Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
فكر

تأسيس الهوية وصورة الآخر عند الإمام الهادي (ج2)

"الصحابة" هم الآخر المطلق

تناولنا في المقال السابق تحديد الآخر عند الإمام الهادي من خلال ثلاثة سياقات: سياق الهوية، والسياق الأيديولوجي، والسياق الاجتماعي. كما تناولنا مفهوم الإمامة عند الإمام الهادي بوصفه الجذر المؤسس لمفهوم الذات/الآخر في تراث الإمام الهادي، وما يترتب على ذلك من صورة الذات. وفي مقال اليوم نتناول صورة الآخر المطلق، الذين هم الصحابة.

فيما يلي عرض لصورة الصحابة لدى الإمام الهادي، وسنعرض ثلاث صور لهم: الصورة الدينية، والصورة السلوكية، والصورة العلمية. ثم نبين الصورة السلبية للصحابة بشكل عام(1) .

الصورة الدينية للصحابة:

“الصحابة” بالنسبة للهادي هم أول من أعاق تحقق العقيدة لدى المسلمين، ففي عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانت أركان العقيدة تتمثل في التوحيد والنبوة – على الأقل من الناحية التطبيقية، وبعد موته، كان ينبغي أن يتحقق الركن الثالث المتمثل في الإمامة، إلا أن الصحابة حالوا دون ذلك. ولذلك فهم أول من اصطدم بالعقيدة. هذه خلاصة مذهب الهادي تجاه الصحابة.

ذكرنا من قبل أن الهادي يرى ضلال وعصيان من لم يعتقد بإمامة علي، أو من لم يمكنه من القيام بالإمامة، بل وصل به الأمر إلى رمي من رفض الإمامة بمخالفة الكتاب، والوقوع في الكفر، واستحقاق عذاب الله. فإلى أي مدى يتحقق هذا الموقف تجاه الصحابة؟

أولا: يشير إلى أن الصحابة فرطوا في القرآن، وأنهم بموت الرسول ظهرت ضغائنهم عليه وعلى أهل بيته(2). كما أنه يكفر أبا بكر وعمر ليس بلسانه ولكن بلسان عمر، حيث اتهم الهادي عمر بن الخطاب أنه أوجب على نفسه وعلى أبي بكر الكفر بالله والقتل(3). وذلك لأن عمر – بحسب ما ينقله الهادي – قال: (إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها، فمن عاد لمثلها فاقتلوه)، ثم يعقب على ذلك بأن (القتل لا يجب إلا على أحد ثلاثة: كافر بعد إيمان، أو زان بعد إحصان، أو قاتل النفس المحرمة)، ثم يقول: (ولم يكن في هذا الفعل [أي بيعة أبي بكر] شيء من الخصلتين الأخيرتين، وإنما أوجب القتل على من كانت بيعته مثل بيعة أبي بكر؛ لأنه عنده قد كفر وخرج من الإسلام بفعله)، وهو يقصد أن عمر يرى أن بيعة أيٍّ كان إذا كانت مثل بيعة أبي بكر ففاعلها يستحق القتل، ولأن القتل لا يجب إلا على ثلاثة، وليس في البيعة زنى أو قتلا، فيكون سبب ذلك: الكفر. ثم قال: (فأوجب بهذا الفعل على نفسه وعلى صاحبه الكفر بالله والقتل).

بل يصرح بكفر أبي بكر(4)، فيقول إن أبا بكر أقام نفسه مقام النبي، وحرم أهله من وراثته: (فكان أول ما نقض أبو بكر ما أسند إليه مما فعل بمحمد وأهل بيته.. ولا يحل لأحد من المسلمين أن يحكم بغير ما في كتاب الله وبما صح من سنة رسوله، فمن تعدى ذلك إلى غيره فمخطئ جاهل ضال، ومن تركه وهو يعلم أنه الحق العمل به، مستخفا به مطروحا عنده، فكافر ملعون. فكان الذي كان من أبي بكر طرحا لما في كتاب الله، وحكما بغيره…). فهذا النص تصريح بيّن بكفر أبي بكر؛ لأنه اطرح ما في كتاب الله وحكم بغيره.

كما أنه اتهم أبا بكر بالتلاعب بالدين والمسلمين، ووصفه بالضلالة والعمى، وزعم أنه رفض شهادة علي والحسن والحسين حين أتت بهم فاطمة ليشهدوا بحقها، واتهمهم بأنهم يجرون المال لأنفسهم، يقول الهادي: (وإنما يجر المال إلى نفسه من شهد بمثل شهادته) (5).

الهوية وصورة الآخر عند الإمام الهادي 6 تأسيس الهوية وصورة الآخر عند الإمام الهادي (ج2)

الصورة السلوكية للصحابة:

حين تحدث الإمام الهادي عن بيعة أبي بكر، صور أبا بكر بالرجل الضعيف؛ حيث زعم أن بعض الصحابة عنفوا أبا بكر لأنه أخذ الأمر من أهل بيت النبي، فمكث في بيته حتى أتاه عمر وسعد وطلحة وابن عوف حاملين السلاح وأخرجوه تحت حمايتهم(6). ثم يتهم أبا بكر وعمر وأبا عبيدة أنهم كانوا يضربون الناس من أجل البيعة(7).

كما يتهم الأوس أنهم بادروا إلى بيعة أبي بكر حسدا للخزرج، ولسعد بن عبادة، وحتى لا يبقى الأوس سُوقة لو تولى الخزرج الإمارة(8).

ويتهم عائشة أنها هي التي أمرت أبا بكر ليصلي بالناس(9). وفي هذا تبطين لاتهامها بالكذب على النبي. بل إنه يتهم أبا بكر بالكذب(10) على النبي في حديث (إنا معشر الأنبياء لا نورث)، كما يتهم عائشة وعمر وغيرهم تواطأهم على الكذب في رواية هذا الحديث عن أبي بكر… ويقول عنهم: (تبت وترِحت أيدي قوم رفضوا الكتاب وقبلوا ضده).. ويقول عنهم: (فويل لمن توهم على رسول الله بنقض ما جاء محكما عن الله).

يتهم الهادي الصحابة بالظلم والجور، ولذلك يلعن أبا بكر وعمر ومن تبعهم، فيقول(11): (ولكنهم أغضوا على ما علموا بغضا لله ولرسوله وأهل بيته، وتحاملا عليهم.. ثم إن أبا بكر عدا على هذا الذي أخذ من أيدي أصحابه بما ذكر، فوقفه على نفسه وأولاده وأولاد أولاده، وأصحابه وأولادهم.. وترك أهله جياعا ضارعين، يتداول ذلك الظالمون، ظالما بعد ظلم [هكذا]، عليهم لعنة الله من يومهم ذلك إلى يومنا هذا…). فهو يتهم أبا بكر وأصحابه بالظلم، وأنهم أخذوا مال رسول الله لأنفسهم، وحرموا أهله من حقهم، ولذلك استحقوا اللعن…

وبذلك يتهم أبا بكر ومن معه أنهم أول مال اغتصبوه مال الرسول، وأول حرمة انتهكوها حرمة الرسول، وأنهم آذوا الرسول، وروعوا أهله، واستخفوا بحقهم(12)..

كما اتهم أبا بكر بأنه غير وحرف الدين لمصلحته، حيث يزعم أنه طلب من فاطمة الشهود على أن فدكا لها، في حين أن المال بيدها، ولم يطلب من نفسه ولا من أصحابه شهودا على ميراث محمد حين قبضه، وحازه عن أصحابه. ثم يقول(13): (فيا للعجب! من قبضه ما ليس بيده ولا له، بلا شهود ولا بينة، وطلبه الشهود والبينة من فاطمة على ما هو بيدها ولها، وقد أجمعت الأمة على أن من كان بيده شيء فهو أحق به، حتى يستحق بالبينة العادلة، فقلب أبو بكر الحجة عليها فيما كان في يدها..). كما يتهمه أنه كان الخصم والمدعي والقاضي؛ ولذلك وضع الحديث لمصلحته. ثم يتساءل متعجباً: كيف لا يعرف علي وفاطمة والحسن والحسين ذلك، وعلمه أبو بكر!!

وحين تحدث عن موت أبي بكر استخدم الفعل “هلك” (ثم هلك أبو بكر)(14)، وفي هذا الفعل ما فيه من التشفي بموت أبي بكر، والنظرة إليه على أنه مخالف أراح الله الأمة منه.

ويتهم عمر بأنه واقع في إحدى خصلتين(15): إما أنه أجهل خلق الله وأعماهم قلبا وأسخفهم دينا، وإما أنه منافق يداهن في دين الله، ويرضي أبا بكر على حساب دينه، (فليس لعمر في الإسلام حظ إذا كان رضى أبي بكر أحب إليه من رضى الله)… كما اتهم عمر بأنه يستحل الدم، حين قال (عن الستة إن اختلفوا فاقتلوا…). ويتهم عمر بمخالفة النبي في جعل الأمر في ستة، ولم يترك الأمر للأمة.

كما يلمح إلى أن عثمان كان راغبا في تعطيل حدود الله، فيذكر قصة إقامة حد الخمر على الوليد بن عقبة، يقول(16): (وذلك أنهم رووا أن عثمان قال: من أحب أن يقيم عليه الحد فليقم، فأما أنا فلا آمر به. فقال علي: والله لا يُعطل لله حد وأنا في الإسلام) … فالرواية تجعل عليا هو الحريص على إقامة الحد ورفض تعطيله، في مقابل عثمان الذي تخلى عن إقامة الحد.

كما يتهم عائشة – على لسان علي، وهو من ذلك براء – أنها أعظم الناس جرما، ويسوق رواية يوم الجمل، وجدال علي مع الراغبين في سبي أهل الجمل، فقال لهم علي(17): (فأيكم يأخذ عائشة في سهمه؟ فالوا كلهم: لا أينا. فقال: فكيف ذلك وهي أعظم الناس جرما؟!…).

فالخلاصة أن الصورة السلوكية للصحابة تتمثل في كونهم مجموعة من المجرمين، الظلمة، الجائرين، المنافقين.

الهوية وصورة الآخر عند الإمام الهادي 7 تأسيس الهوية وصورة الآخر عند الإمام الهادي (ج2)

بيعة أبي بكر وعمر:

في رسالته “تثبيت الإمامة”(18) تحدث عن موقفه من بيعة أبي بكر، ثم عمر، ثم عثمان – رضي الله عنهم. وقد ذكرت نتفا من حديثه في الفقرات المتقدمة. ولكن خلاصة موقفه من بيعة الثلاثة أنها مطعون فيها. وخلاصة موقفه أن الصحابة بعد الرسول كان عليهم أن يلتزموا بالكتاب والسنة ويبايعوا عليا، إلا أن بيعتهم لأبي بكر كان مناقضا للكتاب، وجمعوا مع مناقضة الكتاب إظهار ضغائنهم على الرسول وأهل بيته. ثم ينقض حجج من احتج بشرعية إمامة أبي بكر، سواء حججهم من السنة (أن الرسول جعله إماما) مدعيا أن عائشة من فعلت ذلك وغضب الرسول من فعلها، أو حججهم في القول إن الأمة أجمعت على أبي بكر، منكرا الإجماع، مدعيا أن من بايعه إنما كان قلة من أهل المدينة، وأجبر عمر وأبو عبيدة الناس على بيعته، وبايعته الأوس حسدا للخزرج، وأن المبايعين حموه بأسلحتهم وفرضوه على الناس فرضا.. ثم يقول إن أبا بكر أساء السيرة في عشيرة النبي، وبلغ أذاه النبي نفسه، وتلاعب بالدين والمسلمين.

وأما خلافة عمر، فيقول إن أبا بكر هو الذي فرضه على الناس، وأجلسه مجلسه، مخالفا ما يزعمه أهل السنة من دعواهم أن على الناس أن يختاروا إمامهم، ولكن أبا بكر اختار عمر، ووقف معه أصحابه فـ(أحلوا ما حرموا، وتركوا ما أحلوا، وشهدوا على أنفسهم جميعا بالخطأ والضلالة، والخلاف لرسول الله، فأفسدوا بفعلهم عقدهم الذي عقدوا، وأصلهم الذي أصلوا، واستغنى من خالفهم عن الطعن عليهم بطعنهم على أنفسهم). فهو إذن يرى أن العقد لعمر فاسد من أصله. ثم إنه تحدث عن سيرة عمر ومخالفته في أفعاله لأبي بكر، وقد أشرنا لذلك. ومن ثم فيتوصل إلى أن عمر رأى أن أبا بكر كان جاهلا مخطئا، فسكوت عمر في خلافة أبي بكر إما يدل على جهله أو على نفاقه.

وأما خلافة عثمان، فيقول الهادي إن عمر حين حضرته الوفاة رأى أن فعل الرسول في ترك الأمة تختار إمامها كان خاطئا، وأن فعل أبي بكر باختياره كان خاطئا، فترك فعلهما وقام باختيار ستة، وزكاهم ومدحهم، ولكن قال بقتلهم إذا لم يتفقوا؛ فاستحل دماءهم. ثم يقول: (فيا لله العجب! ما أكثر العمى والتخليط! وأبين فضيحة القوم عند من عرف وأنصف).

فهذه خلاصة موقفه من بيعة الخلفاء الثلاثة…

الصورة العلمية للصحابة:

إذا تفحصنا الصورة العلمية للصحابة عند الإمام الهادي، فسنخرج بنتيجة مفادها أنه لا إسهامات لهم علمية، لا يوجد أحد منهم يستحق أن يكون مرجعا علميا. وهذه النتيجة كرسها سلوك الهادي في مختلف كتبه، فإذا نظرنا مثلا في كتابه (الأحكام في الحلال والحرام، مجلدان)، للبحث عن الصورة العلمية للصحابة، فنلحظ ما يلي:

– حين يستدل بحديث نبوي، فإنه يرفعه مباشرة إلى النبي، ويسقط الصحابي، فيقول: (بلغنا عن النبي، أو: روي عن النبي)، إلا إذا كان مرويا عن علي بن أبي طالب، فإنه يذكره. وهذا في مواطن كثيرة من كتابه، فيرسخ لدى المتلقي أن الصحابة كلهم بلا علم باستثناء علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين. 

– بل إنه إذا اضطر إلى ذكر الصحابي، فإنه يذكره مجهولا، يقول: مثلا: رجل. كما فعل حين كنى عن عمر(19) (وروي عن رسول الله أن رجلا سأله عن الكلالة..). وفي موضع آخر يستخدم مع الصحابة المشهورين لفظ (يُقال)، وكأنه رجل نكرة!! فقال: (بلغنا أن رجلا من أصحاب رسول الله يقال له: جابر(20))!! ثم يذكر قصة جابر المشهورة في الخندق. 

– يذكر اسم الصحابي حين ينتقد الرواية أو يضعفها، مثلا(21): (وقد روي عن النبي: “لا تحرم المصة والمصتان” رواه ابن الزبير، وذلك لا يصح عندنا، ولا يجوز عليه؛ ولا يقول ما يخالف كتاب الله، وهذا ممن رواه فباطل محال). ومن ذلك حديث زوجة أبي حذيفة(22)، في إرضاع سالم، ثم قال (فهذا مما لا يصح عندنا عنه، ولا نراه، وليس ذلك عندنا بشيء). 

– يذكر اسم الصحابي حين يظهر جهله وسفهه، ولا سيما عند موازنته بعلي. فمثلا قصة عمر وعلي(23)، حين أمر عمر برجم امرأة، فرد ذلك عليه علي حتى تضع، ويظهر من الحوار جهالة عمر جهلا أقرب ما يكون إلى الحمق والسفه؛ لأنه بنى تصرفاته على جهالة، وفي آخر الحوار يقول عمر (لولا علي لهلك عمر). وكذلك يذكر قصة عمر في حد قدامة بن مظعون، وهي قصة طويلة تبين جهالة عمر، وإثم ابنه عبد الله في دفاعه عن شارب خمر لقرابته، وجهل عمر في الرد على حجة شارب الخمر، وفزعه إلى علي…إلخ(24).

فهذه الصورة العلمية للصحابة عند الهادي: تغييب تام لهم من مواطن الاستشهاد والاجتهاد، وذكرهم فقط حيث ينتقد أو يضعف أو يظهر جهلهم وسفههم في التصرف المبني على الجهل.

ولم يشذ عن هذا سوى مواطن قليلة، ذكر في بعضها: اسم عدي بن حاتم حين سأل النبي في صيد الكلاب.. ومن المعلوم أن عدي بن حاتم كان مع علي أثناء خلافته، وشهد معه مشاهده(25).

الهوية وصورة الآخر عند الإمام الهادي 8 تأسيس الهوية وصورة الآخر عند الإمام الهادي (ج2)

الصورة السلبية للصحابة:

وإضافة لما تقدم، فإن المتتبع لسلوك الهادي في ذكر أسماء الصحابة، يجد أنه لا يذكر أسماء الصحابة إلا في مواضع التشنيع عليهم، أو التقليل منهم أو التحقير أو إظهار مساوئهم. وعلى سبيل المثال:

– ذكر اسم عمر بن الخطاب في سياق توبيخ النبي له(26)، تظهر عمر على أنه يحاول أن يخفي فعلا سيئا عن النبي وعن الله، ففضحه الله، فقال عن عمر وأصحابه (فخافوا أن يذكر أمر أبي قبيس في شيء من القرآن فيذكروا معه). 

– ذكر اسم الزبير وطلحة في سياق ذم النبي لهما(27)، وأنهما اغتابا ماعز بعد رجمه، وقالا: إنه رجم كالكلب، فسكت عنهما النبي حتى مروا بجيفة حمار، فقال لهم: انزلا فأصيبا من هذا الحمار… إلخ. 

– ويذكر عائشة حين أورد قصتها مع الزوجة التي قال لها الرسول: الحقي بأهلك، وأن عائشة هي التي خدعتها… وكذلك قصة عائشة وحفصة مع الزوجة التي مشطن لها، وخدعنها حتى يفارقها الرسول(28)… 

– ومن ذلك ما ذكره من حديث النعمان بن بشير(29) حين نحل ولدا له، فأمره الرسول برد ما نحله. وذكره لقصة أسامة بن زيد حين قتل الغطفاني: مرداس بن نهيك، وقال له الرسول: أفلا شققت عن قلبه(30). 

– يذكر أبا بكر وعمر في سياق تفضيل علي عليهم، حيث بين من حجج إمامة علي أن الرسول آخى بين المسلمين إلا عليا فجعله أخاه(31). 

– وذكره لمجموعة من الصحابة زعم أن عليا كان يقنت ويلعنهم(32)، منهم: معاوية، وعمرو بن العاص، وأبو موسى الأشعري. وكذلك ذكر اسم سعيد بن العاص، في سياق جواز لعن من أتى كبيرة(33)، زاعما أن الحسين بن علي كان يدعو عليه حين مات.

كما أن الهادي حين يذكر اسم صحابي لا يرضي عليه، وهذا باطراد منه في سائر كتبه، ولم أجده يرضي إلا على بعضهم؛ ممن يعتبرهم صادقين، كحمزة بن عبد المطلب، وعمار بن ياسر(34). في حين أنه يذكر عليا مقرونا بالسلام عليه باستمرار، بل يذكر آباءه وأجداده ويصلي عليهم، ويرحم عليهم، وهذا الفعل مطرد منه.

ويكاد يغيب في تراثه لفظ: “الصحابة”، أو “أصحاب رسول الله”، وكذلك لفظ “أمهات المؤمنين”. وأقول: يكاد يغيب، وتحتاج للبحث عن هذه المصطلحات بمجهر.

وهكذا يرسخ الصور السلبية عن الصحابة.

وأخيرا، قيل إن الهادي أعلن موقفا إيجابيا تجاه الصحابة في رسالته لأهل صنعاء(35)، قائلا: (ولا أنتقص أحداً من الصحابة الصادقين، إلخ). ولكن بتحليل الرسالة يتبين ما يلي:

أولا: يقسم الهادي الصحابة قسمين: صادقين ومنافقين، ومن ثم يقول إنه لا ينتقص الصادقين منهم. أما المنافقون منهم فإنه يسبهم وينتقصهم. وبهذا النص يثبت الهادي أنه يستحل سب الصحابة المنافقين في نظره، ومنهم أبو بكر وعمر؛ كما نقلنا عنه سابقا من نصوص كثيرة، تبين كيف أنهم وقعوا في الضلال بسبب رفضهم لكتاب الله.

وبهذه الحجة أنكرت الشيعة الهادوية عدالة الصحابة، وقالوا إنهم كغيرهم من الرواة، فيهم المنافق والفاسق والصادق…إلخ، ومن ثم فالصحابة ليسوا كلهم عدولا. وحين نأتي ننظر في مواقف بعضهم من آحاد الصحابة سنجد أن أبا بكر وعمر وعثمان وعائشة وغيرهم من كبار الصحابة هم من الفاسقين الذين سقطت عدالتهم، فيؤول حقيقة موقفهم إلى الطعن في الصحابة جميعا باستثناء قلة قليلة منهم.

ثانيا: من نصه السابق يبين أن من يستحل سبهم غير مؤمنين؛ لأنه يقول: (فمن سب مؤمنا عندي استحلالاً فقد كفر، ومن سبه استحراماً فقد ضل عندي وفسق)، ولكن المنافقين يجوز سبهم، فإذن لا يكفر ولا يفسق من سب “الصحابة المنافقين” بحسب تصنيف الهادي.

ثالثا: معيار نفاق الصحابة عنده هو (على الرسول تمردوا، وعلى أهل بيته اجترأوا وطعنوا). فكل من اجترأ على أهل بيته، بحسب الهادين فهو منافق. وقد سبق إيراد النصوص التي تبين كيف أن الصحابة اجترأوا على أهل بيته، وأولهم أبو بكر وعمر(36). وكذلك كل من قاتل عليا فهو عنده من المنافقين، ومنهم عائشة وطلحة والزبير، وغيرهم من الصحابة.

رابعاً: خصص استغفاره لبعض أمهات المؤمنين، فقال: (وإني لأستغفر الله لأمهات المؤمنين اللواتي خرجن من الدنيا وهن من الدين على يقين)، وهو بهذا الوصف يستثني من يعتقد أنها خرجت من الدنيا منافقة، كعائشة رضي الله عنها.

خامسا: أوردنا سابقا، نصوص الهادي التي تبين تكفيره لأهل البغي.. وسنتناول بقية هذه المسألة في الحديث عن “أهل اليمن”.

وبذلك يتجلى لنا موقف الهادي من الصحابة رضي الله عنهم، وأنه بعيد عن موقف زيد بن علي، والمعتدلين من الزيدية، بل هو موقف يتماهى مع موقف الإمامية، مع الاختلاف في أن الإمامية أجرأ في تكفير الصحابة ولعنهم وسبهم وافتراء كل سيئة عنهم.

الهوامش:

وفي بداية المقال أود أن أسجل ملحوظة عامة، وهي أن الهدف هنا هو دراسة الصورة الذهنية للصحابة عند الهادي. ولن أنشغل بالرد على الآثار والأحاديث التي يوردها الهادي في الصحابة، فهذا خارج سياق بحثنا. 

2- المنتخب والفنون، 494. 

3- المنتخب والفنون، 496. 

4- المنتخب والفنون، 498. 

5- المنتخب والفنون، 501. 

6- المنتخب والفنون، 496. 

7- المنتخب والفنون، 496. 

8- المنتخب والفنون، 495. 

9- المنتخب والفنون، 496. 

10- المنتخب والفنون، 499. 

11- المنتخب والفنون، 500. 

12- المنتخب والفنون، 498. 

13- المنتخب والفنون، 499، 500. 

14- المنتخب والفنون، 502. 

15- المنتخب والفنون، 502. وهذا الاتهام جاء في سياق الحديث عن أن كثيرا من (أحكام أبي بكر قد ردها عمر في ولايته، وعابها عليه). ثم قال (فيا للعجب! هل يخلو أمر عمر في طعنه على أبي بكر من أحد وجهين) ثم ذكر الخصلتين اللتين ذكرتهما أعلاه. 

16- الأحكام في الحلال والحرام، 2/ 211 

17- الأحكام في الحلال والحرام، 2/ 433 

18- المنتخب والفنون، 493 – وما بعدها. 

19- الأحكام في الحلال والحرام، 2/ 278. 

20- الأحكام في الحلال والحرام، 2/337 

21- الأحكام في الحلال والحرام، 1/424 

22- الأحكام في الحلال والحرام، 1/425. 

23- الأحكام في الحلال والحرام، 2/163. وفيها قول علي لعمر: (هذا سلطانك عليها فما سلطانك على ما في بطنها؟ قال عمر: ما علمت أنها حبلى، قال: فإن لم تعلم فاستبر رحمها، ثم قال علي: فلعلك انتهرتها أو أخفتها؟! قال: قد كان ذلك، قال: أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (لا حد على معترف بعد بلاء)؟… إلخ. 

24- الأحكام في الحلال والحرام، 2/207- وما بعدها. 

25- الأحكام في الحلال والحرام، 2/ 312. كما أورد ذكرا لأبي هريرة في حديث يتيم (لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه)، الأحكام في الحلال والحرام، 2/454 

26- الأحكام في الحلال والحرام، 1/203. يقول: (وكان عمر بن الخطاب في رجال من أصحابه قد أصابوا نساءهم في شهر رمضان، فخافوا أن يذكر أمر أبي قيس في شيء من القرآن فيذكروا معه، فقام عمر في أولئك الناس، فقالوا: استغفر لنا يا رسول الله فإنا قد واقعنا النساء، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (ما كنت جديرا بذلك يا عمر)، فأنزل الله تعالى في أبي قيس وعمر وأصحابه ما أنزل، وهو قوله: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}) 

27- مجموع رسائل الإمام الهادي، 724. 

28- الأحكام في الحلال والحرام، 1/401 

29- الأحكام في الحلال والحرام، 2/ 145. والنص فيه خطأ، فالمعروف أن الذي جاء إلى النبي هو أبو النعمان، وليس النعمان، فالنعمان كان لا زال طفلا. 

30- الأحكام في الحلال والحرام، 2/230. 

31- المنتخب والفنون، 20. 

32- الأحكام في الحلال والحرام، 1/ 93. 

33- الأحكام في الحلال والحرام، 1/136-137. 

34- انظر الأحكام في الحلال والحرام، 1/135، و: 2/ 471. 

35- مجموع رسائل الإمام الهادي، 107. ونصها كاملا: (ولا أنتقص أحداً من الصحابة الصادقين، والتابعين بإحسان، المؤمنات منهم والمؤمنين، أتولى جميع من هاجر ومن آوى منهم ونصر، فمن سب مؤمنا عندي استحلالاً فقد كفر، ومن سبه استحراماً فقد ضل عندي وفسق. ولا أسب إلا من نقض العهد والعزيمة، وفي كل وقت له هزيمة، من الذين بالنفاق تفردوا، وعلى الرسول تمردوا، وعلى أهل بيته اجترأوا وطعنوا. وإني لأستغفر الله لأمهات المؤمنين اللواتي خرجن من الدنيا وهن من الدين على يقين، وأجعل لعنة الله على من تناولهن بما لا يستحققن من سائر الناس أجمعين). 

36- انظر: المنتخب والفنون، 500.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى