فكر

الشريعة الإسلامية من الصلاحية إلى الضرورة (ج3)

(عوامل صلاحية الشريعة)

طبيعة الشريعة مكنت المجتهدين عبر التاريخ من إيجاد الحلول للمشكلات المختلفة، التي واجهوها في مختلف البيئات والعصور، دون ظهور أي عجز يجعلهم يبحثون عند الجيران عن مناهج بديلة وشرائع أخرى. ومن المرتكزات التي قامت عليها الشريعة:

1- سعة مصادر التشريع

من الأخطاء الشائعة لدى بعضهم اليوم حصر مصادر التشريع في النص، وبعضهم يحصره في النص النبوي، ومن ثم يشن حملة عشواء على السنة النبوية.

في حين أن تراثنا يقرر ما يزيد عن 10 مصادر تشريعية، بغض النظر عن مدى درجة كل مصدر، ومدى الاتفاق والاختلاف بشأنه، وهذا الاختلاف يدل على سعة الفقه الإسلامي وثراءه، وتقبله للاختلاف حتى على مستوى المصادر… وليس مجرد اختلاف في الفروع والقواعد.

ولا شك أن القرآن الكريم حاكم ومهيمن على كل المصادر الأخرى، ومنها: السنة، ثم بقية المصادر المتفق عليها: الإجماع والقياس، والمصادر المختلف فيها: المصالح المرسلة والاستحسان والعرف والاستصحاب وسد الذرائع وفعل الصحابة، وشرع من قبلنا…إلخ.

وهذا التعدد في المصادر يحافظ على مرونة الفقه وتطوره وعدم جموده، كما يمنح المجتهد موارد ثرية للاجتهاد، ولا يقيده في مصدر واحد، وبذلك تكون حركته واسعة جدا في الوصول إلى اجتهادات نابعة من الشريعة، وملائمة لعصره، ومتغيرة من عصر إلى آخر.

وفي المقابل نجد أن المرجعية العلمانية تكاد تحصر مصادر التشريع لديها بـ: العقل البشري الذي يقدر المصلحة، وتقصد بالمصلحة مصلحة الأغلبية المهيمنة التي تتمكن من تمرير ما تشاء من قوانين، وما ينشأ عن ذلك العقل من تجارب.

❃❃❃

ولعلي أشير إلى “الإجماع”؛ حيث يعتقد بعضهم أن فاعليته انتهت، أو أنه دليل نظري غير تطبيقي، ولكن أنقل للشيخ عبد الوهاب خلاف كلاما جديرا بالنظر(1)، مفاده أن الإجماع لا يراد به (إجماع كل علماء المسلمين في الأرض على رأي واحد)؛ فهذا إجماع فرضي لا يصبح دليلا معتدا به؛ لأنه غير متصور. ولكن الإجماع المقصود الذي فهمه الصحابة هو مشاورة رؤوس المسلمين وخيارهم، بحسب ما يتوفر. دون اشتراط مشاورة الجميع. ولم يرد عن أبي بكر مثلا أو عمر أنه كان يجمع جميع العلماء في جميع الأمصار، بل يشاور من أمكن مشاورته. وبذلك يظل الإجماع بهذه الصورة متحققا باستمرار. كما يرى أن الإجماع أخصب مصدر تشريعي يكفل تجدد التشريع، وتستطيع به الأمة مواجهة مختلف الحوادث، ومسايرة الزمان والمكان، كما ان الإجماع يحول بين الحكام والاستبداد بالأمر؛ لأن الإسلام جعل تدبير شؤون المسلمين بالشورى. فبدلا من ان يستقل صاحب الأمر برأيه يدعو غيره من أهل العلم ويشاورهم.

كما يرى خلاف أن هذا النظام كان الأولى استمراره وتطويره بوضع نظام لاختيار مجلس الشورى، وتنظيم كيفية مشاورتهم، وقانونية الحكم الذي يقررونه… إلخ. وثمة بعض الإشارات التاريخية لمثل هذا، كما في الأندلس فقد كان بعض ملوك الدولة الأموية يكون مجلسا من العلماء للشورى، يشاورونهم في التشريع والأحكام. وكذلك فعل بعض سلاطين الدولة العثمانية.

2- القواعد الفقهية والأصولية

عكف العلماء على مصادر التشريع النصية، وغير النصية، المتمثلة في تجارب الخلفاء الراشدين، وتجارب غيرهم من حكام المسلمين، ووصلوا إلى قواعد فقهية دقيقة، ظلت تتطور باستمرار، حتى عصرنا الحاضر لا زالت في تطور.

وهذه القواعد بمنزلة مفاتيح للنصوص، تساعد المجتهد على الإفادة من النص أو الفعل (التجربة السابقة)، أو العرف والعادة… إلخ. وبذلك يستطيع الاجتهاد ويحقق مقاصد الشرع. والنصوص التشريعية كثير منها جاء مقترنا بمصالح ومقاصد تبين المصلحة منها؛ وهذا يساعد المجتهدين على إدراك مقاصد الشرع وعلله، وإطرادها في ما لا نص فيه.

ومن تلك القواعد مثلا:

– جلب المصلحة ودرء المفسدة، فالشارع من أهم مقاصده جلب المصالح للمكلفين ودرء المفاسد عنهم، ولذلك فتشريعاته تخدم هذا المقصد، وطور الأصوليون نظرية المصلحة، والكليات الخمس…ولذلك قرروا أن كل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث ليست من التشريع. 

– تحقيق العدل، وإقامته، ورفض الظلم وإزالته، وإزالة كافة أشكال التمييز الطبقي والعنصرية بين الناس. 

– التيسير ورفع الحرج (ومراعاة الظروف والضرورات)، انطلاقا من مئات الآيات والأحاديث النبوية. بل إن كثيرا من المفكرين يعدون هذه النقطة من أهم النقاط التي تميز بها التشريع القرآني، حتى إن د أحمد شلبي(2) اعتبر أن ثمة ناحيتين يبرز من خلالها أساس التشريع القرآني، هما: رفع الحرج، والتدرج في التشريع. 

– مراعاة واقع الناس وأعرافهم وعاداتهم.

3- إعلاء مكانة المقاصد في الشريعة:

يوضح محمد بلبشير أن التشريع الإسلامي جاء لضبط العلاقات بين الإنسان وخالقه، وبين الإنسان والإنسان في جميع مجالات الحياة. ولكنه لم يضبطها من خلال نصوص تفصيلية، بل ما كان من هذه العلاقات ثابتا فقد ضبطه بنصوص قطعية الثبوت والدلالة. وما كان مرنا فقد ضبطه من خلال مقاصد وقواعد ومبادئ وتوجيهات إرشادية؛ بما يحقق ضمان العدالة والحقوق في الضروريات الخمس: النفس والدين والعقل والمال والنسب، ويحقق بناء الإنسان السوي، والمجتمع المحصن.

ولذلك فالمجتهد ملزم بمراعاة تلك المقاصد والضوابط والتوجيهات في وضع الحلول المختلفة. ومن أمثلة ذلك:

– ما يتعلق بالطلاق، اتجاه الشريعة إلى عرقلته وتأخيره؛ التماسا إلى إبقاء الزوجية وإصلاح ما فسد منها. 

– حكم الزنا، وازن الإسلام بين ضرر يقع على الفرد وآخر وقع على المجتمع، فقضى بأخف الضررين. ولذلك فالإسلام لا يقيم بناءه على العقوبة، بل على الوقاية من الأسباب الدافعة على الجريمة، كما يقول سيد قطب. 

– وحمى الطفل من عبث والديه، بأن جعل النسب للأب بالفراش أو البينة أو الاستلحاق. كما حماه في حقوقه في الإرث … إلخ(3).

ويجيب د الريسوني(4) عن سؤال: كيف يتحقق التعامل المصلحي مع النصوص؟ وذلك من خلال ثلاثة جوانب: 

1/ معيارية النصوص في تقدير المصالح… فهي معيار أساسي. والنصوص لا تعطي إجابات تفصيلية عن كل شيء. بل تظل معيارا أساسيا للمصالح. فمن النصوص تعلمنا كثيرا من المصالح الدينية والأخلاقية والنافعة للمجتمع.. (كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه).. فالأعراض كالدماء والأموال لها حرمتها أيضا. 

2/ التفسير المصلحي للنصوص، دون تكلف أو تعسف. وهذا يزيل دعاوى تعارض النص والمصلحة، ويحقق الفهم المقاصدي للنصوص. فلا يمكن أن نفهم النص بعيدا عن المقصد. 

3/ التطبيق المصلحي للنصوص. وهذا الغاية العملية مما سبق. فالنصوص ينبغي تطبيقها على نحو يحقق المصالح ويدرأ المفاسد بأكبر قدر يمكن.

– مثال ذلك: أن النبي سأله رجل الإمارة فمنعه، وقال: (لا نوليها من أرادها)، وهذا واضح المصلحة فطالب الإمارة عادة يحب التسلط على الناس. وسأله رجل آخر فأعطاه. لأنه قدر المصلحة في ذلك. 

– وقال: (اسمعوا وأطيعوا ولو ولي عليكم عبد حبشي).. وفي القوت نفسه نهى أصحابه عن طاعة أمير أمرهم أن يحرقوا أنفسهم.

الإسلامية من الصلاحية إلى الضرورة ج32 الشريعة الإسلامية من الصلاحية إلى الضرورة (ج3)

4- المرونة والثبات

الإنسان – مثله مثل المجتمع – له جوانب ثابتة وجوانب متغيرة. ولذلك راعت الشريعة هذين الجانبين. ففيها جوانب الثبات التي لا تتغير (كالعقائد والعبادات الشعائرية من صلاة وحج..)، وكذلك الممارسات الثابتة المرتبطة بالفطرة (كالنكاح، والأكل والشرب).. جاءت الشريعة فيها بأحكام ثابتة، لا يطرأ عليها التغيير. فنكاح الرجل للرجل حرمه الدين منذ خلق الله الإنسان الأول، وسيظل محرما، حتى وإن قالت العلمانية أنه صار مقبولا، حتى إن تبنته دول ومنظمات معاصرة، ولا يمكن أن يأتي يوم لنتقبل أن الأسرة تتكون من رجل ورجل!!

أما الجوانب المتغيرة، فتشريعاتها تتسم بالمرونة، بما يلائم تغير حاجات الناس وواقعهم..

فالشورى أمر ثابت، ومبدأ راسخ جاء به الإسلام، وجاء في نص يرسخ أصلا كليا (وشاورهم في الأمر) .. ولكن كيف يطبق الناس الشورى في اختيار الحاكم وفي مراقبة تصرفاته وأفعاله.. هذه أمور متغيرة، فيها مرونة، يقوم المجتهدون بالاجتهاد في كل عصر بما يناسب عصرهم، وبما تصل إليه خبراتهم، وبما يستفيدون من تجارب غيرهم.

ولذلك تجد اليوم مختلف المسلمين والجماعات والأحزاب تقبل الانتخابات مثلا، كآلية من آليات اختيار الحاكم… ولم يقل أحد: إن من ينتخب الحاكم علماني!! فالاجتهاد يأتي ضمن المساحة المرنة في الشريعة الإسلامية.

تجد القرآن الكريم يفصل في الأحكام الثابتة، كالنكاح والطلاق والمحرمات من الأطعمة… وفي السنة تفصيل دقيق للصلاة وللحج وللصيام.. ولكنه لا يفصل في الأنظمة السياسية والمدنية والاجتماعية؛ بل يُـجمل ويحدد أطرها ومعالمها التي يهتدي بها الناس(5). فالأمور المفصلة في القرآن هي تلك التي تتسم بالثبات، وتناسب كل زمان ومكان، كحرمة الميتة، والخمر، وأنصبة المواريث…إلخ.

وحتى في جانب العبادات، فهناك مساحة واسعة للوسائل، كما في اجتهادات الفقهاء في الحج مثلا.

ولذلك فمن المبادئ المقررة في الشريعة الإسلامية: تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان والعرف والحال. وهو مبدأ تقرر على يد الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه، كما في حديث: ادخار لحوم الأضاحي، حيث نهى الصحابة ذات سنة، فلما كانت السنة الثانية لم يدخروا، فلما سألهم، قالوا: أنت نهيتنا عن ذلك. فقال: إنما نهيتكم للدافة التي دفت على المدينة، وإن الله قد وسع عليكم فكلوا وادخروا.

وأمثلة ذلك كثيرة، وهذا ما تقرر لدى الصحابة أنفسهم، فضلا عن من أتى بعدهم. ومن هنا نفهم درء عمر لحد السرقة عام المجاعة، ونفهم لماذا أوقف العمل بسهم المؤلفة قلوبهم، وأوقف قسمة الأراضي المفتوحة على الفاتحين وجعلها للدولة… إلخ.

ويقول القرافي(6): (فمهما تجدد في العرف اعتبره ومهما سقط أسقطه ولا تجمد على المسطور في الكتب طول عمرك بل إذا جاءك رجل من غير أهل إقليمك يستفتيك لا تجره على عرف بلدك واسأله عن عرف بلده واجره عليه وأفته به دون عرف بلدك والمقرر في كتبك).

5- شمول التشريع الإسلامي لكل جوانب الحياة.

شمول التشريع لا يتعارض مع مرونته ومع المساحة المرنة الواسعة… والمراد بهذا الشمول أن التشريع القرآني والنبوي وضع علامات وأمارات في مختلف جوانب الحياة، وبهذه الأمارات يتفاوت المجتهدون في التقاطها والسير في ضوئها… ولكنها متاحة للجميع، لم تقتصر على طائفة أو شخص بعينه؛ فكل من كان أهلا للاجتهاد فليسر في الطريق وسيجد تلك الأمارات.

وهذه الأمارات ليست في مجال التشريع فقط، بل في كل مجالات الحياة. وتشمل الدنيا والآخرة، العبادات والمعاملات، العقائد والفقه.

ومن هنا نفهم كيف أن حضارة عظيمة قامت على وحي القرآن الكريم وإرشاد السنة النبوية.

وكمثال على ذلك(7)، نجد أن كتب الفقه الإسلامي قد احتوت على كافة فروع القانون بشكله المعاصر، مع اختلاف في التسميات، فنجد فيها أحكام القانون الدولي، أو القانون العام الخارجي، تحت مسمى السير، ومن أهم المؤلفات في ذلك كتاب السير الكبير لمحمد بن الحسن الشيباني، والذي يعده كثير من المعاصرين الأب للقانون الدولي.

وكذلك القانون الدستوري الذي يجتهد في شكل الدولة، ويبين السلطات العامة فيها، ويبين اختيار الحاكم، وبيعة الناس له، واختيار أهل الحل والعقد (مجلس الشورى…)، وخضوع الحاكم للقضاء… إلخ. والذي بحثه الفقهاء تحت مسمى الإمامة، والخلافة، والبيعة.

أما القانون الإداري والذي هو مجموعة القواعد التي تحكم نشاط السلطة التنفيذية فقد عرضت لها كتب الفقه بعنوان السياسة الشرعية، أو الأحكام السلطانية، وقد ألُف فيها كتب مستقلة كالسياسة الشرعية لابن تيمية، والأحكام السلطانية لأبي يعلى، والأحكام السلطانية للماوردي.

أما القانون الجنائي فقد تكلم عليه الفقهاء في أبواب خاصة من كتب الفقه تحت عنوان الجنايات، والحدود والتعزيرات، وأحكام القصاص والدية، أو باب الدماء.

وأما القانون المالي فبالإضافة إلى ما حوته كتب الفقه العامة عند الكلام على الزكاة والعشر والخراج والجزية وغيرها فقد أفرد له بعض الفقهاء كتب خاصة مثل كتاب الخراج لأبي يوسف، والأموال لابن سلام. وأشير هنا إلى أن الخراج لأبي يوسف كان استجابة لطلب الخليفة الرشيد الذي طلب من أبي يوسف أن يضع له كتابا يستهدي به في نظم الدولة المالية والإدارية.

أما القانون المدني فقد حوت أحكامه أبواب فقه المعاملات، أو البيوع، وقد خصصت أبواب خاصة للقانون التجاري تحت أبواب الشركات، والمضاربة، والتفليس، وغيرها.

وأخيراً نجد قانون المرافعات وما يتعلق بالدعوى منذ رفعها إلى تنفيذ الحكم فيها فقد بحثه الفقهاء في أبواب الدعوى والقضاء والشهادة، وبينوا فيها كيفية رفع الدعوى، وما يجب فيها، وما يسمع من الدعاوى وما لا يسمع.

وكذلك قانون الأحوال الشخصية، ويشمل النكاح والطلاق والوصايا والمواريث.

الإسلامية من الصلاحية إلى الضرورة ج33 الشريعة الإسلامية من الصلاحية إلى الضرورة (ج3)

6- المعالجة المتكاملة المترابطة للقضايا والمشاكل:

الشريعة الإسلامية منظومة تشريعية متكاملة، وليست مجرد عقوبات أو حدود، كما يحلو لبعضهم تصويرها. فكما أنها تشتمل على جوانب عقابية، ففيها كثير من جوانب الوقاية والتحفيز والحماية. وإن تكثيف الجهود لتطبيقها كفيل بالتسريع في التغيير من واقع المجتمعات الغارقة في المشاكل المستعصية.

فمثلا(8).

– إقامة حد الزنى يفترض وجود مجتمع مسلم ييسر أمر الزواج الحلال لمن أراده، وعندما يفتح للحرام ألف باب وباب وينشأ في مجتمع يساعده على الفاحشة ويقربه من المعصية يشعر الفرد بعدم عدالة عقوبة رجم الزاني. 

– ومثل ذلك السرقة فلا يجوز أن تنفذ أمر الله بقطع يد السارق ونهمل أمر الله بإيتاء الزكاة وإقامة التكافل الاجتماعي، لقد جاءت آية واحدة في القرآن الكريم تآمر بإقامة الحد علي السارق ولكن عشرات الآيات جاءت تأمر بإيتاء الزكاة والإنفاق في سبيل الله وتحض على إطعام المسكين، وتحذر من الكنز والشح والتطفيف والربا والميسر، وتقيم العدل والتكافل، حتى لا يسرق في المجتمع المسلم محتاج أو محروم.

❃❃❃

وإذا نظرنا لمثال تفصيلي: معالجة الإسلام لمشكلة الفقر والبطالة(9):

لم يدع الإسلام على تقديس الفقر باسم الزهد، ولم يقل للناس: هذا قدر فارضوا به. ولم يقل للخيرين: منوا على الفقراء وليبقوا فقراء حتى يأكلوا من فتات قوتكم. ولم يقل للناس: الفقير مسؤول عن فقره، وكل فرد مسؤول عن نفسه. فلا دخل للغني بالفقير (كالرأسمالية). ولم يقل: بل الفقر مسؤولية الأغنياء ولا بد من القضاء على طبقة الأغنياء ومصادرة أموالهم، ومحاربة الملكية الخاصة.

بل الإسلام نظر إلى الفقر بوصفه مشكلة، لها تداعيات خطيرة على دين الفرد، وعلى الأخلاق والسلوك، وخطر على روابط الأسرة وعلاقاتها، وخطر على أمن المجتمع ووحدته وتماسكه واستقراره. وبما أن الفقر مشكلة فقد أسهمت الشريعة في وضع معالجات وحلول استراتيجية طويلة المدى، كفيلة بالقضاء عليه، وهذا إضافة إلى الحلول المؤقتة العاجلة..

وتقوم تلك الحلول على مبادئ مرجعية في الإسلام، منها: حق الإنسان في الملكية الخاصة، ومشروعية العمل والتجارة وما ينتج عن ذلك بطرق مشروعة، وحق المجتمع على الغني فهو مستخلف على مال الله، ووجوب تعاون المجتمع وتكافله، وحرمة الإسراف وتبذير المال، وحرمة التحاسد والصراعات الطبقية.. لذلك فالفقراء ليسوا طبقة بين المسلمين، فقوانين الإسلام تمنع من نشوء مثل هذه الطبقة.. حتى الأغنياء لا يستطيعون أن يكونوا طبقة في ظل نظام إسلامي، فالفقير كالغني من آحاد الناس وعامتهم. وأنظمة الإسلام كفيلة بحماية حقوق الجميع.

الإسلام عالج هذه المشكلة ضمن منظومة متكاملة من الحلول، ومن ذلك مثلا:

– وجوب العمل على الإنسان، وعلى الدولة تيسير سبله، وتدريب الفرد وتأهيله. 

– كفالة الموسرين من الأقارب والجيران، وجعل ذلك أمرا تعبديا نص عليه القرآن. 

– الزكاة، ولو أدى كل مسلم حق الله في الزكاة لما بقي فقير من المسلمين، ولأمكن المسلمين من إقامة ما يحتاجون إليه من المشاريع التنموية. ومن مصارف الزكاة: الفقراء والمساكين والغارمون. فأصحاب الديون مثلا يجدون في الزكاة معونة لهم. في دراسة إحصائية، قدرت أموال الزكاة في الشركات الخاصة في العالم الإسلامي ما بين 300 – 400 مليار دولار سنويا. 

– الصدقات الاختيارية، وقد تطورت، ومنها: الوقف. 

– ربط كثير من الكفارات بالمال؛ حتى تسهم في حل المشكلة. 

– كفالة بيت المال، فللفقراء حقوق في بيت مال المسلمين بما يكفيهم ويهيئ لهم السبل في تجاوز الفقر. 

– إيجاب حقوق غير الزكاة، من ضرائب تفرض على الأغنياء إذا لم تكف الزكاة، أو إذا اقتضت المصلحة ذلك. 

– تحريم الأفعال التي من شأنها إضاعة الأخلاق والدين والأموال، كالميسر والقمار والخمر، وإنفاق المال في المفسدات، وإشاعة الفحشاء في المجتمع، كما حرم مظاهر التباهي والتعالي من الأغنياء، ومظاهر الترف، وقيم الاستهلاك المادية، التي تستنزف الموارد والطاقات والأخلاق. 

– تشريع منظومة متكاملة من القوانين والمبادئ الاقتصادية، تسهم في توفير البيئة اللازمة لذلك، ومنها: تحريم الربا والاحتكار وكنز النقود والغش … إلخ. 

– كما أوجب العدل، ونظم العلاقات بين صاحب العمل والعامل، بين البائع والمشتري، وكفل لكل منهم حقه. 

– تشريع منظومة من الحماية والعقوبات لمن تسول له نفسه بسرقة أموال الآخرين ونهب ثرواتهم.

إن الشريعة الإسلامية لم تقرر هذه الأحكام والتشريعات تحت ضغط الواقع والظروف والثورات. ولم تجعلها معالجات وحلولا مؤقتة، بل اكتسبت صفة الثبات. ولم تجعلها مجرد قوانين بل هي أخلاق وتعبد يؤجر الإنسان عليه في الآخرة.

7- خصوبة النص في الاستنباط

وهذا من مرتكزات صلاحية الشريعة، فإن النصوص قليلة والوقائع كثيرة وغير متناهية. وقد احتوت النصوص على تقرير مبادئ تنطبق على ما لا يحصى من الوقائع، ولذلك لم تتناول التفصيلات والجزئيات في واقع الناس، كما بينا في مرونة الشريعة.

ومن ذلك أيضا أن النصوص تتميز بخصوبة استدلالية، وأن طرق الاستدلال تتنوع؛ مما يؤدي إلى استنباط أحكام عديدة من النص الواحد. فعلى سبيل المثال(10): قوله تعالى (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف):

– استدل بعبارة الآية على حكم، وهو أن نفقة الوالدات المرضعات تجب على أبي أولادهن. 

– واستدل بإشارتها على حكم ثان، وهو أن نفقة الأولاد على أبيهم وحده لا يشاركه فيها أمهم ولا غيرها. (وهذا الحكم يشير غليه تعبير الآية بأنهم مولودون له). 

– واستدل بمفهوم موافقتها على حكم ثالث، وهو أن أجر علاج الوالدات وثمن أدويتهن على أبي أولادهن؛ لأن حاجة الوالدة على العلاج والأدوية أشد من حاجتها على طعامها وكسوتها، وهو إنما وجب عليه طعامها وكسوتها سدا لحاجتها.

الإسلامية من الصلاحية إلى الضرورة ج34 الشريعة الإسلامية من الصلاحية إلى الضرورة (ج3)

8- ضبط عملية الاستنباط

يعتقد بعضهم أن المجتهد يمسك بيده المستدرك للحاكم أو سنن الترمذي ثم يجد حديثا معينا، ثم يقول: هذا هو.. هيا نطبقه!!

هكذا يصور الخطاب العلماني بسطحية مبالغة كل دعوة لتطبيق الشريعة.

في حين أن النص يمر قبل استخدامه في الحكم والفتوى بمراحل عديدة، وسلسلة طويلة من التمحيص للصحة والدلالة حتى يدخل دائرة الاستنباط منه.

فأول المراحل هو اختبار الصحة (ما يخص السنة النبوية)، وفحص السند فحصا دقيقا، وتتبع العلل، وبناء على ذلك نشأ علم الرجال والجرح والتعديل، وتخصص علماء جهابذة في هذه الجزئية، ونقدوا المرويات، ونقدوا كل راو في سلاسل السند، وبينوا اتصال السند، وهل سمع من شيخه أو لا، وأين سمع منه، و…إلخ.

بعد ذلك تأتي مراحل أخرى، من الموازنة بين النصوص ودلالاتها، والترجيح بين المتعارضات، والبحث عما في النص من محكم ومفسر ومتشابه، وعام وخاص، ومطلق ومقيد، وخفي ومجمل، وناسخ ومنسوخ… حتى يصل المجتهد إلى تأويل قريب للحديث، وتأويله لا يمر بمجرد أن يصدر فيه رأيه.. بل هناك آخرون يقيمون عمله، ويوافقونه ويخالفونه…وهؤلاء هم علماء الأصول والفقه والتفسير وغيرهم.

بعد ذلك، تأتي قراءة سياق النص، وما الظروف التي يصح تنزيله فيها، وما الشروط التي ينبغي توفرها حتى يتم تطبيقه، وما الشبهات التي يستبعدها المجتهد قبل أن يصدر الحكم، كما ورد (ادرؤوا الحدود بالشبهات)، وما التحريات التي يقوم بها، وهل النص خاص بعرف ما أو مصلحة زمنية… إلخ. وفي الأحاديث النبوية يميز بين نص قد يكون مبنيا على علة مؤقتة، أو شروط محددة، أو ما كان خاصا بقوم معينين، أو ما فعله النبي بصفته غير التشريعية (كالجبلية أو الدنيوية..).

ومن هنا نفهم، مثلا: لماذا أوقف عمر سهم المؤلفة قلوبهم، أو لم يقطع في السرقة عام الرمادة…

وبعد ذلك يأتي قراءة النص في ضوء المصالح والمقاصد والقواعد الفقهية، التي تضبط الاجتهاد، وتصبغ عليه الوصف الشرعي بما يحققه من مقاصد الشريعة. ولقد قام العلماء بجهود كبيرة في استنباط المقاصد والعلل والقواعد من النصوص، بعد استقرائها، واستخدام مناهج ومسالك عديدة، بما في ذلك السبر والتقسيم والطرد والدوران وتنقيح المناط وتحقيقه، والنظر في المآل، والنظر في صلاحية تطبيق النص للزمان أو المكان أو الأشخاص.

هذا إذا كانت الواقعة فيها نص؛ فإن لم يكن فيها نص فإن المجتهد ينظر(11):

– إذا وجدت واقعة سابقة فيها نص يستطيع الحكم بالتشابه التام بين علل الواقعتين، ومختلف الظروف المحيطة. وهذا هو القياس. 

– ولكن إذا رأى المجتهد أن عموم النص أو القياس في الواقعة السابقة في الحكم به أو تطبيقه ما يفوت مصلحة شرعية أو يؤدي إلى مفسدة، فعدل عن الحكم الظاهر على حكم آخر اقتضاه، فهذا (الاستحسان). [كعدم قطع يد السارق في عام المجاعة]. 

– وإذا لم يكن شيء مما سبق [لا نص ولا إجماع ولا قياس]، فوجد المجتهد أن في تشريع الحكم مصلحة معينة [لا دليل من الشارع على اعتبارها أو إلغائها]، فإن هذا يسمى (الاستصلاح)، واشتهر باسم: “المصلحة المرسلة”. [كجمع القرآن في مصحف واحد، وتدوين الدواوين، وصك النقود، واتخاذ السجون .. ]. 

– كما أن المجتهد ينظر في العرف والعادة أيضا، ويعتد بها ما لم يخالف نصا أو يفوت مصلحة محققة أو يجلب مفسدة.

❃❃❃

قد يقول قائل: وأنى للمجتهد كل هذا الوقت حتى يقوم بمثل هذا العمل؟

فالجواب أن تراث علمائنا كان تراكميا وتعاونيا، كما أنهم من خلال المدارس الفقهية كانوا يقومون بأعمال مؤسسية… وهذا ما ينبغي الاضطلاع به اليوم، فالحكم الذي يمس حياة الناس ومصالحهم لا يوكل لشخص معين، بل تقوم به جهات مؤسسية.. وهذا ما تفعله اليوم المجامع الفقهية، التي لا تصدر قرارا إلا بعد دراسة مؤسسية، وفي أحيانا كثيرة تنعقد مؤتمرات للوصول على حكم شرعي في مسألة معينة.

وهنا أود الإشارة إلى مسألة ذات علاقة، وهي: كتابة الحديث، كما في صحيح مسلم (لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن، ومن كتب عني شيئا غير القرآن فليمحه). فهذا نص، وللأسف أن بعضنا اليوم لا يزال يقرأه بحرفية وظاهرية عجيبة، ويقولون إنهم يرفعون قبعاتهم للتفكير العقلي والمقاصدي. وأضرب هذا المثال، لنرى منهج تعامل السلف مع النص.

حين جاء عمر بن عبد العزيز قام بتدوين السنة. فهل خالف هذا النص؟ نظر عمر إلى مقصد النص، ورأى أنه قيل في فترة زمنية كان يخشى من التباسه عند الناس بالقرآن، ومن ناحية أخرى كان لقلة الكتاب وقلة الأشياء التي يكتب فيها (كالعظام والعسب والجلود) تأثير في ذلك، فالنبي أراد توفير ذلك كله للقرآن. وبذلك أصبح تدوين السنة واجبا وعملا ممدوحا.

9- عدم حصر الصواب

من أهم المرتكزات التشريعية التي تميز بها التشريع الإسلامي، والتي تدحض دعوى الثيوقراطية: النظر إلى اجتهاد المجتهد في دائرة: الاجتهاد واستفراغ الوسع، دون إصباغ القداسة عليه، ودون حصر الصواب مع مجتهد دون غيره. وهذا مما أسهم في تنشيط عملية الاجتهاد ونموها وتوسعها. وبغض النظر عن بعض الخلافات النظرية التي تقرر أن الصواب مع واحد؛ فإن ما يهمنا هو الناحية العملية، التي ترسخت شرعيا بحديث رسول الله (إذا اجتهد المجتهد فأصاب…).

ثم إن الفقهاء قرروا أنه ليس للمجتهد تقليد غيره، وأنه ليس للحاكم نقض اجتهاد غيره؛ بما أنه صدر عن أهل للاجتهاد. وإذا صدر للقاضي رأي جديد في مسألة ما فإنه يمضي رأيه في المستقبل، أما ما مضى فليس له نقض ما قضى به (إلا في حالة الاستئناف)، أو ظهور الخطأ، كما قال عمر لأبي موسى الأشعري (ولا يمنعنك قضاء قضيت فيه اليوم أجعت فيه رأيك، فهديت فيه لرشدك أن تراجع فيه الحق).

فعمر بن الخطاب كان إذا كثر عليه الخصوم صرفهم إلى زيد بن ثابت أو علي أو غيرهم من قضاته، فذات مرة سأل واحدا ممن صرف، فقال: قضى علي زيد يا أمير المؤمنين. فقال عمر: لو كنت أنا لقضيت لك. فقال الرجل: وما يمنعك وأنت ولي الأمر؟ فقال عمر: لو كنت أردك إلى كتاب الله أو إلى سنة نبيه فعلت، ولكني إنما أردك إلى رأيي، والرأي مشترك… وأمثلة قضاء القضاة بما يخالف رأي الحاكم كثيرة جدا.

بل إن عمر خالف أبا بكر في قضايا عديدة، ومن أشهرها: التسوية في العطاء، فقد كان أبو بكر يسوي بين الناس، فلما جاء عمر فاضل بين الانس في العطاء ووضع لذلك معايير عدة.

الإسلامية من الصلاحية إلى الضرورة ج35 الشريعة الإسلامية من الصلاحية إلى الضرورة (ج3)

10- التمييز بين النص والاجتهاد:

من الأمور المسلمة لدى علماء المسلمين التفرقة بين النص الديني والاجتهاد. فالنص (القرآن الكريم والسنة الصحيحة)، أما الاجتهاد فهو كل ما توصل إليه العلماء والقضاء والحكام في اجتهاداتهم

11- قابلية أحكام الشريعة للتقنين:

تقنين أحكام الشريعة الإسلامية.. أي صياغة أحكام الشريعة في قوانين، مثلا: قانون العقوبات، قانون العلاقات الدولية..إلخ.

وبعيدا عن جدل بعض المعاصرين في حكمها، فتاريخيا أثيرت المسألة في عهد الخليفة العباسي المنصور، فطلب من الإمام مالك إلزام الناس بالموطأ، ليصبح المذهب الرسمي للدولة. فقال مالك: (إن الناس قد جمعوا واطلعوا على أشياء لم نطلع عليها). وبقدر ما كان موقف الإمام مالك فيه مزية؛ حتى يظل الاجتهاد مفتوحا، وتظل الخيارات أمام المجتهد مفتيا أو قاضيا مفتوحة، وتظل أقلام العلماء سيالة دون توقف… وحتى لا ينصرف الناس عن دراسة الفقه كله ويقتصروا على دراسة القانون والمواد المقننة.

كما أن عدم اتجاه العلماء قديما إلى تقنين الشريعة الإسلامية قائم على أن القاضي أو الحاكم أو المفتي له أن يجتهد وألا يقلد، وألا يلتزم بمذهب معين أو بطريقة واحدة في حكمه.. بل كانوا يرون في الاختلاف سعة على الناس، وعدم تضييق عليهم، حتى اشتهر عنهم مقولة (الاختلاف رحمة واسعة)، وجاء رجل إلى أحمد فقال له: ألفت كتابا سميته الاختلاف، فقال: بل سمه السعة.

برغم ذلك فإن الاتجاه للتقنين أيضا فيه ضبط تنظيمي للأنظمة والقوانين السائدة، وتحقيق أكبر للعدالة، وإقامة التقنين على اجتهاد مؤسسي.

وعلى أي حال، فمالك لم يقل للمنصور: هذا حرام. بل دل طلب المنصور ورد مالك على أن الشريعة تقبل مثل هذا، وتتسع لذلك.

والعجيب أن الذين يستشهدون بمرويات عمر في عدم كتابة السنة، يجهلون أن عمر أول من فكر في تقنين الشريعة، وجعلها مذهبا رسميا للدولة، وذلك من خلال كتابة السنن، وبعد أن استشار أصحابه عدل عن ذلك؛ خشية أن يلتبس بكتاب الله. (عبد الرزاق في مصنفه).

وهذه القابلية قد تحققت فعلا في العصر الحاضر، وإن لم تصل بعد إلى المستوى المنشود. وتعد من أول الجهود التقنينية جهود الدولة العثمانية في إصدار (مجلة الأحكام العدلية) [عام 1876م] التي تضمنت جملة من أحكام المعاملات على هيئة قوانين وفقا للمذهب الحنفي. وأول تقنين للأحوال الشخصية هو قانون حقوق العائلة العثماني الصادر عام ١٩١٧م(12).

وكان للدكتور عبد الرزاق السنهوري – في منتصف القرن العشرين – جهود في الإفادة من أحكام الشريعة الإسلامية في كتابة القوانين المدنية لعدد من الدول العربية، ومنها: مصر والعراق وسوريا وليبيا والكويت والإمارات. وبغض النظر عن المآخذ التي تؤخذ عليه، فمحاولته لفتت النظر إلى ضرورة قيام المجتهدين بأدوارهم في الاجتهادات المعاصرة، وهو ما اضطلعت به مؤسسات فقهية عديدة بعد ذلك. واليوم؛ فإن معظم الدول الإسلامية اليوم قد اتجهت إلى تقنين أحكام الشريعة الإسلامية، وهذا فعل محمود.

الهوامش:

  1. مصادر التشريع الإسلامي فيما لا نص فيه، ص 165 – وما بعدها. 
  2. التشريع والقضاء في الفكر الإسلامي، د أحمد شلبي، ص 139. 
  3. انظر: دور الاجتهاد الفقهي في تدعيم الانتساب الحضاري للإسلام، منشور ضمن: (الاجتهاد الفقهي: أي دور؟ وأي جديد)، محمد بلبشير الحسني. 
  4. الاجتهاد، للريسوني، ص50 وما بعدها. 
  5.  انظر كثيرا من الأمثلة في: مصادر التشريع الإسلامي فيما لا نص فيه، ص 157 – وما بعدها. ومن الأمثلة التي ذكرها أن: البيع، وهو من أكثر العقود المدنية أحكاما، ومواده في القانون المصري أكثر من مائة، لم يرد في نصوص القرآن من أحكامه إلا أربعة أحكام: إباحته (وأحل الله البيع وحرم الربا)، واشتراط التراضي فيه (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم)، وإيجاب شهره (وأشهدوا إذا تبايعتم)، والنهي عنه وقت النداء لصلاة الجمعة (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة… وذروا البيع). وفي القانون الدستوري قرر ثلاثة مبادئ أساسية تقوم عليها السياسة الدستورية العادلة، وهي: الشورى (وشاورهم في الأمر)، والعدل (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)، والمساواة (إنما المؤمنون إخوة). وفي قانون العقوبات وتحقيق الجنايات، اقتصرت نصوص القرآن على خمس عقوبات لخمس جرائم: القتل والسرقة والسعي في الأرض فسادا والزنا وقذف المحصنات، وتركت سائر الجرائم من جنايات وجنح ومخالفات يقرر ولاة الأمر في كل أمة عقوبة كل جريمة بما يرونه رادعا للمجرم ومصلحا للمجتمع، واقتصرت على تقرير المبدأ العام في تحقيق الجنايات، وهي قوله: (وجزاء سيئة سيئة مثلها). 
  6.  الفروق، ج1/  177. 
  7.  انظر: تاريخ الفقه الإسلامي للأشقر. 
  8. شريعة الإسلام، القرضاوي، ص 140. 
  9. مستفاد من كتاب: مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام، للقرضاوي، بتصرف. 
  10.  مصادر التشريع الإسلامي فيما لا نص فيه، عبد الوهاب خلاف، 160. 
  11.  مصادر التشريع الإسلامي فيما لا نص فيه، عبد الوهاب خلاف، 68.
  12.  تقنين الشريعة الإسلامية وصلته بتطبيقها في القضاء الشرعي، عبد الله الجبوري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى