فكر

بناء النظام الفكري للشيعة: القاسم الرسي

موقف القاسم من الرافضة (ج5)

نصل إلى الجزء الأخير من دراستنا عن الهوية والآخر عند القاسم، ونتناول في هذا الجزء موقف القاسم من الرافضة، بوصفهم “الآخر الشيعي”.

خصص الإمام القاسم عدة رسائل في الجدال مع الرافضة، منها: رسالة الرد على الرافضة، ورسالة الرد على الروافض من أهل الغلو. وكما ذكرت من قبل أن الرافضة يمثلون الآخ الشيعي، فهم الآخر؛ لأنهم رفضوا إمامة زيد بن علي، ويبنون رأيهم على التسمية، فيجعلونها بعد زين العابدين في ابنه محمد الباقر، ثم ابنه جعفر الصادق. وبذلك يخرجون زيد بن علي من الأئمة.

في رسالة الرد على الروافض من أهل الغلو (1)، يناقش الروافض فيما ذهبوا إليه من مذاهب بشأن الإمامة. وهو بداية يرى أن الشيعة قسمان: الروافض والزيدية، والروافض نحو 12 فرقة كلهم في النار. يقول: “افترق من ادعى التشيع على ثلاثة عشر صنفا، منهم اثنا عشر في النار، وهم الروافض”(2). فذكر من روافض النار: السحابية، والكيسانية، والموصية (ويقصد بهم الجعفرية، أو الاثنا عشرية) وسماهم الروافض، وأشار إلى “الإسماعيلية” ولم يسمهم بل سماهم “المباركية”؛ مما يدل على أن مصطلحي: الاثناعشرية والإسماعيلية لم تكن ثبتت حينئذ.

والقاسم ينكر على الرافضة دعواهم أن “الإمامة وراثة يرثها ابن عن أب”(3)؛ فرد عليهم أنه يلزم من قولهم أن الابن أولى بأبيه، وعليه فـ”الحسن بن الحسن أولى بأبيه من عمه الحسين”…. إلخ.

ثم يبين رأيه في أن الإمامة تنتقل بالخيرية وليس بالوراثة (4): “فالإمامة لا تكون إلا لخير أهل الأرض، يستبين للناس فضله وزهده وعلمه، وإنما الإمامة نقلة وصفوة وخيرة، ولم تزل كذلك من لدن آدم، تنقل من صفوة إلى صفوة”.

ثم بين مفهوم الصفوة الذي يكون للإمام (5): “وإنما الصفوة لا تكون إلا في أخير أهل زمانه، وأكثرهم اجتهادا، وأكثرهم تعبدا، وأطوعهم لله، وأعرفهم بحلال الله وحرامه، وأقومهم بحق الله، وأزهدهم في الدنيا، وأرغبهم في الآخرة، وأشوقهم للقاء الله. فهذه صفة الإمام. فمن استبان منه هذه الخصال فقد وجبت طاعته على الخلائق”.

ثم أنكر عليهم مبدأ “التقية”(6)  والقول بـ”الحجة الغائبة؛ ذلك أن الإمام لا بد له أن يظهر الحق، ولو عُذب أو قُتل، فمن واجبه الصبر والتضحية، وإذا لم يقم الإمام بحق الله فمن سيقوم به إذن؟ وكيف يمارس الإمام التقية فيخدع الناس، أو يتركهم يقعون في الضلال؟! وكيف يكون حجة وقد حجب نفسه عن الناس؟! وكيف سيحتج عليهم أمام الله: “أبما دعاهم فعصوه؟ أم بما بيّن لهم فخالفوه؟ أو بما حجبهم نفسه فجهلوه؟ فكيف تثبت له عليهم حجة، ولم تبلغهم حججه، ولم يعرفوا اسمه، ولم يعرّف بنفسه”. ثم يؤكد أن الإمام لا يكون حجة إلا إذا كان داعيا إلى الله مجتهدا، في حين أن الغائب الذي يمارس التقية قد رغب في الدنيا، وخاف من الموت. فكيف يكون إماما؟!

كما اتهمهم بشرب الخمور، والزنا واللواط، وأخذ أموال الناس، وظلم العباد، والمسير بغير أمر الله، والقتل (7)… ثم جادلهم في أن هذه الخصال تستوجب من إمامهم الغائب المزعوم أن يبغضهم وألا يتولاهم.

ثم يؤكد كفرهم بقوله مخاطبا لهم (8): “فقد أجمع أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وعليهم وسلم، وعلماؤهم، بأنكم على غير طريقة الإسلام”.

ويوضح مذهبه في الإمام الحق (9) الذي “يأخذ على يد الظالم، وينصر المظلوم،… من أتاه من مسترشد أرشده، ومن أتاه متعلما علّمه، يدعو الناس مجتهدا إلى طاعة الله، ويبصّرهم عيوب ما فيه غيهم، ويرغّبهم فيما عند الله، لا يحتجب عن من طلبه، فهو من نفسه في تعب من شدة الاجتهاد”…

ثم يقرر أن كتاب الله شاهد لهذا الإمام الحق، فيقول: “كتاب الله شاهد له ومصدق له، وفعله مصدق لدعواه، وشواهده في كتاب الله، والدليل عليه كتاب الله، يقول الله تبارك وتعالى لنبيه صلى‌الله‌عليه ‌وآله : (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) [يوسف : ١٠٨] من الدعاة من أهل بيتي”.

فيحصر الإمامَ في أهل بيت النبي، مفسرا الآية فيهم. ويبين أن الإمام لا بد أن يجهر بدعوته غير مكتتم بها. ثم يبين أن هذه الصفات قد انطبقت في “زيد بن علي” بعد السابقين من أهل البيت.. “فهل شك أحد من خلق الله في زيد بن علي؟ ومن قام مقامه من أهل بيت نبيه، ومن مضى من أهل بيته من الأئمة، أنهم أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، وجاهدوا في الله حق جهاده، علانية غير سر”.

❃❃❃

كما أن القاسم في رسالته الرد على الرافضة (10)، يرد على زعمهم أنه لم يكن هناك قرن من القرون، ولا أمة خلت، إلا وفيها وصي نبي، أو وصي وصي، حجة لله قائمة عليهم. والإمام القاسم ينكر ما تذهب إليه الرافضة في هذه المسألة، لأنه يلزم منه القول بعدم الحاجة إلى الرسل، وهذا يخالف القرآن الكريم الذي يبين أن الله كان يبعث رسله لهداية الناس، وتقويم اعوجاجهم، وردهم إلى ربهم، كما يلزم منه إنكار رسالة محمد صلى الله عليه وسلم؛ وهذا كفر. ويرى القاسم أن مقولة الرافضة إنما هي مستمدة من البراهمة الذين زعموا أنهم يكتفون برسالة آدم، الذي أوصى بالنبوة لشيث، وهكذا تسلسل الأوصياء.

كما أنكر القاسم على الرافضة دعواهم (11) أن “الإمام يخلق عالما، وأنه يعلم الغيب..” فـ”هذه صفات رب العالمين”، و”النبي لم يولد عالما”. كما أنكر عليهم دعواهم أن “القرآن لا ينظر أحد في تأويله ولا يحتج به إلا الأئمة”(12)؛ متسائلا: ما فائدة قراءة الناس وتدبرهم وتعلمهم للقرآن؟! وكيف يأمر الله الناس بتدبر القرآن الكريم؟.

❃❃❃

ومن خلال هذا النقاش يتبين شدة هجومه على الرافضة، ويدور هجومه على إنكارهم إمامة زيد بن علي، ودعواهم أن إمامهم غائب مستتر، فهو يرفض مبدأ التقية والحجة الغائب، الذي أقاموا عليه دعواهم، ويجادل بأن الإمام لا بد أن يكون ظاهرا مجاهرا بدعوته، وأن هذه الصفات تمثلت في زيد بن علي بعد السابقين من أهل بيته.

الهوامش:

  1. مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 1/ 533 – وما بعدها.
  2. مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 1/ 533.
  3. مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 1/ 547.
  4. مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 1/552.
  5. مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 1/554.
  6. مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 1/554 – وما بعدها.
  7. مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 1/561.
  8. مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 1/564.
  9. مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 1/578.
  10. مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 1/ 513 – وما بعدها.
  11. مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 1/ 540.
  12. مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 1/ 543.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى