُنَّ فِي البُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ الـمَوتُ أَو يَجعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا))(21).

والقرآن الكريم في هذا الحكم موافق لما بين يديه مِن الكتاب؛ فقد جاء في الأثر أنَّ اليَهُودَ جَاؤُوا إلى رسولِ اللَّهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم، فذكَرُوا له أنَّ رَجُلًا مِنهم وامرأةً زَنَيَا، فقال لهم رسولُ اللَّهِ: (ما تَجِدُونَ في التَّورَاةِ في شَأنِ الرَّجمِ؟). فقالوا: نَفضَحُهم ويُجلَدُون، قال عبدُاللَّهِ بنُ سلَام: كَذَبتم إنَّ فيها الرَّجمَ، فأتَوا بالتَّوراةِ فنَشَرُوها، فوَضَع أحَدُهم يَدَهُ على آيةِ الرَّجم، فقرأَ ما قَبلَها وما بَعدَها، فقال له عبدُاللَّهِ بنُ سلَامٍ: ارفَع يَدَك! فرَفَعَ يَدَه فإذا فيها آيَةُ الرَّجمِ. قالوا: صَدَقَ يا محمَّد فِيها آيةُ الرَّجم. فأمَرَ بهما رسولُ اللَّهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم، فرُجِما.(22)

وإذا ثبت نسخ اللَّفظ مِن القرآن الكريم فإنَّ ثبوت حكمه في المسألة باقٍ لم ينسخ؛ لذا قال ابن قدامة -رحمه الله، في (المـُغنِي): “قد ثبتَ ‏الرَّجمُ عن رسول الله -صلَّى الله عليه ‏وسلَّم- بقوله وفعله، في أخبار تشبه ‏التَّواتر، وأجمع عليه أصحاب رسول ‏الله -صلَّى الله عليه وسلَّم، وقد أنزله ‏الله تعالى في كتابه، وإنَّما نُسِخ ‏رسمُه دون حُكمِه”(23).‏

ولكون الآية المنسوخة منسوخة لفظًا فقد احتجَّ بها العلماء في الباب. وقد جاء عن عمر -رضي الله عنه- أنَّه قال: “رجمَ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّه عليه وسلَّم، ورجمَ أبو بكرٍ، ورجمتُ، ولولا أنِّي أكرَهُ أن أزيدَ في كتابِ اللَّهِ لَكَتبتُه في المصحفِ فإنِّي قد خَشيتُ أن يجيءَ أقوام فلا يجِدونَه في كتابِ اللَّهِ فيَكفُرون بِهِ”(24).

فهذه النصوص بمجموعها تجعل مستند الرجم القرآن الكريم ابتداء، بل وتجعل القرآن موافقًا في ذلك الكتب المتقدِّمة، فما لم يكن في شرعة الله تعالى مستبشعًا في الأوَّلين لا يكون مستبشعًا في الآخرين.

بين العباسيين والعلويين3 الرَّجم.. فلسفة الإثبات وسفسطة النفي

الرَّجم في السُّنَّة النَّبوية:

ثبت حدُّ الرَّجم للمحصن الزَّاني في السُّنَّة النَّبوية تشريعًا وتطبيقًا.

فقد ثبت عن عثمان بن عفَّان -رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يقول: (لا يحِلُّ دمُ امرئٍ مسلمٍ إلَّا بإحدى ثلاثٍ، رجلٌ زنَى بعد إحصانِه فعليه الرَّجم، أو قَتلَ عمدًا فعليهِ القوَد، أو ارتدَّ بعد إسلامِه فعليه القَتلُ)(25). فهذا نصٌّ واضح في أنَّ الرَّجم حدٌّ للزَّاني المحصن. والحديث مرويٌّ عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه، وإن لم يشر للرَّجم: (لا يَحِلُّ دَمُ امرئٍ مسلم، يشهدُ أن لا إله إلَّا اللَّه وأنِّي رسول اللَّه، إلَّا بإحدى ثلاث: النَّفس بالنَّفسِ، والثَّيِّبُ الزَّانِي، والمارِقُ مِن الدِّينِ التَّارِكُ للجماعةِ)(26). ومرويٌّ أيضًا عن عائشة -رضي الله عنها: (لا يَحِلُّ قتلُ امرئٍ مُسلِمٍ يَشهَدُ أن لا إله إلَّا الله، إلَّا بإحدى ثلاث: زانٍ بعدَ إحصانِه…) (27). ومعلوم أنَّه لم يقُل أحد بقتل الزَّاني المحصن بالسِّيف، فلم يبق إلَّا التأويل التَّطبيقي الذي سار عليه رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم، والخلفاء الرَّاشدون مِن بعده.

أما تطبيقًا، فقد ثبت أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- رجم عددًا، مِن الأشخاص، مِنهم: الرَّجُل الأسلَمي الذي أقرَّ على نفسه بالزِّنا(28)؛ وماعز بن مالك الذي أقرَّ على نفسه بالزِّنا(29)؛ والمرأة الجهنية التي أقرَّت على نفسها بالزِّنا(30)؛ والغامدية التي أقرَّت على نفسها بالزِّنا(31). ورجم رسول الله رَجُلًا وامرأة مِن اليَهُودِ(32)، كما مرَّ معنا. كما جاء في بعض الأحاديث أنَّه بينما رسولُ اللَّه -صلَّى الله عليه وسلَّم- جالس بين أصحابه، إذ قامَ رجل مِن الأعراب فقال: يا رسول اللَّه.. اقضِ لي بكتابِ اللَّهِ. فقام خَصمُه فقال: صَدَقَ يا رسولَ اللَّهِ.. اقضِ له بكتابِ اللَّهِ، وأذَن لي. فقال له النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم: (قُل). فقال: إنَّ ابنِي كان عسِيفًا على هذا -أي أجِيرًا، فزَنَى بامرَأتِه، فأخبرُوني أنَّ على ابني الرَّجم، فافتدَيتُ مِنه بمِئَةٍ مِن الغنم ووَلِيدة، ثمَّ سألتُ أهلَ العلم، فأخبرُوني أنَّ على امرأَتِه الرَّجم، وأنَّ ما على ابنِي جلدُ مِئَةٍ وتَغرِيبُ عامٍ. فقال: (والذي نَفسِي بيدِه لأقضِيَنَّ بينكُما بكتابِ اللَّهِ، أمَّا الولِيدَةُ والغنمُ فرُدُّوها، وأمَّا ابنُك فعليه جلدُ مِئَةٍ وتَغرِيبُ عامٍ، وأمَّا أنتَ يا أُنَيسُ -لِرجلٍ مِن أسلَمَ- فاغدُ على امرَأةِ هذا، فإِن اعتَرَفَت فارجمها). فغَدَا عليها أُنيسٌ فاعتَرَفَت، فرَجَمَها(33). وعن الشَّيبانِي قال: سألتُ عبداللَّهِ بن أَبِي أوفَى، هل رَجَمَ رسولُ اللَّهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم؟ قال: نعم. قُلتُ: قبلَ سُورةِ النُّورِ أم بَعدُ؟ قال: لا أدرِي.(34)

ورغم كلِّ محاولات التضعيف أو التشكيك في هذه الأحاديث، التي سعى البعض لنثرها وتكثيرها، إلَّا أنَّ لكلِّ اعتراض واستشكال جوابًا مِن أهل العلم. ومِن الطبيعي جدًّا أن تبدي عقول البشر استشكالاتها نتيجة محدودية علمها وفهمها، لكن ليس مِن الطبيعي أن يحال الاستشكال إلى يقين وقاعدة وأصل يبنى عليه لنفي ما ثبت وما تقرَّر، خصوصًا وقد جاءت الردود عليه.

عمل الخلفاء الرَّاشدين:

مضت سنَّة الخلفاء الرَّاشدين العملية في حوادث الزِّنا للمحصن والمحصنة رجمهم، وقد أوردنا قول عمر -رضي الله عنه: “رجمَ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّه عليه وسلَّم، ورجمَ أبو بكرٍ، ورجمتُ، ولولا أنِّي أكرَهُ أن أزيدَ في كتابِ اللَّهِ لَكَتبتُه في المصحفِ فإنِّي قد خَشيتُ أن يجيءَ أقوام فلا يجِدونَه في كتابِ اللَّهِ فيَكفُرون بِهِ”(35). وفي الأثر أنَّ عليًّا -رضي اللَّهُ عنه، حين رَجَمَ المَرأةَ يومَ الجمعةِ، قال: “قد رجمتُها بسُنَّةِ رسولِ اللَّهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم)(36).

وقد جاء عن حمزة بن عمرو الأسلمي أنَّ عُمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- بعثهُ مُصدِّقًا على سَعدِ هُذَيمٍ، فأُتي حمزةُ بمالٍ لِيُصدِّقَه، فإذا رجُلٌ يقول لامرأتِه: أدِّي صدقة مَالِ مولاكِ؛ وإذا المرأةُ تقول له: بل أنت فأدِّ صدقة مالِ أبيكَ. فسأل حمزةُ عن أمرِهما وقولهما، فأُخبِر أنَّ ذلك الرَّجُلَ زَوجُ تلك المرأة، وأنَّه وقع على جارية لها، فولدَت ولَدًا، فأعتَقَتهُ امرأتُه. قالوا: فهذا المالُ لأبيهِ مِن جاريَتِها. فقال حمزة: لأرجُمنَّك بأحجارك. فقيل له: أصلَحَك الله، إنَّ أمرَه قد رُفِع إلى عُمر بن الخطَّاب، فجلده عُمرُ مِئةً، ولم يَرَ عليه الرَّجم. فأخذ حمزةُ بالرَّجُل كفيلًا حتَّى قدِم على عُمرَ، فسألَه عمَّا ذُكِر مِن جَلدِ عُمَر إيَّاه، ولم يَرَ عليه الرَّجم، فصدَّقَهم عُمرُ بذلك، وقال: إنَّما درَأَ عنه الرَّجمَ لأنَّه عذَرَهُ بالجهالة(37).

وقد جرت هذه السُّنَّة مِن الخلفاء الرَّاشدين دون إنكار مِن الصّحابة -رضي الله عنهم، ما يدلُّ على أنَّ الحكم مجمع علوقد جرت هذه السُّنَّة مِن الخلفاء الرَّاشدين دون إنكار مِن الصّحابة -رضي الله عنهم، ما يدلُّ على أنَّ الحكم مجمع عليه بينهم؛ حتَّى أنَّه روي عن ابنِ عبَّاسٍ -رضي الله عنهما، أنَّه قال: “مَن كفَرَ بالرَّجمِ فقد كفَرَ بالرَّحمنِ، وذلك قولُ اللهِ: ((يَا أَهلَ الكِتَابِ قَد جَاءَكُم رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُم كَثِيرًا مِمَّا كُنتُم تُخفُونَ مِنَ الكِتَابِ وَيَعفُو عَن كَثِيرٍ)) ، فكان ممَّا أخفَوُا الرَّجمُ” .يه بينهم؛ حتَّى أنَّه روي عن ابنِ عبَّاسٍ -رضي الله عنهما، أنَّه قال: “مَن كفَرَ بالرَّجمِ فقد كفَرَ بالرَّحمنِ، وذلك قولُ اللهِ: ((يَا أَهلَ الكِتَابِ قَد جَاءَكُم رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُم كَثِيرًا مِمَّا كُنتُم تُخفُونَ مِنَ الكِتَابِ وَيَعفُو عَن كَثِيرٍ))(38)، فكان ممَّا أخفَوُا الرَّجمُ”(39).

الإجماع على حدِّ الرَّجم:

نقل عدد مِن أهل العلم الإجماع على ثبوت حدِّ الرَّجم للمحصن الثَّيِّب، فقد قال الإمام النَّووي -رحمه الله: “أجمع العلماء على أنَّ الرَّجم لا يكون إلَّا على مَن زنى وهو محصن، وأجمعوا على أنَّه إذا قامت البيِّنة بزناه وهو محصن يُرجم”(40). وقال ابن قدامة -رحمه الله: “الكلام في هذه المسألة في فصول ثلاثة؛ أحدهما في وجوب الرَّجم على الزَّاني المحصن، رجلًا كان أو امرأة، وهذا قول عامَّة أهل العلم مِن الصَّحابة والتَّابعين ومَن بعدهم مِن علماء الأمصار في جميع الأَعصَار، ولا نعلم فيه مخالفًا إلَّا الخوارج، فإنَّهم قالوا: الجلد للبكر والثَّيِّب”(41).

وقال ابن عبد البرِّ: “ومعنى قول الله عزَّ وجل: ((الزَّانِيةُ والزَّانِي فَاجلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنهُمَا مَائَةَ جَلدَةٍ))، معناه الأبكار دون مَن قد أُحصِنَّ، وأمَّا المحصن فحدُّه الرَّجم إلَّا عند الخوارج، ولا يعدُّهم العلماء خلافًا لجهلهم، وخروجهم عن جماعة المسلمين”، ثمَّ أشار للحوادث التي رجم فيها رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم، والخلفاء الرَّاشدين مِن بعده، ثمَّ قال: “وهذا كلُّه مشهور عند العلماء”، وأضاف: “أمَّا أهل البدع، مِن الخوارج والمعتزلة، فلا يرون الرَّجم على أحدٍ مِن الزُّناة، ثيِّبًا كان أو غير ثيِّب، وإنَّما حدُّ الزُّناة عندهم الجلد، الثَّيِّب وغير الثَّيِّب سواء عندهم، وقولهم في ذلك خلاف سنَّة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم، وخلاف سبيل المؤمنين؛ فقد رجم رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم، والخلفاء بعده، وعلماء المسلمين في أقطار الأرض متَّفقون على ذلك، مِن أهل الرَّأي والحديث، وهم أهل الحقِّ”.

2 1 الرَّجم.. فلسفة الإثبات وسفسطة النفي

خلاصة القول في ثبوت الحدِّ:

الخلاصة أنَّ ثبوت حدِّ الرَّجم للزَّاني المحصن يستند على عدَّة أدلة، هي:

1- القرآن الكريم: إذ ثبت ورود نصٍّ فيه، في سورة الأحزاب، لكنَّه نسخ لفظًا وظلَّ الحكم ثابت على محلِّه. كما أنَّ حديث رسول الله: (قد جعل الله لهنَّ سبيلًا) إنَّما هو تفسير لقوله تعالى: ((أو يجعل الله لهنَّ سبيلًا))، حيث أشارت الآية إلى حكم مختصٍّ بهم، وحيث لم يرد تفصيله في القرآن الكريم كان ولا بُدَّ مِن تفسيره في السُّنَّة النَّبوية، إذ لا يتصوَّر تمام التَّشريع دون إيضاح هذا السَّبيل. فالاحتجاج على ثبوت حدِّ الرَّجم بالقرآن الكريم صحيح، سواء على سبيل إثبات نسخ اللَّفظ دون الحكم، أو على سبيل الإحالة إلى تشريع خارج القرآن مستند له.

2- السُّنَّة النَّبوية الصَّحيحة (القولية والعملية): إذ وردت أحاديث صحيحة متظافرة، ومتواترة المعنى، في وجوب رجم الزَّاني المحصن. وهي أحاديث واضحة المعنى، ظاهرة الدَّلالة. لا يمكن إنكارها أو معارضتها بما ينفي ثبوتها. 

3- عمل الخلفاء الرَّاشدين وإجماع الصَّحابة -رضي الله عنهم، ثمَّ التَّابعين وأئمَّة المذاهب مِن بعدهم، دون خلاف ولا إنكار مِن أحد مِنهم.

نفي حدِّ الرَّجم:

ينبغي أن يُعلم ابتداءً أنَّ نفي حدِّ الرَّجم لم يقُل به في القديم أحد سوى “الخوارج”، كونهم لا يرون إثبات حكم لم يرد في القرآن الكريم استنادًا إلى السُّنَّة النَّبوية. وقد وافقهم في مذهبهم هذا بعض المعتزلة. فهذا القول منسوب إليهم، ولا ينسب لعالم مِن علماء الإسلام السَّابقين. ثمَّ جاء مؤخَّرًا مَن يقول بهذا الرَّأي مِن علماء الأمَّة المتأخِّرين؛ معترضين على مَن قالوا به بما يلي:

1- أنَّ أحاديث الرَّجم تتضمَّن طعنًا في حفظ القرآن الكريم. 

2- أنَّ عبدالله بن أبي أوفى لا يدري أرجم النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- ماعزًا والغامدية قبل آية الجلد أم بعدها. 

3- أنَّ الأحاديث الواردة في الباب تعارض دلالات الآيات القرآنية الواردة في حدِّ الزِّنا. 

4- أنَّ الأحاديث الواردة في الباب متضاربة في الألفاظ.

وذهبوا يستدلُّون على قولهم بما يلي:

1- أنَّ الله تعالى قال في حقِّ الإماء المحصنات: ((فَإِذَا أُحصِنَّ فَإِن أَتَينَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيهِنَّ نِصفُ مَا عَلَى الـمُحصَنَاتِ مِنَ العَذَابِ))، النساء: 25، والرَّجم لا يتنصَّف، خلافًا للجلد فإنَّه يتنصَّف مِن مائة جلدة إلى خمسين جلدة. 2- أنَّ قوله تعالى: ((الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنهُمَا مِائَةَ جَلدَةٍ وَلَا تَأخُذكُم بِهِمَا رَأفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُم تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَليَشهَد عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الـمُؤمِنِينَ))، النور: 

2، يستغرق كلَّ زان وزانية، لأنَّ الوصف جاء معرَّفًا بالألف واللَّام، فهو للتَّعميم، سواء كانوا محصنين أو غير محصنين، وأنَّ الجلد قاس بما يكفي، فلا حاجة لعقوبة أقسى مِنه. 

3- أنَّ قوله تعالى: ((الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَو مُشرِكَةً والزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَو مُشرِكٌ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الـمُؤمِنِينَ))، النور: 3. فتحريم الله الزَّانية على المؤمن دليل على بقائها حيَّة بعد إقامة الحدِّ عليها. 

4- أنَّ قوله تعالى في حقِّ نساء النَّبي -رضي الله عنهنَّ: ((يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَف لَهَا العَذَابُ ضِعفَينِ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا))، الأحزاب: 30، والرَّجم لا يضاعف وإنَّما الذي يضاعف الجلد، فيكون الجزاء 200 جلدة. واستندوا إلى أنَّ “العذاب” جاء معرَّفًا ما يشير إلى معلوم، فيكون المقصود به عذاب الدُّنيا.

وهذه استشكالات أجاب عنها العلماء قديمًا وحديثًا وردُّوا عليها في مضانها مِن كتب الفقه، ويمكن عكس الأمر عليهم بأن يُقال:

1- عليكم أن تُقدِّموا حديثًا أو أثرًا يدلُّ على حكم قضائي، أو إجراء تنفيذي، بجلد لمحصن أو محصنة، زمن الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم، أو الخلفاء الرَّاشدين، أو في عهد الصَّحابة أجمعين، تأكيدًا لما ذهبتم له. 

2- عليكم أن توردوا قولًا واحدًا يؤيِّد ما ذهبتم له، منسوبًا لأحد مِن الصَّحابة، أو التَّابعين، أو أئمَّة الإسلام السابقين. 

3- عليكم أن تُظهِروا مطعنًا صحيحًا في أحاديث الباب، إمَّا سندًا أو متنًا، بما لا يتعارض مع قواعد علم مصطلح الحديث. 

4- عليكم أن تُظهِروا مطعنًا صحيحًا على ما نُسِب للأئمَّة مِن أقوال، وما ادُّعي على الأمَّة مِن إجماع، فمقتضى قولكم تكذيب للأئمَّة الأعلام. 

هذا وبالله التوفيق.

الهوامش:

  1. آل عمران: 36. 
  2. الحجر: 17. 
  3. التكوير: 25. 
  4. النحل: 98. 
  5. الحجر: 34؛ وص: 77. 
  6. الملك: 5. 
  7. الصافات: 6- 10. 
  8. رواه الحاكم (1713)، والبيهقي (9975)، وصحَّحه الألباني في صحيح الترغيب: (1156). 
  9. الشعراء: 116. 
  10. مريم: 46. 
  11. هود: 91. 
  12. الدخان: 20. 
  13. يس: 18. 
  14. يس: 18. 
  15. الذاريات: 32- 37. 
  16. هود: 82- 83. 
  17. الحجر: 73- 75. 
  18. الفيل: 1- 5. 
  19. روي عن عبدالله بن عباس، انظر: البخاري: 6829، و مسلم: 1691. 
  20. عن عبادة بن الصامت، انظر: مسلم: 1690. 
  21. النساء: 15. 
  22. عن عبدالله بن عمر، انظر: البخاري: 6841، ومسلم: 1699. 
  23. المغني: 12/309. 
  24. انظر: صحيح الترمذي: 1431؛ وقال الألباني: صحيح. 
  25. صحيح النسائي: 4068، وقال الألباني: صحيح؛ وتخريج المسند: 452، وقال شعيب الأرناؤوط: حسن. 
  26. البخاري: 6878. 
  27. تخريج مشكل الآثار: 1800، وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط البخاري. 
  28. عن أبي هريرة وجابر بن عبدالله، البخاري: 5271. وعن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: سمِعتُ رسولَ الله -صلَّى اللَّه عليه وسلَّم- يوم جُمُعةٍ، عَشِيَّة رُجِمَ الأسلَمِيُّ، يقولُ: (لا يَزَالُ الدِّينُ قائِمًا حتَّى تقُومَ السَّاعة،..)، الحديث. انظر: مسلم: 1822 
  29. عن عبدالله بن عباس، البخاري: 6824. 
  30. عن عمران بن الحصين، مسلم: 1696. 
  31. عن بريدة بن الحصيب الأسلمي، مسلم: 1695. 
  32. عن جابر بن عبدالله، مسلم: 1701 
  33. عن أبي هريرة، البخاري: 7260، ومسلم: 1697. 
  34. عن عبدالله بن أبي أوفى، البخاري: 6813، وعن أبي إسحاق الشيباني، مسلم: 1702. 
  35. انظر: صحيح الترمذي: 1431؛ وقال الألباني: صحيح. 
  36. عن الشعبي عامر بن شراحيل، البخاري، رقم: 6812. 
  37. الأثر بطوله في مشكل الآثار، وقد قال شعيب الأرناؤوط، في تخريجه: إسناده حسن: (ج11/310)؛ وهو في البخاري مختصرًا: 2290. 
  38. المائدة: 15. 
  39. عن عكرمة بن أبي جهل، صحيح ابن حبان، رقم: 4430؛ وقال شعيب الأرناؤوط عنه: صحيح. كما ذهب الألباني إلى صحَّته في (صحيح الموارد): 1260. 
  40. صحيح مسلم بشرح النووي، النووي، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، ط2017م: ج11/160. 
  41. تكملة المجموع شرح المهذَّب، مجموعة مؤلفين، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، ط2007م: ج25/149.

أنور الخضري

كاتب وباحث يمني مهتم بالقضايا السياسية والشأن اليمني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى