تناولنا في المبحث السابق أصول الدين عند القاسم، وبينا منظوره للفئات الدينية المختلفة: المؤمن، الكفار، الفاسق، وبينا إلى أي مدى يمكن القول إن القاسم هو الذي رسخ الفكر الاعتزالي داخل الشيعية الزيدية. وفي هذا المبحث نتناول منظور القاسم للإمامة، وموقع كل من علي والحسنين، وأهلا لبيت في تراث القاسم.
الإمامة عند القاسم
1/ هل يرى الإمامة من الدين؟
خصص الإمام القاسم لمسألة “الإمامة” عدة رسائل، كلها منشورة في مجموع رسائله(1)، وهي: تثبيت الإمامة، والإمامة، وإمامة علي بن أبي طالب.
والسؤال: هل جعل القاسم الإمامة من أصول الدين، كما فعل حفيده الهادي؟
بتتبع أصول الدين عنده في مجموع رسائله، يتضح أنه غالباً يذكر الأصول السابقة، ولا ينص على أن الإمامة من أصول الدين، كما فعل الهادي بعد ذلك. وإن كانت تدخل بعمومها ضمن: الموالاة والمعاداة. وقد خص في إحدى رسائله مفهوم “الموالاة” بأنه “موالاة العترة”، وذلك بـ”إمامة سبطي الأئمة سيدي شباب أهل الجنة” ومن بعدهما “إثبات الدعوة وإيجاب البيعة لمن قام بالحق من ولديهما عليهما السلام، إذا كان عالما بالحق عاملا بأحكامه، داعيا إلى سبيل ربه، ناصرا لأهله”(2). ومن غير الغالب، ما جاء في رسالته أصول الدين(3)، فقد ذكر الإمامة على أنها من أصول الدين. كما أنه في رسالته عن الإمامة ومناقشة أهل السنة في “إمامة أبي بكر”، جادلهم بحجة أن “الإمامة من دين الله”(4). ولعله لم يكن أول الأمر متشددا إزاء هذه المسألة، ثم ثبت بعد ذلك على أن الإمامة من الدين، كبقية الفرائض.
❃❃❃
كما أنه في أحد ردوده، وقد سُئل عن الإسلام، فقال(5):
(شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله، والإقرار بما جاء من عند الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم شهر رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا، وولاية علي بن أبي طالب صلى الله عليه، والبراءة من عدوه، والعمل بما دل القرآن على حلاله وحرامه كما الإسلام والإيمان. ومن لم يعتقد بعد النبي صلى الله عليه وآله إمامة علي بن أبي طالب لم يقبل الله له صلاة ولا زكاة ولا حجا ولا صوما ولا شيئا من أعمال البر. ثم من بعده الحسن والحسين، ومن لم يؤمن بأن الإمام كان بعد النبي عليّ، كأن يؤمن بالنبي، والقرآن، والصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، لم ينفعه شيء من عمله إلا عجمي، أو صبي، أو امرأة، أو جاهل لم يقرأ القرآن، ولم يعلم العلم، فإن جملة الإسلام تكفيهم).
وفي هذا النص بيان واضح أن الإمامة من أصول الدين، وأن من لم يقر بولاية علي ثم الحسن والحسين فإن إسلامه غير مقبول، ولا ينفعه شيء من عمله. وهذا فيه طعن في إسلام الصحابة وغيرهم من المسلمين، وتلميح بين بتكفيرهم.
2/ الاصطفاء
أول مبدأ يرسخه، وهو “الاصطفاء والتفضيل”، وأن الله يبتلي خلقه باصطفاء من يشاء منهم، وتفضيل بعضهم على بعض.. ومن هذا: اصطفاؤهم وجعلهم من “أبناء المرسلين”، ومن عليهم بـ”ولادة رسله”، واختصهم بـ”صفوة تفضيل المفضلين”(6).
ويرى أن أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم هم “بيت الصفوة والطهارة والهدى والتقوى”؛ ولذلك جعل الله الإمامة فيهم ولا تصلح في غيرهم(7)…
ثاني أمر يقرره، وهو التمييز بين ثلاثة مصطفين(8): الرسل، والأوصياء، والأئمة. فالرسل يميزهم الله بمعجزات باهرة واضحة، والأوصياء تسميهم الرسل، وتخبرهم ببعض الغيوب والحوادث الكائنة لهم مستقبلاً، يقول: “فبانت الرسل صلوات الله عليهم، من الأوصياء بما جعل الله من هذه الدلائل لهم وفيهم، وبانت الأوصياء من الأئمة، بما خصها الله به من التسمية، وبما كان يعرف لها عند رسلها من المنزلة، وما كانت الرسل تنبئها به من أقوال التفضيلية، كنحو ما جاء في علي عليه السلام عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وما كان في أقواله المشهورة المعلومة فيه، كقوله : (من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه) […] مع ما يكون عند الأوصياء، من علم حوادث الأشياء…إلخ”.
3/ الإمام ليس بالاختيار ولا بالتسمية
يرفض القاسم مذهبين في الإمامة، الأول: مذهب الرافضة، والثاني: مذهب أهل السنة. فأنكر أن يكون تسمية الإمام – كما تدعيه الاثنا عشرية؛ لأن ذلك سيكون سببا لقتله، فيقول عن الإمامة أنها بالوصف لا التسمية: “إذ لا يمكن تقريبها بالتسمية، والدولة دولة الجبارين، مخوف فيها قتل الأبرّين”(9). ومن الواضح إن إنكار التسمية لمن جاء بعد علي والحسن والحسين، أما علي فسوف نرى أن مذهب الاقسم في حقيقة الأمر هو التسمية لا الوصف.
كما ينكر على أهل السنة قولهم إن الإمام باختيار الناس؛ لأن الاختيار لله لا للناس. فيقول(10): “اعلم هداك الله أن الإمامة إنما تثبت لمن ثبتت له بالله وحده، بما جعلها تجب به من كمال الكامل المطيق لها بالعلم غير الجاهل. فمن كان في العلم كاملا ولم يكن بما يحتاج فيه على الدين جاهلا؛ فإن على المسلمين العقد له والرضا به، لا يجوز لهم غير ذلك، ولا يسعهم إلا أن يكونوا كذلك”.
4/ فلمن تكون الإمامة إذن؟
وإذن فلمن تكون الإمامة عند القاسم؟
يرى القاسم أن الإمامة لا تكون إلا لمن خصه الله بأمرين: القرابة والحكمة، فالأول: قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم، والثاني اتصاف الإمام بـ”كمال الحكمة”، وحقيقة الحكمة: “درك حقائق الأحكام كلها”(11). وفي موطن آخر يبين حقيقة الإمامة بأربع خصال: “وحقيقة الإمامة؛ الأربع الخصال: القرابة من رسول الله صلى الله عليه، والعلم البارع، والزهد، والشجاعة”(12). فالإمامة عنده إذن مخصوصة بقرابة رسول الله من ولدي الحسن والحسين. وهو يرى أن القرآن الكريم يجعل الإمامة عبر تاريخ الأنبياء لأبنائهم.
ثم يقرر أن كل من اكتملت فيه الشروط فهو إمام، والشروط كما يقول: “من كان من العترة، فيه العلم، والجهاد، والعدل، وأداء الأمانات…إلخ”. كما يقرر أنه يحق لمن اكتملت فيه الشروط الخروج والدعوة لنفسه، حتى ولو كانوا أكثر من واحد. وهذا المبدأ هو الذي أسس لجواز خروج أكثر من إمام في وقت واحد، وهو مبدأ بليت به الأمة كثيرا(13).
وبالرغم من ذلك فإنه يقرر استحالة أن يوجد إمامان يتساويان في كل الخصال، حيث سئل: ” هل يجوز أن يختلف إمامان في عصر واحد؟”، فقال: “لا يكون هذا أبدا”، فقيل: وهل يجوز أن يتساويا في عصر في حكم واحد في كل الخصال، لا يفضل أحدهما صاحبه، فيستوجبان الإمامة؟ فقال القاسم: “هذا لا يكون أبدا، وفي بطلان هذا ما قال الله لا شريك له : (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) [يوسف : ٧٦]” (14).
ولو حدث ذلك؛ فإن العقد يكون لمن بدء به أولا، “فأما إذا استوت حالهما فكانت واحدة، فليس لأحد منهما اختيار ولا نظر، وأيهما قُدّم في العقد وجبت له الإمامة، ولو لم يكن العاقد له إلا واحدا؛ لأن العقد إنما يجب له بسبقه وكماله، وبما وصفنا من حاله”(15).
فهو يرى أن العقد يكون حتى ببيعة واحد؛ لأن المسألة لا تتوقف على رضا الناس، بل على أهلية الإمام نفسه، فلذلك لا أهمية لرضا الناس، بل الواجب عليهم أن يرضوا بالإمام، وإلا وقعوا في الإثم.
ولكن سيظل السؤال القائم: ماذا لو كان أحد الإمامين يرى نفسه أكمل وأفضل؟ وإذن لا يسلم للإمام الآخر بأنه يساويه، بل ربما لا يرى أنه يدانيه؛ فهذا يدعوه على إنكار إمامة الآخر، والدعوة لنفسه، ولو أدى إلى استعمال السيف مع الإمام الآخر. ومن ثم يكون معيار الكمال والأفضلية معيارا غير منضبط، ويفتح الباب للقتال بين الناس “المصطفين أنفسهم”، ويصبح الآخرون وقودا لهذا النزاع.
والقاسم يحمل الناس مسؤولية معرفة الإمام ومسؤولية نصرته، فقد سئل: كيف يعرف الإنسان إمامه كما في الحديث: “من مات ولم يعرف إمامه مات ميتة جاهلية”؟ فقال: “بنعوته وصفاته”(16). و”الواجب على الناس أن يطلبوه في معدنه”، وحين سئل: فأين معدنه؟ فقال: “آل الرسول، يكون أزهدهم وأعلمهم وأورعهم، ويبين نفسه بالدعوة إلى الحق”. ولكنه يرى أن فرض طاعة الإمام يجب حين يُعرّف الإمامُ الناسَ بنفسه(17).
5/ ما الذي يترتب على عدم وجود الإمام؟
ويترتب على عدم وجود الإمام عنده تعطل أحكام الدين(18)، كالجمع، والزكاة، فهذه الأحكام لا تقوم إلا بوجود الإمام. وقال(19): “لا جمعة مع أئمة الجور”. بل إن البيعة نفسها غير جائزة لمن لا يستحق الإمامة، ولا يجوز الغزو معه(20).
كما أنه يرى أن المسلم إذا صلى بصلاة إمام لا يقتدى به، أن ينوي داخل نفسه الصلاة منفردا؛ لأن هذا فعل الصالحين من آل محمد(21).
كما يجب على الناس حين لا يوجد فيهم إمام عادل أن يجاهدوا أئمة الجور(22): “فإذا كانت دار الإسلام قد علت عليها أئمة الجور، لزم أهل الإسلام مجاهدتهم وإزالتهم حتى يقيموا إماما عدلا، يؤمهم ويقيم أحكامهم عليهم، وينفذ مقاسم الفيء التي أمر الله بقسمها فيهم. فإن كان الغالب عليهم الجورة من الأئمة الظلمة، كان الفرض من الله فيهم المحاربة والمجاهدة”.
علي والحسنين
يقرر الإمام القاسم أن وصي الرسول هو علي بن أبي طالب، وهو ينص بوضوح على أنه سماه، وهذا يؤكد ما قلناه أن مؤسسي الزيدية يرون إمامة علي بالنص والتسمية، وليس بالوصف. بل إن مذهب القاسم أيضا على أن الحسن والحسين كذلك إمامان بالتسمية، أما ذريتهما من بعدهما فإمامة من يكون منهم بالوصف لا بالتسمية، خلافا للاثني عشرية في هذه النقطة، فهم يرون أن الإمامة في الذرية أيضا بالتسمية. وسبق أن أوردنا قول القاسم لماذا أنكر على الاثني عشرية تسمية الأئمة من الذرية: “إذ لا يمكن تقريبها بالتسمية، والدولة دولة الجبارين، مخوف فيها قتل الأبرّين”(23).
ويستدل القاسم على كون علي بن أبي طالب هو الوصي بأدلة عديدة، منها: تسمية النبي له(24)، وإخباره بعلم الحوادث التي ستقع، وإخباره بغيوب من العلم، وشجاعته وإقدامه وزهده بما ينفرد به عن من سواه، وسبقه بالإيمان، وتفرده في العلوم، ومعرفة أسرار القرآن، إضافة إلى تفسيره لآيات عديدة على أنها نزلت فيه [فكأنما خصه الله بالتسمية وصفا]، كقوله: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) [الواقعة : ١٠ ـ ١١]. ثم يقول(25): “وكفى بهذه الآية لو لم يكن معها غيرها، وبما بيّن عنه من وحي كتاب الله تنزيلها، على الوصي دليلا، وفي الدلالة عليه تنزيلا!! فكيف بكثير الدلائل عليه؟!”.
ويصرح بكون علي هو الإمام المفترض طاعته، فيقول: “فالإمام المفترض الطاعة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علي ابن أبي طالب رحمة الله عليه ورضوانه”(26).
ويستدل أيضا بأن عليا هو الذي شهد له الرسول بالطهارة، وكذلك زوجه وولداه الحسن والحسين، فهذا يجعل الإمامة فيهم(27). ثم يسوق أدلة على أن عليا هو ولي أمر المؤمنين بنص القرآن الكريم والسنة، ومن ثم فهو أولى الناس بمقام النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم يبين أن دلالة النبي صلى الله عليه وسلم على الحسن والحسين جاءت في نصوص عديدة، إضافة إلى أن لهما آية التطهير.. ثم يقول(28): “فدل عليهما بأعيانهما وأنسابهما وأفعالهما، إلا أن الحسن يتقدم الحسين بالسن، وهما جميعا في وقتهما (إمامان قاما أو قعدا)”… ففي هذا القول تصريح واضح من القاسم أن الحسن والحسين أئمة بالتسمية، وليس بالوصف (بأعيانهما وأنسابهما).
ثم يبين أن النبي دل على ذريتهما من بعدهما فقال(29): “ثم دل على أولادهما فقال: (إن تمسكتم بالكتاب وبهم لن تضلوا أبدا)”… “ودل على أبرار العترة الأتقياء المصطفين المطهرين بالنسب المصطفى الطاهر، والأعمال الطاهرة الزكية التي توافق الكتاب والسنة. فأكثرهم بالكتاب تمسكا أوجبهم على المسلمين حقا، والشريطة التي توجب لهم أن يستحقوا مقام الرسول، وأن يكونوا متبوعين غير تابعين، العلم، والجهاد، وأداء الأمانات إلى أهلها. فمن كان فيه هذه الخصال الأربع وجب على أهل بيته وعلى المسلمين اتباعه، ومعاونته على البر والتقوى”.
وهو يؤكد أن أهل بيته هم أهل الذكر، وهم ينبغي أن يكونوا متبوعين لا تابعين؛ لأنهم تبع للرسول صلى الله عليه وسلم(30).
كما يؤكد أن القول بإمامة الحسنين وذريتهما من بعده إنما هو فرض من الله يجب على المؤمن أن يعتقده، كما يعتقد ولاية علي: “فإذا فهم ولاية أمير المؤمنين عليه السلام واعتقدها، وقال في كل الأمور سرا وعلانية بها، وجب عليه التفضيل والاعتقاد، والقول بإمامة الحسن والحسين الإمامين الطاهرين، سبطي الرسول المفضلين، اللذين أشار إليهما الرسول، ودل عليهما، وافترض الله سبحانه حبهما، وحب من كان مثلهما في فعلهما من ذريتهما”.
أهل البيت
أهل البيت – عند القاسم – هم أهل الذكر، وهم معدن الإمامة، وهم البيت البشري الوحيد الذي لا تصلح الإمامة إلا فيه.
هم ورثة الكتاب، الذين جعلهم الله معدن علم ما خفي فيه من الأسباب. يقول هذا ردا على ابن المقفع، ويدعوه لسؤالهم(31). ويؤكد هذا المفهوم في موطن آخر: “ثم أورث الله تبارك وتعالى الكتاب أهل بيت الصفوة والطهارة، فقال: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ…) إلى قوله: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها) [فاطر: ٣٢ ـ ٣٣]”(32). وهو يسمي أهل بيت النبي: “أهل بيت الصفوة والطهارة”.
يطلق عليهم القاسم مصطلح: أهل البيت، وآل الرسول، وآل محمد. ولا نجد في تراث القاسم مصطلح “آل البيت”، وهذا يؤكد ما ذكرناه من قبل أن المصطلح يعود لفترة متأخرة.
ويصفهم بأنهم أهل الإيمان [في مقابل أهل السنة: أهل النفاق] (33)، كما يصف أهل البيت بأنهم أهل الحق [في مقابل أهل السنة الذين يكذبون على الله ورسوله] (34).
وهم حبل النجاة للأمة، كسفينة نوح، وهم معيار الحق والهدى والنور…يقول ضمن شرحه لحديث الثقلين(35): “ومن تمسك كما قال رسول الله بهما فلن يضل أبدا، لما جعل الله فيهما ومعهما من النور والهدى. وكتاب الله تبارك وتعالى [..] فهو أحدهما وفيه الشفاء والبرهان والنور، وأهل بيت رسول الله كلهم مجمعون؛ فمنهم عدل أبدا بمنّ الله لا يجور، فمن تمسك بالمتقين منهم لم يضل، ولم يجز عن الحق ولم يمل، وكيف يضل متبع من يعدل في اتباعه على عدله، وهو فيه كمثله. وحديث سفينة نوح من ذلك، وهي النجاة بها كذلك، ومثل أهل بيت النبي – كلهم، وفيما ذكر من التمسك بهم، – كمثلها في نجاة من نجا، وفيما ذكر من الضلالة والهدى”.
ويسمي المتقين منهم: “الأبرار”، وهؤلاء الأبرار هم المعدن الحقيقي لأهل البيت؛ فمنهم ولاة الأمر ومنهم العلماء، وينبغي طاعتهم. فهو يقول في تفسير قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء : ٥٩]: “وأبرار آل الرسول وعلماؤهم، [..] فولاة الأمر منهم، لما فضلهم الله به على غيرهم، من قرابة رسول الله، ومشاركتهم لأهل البر فيه”(36).
ويصف أهل البيت بالطيبين الأخيار، المطهرين الأطهار… فيدعو الناس حين يقول المؤذن: قد قامت الصلاة، أن يقولوا: “اللهم اهدنا للصواب من أعمالنا، ووفقنا لما يرضيك عنا، وصل على نبينا محمد، وعلى أهل بيته الطيبين الأخيار، الصادقين الأبرار، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا”(37).
وكل هذه الأوصاف هي حكر عليهم دون غيرهم من المسلمين.
وأختم بقول القاسم: “بلغنا عن الحسين بن علي أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما لمن زارنا؟ فقال: “من زارني حيا أو ميتا، أو زار أباك حيا أو ميتا، أو زار أخاك حيا أو ميتا، أو زارك حيا أو ميتا، كان حقيقا على الله أن يستنقذه يوم القيامة”(38). فهو يروي الحديث بالبلاغ، ولو كان سنده قويا لأضعفه هذا الانقطاع، ثم إن متن الحديث مما يتناقض مع محكمات القرآن الكريم والسنة النبوية؛ فنجاة الإنسان من النار لا تتوقف على زيارة قبر النبي فضلا عن قبر غيره من الناس، بل تتوقف على الإيمان والعمل الصالح. فمن الغلو كل الغلو أن يجعل من زيارة علي أو ابنيه معادلا للإيمان والعمل الصالح.
الهوامش:
- مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 2/ 131 – 223.
- مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 1/652. والنص كاملا: “إن سأل سائل فقال : ما مذهبك؟ فقل : أنا قاسمي المذهب في القول بالتوحيد والعدل، ونفي الجور والتشبيه عن الله، ورأي السيف في القريب والبعيد، إذا عاند بعد الإنذار والبيان، فاطمي المقال موالاة العترة والقول بإمامة سبطي الأئمة سيدي شباب أهل الجنة، وفي إثبات الدعوة وإيجاب البيعة لمن قام بالحق من ولديهما عليهما السلام، إذا كان عالما بالحق عاملا بأحكامه، داعيا إلى سبيل ربه، ناصرا لأهله، وعلوي السيرة في موالاة الأولياء ومنابذة الأعداء، والصبر على البلوى، والغمض على القذى، مع شهر السيف على من ينكث البيعة، ويحرف عن الدين، ويخرج عن إمام المسلمين، فهذا مذهبي وديني”.
- مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 1/653.
- مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 2/199.
- مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 2/ 656.
- مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 2/133، يقول: “والحمد لله رب العالمين، الذي جعلنا من أبناء المرسلين، الذين اختصهم بصفوة تفضيل المفضلين، ونستعين مبتدئ الخيرات، وولي كل حسنة من الحسنات، على واجب شكره، وكريم أثره، فيما ابتدأ به من فضله، وخص به من ولادة رسله”.
- مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 2/ 169.
- مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 2/147 – وما بعدها.
- مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 2/161.
- الروض الباسم في فقه الإمام القاسم، 2/68. وانظر أيضاً: مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 2/161.
- مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 2/ 156.
- مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 1/653.
- مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 2/216. يقول: “من كان من العترة، فيه العلم، والجهاد، والعدل، وأداء الأمانات، فإذا كملت هذه الشريطة في رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه، وهي أكمل الدرجات في كتاب الله، في رجل من أهل بيت الطهارة والصفوة، وجب على أهل بيته وعلى أهل الإسلام اتباعه وتقدمته، ومعاونته على البر والتقوى. فإن زعم زاعم أنه لا يصلح أن يكون الإمام إلا واحدا؛ فإن النبوة أعظم قدرا عند الله من الإمام، قال الله تعالى : (إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ) [يس : ١٤]، وقال لموسى وهارون : (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ) [طه : ٤٣]، وكان إبراهيم وإسماعيل ولوط في زمن واحد يدعون إلى الله، فإذا استقام أن يكون الداعي إلى الله من الرسل في زمن واحد اثنين وثلاثة، فذلك فيما دون النبوة أجوز”.
- مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 2/638. وانظر أيضاً: 2/640، وفيه: ” أما الإمامان فلا يخلوان من أن يكون أحدهما أفضل من الآخر، فيكون المفضول بفضل الآخر عليه قد زالت إمامته، ويلزمه تقديم الفاضل في الدين والعلم وطاعته، وذلك أن الله يقول في كتابه : (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) [يوسف : ٧٦]”.
- مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 2/638.
- الروض الباسم في فقه الإمام القاسم، 2/55.
- مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 2/638.
- مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 2/165. وانظر المجموع أيضا 2/633، وفيه: (ليس على أحد في ماله من عين أو أرض أو عقار، إلا ما فرض الله عليه من الزكاة من الفرض، ولا يعمل حتى يقوم إمام عدل فيدفعها إليه، أو يتحرى صاحبها أهلها فيدفع إليهم الزكاة).
- الروض الباسم في فقه الإمام القاسم، 1/299.
- مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 2/638. وفيه: (وسألته : عن البيعة؟ فقال : لا تجوز البيعة إلا لإمام قد بان بعلمه وفضله وثباته، وقال لا يجوز الغزو مع من ظلم وتعدى، لأن الغازي معه عون من أعوانه، على ما هو عليه من إفساده وعمايته).
- مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 2/629. والنص كاملا: وسألته: عن رجل صلى خلف إمام مخالف، أيقتدي بصلاته أم كيف يصنع؟ قال: من صلى مع إمام لا يقتدى به لم يصل بصلاته، وصلى صلاته لنفسه، وكذلك كان يفعل الصالحون من آل محمد؛ لأن المصلي إنما يصلي صلاته على عقدة ونية وعلى مهله، فإن صلى الصلاة بغير ذلك لم يكن له صلاة، قال النبي: (لا يؤمن فاجر برا، ولا أعرابي مهاجرا).
- مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 2/639.
- مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 2/161.
- وفي موضع آخر يقول إن الوصية بإشارة كافية، فقد سئل: عن إمامة أمير المؤمنين أكان من الرسول إليه وصية، أم قال : أنت الإمام بعدي، أم كيف؟ فقال : “دلالة من الرسول وإشارة عليه كانت منه إليه كافية مغنية”. [مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 2/563].
- مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 2/ 155.
- مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 2/ 169.
- مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 2/ 173. يقول: “فليس أحد من أهل بيت الطهارة والصفوة يشهد له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه خرج من لدن آدم عليه السلام من ظَهْر إلا وهو لنسبه الطاهر، حتى انتهت الطهارة في المولد إلى عبد الله وأبي طالب، لأن أمهما كانت واحدة، ثم شهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي بالطهارة، والحسن والحسين وفاطمة، حيث أردف عليهم الكساء. ثم قال : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) [الأحزاب : ٣٣]”…
- مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 2/ 192. في الأصل [فدل عليهما بأعيانهما وأنساهما وأفعالها]، وهو خطأ مطبعي ظاهر.
- مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 2/ 192.
- مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 2/ 185. يقول: “فأهل بيته المصطفون الطاهرون العلماء هم الذين أوجب الله سبحانه أن يُسألوا، وأن يكونوا متبوعين غير تابعين، لأن الله يقول في كتابه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) [الحجرات : ١]، وقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (٢)) [الحجرات : ٢]. وقال تبارك وتعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ) [النساء : ٦٥] (١) وقال : (اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) [الأعراف : ٣]، وقال : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٧)) [الحشر : ٧]. وقال رسول الله صلّى الله عليه : (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ألا إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، ألا وإنهما الخليفتان من بعدي)”.
- مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 1/ 371.
- مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 2/ 174.
- مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 1/ 587.
- مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 1/ 616.
- مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 2/569.
- مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 2/611. والنص كاملا: “سئل القاسم عن قوله سبحانه: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء : ٥٩]، فقال : “أولو الأمر أمراء السرايا، وعلماء القبائل، وحلماء العشائر، والحكماء الذين يأمرون بالمعروف والهدى، وينهون عن الردى، لما أمروا بما أمر به رب العالمين. وأبرار آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعلماؤهم، وهم فولاة الأمر منهم، لما فضلهم الله به على غيرهم، من قرابة رسول الله، ومشاركتهم لأهل البر فيه، فلهم من القرابة ما ليس لغيرهم، وهم شركاء الأبرار في برهم”.
- الروض الباسم في فقه الإمام القاسم، 1/201.
- الروض الباسم في فقه الإمام القاسم، 1/377.