فكر

الشريعة الإسلامية من الصلاحية إلى الضرورة (ج5)

(الشريعة والتفاعل مع البشر)

ذلك حديث انطلق من فحص عوامل صلاحية الشريعة للتطبيق من داخلها، ولكن قد يقول قائل: الشريعة مثالية، أو إنها لم تطبق على أرض الواقع، أو إنها لم تحقق وعودها، أو إن المسلمين هم أول من تخلوا عنها… إلى غير ذلك من مراجمات بالقول باطلة لا أثارة عليها من علم.

ومن الصعب علينا في هذا البحث المختصر تتبع هذه المسألة، وإبراز مختلف الأدلة التاريخية على صلاحية الشريعة بالنظر إلى تفاعلها مع البشر. ولكنني أقتصر على أمثلة من ذلك.

وبداية نقول: لقد أوفت الشريعة بوعودها للناس؛ فعبر التاريخ حققت مصالحهم واحتياجاتهم، وساد الأمن والاستقرار والازدهار والرخاء، وتحققت العدالة والحريات، وانتشر التكافل الاجتماعي والتعاون، وتقدمت العلوم وتطورت المعارف، واهتم الناس بمختلف جوانب حياتهم.. وكلما كان تطبيق الشريعة أتم وأكمل في فترة ما، كان استقرار المجتمع وازدهاره أكبر، فالعلاقة بينهما طردية. وتحت ظلال الشريعة عاش غير المسلمين مع المسلمين ينعمون معهم بالعدل والتكافل؛ حتى إن عمر فرض ليهودي مسن من بيت المال.

كما أن الشريعة الإسلامية حررت النظام السياسي من استبداد الملوك، وحتى حين كان يأتي مستبد، أو يحدث انحراف سياسي، فإن حياة الشريعة في النفوس واشتعال جذوتها تجعل الحاكم في مهب الريح، سرعان ما ينتقض عليه المقربون منه ويرفض العلماء وعامة الناس سيرته..

وحررت الشريعة النظام الاقتصادي من الربا والإقطاعية والجشع والاحتكار وتوحش الشركات العملاقة، وحررت المرأة من الظلم والاضطهاد والعنصرية.

الشريعة الإسلامية لم تمنع المسلمين يوما من التقدم في مختلف العلوم غير الشرعية، كالفيزياء والكيمياء والأحياء والفلك والهندسة… إلخ. ووضعوا أسس المنهج التجريبي قبل مجيء فرنسيس بيكون بقرون. ولا اريد الإطالة بنقل شهادات المنصفين من الأوربيين على ذلك.

فلماذا تكون الشريعة اليوم سببا في تخلف المسلمين؟ ولماذا يبحث بعضهم عن كبش فداء يعلق عليه أوهامه وهزائمه؟!

وسأكتفي بشهادات تاريخية موجزة لمؤرخين غير مسلمين.

أ/ شهادات واعترافات من الآخر:

يقول (وِل ديورانت) في كتابه قصة الحضارة(1).

(الخلفاء الأولون من أبي بكر إلى المأمون قد وضعوا النظم الصالحة الموفقة للحياة الإنسانية في رقعة واسعة من العالم، وأنهم كانوا من أقدر الحكام في التاريخ كله. ولقد كان في مقدورهم أن يصادروا كل شيء، أو أن يخربوا كل شيء، كما فعل المغول أو المجر أو أهل الشمال من الأوربيين؛ لكنهم لم يفعلوا هذا بل اكتفوا بفرض الضرائب. ولما أن فتح عمرو مصر أبى أن يستمع إلى نصيحة الزبير حين أشار عليه بتقسيم أرضها بين العرب الفاتحين، وأيده الخليفة في هذا الرأي وأمره أن يتركها في أيدي الشعب يتعهدها فتثمر. وفي زمن الخلفاء الراشدين مسحت الأراضي، واحتفظت الحكومة بسجلاتها، وأنشأت عدداً كبيراً من الطرق وعنيت بصيانتها، وأقيمت الجسور حول الأنهار لمنع فيضانها، وكان العراق قبل الفتح الإسلامي صحراء جرداء فاستحالت أرضها بعده جناناً فيحاء، وكان كثير من أرض فلسطين قبيل الفتح رملاً وحجارة فأصبحت خصبة، غنية، عامرة بالسكان)… (الخلفاء قد أمنوا الناس إلى حد كبير على حياتهم وثمار جهودهم، وهيئوا الفرص لذوي الواهب، ونشروا الرخاء مدى ستة قرون في أصقاع لم تر قط مثل هذا الرخاء بعد عهدهم، وبفضل تشجيعهم ومعونتهم انتشر التعليم، وازدهرت العلوم، والآدابـ والفلسفة، والفنون ازدهاراً جعل الغبية مدى خمسة قرون أرقى أقاليم العالم كله حضارة)

❃❃❃

وهنا شهادة أخرى، لبرنارد لويس في كتابه الغرب والشرق الأوسط:

(ولقد نجح الإسلام حيث فشلت المسيحية في مزج الإيمان العميق بالتسامح الديني، الذي لم يشمل فقط غير المسلمين من الأديان الأخرى، بل شمل هذا التسامح حتى الهراطقة والكفار. وتعايش مدارس فكرية عدة في التشريع الإسلامي المقدس هو برهان آخر على التسامح، والاعتدال الإسلامي.

ولقد كان الإسلام دائما من الوجهة الاجتماعية ديمقراطيا – أو على الأصح – عادلا، يرفض دائما نظاما كنظام الطوائف في الهند، وامتيازات كامتيازات الطبقة الأرستقراطية في أوربا، وما احتاج الإسلام إلى ثورة دامية لينشر فكرة تكافؤ الفرص، وتقدير المواهب في العالم الإسلامي، فلقد جاءت الفكرة مع بدء الدعوة الإسلامية، وعلى الرغم من أن في سياق تاريخ بعض الدول الإسلامية ميلا لتشكيل طبقة أرستقراطية، إلا أن الفكرة “المساواة” لم تنمح ولم تستبعد من المجتمع الإسلامي في أي وقت من الأوقات.

والنظرة الإسلامية تؤكد دائما سيادة القانون ووجوب انصياع الحكام له، ولقد استطاعت قوة العلماء في العهد العثماني أن تفرض احترام هذا المبدأ الإسلامي).

❃❃❃

وغوستاف لوبون في كتابه حضارة العرب، يقول: (الحق أن الأمم لم تعرف فاتحين متسامحين مثل العرب، ولا دينا سمحا مثل دينهم)… وهذا ناشئ عن احترام عقائد الآخرين وتقاليدهم وأنظمتهم.

ويقول المستشرق الإنجليزي الحجة “سير توماس أرنولد” (1864 – 1930م)، في كتابه “الدعوة إلى الإسلام”: (إن غير المسلمين نعموا – بوجه الإجمال – في ظل الحكم الإسلامي بدرجة من التسامح، لا نجد لها معادلا في أوربا قبل الأزمنة الحديثة، وإن دوام الطوائف المسيحية في وسط إسلامي يدل على أن الاضطهادات التي قاست منها بين الحين والآخر على أيدي المتزمتين والمتعصبين، كانت من صنع الظروف المحلية أكثر مما كانت عاقبة مبادئ التعصب وعدم التسامح).

❃❃❃

يقول توبي هف في كتابه “فجر العلم الحديث: الإسلام، الصين، الغرب”(2): (العلم العربي من القرن الثامن حتى آخر القرن الرابع عشر ربما كان أرقى علم في العالم، متفوقا بذلك على العلم في الغرب والصين)… ويقول(3): (قطاعات كبيرة من العلوم الطبيعية جرى “تجنيسها” على أيدي العرب مع حلول القرن الثاني عشر، وعندما حدث ذلك بلغ العرب مراتب عليا من الإبداع العلمي). ويقول(4): (تطور الرياضيات العليا واستعمالها – بما فيها الجبر والهندسة وعلم المثلثات – مضى قدما في مجال علم الفلك على أيدي اشخاص متدينين، كان بعضهم موقتين في المساجد المحلية. وكان هؤلاء الأشخاص هم الذين طوروا النماذج الفلكية الرياضية التي كانت جزءا لا يتجزأ من الثورة الكوبيرنكية).

❃❃❃

وفي شهادة قبطية حديثة يقول “يعقوب نخلة” صاحب كتاب “تاريخ الأمة القبطية أن النصارى نالوا في أيام عمرو بن العاص راحة لم يروها من أزمان، وأنه أصبحت حكومة مصر لنصارى مصر لأول مرة في تاريخ النصرانية المصرية، كما صكت السماحة الإسلامية العدل في الاقتصاد والاجتماع، وجعلت الحاكمية لشرائع القبط الدينية والأهلية فيما هو خاص بأحوالهم الدينية التي تركوا فيها وما يدينون.

ونتيجة ذلك وقف نصارى مصر مع الفاتحين ضد الرومان حين أرادوا استعادة مصر.

الإسلامية من الصلاحية إلى الضرورة ج5 1 الشريعة الإسلامية من الصلاحية إلى الضرورة (ج5)

ب/ أمثلة ونماذج:

• سلطة الأمة:

لقد حققت الشريعة الإسلامية حماية الناس من الاستبداد الديني، أي ذلك الاستبداد الذي يتذرع الحاكم فيه بأنه يتكلم باسم الله، ومنحت الناس الحق في اختيار حاكمهم، بل ومساءلته وعزله، فأصبح السلطان للأمة. ولعل أكبر الأمثلة على ذلك الخلفاء الراشدون، الذين تولوا الخلافة باختيار الناس ورضاهم. ويمثل هؤلاء النموذج المبكر لتحقق وعد الشريعة الإسلامية.

ومن أكثر الدعاوى المغرضة التي تطرح كسبب للتخلي عن الشريعة الإسلامية، القول إنها رسخت السلطة الدينية.

وقبل الرد علينا تحرير المصطلحات والمفاهيم. فما المقصود بالدولة الدينية أو السلطة الدينية؟

إن كان المقصود أن الحاكم يحكم باسم الله، وأن ما يحكم به هو حكم الله، وأنه مفوض عن إرادة الله، وأنه فوق المساءلة والقانون (الدولة الثيوقراطية)، فنحن نقول: إنه لا توجد سلطة دينية في الإسلام بهذا المعنى، بل إن هذه الدولة تتناقض مع الدين الذي يقرر عبودية الناس جميعا لربهم، ويقرر المساواة بينهم، ويوجب العدل، ويوجب الاحتكام إلى الشريعة. وهذه من البدهيات التي لا خلاف عليها، وأدلل على ذلك نظريا وعمليا، باختصار.

أما نظريا، فالنبي نفسه يقرر (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر). فهو يدعو أولا إلى الاجتهاد واستمراريته، وثانيا يبين أن المجتهد قد يخطئ، وثالثا يبين أنه مع خطئه مأجور غير مأزور. ومن ثم فلا إشكال في الخطأ بل الإشكال في عدم المحاولة. وبذلك يتقرر لدى الناس أن الحاكم غير معصوم، وغير مصيب بالضرورة، وأن الاجتهاد يظل بشريا، المهم فيه أن يحاول الناس بذل غاية الجهد في الوصول إلى أفضل ما تمكنه طاقاتهم وأدواتهم ومعارفهم.

ولكن لا يقدم على الاجتهاد إلا من هو أهل له، وليس من هب ودب. أما المتطبب حتى لو أصاب فهو آثم مأزور. ذلك أن الدين يحترم العلم ويمقت الجهل. وبذلك فالذين يدعون إلى اجتهاد مفتوح بلا شروط هم دعاة ضلالة وجهالة. فهل يصح أن يتكلم في الطب غير مختص؟ فالدين كتعبد للناس جميعا، ولكن الدين كعلم لا يكون إلا لمن تعلم وكان أهلا لذلك. (والمتخصص كالاقتصادي مثلا أو القانوني أو أستاذ علم الاجتماع له أن يجتهد في مجاله إذا درس أيضا ما يتعلق به في الفقه الإسلامي والمصادر الإسلامية دراسة مستوعبة)(5).

وإذا استحضرنا – كما يقول الريسوني – أن المجتهد قد يخطئ في أمور تتعلق بالفروج والدماء والأموال، ومع ذلك فهو مأجور بما أنه تحرى الوصول إلى الحق، حتى لو أخطأ.

ولكن المجتهد لا يسمى مجتهدا، ولا ينصب للإفتاء أو القضاء إلا وقد امتلك الأهلية العلمية والأخلاقية والمجتمعية للاجتهاد، ولذلك كان من محاسن حرية الاجتهاد أن كل مجتهد أو قضاء في ولاية ما يراعي مصالح الناس وواقعهم وظروفهم وأعرافهم وعاداتهم. فبسبب اتساع دولة الخلافة حيث ضمت شعوبا ودولا كثيرة، كان التقنين العام غير مناسب، فحل محله الاجتهاد الفردي المنضبط الذي لا يصدر إلا عن أهل.

وبهذا يظل اجتهاد المجتهدين تحت دائرة النقد والمراجعة المستمرة، سواء من المجتهد نفسه أو من معاصريه أو من اللاحقين.

ومن ناحية أخرى، فإن مما يبطل دعوى “الدولة الكهنوتية في الإسلام” أن الحاكم ليس شرطا أن يكون أفضل الناس أو خيرهم.. بل أكفأهم لتلك الوظيفة.. ولهذا قال عثمان (إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن).. وهذا خلاف النظرة الشيعية للإمام… ولذلك حين يجادل الشيعة بأن عليا أفضل الصحابة؛ فلأن الأفضلية عندهم تقتضي وجوب الإمامة له. ولكن في المقابل – مع إقرارنا بأن أبا بكر هو أفضل الصحابة – فإن الأفضلية ليست معيارا، حتى لو لم يكن هو الأفضل فلقد كان هو الاصلح للخلافة. ولذلك فالدخول في جدل – كما فعل بعضهم – أن أبا بكر هو الأفضل يعد إقرارا للشيعة بمبدأهم الخاطئ.

وأما عمليا؛

فهذا أول حاكم مسلم بعد رسول الله: أبو بكر، يقول للناس: (وليت عليكم ولست بخيركم، فإن رأيتموني على حق فأعينوني، وإن رأيتموني على باطل فسددوني، أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم). وكذلك عمر يقول بنحوه فيقول له أحدهم: لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بحد سيوفنا! فيقول عمر رضي الله عنه: “الحمد لله الذي جعل في المسلمين من يقوم اعوجاج عمر بحد سيفه”.

وعلي حين خرج عليه الخوارج، لم يرفض خروجهم ولم يأخذهم للسجون وكانوا معه في الكوفة، حتى تحولت معارضتهم إلى سفك للدماء، وتهديد لأمن المسلمين.

نص واضح يرسخ لدى الوعي أنه لا سلطة دينية للحاكم، ولذلك وصفهم بأنهم بغاة، وهو وصف سياسي يمنح المعارضة دائرة من الاجتهاد، وإن حكم بخطئهم، ولكنه لا يستلزم تكفير المخالف أو تفسيقه أو تضليله.

وهذا عثمان بن عفان، حين طلب منه الخارجون تغيير بعض ولاته كان يغير الولاة، فهل هذه سلطة دينية؟!

ثمة من قال بالسلطة الدينية، وهم الشيعة الإمامية، الذين جعلوا الإمامة فريضة شرعية، وركنا من أركان الدين، وقالوا بالاصطفاء الإلهي للأئمة، وأن سلطتهم ممنوحة من الله، ولا تقوم على رضا الناس، وقالوا بعصمة الأئمة. واليوم يجسدها في إيران ولاية الفقيه، الذي يعطي العصمة للإمام الغائب. هذه سلطة دينية، ولكن لا وجود لها في تاريخنا ولا تراثنا، بل علماء المسلمين عبر التاريخ رفضوها، وأول من رفضها هم الصحابة، وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون، الذين لم يستندوا في ولايتهم إلا إلى اختيار الناس ورضاهم.

الإسلامية من الصلاحية إلى الضرورة ج19 الشريعة الإسلامية من الصلاحية إلى الضرورة (ج5)

• سيادة القانون والنظام القضائي

الدولة في الإسلام تحكمها الشريعة الإسلامية، فهي فوق الحاكم، ولقد كانت الشريعة الإسلامية هي القانون المرجعي الذي يحتكم إليه الحاكم كما يحتكم إليه عامة الناس، فلا أحد فوق القانون.

ولذلك إذا كانوا يقصدون بدعوى (الدولة الدينية) أنها دولة تحكمها الشريعة الإسلامية؛ فنعم هذه الدولة تحكمها الشريعة الإسلامية، ولكن الشريعة هي الدستور والقانون الذي يخضع له حتى الحاكم. وقد قام النظام القضائي في الإسلام على العدالة وتحريم الظلم بكل وجه من الوجوه. وفقهاء المسلمين جعلوا العدالة أعلى الشروط وأهمها في الحاكم.

ومن ثم فإذا ما تحدثنا عن الأحكام الشرعية القضائية والقانونية، فهذه لا بد أن تكون لها سلطة، فأي بلد يجعل للقانون سلطة، ولقد كانت سلطة القانون فوق سلطة الحاكم، والأمثلة على ذلك كثيرة.. ومنها قصة تحاكم علي مع يهودي إلى شريح القاضي، ومنها ما يرويه المؤرخون من قصص عن القاضي عبد الله بن غانم الرُّعيني القيرواني (ت 190ه) قاضي تونس في عهد الرشيد، الذي كانت تمضي أحكامه على إبراهيم بن الأغلب والي تونس. ومن بعده القاضي سحنون المالكي، حتى إنه لم يكن يأخذ راتبا حتى يحرص على استقلالية القضاء بصورة أكمل.

بل إن الخلفاء الراشدين رسخوا استقلالية القضاء والمال عن السلطة التنفيذية، فعلي مثلا فصل الولاية عن الخراج والقضاء في الولايات، فمثلا عين والياً على البصرة عبد الله بن عباس، وعين على خراجها (المالية) زياد، وعين على القضاء: أبا الأسود الدؤلي، وفصل بين السلطات الثلاث، وأمرهم بالتعاون والتشاور.. وفي عهد أبي بكر ولي عمر القضاء وولي أبو عبيد بيت المال.

وكان للقضاء سلطة واسعة في الفصل في نزاعات تتعلق بالخليفة أو الوالي أو غيرهم من كبار مسؤولي الدولة. وكان الفقهاء ينصون على سيادة القضاء واستقلالية القضاة، كما فعل (مؤرخ قضاة الأندلس ومفتيها القاضي أبو الحسن النُّبَاهي الجُذَامي (ت 792هـ)، الذي قال: إن “حدود القضاة -في القديم والحديث- معروفة، لا يعارضون فيها ولا تكون إلى غيرهم من الحكام”.

ومن حسن تنظيم القضاء أنهم كانوا يعينون قضاة لمختلف المجالات، فهناك قاضي الأنكحة (ما يسمى اليوم: الأحوال الشخصية)، وممن تولى منصب “قاضي الأنكحة” في تونس الشيخ أبو علي عمر بن قداح الهواري (ت 734). وهنا كقاضي المعاملات، وقاضي السوق، وقاضي الأهلة، وقاضي الجند، …

وكان للقاضي – في بعض العصور – راتب يفوق أحيانا مرتبات كبار المسؤولين في الدولة، حتى لا يكون عرضة لأي ابتزاز. ومن أمثلة ذلك أن راتب القاضي الفضل بن غانم المَرْوَزي الخُزَاعي، عين قاضيا لمصر عام 178 هـ، كان راتبه في الشهر 168 دينارا (يعادل اليوم 30 ألف دولار). بل ذكر الذهبي أن رابت القاضي محمد بن عبدة العَبّاداني البصري (ت 313ه) قاضي مصر في عهد خمارويه بن طولون الأخشيدي بلغ 3 ألف دينار شهريا. (ما يعادل 600 ألف دولار).

وقد رسخ الفقه القضائي كثيرا من القوانين المتعلقة بالقضاء وإجراءات التقاضي والفصل بين المتنازعين، وتسجيل الأحكام والأقضية لإثباتها على المتنازعين، وتنفيذ الأحكام، والاستئناف، وما يتعلق بمحاكم غير المسلمين، وشروط القاضي وولايته وعزله والتزاماته وآدابه، بل حتى ملابسه التي يلبسها أثناء عمله، والمرتبات التي يأخذونها… وغير ذلك(6).

الإسلامية من الصلاحية إلى الضرورة ج5 2 1 الشريعة الإسلامية من الصلاحية إلى الضرورة (ج5)

• النظام التشاوري

النظام التشاوري بدأ في حياة النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، ولولا شهرة الأمثلة لأعدت ضربها، نعرف مشاورة النبي لأصحابه في بدر (قبل الحرب، وفي الموقع، وفي الأسرى..)، والخروج يوم أحد، وفي حفر الخندق…ثم ترسيخ هذا في عهد الخلفاء الراشدين ومن بعدهم، كانوا يتشاورون في جليل الأمور وصغيرها.

لكنني سأتجاوز كل ذلك، وأنتقل إلى كاتب بلجيكي يتحدث عن امبراطورية مالي عام 1200م، فيقول ميشيل كولون(7):

(في عام 1200، كانت توجد إمبراطورية في مالي. أسسها (سونجاتا كيتا)، إمبراطورية مالي كانت دولة اتحادية منظمة ذات برلمان ولكم أن تتخيلوا برلمان في عام 1200، في أوروبا انتظرنا 6 أو 7 قرون لنصل لذلك. وكانت دولة منظمة لديها جيش ونظام تعليمي وخزانة عامة، وكانت الدولة تسير استخراج وبيع الذهب بطريقة منتظمة وطورت زراعة القطن والفول السوداني. وكانت توجد مراكز جامعية مشهورة في تمبكتو وجنه وسيغو. وكان أحد الملوك الذين سبقوا كيتا، اسمه بوبكر الثاني، وذلك لقرنين قبل المستكشف كولومبوس قد أطلق رحلتين بحريتين لاستكشاف أمريكا)…

(وما يهم حقيقة هو أنه كان يوجد اقتصاد متكامل في أفريقيا وفي مالي، وكان يوجد اقتصاد مع تجارة القوافل القادمة من غامبيا، ثم غرب أفريقيا، إلى منطقة البحر المتوسط. وقد تم تسييره بفعالية وانتظام من طرف الطوارق وكانت تجارة مزدهرة لأقصى حد. وحين وصل المستعمر الفرنسي إلى هناك يجذبه الاهتمام بالمواد الخام، ماذا فعل؟ قام بتحييد وتعطيل هذه التجارة، ومن أجل إدارة هذه التجارة والاقتصاد؛ جلب اللبنانيين واليونانيين).

(وماذا فعلت الديمقراطية الفرنسية العظيمة بعد ذلك؟ قامت بقتل آلاف مدرسي اللغة العربية، لماذا؟ لأن التجارة بين كل تلك الدول كانت تحتاج للغة يفهمها كل أحد؛ التي هي حاليًا اللغة الإنجليزية، لكن في ذلك الوقت كانت اللغة العربية. لهذا من أجل القضاء على هذه التجارة ولتصدير كل شيء إلى فرنسا، قتلت آلاف مدرسي اللغة العربية في تلك الفترة).

• انفصال السلطات

إذا كانت الرؤية الهيكلية المعاصرة للسلطات تطرح ثلاث سلطات: سلطة تشريعية وسلطة تنفيذية وسلطة قضائية. فإن التراث الإسلامي يضيف لذلك: سلطة الإفتاء. التي لا بد من استقلالها عن تأثير السلطة التنفيذية. وكل هذه السلطات تخضع للشريعة الإسلامية، بمعنى: يجب ألا تخالفها.

وإذا تحدثنا عن سلطة الإفتاء، فقد يقول بعضهم أن السلطة الدينية هي سلطة الشيخ المفتي على المسلم في كل تصرفاته وأقواله.. وهذا كلام خاطئ، فالسلطة في قلب المؤمن والمؤمن إنما هي لله وحده. ولذلك الإسلام يزرع عقيدة الغيب داخل قلب المؤمن.

فما الذي يجعل المسلم يصوم دون أن يأكل شيئا لو جاع، ولا يراه أحد؟!

وما الذي يجعل تلك المرأة التي زنت دون أن يعرف عنها أحد..أن تأتي إلى الرسول وتقول له: طهرني؟!

لا توجد عندنا صكوك غفران، ولا اعترافات بالذنوب.. إلا لله وحده فقط.

والمسلم حين يستفتي العالم عن حكم الشرع، ويأخذ بقوله، فإنه يفعل ذلك من تلقاء نفسه، دون إكراه… والمسلم نفسه يمكنه أن يكون مفتيا إذا ما تعلم أمور دينه. أما أن يقال: كن مفتيا لنفسك، هكذا دون تعلم.. فهذا عبث بالدين.

❃❃❃

لذلك لا توجد في الإسلام مؤسسات دينية بالمفهوم الغربي؛ ففي الإسلام: المسجد والمدرسة والجامعة والوزارة والشركة كلها مؤسسات دينية، بمعنى أنها تنضبط بضوابط الدين ولا تخالفه، فالشركة التي لا تتعامل بالربا استجابة لأمر الله، ولا تبيع المحرمات (كالخنزير) هي شركة إسلامية.

وهذا المفهوم ترسخ لدى كل مسلم، وقول الرسول (جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا؛ فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل) يشرح حقيقة الإسلام ويجسدها.. فهو دين الحياة، دين الأرض كلها، دين الزمان كله، لا توجد ثنائيات عند المسلم: دين ودنيا، فالدنيا هي مخلوقة خلقها الله، والمؤمن يتعبد فيها لله. لم يجعل الإسلام الصلاة محصورة في المساجد، (كما المسيحية والكنيسة)، بل أي مكان يصلي فيه المسلم. واي زمان يستطيع أن يصلي فيه المسلم.

ويرسخ هذا قوله تعالى: (فأينما تولوا فثم وجه الله).

تقول زغريد هونكه(8): (إن المسجد ليس هو بيت الله المقدس الذي يستطيع فيه المؤمن بواسطة رجل الدين التقرب إلى الله، بخلاف الحال مع الكنيسة فهي متى قدست أصبحت حقاً لا رمزاً مدينة سماوية يحكم فيها المسيح وأن القدس السماوية قد نزلت من السماء إلى الأرض، هذا هو معنى الكنيسة عند المسيحي في مختلف العصور)… (فلا توجد قواعد خاصة تقيد المسلم كما لم يفرض عليه الإسلام مكاناً خاصاً بالذات لتأدية فرائضه الدينية لا معبد ولا كنيسة كما أن تعبده لا يرتبط كما هو الحال في المسيحية بقسيس أو وسيلة تجمع بينه وبين الله. فلدى المسلم كل شخص يمثل الله وكل مسلم له الحق في أن يصلي بالمصلين ويكون إماماً في المسجد).

❃❃❃

ومن المهم هنا التفريق بين مصدر السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية.

الصحابة قرروا أن الأمة هي مصدر السلطة التنفيذية، وذلك بأن لهم الحق في اختيار الخليفة (عن طريق البيعة) ومحاسبته وتقويمه.. فهي صاحبة السلطان، أي: هي المسؤولة عن إقامة السلطان وعن تنفيذ الشريعة. والخليفة يعني: خليفة الحاكم (أمير المؤمنين) عن الأمة.

ولكن السلطة التشريعية، مصدرها هو الشريعة الإسلامية، والمخول بتوصيفها هم: المجتهدون (أعضاء مجلس الشورى)… والسيادة التشريعية لله في النصوص القطعية، وهي للأمة في النصوص الظنية أو فيما لا نص فيه، من خلال الإجماع واجتهاد المجتهدين. وسيادة الله حاكمة وعليا على السيادة الثانية، بمعنى: أنه لا يصح مخالفتها. فالأمة لها الحق في الاستفادة من أي تشريعات أو تجارب أو خبرات بشرية شريطة عدم مخالفتها للشرع.

والسلطة القضائية تقوم على أحكام الشريعة الإسلامية، ولكن مع التأكيد أن القاضي له مرونة في الحكم والاختيار بناء على مواد مرنة ومتاحة..

السيادة هي التي تكشف عن المرجعية العليا، فالمرجعية العليا لا تكون للعلمانية بل للإسلام وشريعته. أما ممارسة السلطات وتنظيمها وتشريع المصالح فهذا يدخل في الوسائل التي يحق للأمة أن تستفيد منها من أي مصدر.

يقول عودة(9): (إن الدستور الأساسي للمسلم هو الشريعة الإسلامية، فكل قانون وضعي جاء متفقا مع نصوصها أو مسايرًا لمبادئها العامة أو روحها التشريعية فهو على العين والرأس يطيعه المسلم بأمر الله، وكل قانون جاء على خلاف ذلك فهو في الرغام وتحت الأقدام، ولا كرامة لما يخالف الإسلام، ولا طاعة لمخلوق في معصية الله). وقال(10): (الشريعة الإسلامية هي الدستور الأساسي للمسلمين، فكل ما يوافق هذا الدستور صحيح وكل ما يخالفه باطل، مهما تغيرت الأزمان وتطورت الآراء في التشريع).

الإسلامية من الصلاحية إلى الضرورة ج5 2 الشريعة الإسلامية من الصلاحية إلى الضرورة (ج5)

• حرية التعبير

قررت الشريعة وحققت في الواقع: حرية التفكير وحرية التعبير وحرية الاعتقاد. وحررت العقل من خرافاته وأوهامه، ودعت الناس إلى التفكير بعقولهم في كل شيء، ولذلك تجد الحجاج القرآني حجاجا جدليا عقليا.

ولقد كان الاختلاف بين المجتهدين في مسائل كبرى، دون أن يكفر بعضهم بعضا أو يفسقونهم؛ بل كل منهم مرجعيته القانون، وإذا ظهر لمجتهد وجه الصواب في هذا القانون الشرعي أخذ به.

ولقد بلغت حرية التعبير في الناس أن كان الرجل من عامة الناس يقوم الخليفة ويعدل رأيه ويعترض عليه، ولا يأمر بإعدامه، بل إن الخوارج كانوا يسبون الخليفة علي بن أبي طالب، ويتركهم يعبرون عن آرائهم، دون أن يأخذهم إلى السجون والمعتقلات.

ونتيجة لحرية التعبير فقد ظهرت في الأمة فرق وآراء شتى، وحفظ التراث كل تلك الآراء، دون مصادرة أو تجريم أو تكفير أو إحراق.. وكانت هذه الآراء في الجانب العقدي نفسه، فضلا عن غيره من الجوانب.

وإذا نظرنا إلى هذه المسألة من الجانب القضائي، سنجد أن القضاء كان يكفل للناس الدفاع عن معتقداتهم وآرائهم.. ومن أمثلة ذلك: 

– مسألة خلق القرآن، بالرغم من شدة التعصب التي عرف بها قضاة المعتزلة، وإثارة البلبلة .. ولكن تنقل لنا كتب التاريخ كثيرا من المرافعات القضائية التي شهدتها هذه الفترة، وبعضها كانت تجري بين يدي الخليفة، ويسجل المتهم نصر على القاضي ابن أبي دؤاد.. ولقد كانت هذه المرافعات هي السبب في تغيير توجه الخلفاء العباسيين، ولا سيما الواثق والمتوكل.. 

– قصة مقتل الحلاج، تروي كتب التاريخ كثيرا من المحاكمات التي جرت للحلاج قبل قتله، فلم يتهم مباشرة، ولكن تمت إدانته من خلال المحاكمات القضائية أمام الوزير الحامد بن العباس. ومن أراد الاطلاع على بعض تلك المحاكمات فليرجع للكامل لابن الأثير. 

– بل من أغرب الأقضية التي تبين حرية التعبير عن الرأي، ما يرويه ابن كثير في تاريخه من إحضار رجل من العامة اسمه: حسن الخياط ومناظرته أمام القاضي المالكي في قوله أن فرعون مؤمن. ونوظر حتى عاد عن قوله.

ولذلك نجد مستشرقا منصفا مثل غوستاف لوبون يقول في كتابه “حضارة العرب”: (إن فلاسفة العرب والمسلمين هم أول من علم العالم كيف تتفق حرية الفكر مع استقامة الدين)(11).

وفي حرية الاعتقاد تقرر المبدأ الإلهي (لا إكراه في الدين)، وعليه سار المسلمون فلم يحدث أن أكرهوا أحدا على اعتقاد معين. وكان المسلمون يحترمون حق الغير في اعتقاد ما يشاء وأن يعمل وفقا لعقيدته، ولذلك حمت حقوق المسيحيين واليهود ومقار عبادتهم، وفي المقابل فتحت باب النقاش والجدال بالتي هي أحسن. لا الجدال العبثي المسيء، بما يؤكد حرية التفكير واحترام التعبير.

الإسلامية من الصلاحية إلى الضرورة ج5 3 الشريعة الإسلامية من الصلاحية إلى الضرورة (ج5)

• القضاء على مشكلة الفقر

تناولنا فيما سبق كيف عالج الإسلام مشكلة الفقر، وحين اتبع المسلمون معالجة الشريعة وحلولها، حققوا فعلا معادلة (صفر فقر) في بعض الفترات التاريخية، ومن أمثلة ذلك ما يروون عن عمر بن عبد العزيز أنه لم يعد في زمنه من يستحق الصدقة، وقد جاء ذلك مصداقا لقول النبي لعدي بن حاتم: (لئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله فلا يقبله).

وقبل ذلك في اليمن، يخبرنا القاسم بن سلام في كتاب الأموال أن معاذ بن جبل بعثه النبي إلى الجند، فبقي عليها في عهد أبي بكر، ثم في عهد عمر. ففي سنة من السنوات أرسل إلى عمر بثلث الصدقة، فأنكر عليه عمر، وقال: لم أبعثك جابيا، بل بعثتك لتأخذ المال من أغنيائهم فترده في فقرائهم. فقال معاذ: ما بعثت إليك شيئا وأنا أجد أحدا يأخذه مني. وفي العام التالي بعث معاذ بشطر الزكاة فتراجعا بمثل ذلك، وفي العام الثالث بعث الزكاة كلها فلما تراجعا، قال معاذ: ما وجدت أحدا يأخذ مني شيئا.

وإذا تحقق ذلك في زمن ما، فمن الممكن أن يتحقق في أزمان أخرى، فهي تجربة قابلة للتطبيق.

• نظام المواطنة

في بحث بعنوان “نظام المواطنة في الإسلام ومنجزاته للحضارة العربية”، للدكتور إبراهيم العدوي، عميد كلية دار العلوم بجامعة القاهرة(12). تحدث فيه أولا عن نظام المواطنة من خلال القرآن وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، ومما ذكره:

– الإسلام لم يأت لخدمة الحاكم، او طبقة معينة، كما هو الحال في الحضارات القديمة. 

– أقر نظام (جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا).. وأكد العدالة الاجتماعية، وألغى الامتيازات الطبقية القائمة على الانساب والقبلية والعرقية وغيرها. 

– صحيفة المدينة أقرت أسس المواطنة للمسلمين وغيرهم.، وجعلت أساس المواطنة هو الهجرة ونصرة الإسلام بدلا من العرقية أو الجغرافية. 

– بعد فتح مكة، لم تعد الهجرة هي أساس المواطنة، فمكة ومعظم الجزيرة العربية تحت دولة الإسلام، لذلك تم تعديل نظام الصحيفة. وكان أول تعديل: 

o السماح لليهود وغيرهم من أهل الأديان بالحصول على حق المواطنة، لا عن طريق العهود كما في الصحيفة، بل عن طريق دفع الجزية (الضريبة). 

o غير أهل الكتاب من مشركي العرب، كان لزاما عليه الدخول في الإسلام للحصول على حقوق المواطنة، فلا مكان للوثنية في جزيرة العرب. 

o تشجيع الناس على كشف العناصر المنافقة التي تهدف للإضرار بالدولة وأمن المجتمع. وهم ممن أسلم بلسانه لا بقلبه… ولكن العبرة بسلوكه داخل المجتمع. 

o أذاع هذه التعديلات علي بن أبي طالب في العام التاسعن في حجة أبي بكر. 

– بعد وفاة الرسول، دخل كثير من الموالي وغير العرب الإسلام. فتوسعت حقوق المواطنة لهم، في مساواة لهم مع العرب دون تمييز عنصري. فقرر عمر بن الخطاب “نظام الموالي” لمنح المواطنة الكاملة للمسلمين من غير العرب. وتمت مساواتهم بالعرب في العطاء، ونعموا بحرية كاملة لم يكونوا يعرفونها من قبل. ثم إنهم تمكنوا من تكوين تنظيمات اجتماعية فيما بينهم صارت تقابل العشائر العربية. كما انتشر التزاوج المشترك بينهم. وظهر منهم القادة والعلماء والمسؤولون والولاة…منهم: موسى بن نصير، وسعيد بن جبير (ولاه الحجاج على العطاء)، وأسامة بن زيد (أشرف على خراج مصر)… 

– ومن بقي من البلدان المفتوحة على دينه، فهو من “أهل الذمة” له حق الحرية والحماية والأمن والعهد، ويدفع جزية مقابل إعفاء من واجباته في الدولة. وهي فقط على الذكور البالغين… وفي الوقت نفسه تمكنوا من ممارسة كافة الأعمال والمهام الاقتصادية والاجتماعية. بل وشاركوا في المهام السياسية والإدارية. وقد طور عمر (نظام أهل الذمة) وذلك بالتفاوت في مقدار الجزية بحسب القدرة، وهو نظام عادل، كما أنه كفل من لم يستطع من بيت المال. وسرعان ما امتزجوا مع العرب والمسلمين، وصاروا جزءا من الحضارة الإسلامية.

الهوامش:

  1. ج 13.
  2. فجر العلم الحديث، 67.
  3. فجر العلم الحديث، 101.
  4. فجر العلم الحديث، 101.
  5. القرضاوي في كتابه الاجتهاد، ص 61.
  6. انظر نماذج وأمثلة لذلك في: التشريع والقضاء في الفكر الإسلامي، د أحمد شلبي. وقد أفدت بعض ما ذكرته عن القضاء من: مؤسسة القضاء الإسلامية.. كافحت الطغيان وألهمت الغرب أنظمة العدالة، إبراهيم الدوّيري، ٢٠٢٢: https://aja.me/86b9m2 
  7.  الحكم الخفي والاحتلال غير المباشر: كيف تنهب فرنسا خيرات أفريقيا؟، عبد الحفيظ تهليل، 21 أغسطس 2021. https://tipyan.com/how-is-france-plundering-africa 
  8. شمس العرب تسطع على الغرب، 478. 
  9. الإسلام وأوضاعنا القانونية، ص 14.
  10. الإسلام وأوضاعنا القانونية، ص 62.
  11. نقلا عن: أثر العلماء المسلمين في الحضارة الأوروبية، أحمد الملّا، ص 117.
  12. منشور ضمن: بحوث في تاريخ الحضارة الإسلامية، ص 269.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى