بسم الله وبه نستعين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وبعد ،،،
في الجزء الثالث من هذه الأجزاء التي تتحدث عن حركة النهضة التونسية من النشأة إلى الحكم محطات في مسير التطور والتعثر نواصل فيها عرض ما تم طرحه من رؤى وأفكار ورصد وأبحاث من المختصين والمهتمين لهذه الحركات الناهضة في مجال الدعوة والخير والبناء للأمة العربية والإسلامية وسيتركز العرض في هذا الجزء على بعض حول السياسات والأداء في مجال تجربة الحكم وقيادة التنظيم، مستخلصين جملة من الدروس والعظات التي قد تكون في أغلبها:
حقيقية في جانبي الخطأ والصواب والنجاح والاخفاق من منطق المبادئ والواقع والخبرة والتجربة ، وقد تكون انطباعية آملية بما يراه الشخص من موقعه ومستوى ثقافته ووعيه، وقد تكون تساؤلات حوارية استشكالية تتزاحم على حين موقع النقاش وموطن المشاركة ، وقد تكون نفسية مشاعرية من زخم السياق الكئيب وبحث موطن النفاذ والإنقاذ، غير أنه لا يعدم النظر الثاقب أن يلتقط من هذا الكوم الصخري حجرا كريما يصوغ منها خواتيم على بنان الحركة وبنيانها المهيب فيتزين شكلها ويتعين رشدها ويتبين أمرها ويتعقلن سيرها .
وهنا تبرز مجموعة أسئلة لتجيب عنها هذه المقاربة النسبية وهذه الأسئلة تتمحور حول السياسات والأداء عند النهضة بعد الثورة التونسية :
سؤال تأثير الخلاف التنظيمي على أداء الحركة وسياساتها.
سؤال الحركة الإسلامية وتجربة الحكم النقد والتحليل.
وقد انفتحت الإجابات وانسالت ضمن محور تقييم التجربة من الداخل والدروس المستفادة، فكانت المشاركات على النحو الآتي:
(1) سؤال تأثير الخلاف التنظيمي على أداء الحركة وسياساتها[1].
النهضة حركة مفصلية في تاريخ الدولة التونسية الحديث وهذا يؤسس لأهمية الحديث عنها منذ الثمانينات وحتى الآن وهنا أهمية التقييم .فمرحلة ما بعد 2011م كان الخلاف في أداء وسياسات النهضة وتأثيراته . وينحصر الحديث في خمس عناصر هي:
النهضة من الداخل
الخلاف التنظيمي
والخيار السياسي
أزمة الزعيم
الحزبي والوطني
نظرة استشرافية
أولا: النهضة من الداخل:
تكوينها : بعد خمسين سنة من انطلاقها تتواجد فيها ثلاث حساسيات كل حساسية ترمز إلى جيل وإلى مرحلة زمنية معينة هي:
الحساسية الدعوية
تمثلها مجموعة من الأشخاص المنحدرين من السبعينات الذين التحقوا بها خلال فترة عندما كانت الجماعة الاسلامية ومشروعها إحياء منظومة القيم في المجتمع وتركز جهدها على العمل الدعوي وأشخاص هذه الحساسية موجودون إلى حد الآن ولها تمثيل داخل النهضة وملخص فكر هذه الشخصيات أن فكرة النهضة في جوهرها مشروع دعوي يمارس العمل الإرشادي والوعظي والعقدي بمعنى السياسة الصادرة عنها يجب أن نستند إلى أصول عقدية دينية ثابتة، وكان هذا بعد الثورة في مطالبة تضمين الشريعة في الدستور ، والقرار الذي حصل في مؤتمر 2016م بفصل الدعوي عن السياسي قد همش هذه المجموعة إلى حد كبير جدا وإن كان لا زال لها حضور قويا داخل الحركة .
الحساسية الثانية
المكونة من القيادات الطلابية الناشطة من الثمانينات والتسعينات وهم خريجوا نظام التعليم الحديث وهذه ترى أن الحركة حزب سياسي ذو مرجعية دينية وهذه المرجعية إسلامية ، هذه الحساسية قادت الحركة الطلابية في الثمانينات ودخلت السجون وبعد السجون عادت للقيادة وبث قناعاتها وهي المؤثر الرئيس في مسار الحركة بعد 2001م من خلال المواقع المتقدمة التي شغلتها في قيادة الحركة التنفيذية والشوروية، وفي تطوير الفكر السياسي من خلال مواقع ومواضع مختلفة .
الحساسية الشبابية
خلال ما يسمى بالمحنة الكبرى في بداية التسعينات ومحاكمة القيادات ومحاولة تجفيف ينابيعها ومصادرة حقها في النشاط ومع بداية الألفية تأسس في الجامعات التونسية ما يسمى بتيار الطلبة المستقلين، وهم مجموعة شباب متحمسون للنهضة يتقاطعون ويلتقون مع القيادات الخارجة من السجن بعد سنوات 2000م وتأثروا داخل الإطار السياسي والأيديولوجي للنهضة وبرزوا أكثر بعد 2011م وأصبح لهم حضور داخل مؤسسات الحركة وهم لم يمروا على السلم التكويني التنظيمي لحركة النهضة لما كان متداولا في الثمانينات لدى بقية أعضاء النهضة فهو ارتباط منهم بالنهضة نفسي وعاطفي وعقدي منه سياسي وأيديولوجي ووضعهم لم يكن كبيرا في وضع الخيارات والسياسات التي سلكتها الحركة بعد2011م، وسرعان ما انفض كثير منهم عن الحركة بسبب عدم وجود مطالبهم المتوقع لهم من هذه الحركة .
يلاحظ على مستوى الخطاب والتفكير لهؤلاء الشباب اختلافا بينهم وبين حركة النهضة ويعبرون بأشكال تلقائية وعفوية نتج عنه خروج واستقالات من الحركة .
هذه المكونات الثلاثة موجودة داخل الحركة:
المكون الدعوي وقع تهميشهم منذ مؤتمر 2016 وحتى قيل ذلك.
مكون الشباب وقد مني بخيبة أمل بسبب السياسات الإصلاحية للنهضة وسياساتها التوافقية مع المنظومة القديمة نتج عنه استقالات لبعضهم معلنة وانسحاب لبعضهم غير معلن.
القيادات السياسية التي هي الآن في سلم القيادة. هذه هي النهضة من الداخل.
الإشكالية المطروحة ما تأثير الخلافات على أداء وسياسات الحركة. وهنا لابد من مساءلة السؤال أولاً: هل فعلا الخلاف التنظيمي هو الذي يؤثر على أداء وسياسات الحركة، أم أن الاختلاف حول هذه السياسات هو الذي يؤدي لهذا الخلاف التنظيمي؟.
الإشكالية المطروحة ما تأثير الخلافات على أداء وسياسات الحركة. وهنالابد من مساءلة السؤال أولاً: هل فعلا الخلاف التنظيمي هو الذي يؤثر على أداء وسياسات الحركة، أم أن الاختلاف حول هذه السياسات هو الذي يؤدي لهذا الخلاف التنظيمي؟.في سنة 2011م عند الثورة كان هناك اختلافات لم تتطور بسبب حداثة التجربة ولكنها موجودة بين مجموعات سياسية حول كيفية التعاطي مع حدث الثورة بين الرؤية الاصلاحية. وبين الرؤية الثورية.
محطة اعتصام القصبة 2 هذا الاعتصام هو سبب إلغاء دستور 1959م والدخول في المسار التأسيسي ، تعاطي النهضة مع الحدث السياسي والشعبي المؤثر في تأريخ تونس تفهم هذا الخلاف فالحركة قررت عدم المشاركة في هذا الاعتصام ومعتبرة الاعتصام تحت قيادة اليسار الراديكالي ويخدم اليسار مع أن النهضة كانت تتعامل مع الوزير الأول محمد الغنوشي وهو اعتراف ضمني للمسار السياسي وكأنها تبارك هذا المسار.
هذا القرار وأمام ضغط الشعب وشباب الحركة في حينه ، اضطرت الحركة إلى مراجعة القرار وتبني المشاركة في اعتصام قصبة 2 ولم يكن لهذا الاعتصام النجاح إلا بمشاركة النهضة ومن ثمَّ تفهم العقل السياسي داخل النهضة كيف كان يشتغل؟ تصارع وتنافس الرؤى والخيارات داخل النهضة كيف كان يحدث على امتداد تجربتها؟.
الخلاف السياسي حول السياسات داخل النهضة ومنذ 2011م كان حاضرا في كثير من المحطات وكان مؤثرا على الأداء السياسي داخل النهضة. هذا الأداء السياسي للنهضة في مجمل القضايا الوطنية كان محددا إلى شكل كبير جدا وهو ليس قضية داخلية بالنهضة وأعضائها.
منذ بداية الثمانينات كانت حزب المعارضة الأكبر وبعد 2011م هي الحركة التي تحكم في البلاد حتى وإن لم تكن ممثلة في الحكومة فحضورها قوي ومؤثر في مجريات الأحداث طوال هذه المرحلة.
حالة التململ وحالة القلق التي كان يعيشها بعض حركة النهضة وخاصة الشباب ، ما زال لم يتضح بالشكل الكافي حتى يعبر عن نفسه فيما بعد في نوع من الخلاف التنظيمي موجودا وأيضا حالة القلق والتوتر كانت موجودة .
الحدث الأبرز في 2013 وسلوك سياسة التوافق من النهضة فبرز صوت معارضة التوافق مع نداء تونس الذي يمثل المنظومة القديمة ، باعتبار التوافق تنازلا عن الشعارات المرفوعة في الثورة وسياسة مرافقة المنظومة القديمة من أجل دفعها لتتحول إلى ديمقراطية تقبل بالآخر، وكان توقع بفشل هذه السياسات لعدم استطاعة تحول المنظومة القديمة إلى منظومة ديمقراطية تقبل بالآخر. هذا الخلاف جعل مجموعة صغيرة تستقيل وقد شقت طريقها في رسم خيار سياسي آخر مختلف عن النهضة وبعد سنوات من هذه الاستقالات ومنهم رياض الشعيبي وبعد 9 سنوات استطاعة سياسة التوافق أن تحقق حدا مطلوبا من الاستقرار في البلاد ونجحت في خلق الاستقرار، ولكنها لم تستطع أن تثبت وتوثق التجربة الديمقراطية في البلاد، بل كانت تجربة هشة ولعل ما يحصل اليوم فيها هو أحد نتائج هذه المرحلة التوافقية التي عطلت باعتبار التجربة التوافقية تجربة محافظة بطبيعتها غير مشجعة للتغيير ولا تتبنى التغيير.
لم يتحقق شيء كثير من مطالب العدالة الاجتماعية والتنمية وبناء المؤسسات الديمقراطية في البلاد ، هذا التعطل كان أحد أسبابه هو السياسة التوافقية مع خلقها حدا من الاستقرار الضروري للبلاد في تلك المرحلة.
هذا الخلاف السياسي هو الذي أدى إلى خلاف تنظيمي. خلاف تنظيمي أدى إلى خلاف سياسي، قاد إلى استقالات بعد مؤتمرها الأخير، بداية من عبد الحميد الجلاصي نائب رئيس الحركة وصولا إلى استقالات أخرى رغم الاختلاف بين المجموعتين، وأساس هذه الاستقالات هو الاختلاف التنظيمي ليس على المواقع والمناصب وإنما حول طريقة إدارة الحركة وحول دمقرطة قيادة الحركة وحول التداول القيادي في الحركة . وكذا ظهر على السطح أزمة الزعيم داخل الحركة وهي أزمة في كل الأحزاب والحركات خصوصا الأيديولوجية ، فالزعامة فيها تجاذب ليست قيادة إدارية وسياسية وحسب بل روحية وفكرية ، والغنوشي زعيم سياسي وروحي بلا جدال ليس لشرعيته التاريخية لاعتبار أهم مؤسسي هذه الحركة بل لإسهاماته الفكرية في بلورة فكرها ومشروعها ولعب أدوارا إيجابية في توحيد ووحدة هذه الحركة وفي فتح آفاق سياسية لها من خلال مساهمته الفكرية والسياسية التي قدمها.
ففي بيان التأسيس لحركة الاتجاه الإسلامية في 1981م حركة النهضة من الحركات الإسلامية الوحيدة في العالم التي تتحدث عن الديمقراطية والحريات السياسية وحقوق الإنسان وبعد البيان صدرت ودود فعل سلبية من الحركات والشخصيات الإسلامية اتهاما للنهضة بالانحراف عن المرجعية الاسلامية، وكان البيان ريادي في وقته ومساهمة الغنوشي هذا البيان من أفكاره.
تأكيد الغنوشي من خلال كتاباته وخاصة بعد التسعينات على الطابع المدني السلمي للعمل السياسي في وقت شيوع ظاهرة الحركات الجهادية الجزائر وأفغانستان ، والغنوشي شق الطريق الوعر في إقناع قواعدها وتأصيل فكرة النضال المدني السلمي في وقت غلبة ممارسة العنف ضد الخصوم أو الدولة، ومساهمته في نحت ما يسمى بالإسلام الديمقراطي وهو مفهوم حديث تبنته النهضة وتعمل عليه باستمرار.
وضعية الغنوشي باعتبار الزعامة الروحية والفكرية والسياسية داخل النهضة تجعل من الصعب عملية التداول القيادي لعدم وجود هذه الوضعية لغيره من القيادات داخل النهضة كما توجد له.
طرح هذا الموضوع ليس في علاقة الشخص وتغيير الشخص وإنما حوكمة إدارة الحركة وتغيير طريقة إدارتها.
- علاقة الحزبي بالوطني
بعد 2011م كل تداعيات الخلاف التنظيمي والخيار السياسي لحركة النهضة له تأثير وطني مهم جدا ، فالانشقاقات والاستقالات داخل النهضة ، والموضوع ليس حزبيا ضيقا وإنما يهم المسار السياسي العام في البلاد فهي الحزب الأكبر ويمارس تأثيرا قويا على الوضع في البلاد، فالخلافات التنظيمية سيؤثر حتما على الأداء في البلاد.
(2) تأثير الخلاف التنظيمي على أداء الحركة وسياساتها[2].
تأثير سياسة إدارة الموارد وطريقة إدارة الأفكار بمعنى صناعة القرار على أداء الحركة وسياساتها فهي مسألة إيجابية وليست أزمة أو ما يحيل إليها.
المنهج التاريخي عبر محطات مختلفة، النقطة المفصلية هي الثورة والانطلاق من المعطيات والوقائع للوصول إلى خلاصات.
العوامل الداخلية لحركة، وطريقة تأثيرها على أدائها وصورتها وهويتها :
نهضة ما قبل الثورة ، نهضة الاحتجاج وإدارة الإكراهات ، خصائص تأسيسية ، تيار كبير أكثر من كونها حزبا، نقاط فرز في الثمانينات .
منعرج الثورة والانتقال من توقي المخاطر إلى إدارة الفرص.
اعتمد منهج ابن خلدون معلم دراسة التحولات في المجتمعات ما قبل السياسي وخاصة بفصل صراع العصبيات وأخلاقها، من وضعية معارضة إلى وضعية تحكم، من الجماعة إلى الدولة.
- نهضة ما قبل الثورة
مجموع سمات جيل التأسيس متقارب في العمر والمعرفة والمؤسسات التعليمية الحديثة وغالبها لم يعايش تأطير ديني كالصوفية، وهذا أدى إلى التمحور حول الجماعة وفق مقولة لقد اجتمع الناس في حركتنا على النص أي الثوابت والشورى أي في مجالات تقدير المصالح.
فالمشارب متعددة عند جيل التأسيس لعدم التأطير في مؤسسة دينية، وهذا أدى إلى بروز التباين وضرورة حماية هذا التباين وجعله عنصرا مهما ومفيدا لإثراء حياة الجماعة، وأدى إلى بروز أول نص وهو من أجل تعايش سلمي بين العاملين للإسلام كتبه الغنوشي في أواخر السبعينات ، هذا التباين برز الحرص على حمايته من ذلك الوقت في مؤتمر 79م حيث كان مطلوبا انتخاب رئيس ونائب للحركة ، في مؤتمر 81م كان هناك حرص على تحديد السلطة وتوزيعها وسلطة رقابة، ولكن ذهب المؤتمرون إلى بدعة دعوى الفصل بين مجلس الشورى والمكتب التنفيذي في الرئاسة والصلاحيات والأشخاص ، حرص على المأسسة والتوازن وضمان التنوع.
بعد 83، و84، اعتقلت القيادات وحصلت هزة انعكست على حيرة فكرية وتمرد سياسي وتنظيمي ، وتأثير ساحة النضال على إيجاد هويات فرعية المكون الطلابي ، المكون النقابي المكون الترابي أي العاملين في الأحياء والتراب.
في 83، 84م أدت إلى التأكيد على محور الولاء والثقافة التربوية والتنظيمية، ومحاولة تجديد عقد التعايش الداخلي من خلال نص كتبه الغنوشي 82م حق الاختلاف وواجب وحدة الصف من سجنه.
نقاشات 86م وتباينات عميقة جدا فانعقد المؤتمر سريعا والبلاد على حافة الانهيار واعتقالات للجماعة ، ومحور التباين قاعدة أو مرجعية الأرضية الفكرية بين المنادين بإسلام حضاري وإسلام عقائدي، نقاشات بلورتها وثيقة توافقية هي الراية الفكرية .
حركة النهضة جماهيرية مدنية سلمية أم حركة طلائعية وما يحيل إليه هذا الوصف من وسائل انعكس في وثيقة اسمها الاستراتيجية المعقدة ، ثم التعامل مع الدولة والمجتمع والأوضاع خاصة هل هو نهج سياسي تشاركي أو نهج تحريضي مغالبة .
هذا الحراك وبالذات الحركة الطلابية أدى إلى بروز نوع من الحساسيات، ولكن الحركة استفادت من الروافد عليها أكثر من التنظيم المنسجم.
مؤتمر 86م لم يذهب إلى الحسم، إذ السياقات السياسية المختنقة لا تسمح بتداول الأطروحات والانكفاء إلى ترتيبات متناقضة وتبرز على السياسات والتصريحات المختلفة .
بعد 88م في دائرة ضيقة هناك نوع من التشاركية لأن القرار كان منحصرا للأوضاع السرية المغلضة في بعض المسائل المجلس التنفيذي أم مجلس الشورى.
بعد 88م حاولوا تغطية التباينات في وقت لم يعد ذلك ممكنا ، ففي سنة 91م برزت خلافات بعد خروج الغنوشي وحصول قيادة سرية وخطط غير واضحة ، وحصل نوع من الانفلات، عدم تحمل مسؤولية لدى البعض ، ثم دخول العراق الكويت وبروز أربع مواقف متباينة .
خلاصة هذه المرحلة : كلما تم الاستفادة من التنوع ومن الموارد ربما يكون الوصول إلى خيارات فيها قدر من الشلل والتناقض ، وكلما تم اغفال هذه المواضيع يحصل ارتباك على الجسم الداخلي.
نهضة ما بعد الثورة
وهي أهم مكسب سمحت بإيجاد فضاء سياسي وإمكانية تنافس حقيقي على السلطة ، وبانفتاح هذا الفضاء كان يتطلب نقلة في الجماعات والتنظيمات المناضلة إلى أنها تنتقل إلى الأحزاب السياسية والضغط على حركة النهضة للانفتاح والتخلص من محنة الانكفاء ومعالجة آثار محنة كبيرة في علاقتها بالمجتمع وبالدولة وإنما يحدث ذلك وهي تدير الحكم ، الطرف الذي يدير الحكم ليس بالمعنى الصحيح ، ليس حزبا سياسيا وهذا النقد يؤثر عليه في عقليته مع الدولة والمجتمع وخروجه من الاحتجاج إلى عقلية منع البناء ، النقلة في الأخلاق والثقافة، إذ إن الجماعات السرية الشمولية الأيديولوجية تغلب ثقافة المسامحة والمكارمة والزهد وهي تدير الإكراهات بينما الأحزاب السياسية بالضرورة هي تنافس هي طموح، هي اقتناع من خلال التموقع يمكن أنك تغير .
حينما يقال الثقافة القديمة انتهت فهو وصف لمرحلة أدارتها باقتدار ولم يعد ممكنا اجترارها وتكرارها، في الموحلة الجديدة يكون التعامل بأخلاق جديدة .
هنا برز المفارقة بين الموقع السياسي قيادة البلاد والحكومة وبين الواقع الذي هو تعايش أزمنة وثقافات ، والسياسة بما هو محاسبة وشفافية لم يكن هو الأساس في هذا الموضوع.
يمكن الرجوع إلى قول ابن خلدون حول الانتقال إلى العصبيات فيتصور المناضلون أن موضوع السياسة والتنافس والصراع حول السلطة ربما يكون عند غير الاسلاميين ، لكن أكدت تجربة النهضة والمغرب والسودان وغيرها أن الاسلاميين معنيون بهذا الأمر دون أن يمس ذلك من بشريتهم فيجب الإقرار بهذا ووضعها على الطاولة ووضع المساطر المناسبة له.
أساس الانتماء في الجماعات هو انتماء وجودي نحن والآخرون.
أساس الانتماء في الأحزاب هو التعاقد المدني على أساس البرنامج.
التباينات كانت بدأت من موضوع الحوكمة والسؤال المركزي هو التالي:
هل نحن أمام حركة لها زعيم أم زعيم له حركة؟ ، وبرز في أواخر 2013م موضوع التحوير الحكومي والذي اختير واستمر كان جوهره من هذه الشخصية الرئيسة رئيس الحكومة أم رئيس الحركة .
هل نحن أمام حركة لها زعيم أم زعيم له حركة؟ ، وبرز في أواخر 2013م موضوع التحوير الحكومي والذي اختير واستمر كان جوهره من هذه الشخصية الرئيسة رئيس الحكومة أم رئيس الحركة .
هل هو شخصية عنده صلاحية على فريقه والسياسة تبعه، أم هو شخص عادي وأحيانا أقل من عادي في المكتب التنفيذي وأحيانا مساعديه ومستشاريه يكونون عيونا عليه لا تعظيما له.
ثم المحك الذي يليه: ما دور مجلس الشورى؟ ففي 2013م ألغى المجلس لحركة النهضة كل شيء .
يقول عبدالحميد الجلاصي دخلت الحركة بسرعة من مرحلة التشارك للعصبيات المقاومة إلى مرحلة التفرد بالمجد والتخلص من المنافسين ، وهنا ليس إشكال زعيم، بل هو إشكال الشخصية الثانية أو إشكال البدائل في النهضة وفي غيرها.
والموضوع هل هو فراغ قيادي؟ أم هو الإيهام بالفراغ القيادي، أم هو إحداث الفراغ القيادية بصورة طواعية؟
المحطة الثالثة
هي النقاشات التي حصلت في سنة 2013م بعد الانقلاب المصري وخرج وقبيل الانقلاب على الحوار الوطني حينما طرح الموضوع على تقاسم السلطة بين النهضة والنداء وإلغاء منظومة الترويكا دون انتخابات في داخل النهضة.
المراهنة على الآخر والرغبة في الاعتراف والخضوع له ونزع كل معنى مقاومة ، وقد اعتبر الجلاصي أن الوصف الرئيس لثورة تونس غير المكتملة هي صفقة بين القديم والجديد وهذا من زاوية الرؤية والنظرية لا أشكال في هذا المعنى، لأن الجديد كله بيساره وإسلاميّه وقوميّه ربما يمتلك قدرا من التفويض الشعبي، ولكن التفويض الشعبي لا يعطى مفاتيح الحكم ، لا يعطيها الانتخابات ولا التداول، هذه تحتاج لقرون من الخبرة.
السؤال الصفقة مسكونة بأي شيء؟ أم أن المصالحة مع الدولة والإدارة والأجهزة ومع الخارج ؟ نستحضر سقف التغيير ونكون واقعيين ونفهم موازين القوى، أم أنه يصبح التموقع والمصالحة هدفا حتى تبتلعك الدولة .
أربع قضايا أصبحت محط تباين داخل النهضة وهي:
تموقع السياسي والحكم.
التموقع الاجتماعي.
عمن تدافع وما هي قاعدتك الانتخابية .
البصمة الأخلاقية والتونسة
تبدو النهضة مسكونة في الرغبة بالاعتراف ، تجري وراء الاعتراف فالمسألة نفسية.
من الثمانينات حتى 2011م النهضة تجري وراء الورق وهو الاعتراف القانوني فلما حصلت عليها أصبحت تبحث عن الاعتراف من دوائر النفوذ دون الاعتماد على قاعدتها الانتخابية ولا التنظيمية.
التموقع السياسي والاجتماعي والثقافي إضافة إلى القضايا الداخلية ومن ضمنها التداول القيادي.
النهضة خمسين عاما لم تنجح أن يكون عندها قيادة، هل هي رهينة بحادث طريق أو أزمة صحية لأي كان؟
المؤتمر العاشر كان هناك إدارة للاختلاف كان هناك تناصح، ولكن بعد ذلك لا.
كما هناك في الديمقراطية السماح برأي عام فكذلك الأحزاب لابد أن يكون هناك رأي عام ومشاركة والمعارضة لإيجاد موازين القوى، هذه فلسفة مهمة للاختلاف أن يكون فيه نماء وبقاء وارتقاء في موازين القوى.
(3) الحركة وتجربة الحكم نقد وتحليل[3].
حتى تكون القراءة دقيقة وشاملة للتجربة التونسية في الحكم وضع التجربة ضمن سياقاتها السياسية المحلية والخارجية ، وعدم إدراجها ضمن المناخ الاقليمي والدولي الذي تتحرك ضمنه ، فتونس ليست جزيرة معزولة وهي دولة صغيرة تتأثر بما يجري في المنطقة والساحة الدولية عامة .
تجربة النهضة مرتبطة بطبيعة الثورة التونسية وخصوصيتها .
هناك جدل كبير عند بعض الأدبيات العربية والغربية تشكك في وجود ثورة استنادا لنموذج مهيمن وسردية الثورة الفرنسية يقيسون ما حصل في الربيع بتجارب ثورية سابقة.
في تونس ثورة بخصوصية تونسية وكذا في مصر وغيرها.
تونس انتفاضة فجائية وسريعة داهمت القوى السياسية على حين غرة مثلما فاجأت القوى الدولية .
أقصى ما تطمح له الأحزاب الإسلامية في المنطقة عامة هو اندراجها في المنتظم السياسي الرسمي، تحظى باعتراف قانوني ومشاركة جزئية ورمزية في الحكم ، لكن معطى ثورة تونس والربيع العربي كله غير معطى حدود المربع السياسي بما رفع من طموحات وتطلعات الاسلاميين والانتقال من الاعتراف القانوني إلى تحمل أعباء مسؤولية الحكم والأطراف الدولية كانت تتهيأ في انتقال شكلي لأنظمة الحكم من الآباء إلى الأبناء في اليمن ومصر وليبيا .
النهضة مرتبطة بطبيعة الثورة التونسية وخصوصيتها ، بدأت انتفاضة ثم تناسقت المطلبية الشعبية والسياسية لما يجدونه من تهميش فردي وجهوي وحرمان اجتماعي فكانت المطالب رحيل بن علي ، الشعب يريد اسقاط النظام وتحولت من انتفاضة ونصف ثورة إلى ثورة سياسية ، وقد تسلمت القوى الجديدة مقاليد الأمور من القديمة ، والإدارة القديمة من داخل النظام تولت إدارة المرحلة الانتقالية تحت عنوان الجيش شريك الثورة.
الدي فرض التغيير في الحالة التونسية هو ضغط الشارع حتى ذهب النظام إلى انتخابات 2011م ، ثم كان التجاذب بين إرادة الاحتواء من داخل المنظومة القديمة.
وديناميكية التغيير، النظام السياسي المتولد من الثورة بقي مسكونا بعملية التجاذب والتناقض.
(4)
تقول انتصار السيد [4]: أكثر الجوانب إخفاقا وضعفا التنموية الاقتصادية، أزمة اقتصادية ونظام قائم على الوصاية والاحتكار وهي بالمقابل قوية في الإدارة المحلية على مستوى الوطن العربي ، ولقد زالت مركزية الدولة وأصبحت عند حلول 2011م وهو سياق ينبغي استحضاره عند الحديث عن تجربة النهضة ، فهي دولة مبعثرة ومتغيرة لتنوع اللاعبين قوات الأمن والنخب السياسية والنقابات العمالية وروابط الأعمال والمجتمع المدني والتجار فمن يحكم ينسق بين هذه القوى، واللاعبون المؤيدون لإصلاح الحكم لم يكونوا على نسق واحد
وقد طالبت النهضة باللامركزية لهدف تعميق الديمقراطية وتقدم مجال التنمية.
استراتيجية التنمية والتمكين كانت حاضرة فكرا، ولكن تمت صدودها ومعارضتها واقعا حينما أرادوا تجذيرها فعلا.
ننظر إلى التجربة بعين من النسبية ، فأندنوسيا وأمريكا وكوريا الجنوبية من أعرق الديمقراطيات وفيها قدر من الفساد. من معيقات الاقتصاد. قانون الانتخاب متعدد متنوع ولكنه يقود إلى حكومة متشظية ومنكفأة على نفسها ، فلابد من التواصل مع كيانات وائتلافات تتغلب على مشاكلها الداخلية ، فهناك استقطاب فكري كبير وائتلاف كبير مناهض للإصلاح .
إصلاح الإدارة العامة في السنوات الأولى للثورة والتغلب على الفساد وهذا خلق استعداء بين الإصلاحيين والإداريين ، هذا الانقسام لم يجد من يعالجه .
إصلاح الدعم الحكومي والتغلب على الممانعة ومقاومة التغيير .
التواصل بشكل فعال مع الجماهير .
إصلاح القطاع الأمني.
لم تستطع النهضة إصلاح البلاد حسب رأي مونكا مارش لعدة اسباب :
الصدمة كثير من أعضاء الحركة مروا بصدمة نفسية كبيرة ، تعذيب تهميش اجتماعي ووظيفي واضطهاد وشيطنة ممنهجة .
النهضة فيها ديمقراطية وتنوع أكثر من غيرها وذلك لنظرية المقاصد والمصالح والمفاسد وقانونية الشريعة ، جاهزيتهم للتحول الديمقراطي أكثر من غيرهم .
وزير الداخلية النهضاوي يعمل في وزارة معظم منتسبيها يعتبرونه من الحثالة ، تفكير تآمري عليها واسع ، فالصدمة النفسية من الإبعاد والنفي والإقصاء كانت حاضرة .
يتساءل وليم مورنس [5] ما الذي يمكن للنهضة أن تقوم به في سياق لم تكن تتحكم فيه؟
تقول الباحثة انتصار إن قرارات التحالف مع الأحزاب الجديدة والقديمة جاءت من وحي توالد الاحساس بالصدمة من القمع والتجارب السابقة وآثاره النفسية، ولذلك قبل التقييم بالصحة والخطأ لابد من النظر إلى البدائل.
فالنظر للقرارات يتطلب استحضار سياقها وحينها تبدوا منطقية، فاختلاف السياقات والنظر إلى الأمور.
القرارات الإيجابية متعلقة بالتنازلات والمقاربة الصائبة .
قانون الاقتصاد كان سيئا وسياقه الرغبة والمصالحة مع رجال الأعمال ولم يكن موفقا.
وبترشيح الغنوشي رئيسا للبرلمان بدا وكأنه مهندس العمليات من وراء الكواليس.
النهضة تعاملت بالتحالفات وذلك مبني على قراءة المنطقة والفهم للاستقطاب وانقسام المجتمع وبحسب الدكتورة انتصار أن خيار تحالف النهضة كان عن تأثر بتجربة اللقاء المشترك بين الأحزاب اليمينة ..
صندوق الاقتراع يعطيك جزءا من القوة . المأسسة صعبة بعد عقود من الفردية السياسية والحزب الواحد..
يفوز الاسلاميون في الانتخابات ويفشلون في الصعيد الاقتصادي ، ولذا لابد من تعلم كيفية تقديم اصلاح اقتصادي بصورة أفضل .
لم تستطع النهضة تقديم خدمات لإظهار الفروق الواضحة بين القديم والجديد. فتصحيح النظام الضريبي يحتاج مشاريع ثورية .
أي ديمقراطية إذا لم يكن لها ضوابط ستكون حكومة عصابات ، الحكومة شفافة وتتمتع بالمسؤولية والمحاسبة ، ولابد من مأسسة الاصلاح وإلا ستفشل في إدارة الدولة .
مستقبل قيس سعيد معتمد على الوضع الاقتصادي ، فهو أمر ينتظره الناس، فالوضع الاقتصادي سيكون له الكلمة الأعلى حسب رؤية الدكتورة انتصار. وعلى المعارضة أن تنتج بديلا .
مشكلة الزعامة عند الإسلاميين وعند الناس بالنسبة لحكامهم مشكلة نفسية .
ووجهة أمريكا عن الإسلام السياسي معقدة، ويمكن أن تنقسم إذا كان الكلام عن حكومات أو عن الأكاديميين .
هناك معسكران معسكر المستوعبين ومعسكر المواجهين، المواجهون يضعون الكل في بوتقة واحدة ويشيطنوهم، ومعسكر المستوعبين يعتبرونهم مختلفين ومتنوعين.
النهضة تميل إلى البحث والنجاة بعد درس الجزائر في التسعينات .
تساءل حسن حسن [6] هل نجحت النهضة في مواكبة الضرورة الوظيفية للمرحلة السياسية لما بعد الثورة؟ ويجيب عن ذلك بقوله:
– لقد حققت النهضة نجاحا منقوصا ومعتبرا في الآن ذاته، فالانقلاب حين جاء ولد مختنقا يحمل في أحشائه أسباب فنائه وإدارة النهضة والقوى السياسية التونسية للمعركة ضده إدارة سياسية وعقلانية تحقق نجاحات تراكمية معتبرة والمشهد السياسي التونسي الذي أثرت فيه قوى التحطيم والتعتيم السياسي يعود إلى التعافي والفرض الشعبي يتحول بوتيرة سريعة نحو الوجهة الصحيحة .
– النهضة تستعيد ألقها النضالي وقسما هاما من قاعدتها الغاضبة.
ويرصد العجمي نورين التحديات والمنجزات والأخطاء فيقول:
– كان على النهضة الإسلامية التي تعتبر نفسها تيارا من تيارات الإسلام الديمقراطي بتمايز نسبيا عما يعرف بحركات الإسلام السياسي أسوة بحزب العدالة في تركيا كان عليها وهي الوافدة على الحكم أن تبرهن على عدم التعارض بين الإسلام والديمقراطية وعلى دعم خيار المصالحة الوطنية الشاملة ونهج الانتقال على قاعدة التوافق السياسي مع المكونات المخالفة بما في ذلك التوافق والتسوية التاريخية بين منظومة الثورة والمنظومة القديمة لإقامة حكومات ائتلافية والمشاركة فيها عقب كل انتخابات عامة ، وقد بينت هذه التجربة حدودها ووعودها حسب شروط الممكن التاريخي وكانت ظروفها واستعداداتها يؤثر وتتأثر خيارا على تجذير الديمقراطية التشاركية المشبعة بأشواق الحرية وعناصر الهوية الإسلامية العربية وبناء دولة مدنية لشعب مسلم.
– تعرضت تجربة الانتقال الديمقراطي لنكسة بمفعول تصاعد موجة من الشعبوية التي استغلت أخطاء السنوات العشر الماضية من عمر الثورة التونسية وقد مثل انقلاب قيس سعيد ردة عن مسار الانتقال الديمقراطي وهدية ثمينة للثورة المضادة والدولة العميقة المتربصات بثورات الربيع العربي فكانت حالة الاستثناء أو ما يسمى بالدكتاتورية الدستورية إيذانا بتوقف قطار الديمقراطية وفرض منظومة حكم فردي وشعبوي مبتذل طرحت على القوى الوطنية مهمة تشكيل جبهة واسعة لنضال العودة الديمقراطية وبناء بديل سياسي مجتمعي قائم على المشترك الوطني وعلى تقويم المسار وعدم تكرار أخطاء الماضي.
– حرصت القوى المناوئة للإسلام منذ فترة التأسيس وحتى زمن التمكين والسيادة على أن تبقى الأمة المسلمة أمة غير تامة التكوين والتكميل رغم أن دينها قد اكتمل وتهيأت شروط الرشد الإنساني للنهوض بالمهمة الاستخلافية والمقصود بإبقاء الأمة غير تامة التكوين ومنع التماهي والتطابق بين حقيقتها الثقافية والديمقراطية وبنيتها السياسية عن أن تكون فاعلا جيوسياسيا يتوفر على مقومة السيادة بما هي استقلالية الخيار والقرار وفرض الجدارة بالاحترام وإخراج نظام عالمي يراعي كرامة الإنسان وخصوصية الشعوب وينشد العدالة والتضامن .
– واقع الأمة اليوم هو التشظي والتبعية ، الدرجة الدنيا من السيادة ، الدرجة الصفر من الوحدة السياسية فإن عودتها عاملا مؤثرا خارج مدار المحاور المهيمنة على العالم وبواقع دورة حضارية يكون فيها كلمتها هي العليا.
– إدراكها العميق لطبيعة صراع الحضارات والمصالح وحقيقة ميزان القوى الذي صنعه انحطاط المسلمين يفرض عليها إعادة البناء وتحرير فعالية نخبها وشعوبها وتفعيل طاقاتها الدفينة وعناصر قوتها الروحية والفكرية والعملية لبلوغ أقصى ممكنات فعلها الجيوسياسي كمنظومة تأثير محلية ودولية وكقوة خير ونفع للبشرية جمعاء لا مناط لها من الاجتهاد والتجديد والمصالحة مع العصر والبدء بالمراجعة الداخلية وتغيير ما بأنفسنا من أجل عالم جديد، ولعل في الفرصة التاريخية التي وفرتها ثورات الربيع العربي ما يقرب من هذا الهدف شريطة النجاح في أن لا يكون دولة المواطنة دولة فاشلة وأن يتحول البناء الديمقراطي إلى مشروع فوضى تعود من محرقته الدولة العميقة والثورة المضادة إلى موقع القرار لتعيدنا عقودا إلى الوراء وبكلفة باهضة، إنه الاختيار الأهم الذي على قوى الثورة والإسلام أن تفوز فيه.
يقول الصحبي عتيق [8] وهو يرصد دروس التجربة أن :
– النهضة في عملية الفصل بين الدعوي والسياسي ساهمت في تهميش الشأن الديني بشكل كبير، والنهضة في التخصص السياسي ساهمت في تهميش هذا المجال، ضعف في خطابه وضعف في بنيته، وضعف في مؤسساته ، وغياب النهضة عن وزارة المضامين وهي الثقافة والمرأة والشؤون الدينية والتربية ساهمت في تهميش هذا الشأن.
– الحركة في الفترة الأخيرة خففت كثيرا من المرجعية الإسلامية وهذا التخفف ساهم في تهميش الشأن الديني وساهم في خسران الجزء الكبير من شعبيتها، وقاعدتها الانتخابية.
– يحسب للنهضة أنها دعمت حريات ومكاسب المرأة ودعائم النظام الجمهوري الديمقراطي وبددت كل المخاوف المتعلقة بالخط المجتمعي طيلة بقائها في الحكم .
– قدمت نموذجا لحركة متصالحة مع هوية الشعب والمطبعة مع السلطة ونجحت سياسيا وفشلت في الملف الاقتصادي الاجتماعي وخاصة بعد 2014م والتحالف مع حكومة يوسف الشاهد مما جعلها تدخل حسابات حزبية على حسابات المجتمع ومقاومة الفساد والانخراط الشعبي من التنمية الجمهورية والتمييز الجهوري.
– بعد عشر سنوات للنهضة اختُزل المشروع الحضاري للنهضة في بعده السياسي بمعناه الضيق وهو التنافس على الحكم وضمرت الأبعاد التربوية والأخلاقية والثقافية والتجديدية مع خروج من الحكم، أي خرجت من الحكم فاشلة وأداء خلف موجة من الكراهية والغضب ضد الحركة ورموزها حقا أو باطلا هذا الانطباع، بل كادت تخرج متهمة بالفساد.
– فشلت في إدارة الحوار والتنوع الداخلي وفقدت جزءا من قيادتها ومناضليها ومناضلاتها.
– هناك شبه إجماع داخل الحركة ومؤسساتها كما قال الصحبي عتيق – وهذا الكلام منه بعد انسحابه من المكتب التنفيذي منذ شهرين – على أن الحركة تحتاج إلى مراجعات عميقة بعد انقلاب قيس سعيد وهي مطالبة بتقديم نقد ذاتي صريح وجريئ واتخاذ خطوات إصلاحية حقيقية تتناول بالأساس الانتقال القيادي ، جيل قيادي والتجديد والتشبيب والمأسسة والدمقرطة ، ديمقراطية القرار داخل المؤسسات وإدارة المقدرات البشرية والحولية في إطار من الوضوح والشفافية.
– مراجعة علاقاتها مع الهوية وبالإسلام ، وتراجع علاقتها بالمجتمع وخياراتها وموضوع الحكم ماذا حقق لها.
– المشاركة في الحكم ليست مقصدا ولا هدفا وإنما وسيلة لتحقيق المشروع داخل المجتمع، فهذه مراجعات جذرية ضرورية لابد أن تقوم بها النهضة.
يقول زهير إسماعيل – مستشار الرئيس المرزوقي- جملة من الملحوظات:
– أن الغنوشي لم يكن عنده طلاب يعيشون نفس مستواه الفكري، بينما كان أربكان وفي نفس الوقت هو أردوغان.
– الاستبداد تحالف مع كل ميت من الغرب ولم ينقلوا الحي، وقد حاول الاستبداد التقولب مع مقولات حداثية.
– المقاصد تحويل النص إلى مفاهيم ( حفظ النفس والعقل والدين والمال والنسل).
– صمدت تجربة الانتقال لعشر سنوات على خلاف تجارب أخرى مصر وليبيا واليمن، وذلك لثلاثة أسباب:
إجماع على مفهوم الدولة رغم الاختلاف على مضمونها.
مؤسسة عسكرية وأمنية بعيدة عن كل التجاذبات وليس لها أي طموح سياسي.
التقاء ممثلين عن القديم والجديد وهو لقاء النهضة ونداء تونس وسط المشهد الاجتماعي مع ضمور الأطراف في انتخابات 2019م ولم ينتبه إليها الناشطون السياسيون وقادة الفعل السياسي، وظنوا أنها انتخابات بمزاج الثورة.
– الانتخابات لها ظاهر وعمقها شيء آخر، ما حدث هو صراع داخل الدستور وداخل المنظومة الديمقراطية بالإضافة للصراع ضد الديمقراطية من قبل الحزب الدستوري الحر ومهمته داخل البرلمان ترذيل وتعطيل البرلمان، وقيس سعيد من خلال إسناداته الدستور.
– بدا عدم إجماع على مفهوم الدولة وقدّم قيس سعيد مفاهيم غريبة، بل من يدافع عن مدنية الدولة من الحداثيين والعلمانيين أصبح لهم قابلية التسليم بالجمع بين السلطان في يد شخص واحد.
– التحرش بالمؤسسة العسكرية والأمنية، قيس سعيد يضع خلفه قادة الجيش ويهاجم خصومه السياسيين.
– ما مكّن من قضم المنظومة الديمقراطية هو ضمور الوسط بمعنى نداء تونس انتفى وأصبح أشلاء وحبيبات صغيرة، والنهضة في هبوط ونزول في عدد الناخبين لها من مليون وأربعمائة ألف إلى تسعمائة ألف إلى خمسمائة ألف.
– الانقلاب وجد مبرراته في تعثر التجربة الديمقراطية والتعثر لا تبرر الانقلاب، والخطأ لا يبرر الخطايا.
– الانتقال الاقتصادي مشروط بالانتقال السياسي ، والتحدث عن البنية الفوقية والبنية التحتية والممارسة السياسية قد تخفي في أغلب الأحيان كل ما هو سياسي.
– يعتبر الدكتور عصام عبدالشافي [9] أن التقييم من شخص ينتمي لتجربة توصف بأنها فاشلة يعتبر تحديا، فمرآة من خارج المشهد يمكن أن تفيد التجربة.
يرى الدكتور طارق الزمر [10] :
– النموذج السياسي هو ما تسعى إليه وما تقدر عليه وهو ما تصل إليه النتيجة بغض النظر عن استهداف هذه النتيجة. كما أن هناك تنظيرا سياسيا كبيرا يفوق الأداء السياسي المطلوب ، فالتنظير السياسي العميق لم يستطع ان يدفع في قدرة الاستبداد عن العودة حينما يريد أن يعود، والإقرار بتهميش الدين عن المجتمع كان يوجب على النهضة واجبات أخرى، والموائمات السياسية التوافقية التي اعتمدتها النهضة في إدارة مرحلة الانتقال لم تسهل الانتقال الديمقراطي وإنما عقدته واحتوى على تنازلات خطيرة رغم أنها لم ترض الاستبداد ولم توقفه.
– الاهتمام بالعامل الدولي مهم لكن لا يمكن اعتباره معيارا للنجاح.
– المطلوب بعد الثورة بناء مكاسب صلبة وليست هشة ليلتف حولها الناس وتحمي الثورة والانتقال.
– حين تقوم بالتقييم لابد من نموذج معياري يحتكم إليه.
– النظرية الاستراتيجية للمشروع فيها خلل كبير، فموضوع الأداء والسلوك في الميدان مثل اللعب مع فرق الأندية الرياضية تكون عارفا حرفية وقوانين الفرق، وإلا سيكون الموقف تفاعل مع الحدث وردود فعل وسير على نفس الخُطا.
– لابد من نظر في الرؤية والمعايير والخطاب والقيم، تفاعلك مع الآخر هل إذا هبت رياحك تغتنمها أم لا؟
– لابد أن تكون القيادات قدوة للشباب في مطالبتها بالديمقراطية وتطبيقها، هنالك مشكلة في الفهم المؤسسي لهذه الأمور.
– هناك غياب لمراكز التفكير المختصين والخبراء وأهل الذكر حتى تحدد ما تريد أما أن تقرر القيادات ما تريد بالتجربة والخطأ وتهميش القواعد ثم يقولون هذا ما أفلحنا به وهذه القدرات المتاحة. اسأل أهل الذكر والاستراتيجيات الكبرى.
– استلهام التجارب البشرية التي استُخلفت في الأرض صارت إلى معايير من ضمنها 17 هدفا عالميا لإنقاذ البشرية.
– الرابطة الرؤيوي في طرحك الاستراتيجي.
– ترديد مصطلح الفشل حسب نظر د. حسن حسن في تجربة حكم الإسلاميين بعد الربيع العربي سابق لأوانه باعتبار أن التاريخ لازال يصنع.
– ديمقراطية الرأي العام والمباشرة يسيطر فيها الإعلام ورجل السوق ومواقع التواصل وهم اللاعبون الذين يحددون الرسالة والسردية والمنحى والتزمين.
– صناعة الوعي شيء آخر أهمله القائمون على الثورة.
– أكبر عامل في تراجع ثورات الربيع العربي هو فقدانها الغطاء الإعلامي، فالمعركة الإعلامية أم المعارك ولها الحسم.
– هناك أخطاء حدثت من النهضة بعضها- كما يرى صلاح الدين الجورشي – مقصود وبعضها جاء في سياق الممارسة، حين عملت المعارضة مسيرة يوم عيد الشهداء، وحصلت مواجهة مع قوى الداخلية بقيادة وزيرها النهضاوي فاتهمت النهضة بممارسة القمع ضد الديمقراطيين الثوريين وهذا بقي له أثر سلبي مع المعارضة والأحزاب. وكذا اشتباك الأمن مع مجموعة تريد الهجرة إلى الجزائر وترك قراها لاحتجاجات تنموية فاستقر في ذهن الناس ممارسة النهضة للقمع.
– ملف العلاقة الملتبسة بين النهضة والتيار السلفي الجهادي المتشكل الصاعد في عهد الترويكا كان له أثر سيء على النهضة وإدارتها للسلطة، رغم تصور النهضة احتواء الغنوشي لهذا التيار، ولكنه جاء لأجندة خاصة ودور وطني محلي وإقليمي ودولي لا علاقة لها بالتحالف مع أي تيار إسلامي. ومن هذه العلاقة مع هذا التيار تركبت مشكلة الاغتيالات السياسية على النهضة تهمة لها بالتخطيط والأصر بذلك رغم عدم وجود أي براهين تثبت تورط النهضة، لكن في إطار الصراع السياسي وظروف غامضة وأوضاع اقتصادية معيشية وفشل سياسي في إدارة الحكم فإنه يصعب في لحظة من اللحظات أن تميز الخيط الأبيض من الأسود.
– فشلت النهضة في اختراق المؤسستين العسكرية والأمنية لتكون رديفا لها على تحقيق مشروعها، ودخلت معها في صراع من أيام ابن علي وجاءت الثورة منقذة للنهضة وحاولت تكون عنصرا فاعلا فيها، ولم تملك الرؤى والقدرات والبرامج والقدرات البشرية قادرة على إدارة الدولة في مرحلة صعبة والآن أكثر صعوبة.
– هناك قضايا استراتيجية عليها أن تفكر فيها ولا تفكر كيف تعود إلى الحكم والسلطة لأن السلطة أضرت بالحركة وتونس تحتاج لحركات سياسية تفكر على المستوى البعيد وتوفر القوت للتونسيين وأن تخلق ديناميكية سياسية واجتماعية جديدة.
– يقول السفير السوداني الأسبق العبيد ملوح طول انقطاع تجارب الحكم القائم على الإسلام كدين ودولة عند العرب والاضطهاد الذي تعرضت له حركات الإسلام في بلدانها لم يمكنانها من خلق وصياغة رؤية واضحة وعصرية لتنزيل الإسلام على أرض الواقع ولما وصلوا إلى الحكم كان رصيدها هو الدولة القطرية التي ورثوها من الاستعمار. الثقافة الغالبة على التيارات الإسلامية نحاكمهم على الصورة المثالية للإسلام.
– تونس منحت النهضة قدرا من التفويض 37% و27% إلا أنه لم يفوضها لتحكم وفق برنامجها فضلا عن ان النخبة المتغربة لم تسمح لها من الاقتراب من القوة الصلبة ولا القوة الناعمة والنقابات مناطق محروسة من الدولة القديمة عن أن يقترب إليها الإسلاميون على المستوى القيادي.
– يعتبر السفير العبيد ملوح أن المواجهة بين التيارات الإسلامية والقوى الغربية المهيمنة ومع دول خليجية تضخ المال ليس من مصلحة هذه التيارات والاستقرار في المنطقة فلا بد من اعتماد منهج الحوار وتوضيح موقف التيارات الإسلامية من القضايا العالمية الملحة.
– لابد كما يقول عصام عبدالشافي من الاستفادة من الدرس المصري لأي درجة من الدرجات فيما يتعلق بوسائل الإعلام والتعامل معها، وفي إدارة العلاقات المدنية العسكرية، وفيما يتعلق بالبعد الدولي والإقليمي.
– الرهان على البعد الدولي خاسر بنظر عصام عبدالشافي كونها لا تقبل بالإسلاميين في المشهد السياسي.
– الرهان على تأثير الأزمة المالية على النظام وانهيار الاقتصاد التونسي وأن هذا يمكن الرهان عليه، هذا الرهان خاسر ، لتجربة القوى المصرية عليه.
– عملية التشويه للإسلاميين الدرس المصري حاضر فيها، إذ تقدر التقديرات المادية أنه تم إنفاق حوالي 6مليار دولار على الإعلام ، وظهرت عشرات القنوات الخاصة، القنوات العربية الموجهة ضد مرسي والقوى الثورية ولم تستفد منها تونس.
– الحركات الإسلامية تمتلك كثير من المادة والقدرات البشرية والخبرة العملية في الممارسة السياسية، ولكنها صفر إعلام، فالقنوات والمنصات التي تتحدث باسم الإسلاميين الفشل مهنيا والعجز ماديا وغياب الرؤية وكثرة المتدخلين من غير المختصين، عدم فهم قوانين اللعبة ، تخلف في مجال الصورة ومعركة الرموز ، فلدى الحركات الإسلامية آلاف الرموز التي يمكن توظيفها ولكن لم يحصل وأحيانا يتم الحرق بأدوات هذه الحركات في إطار المعارك البينية الصراعية.
– أسوأ عامل مرتبط بين جميع الحركات الإسلامية السياسة هو سوء إدارة الموارد المادية والبشرية.
– القنوات المصرية في الحالة المصرية توفر لها خلال السنوات الماضية ملايين الدولارات، ولكنها لم تنتج إعلاما ثوريا حقيقيا يستطيع أن يدافع عن التجربة نفس الأمر ينطبق حرفيا على تجربة تونس، توفر لها ملايين الدولارات، ولكن كام هناك رهان على الإعلام الخارجي ليدعم في مرحلة من المراحل دون إدراك أن الإعلام الخارجي مرتبط حرفيا بأجندات تخص الدول المصدرة لهذا الإعلام والدول التي تقف خلفه وهذا تحد آخر يجب الانتباه له .
– في إدارة العلاقات المدنية العسكرية كان درس مصر بليغا جدا، وهناك دراسات جدية بعد الثورة عن هذا الشأن وخبراء متميزين في هذا المجال كالدكتور عبدالفتاح المركز العربي للأبحاث.
– هناك كتابات وتنظيرات ومعظم الناشطين السياسيين يتعاملون مع الكتابات أنها تنظير ولا يعتبرونه وليس له قيمة.
– المنظرون ملتصقون بالواقع ويعرفون أبعاده المدنية والعسكرية السياسية والدولية والداخلية وكل مظاهر التحول السياسي.
– لابد من بناء هذه الفجوة بين المنظرين والمفكرين والعلماء وبين الناشطين والممارسين، أحد أهم انتكاسات الثورات الشعبية هو هذه الفجوة.
– في عام 1936م كتب كتاب بعنوان تشريح الثورات ، وبعد الربيع العربي أعيد كتابته مرة أخرى في جامعة كمبردج.
– التاريخ الطبيعي يعاني من إشكال حقيقي لأنه يقارن بين الثورات ونشوء الأمراض ، وكيف يضع لها مراحل، الثورة ليس عنصرا داخليا فحسب ، والعالم كله يعيش أزمة قوس ممتد من الخليج إلى المغرب العربي، هذه الثورات هزت العلاقات الإقليمية، فالتأكيد على التاريخ الطبيعي يهمل العنصر المؤسس.
– الحركات الإسلامية في مجال الإعلام غير مبدعة كما تقول الباحثة فاطمة التومي، وعندهم قابلية للشعور بالاستهداف دون مقاومة ودون صناعة سردية مغايرة ودون محاولة لاكتساب الحرفية، فالحرفية في أي مجال لا تُهدى بل هو تمشٍّ ومحاولة السير والتعلم من الأخطاء وبناء مسارا خاصا بالحركة، فلكل هوية طريقة في التعبير عن نفسها وأدائها، لها دلالاتها الثقافية ولها لغتها ولها قابليتها وشعبيتها وجاذبيتها والحركة الإسلامية حسب فاطمة التومي [11] لا تحسن هذا ولا تسويقه ولا تحسن وضعه في إطار مزين يجلب الناس، حتى إن حاولت فعل ذلك فتفعله بطرق أخرى لا تتماشى مع هويتها ومرجعيتها الفكرية والثقافية ومع الفلسفة التي بنتها وتبنتها، كل حركة على حدة في خلال المسار الذي نتعثر فيه حينا ونقف أحيانا ونمشي فيه أحيانا أخرى.
– مراكمة التجارب السياسية وتعلم الدروس السياسية آن لها أن تتحول إلى محاولة لمراكمة خطاب سياسي وتقديم العمل السياسي عبر الوسائط الاجتماعية والإنترنت.
كل فعل سياسي هو فعل تواصلي واتصالي ولا يمكن أن تصنع صناعة بدون هذا.
– محاولة استنساخ الثورة المضادة المصرية في تونس، اعتقال بعض الشباب ، أغاني راب تلقى شعبية معينة ، تتحدث عن الفقر والتهميش وعدم التواصل مع من يحكم، فقدان الأمل عند الشباب، وتفاقم الأزمة عند طبقة الشباب ، تفاقم أزمة الشغل، مشاكل اقتصادية واجتماعية ، وشباب يقفون عاجزين أمام نخب لا تنظر إليه ، وأمام طرح سياسي ليس هو جزءا منه، وأن هؤلاء كبروا في خضم الثورة ولم يعايشوا الاستبداد ولم يروا في أغلبهم مآسيه لكي يروا أن الحرية في أغلبها ورغن المآسي هدية وتمثل أمرا مهما.
– الحركات الوطنية التحررية والقوى اليسارية بعد الاستقلال عاشت تحديات شبيهة بالتحديات التي تعيشها حركات الإسلام السياسي حسب نظر أحمد قعلول، وربط الأمر بالإسلام السياسي والاستهداف ليس دقيقا.
– من إشكاليات الإسلام السياسي اعتبار أنه يُتعامل معهم على أساس أنهم إسلاميون، فالكثير من الدول الإقليمية والدولية المتقاطعة تتعاطى بالمصالح و البرامجاتية.
– من إخلال الحركات الإسلامية لا يمكن لرجل السياسة أن يمارس سياسة خارج التأسيس الأكاديمي والنظري لأنه بعيد النظر فهو عمل أكاديمي يصوب ويرشد عمله السياسي.
– العمل الأكاديمي يعيد انتاج خلاصات عن الواقع بناء على دراسات ميدانية واجتماعية فهو الكفيل بترشيد عمل الحركات الإسلامية وهي لم تفعل هذا. النخبة السياسية الإسلامية وغيرها ثقافتها وفعلها السياسي غير مبني في عمومه على هذا الفاعل ونحتاج في العالم العربي لمثل هذه الندوات وعمل دراسات كمية قادرة على الخروج بخلاصات.
– المشاكل الكبرى بحسب صلاح الجورشي [12] للحركات الإسلامية لا تحقق التراكم ، كل تجربة تقع لا يقع دراستها بشكل جيد ومعمق ، ويطغى في عملية التقييم الجانب التبريري الدفاعي وبالتالي لنفس الحركة أن تعيد نفس الأخطاء ولو بنسب متعددة فما بالك بحركة تحاول أن تستفيد من أخطاء الحركات الأخرى.
– مشكل متعقل بالمنهجية وفي عقلية التفكير في دراسة الحياة، في تونس ما هي أهم نقطة تم التقاطها في التجربة المصرية هو عدم التصعيد ، هو الانسحاب في الوقت المناسب حتى لا يقع الصدام، وحتى لا يقع تأليب الرأي العام الداخلي والخارجي على النهضة.
– دراسة الحالة المصرية ومراجعتها والتعمق في أخطائها بحسب المعلومات المتاحة لم يحصل ، ولم يحصل لأن النهضة مثل الحركات الأخرى دخلت بعد الثورة مباشرة في عملية براجماتية وفي الانغماس في العمليات اليومية، ولم تسمح الحركة لنفسها بأن تتخذ مسافة من الأحداث في تونس لكي ترتب ترتيبا عقلانيا وجيدا لعملية دخولها للساحة السياسية وانتقالها بالخصوص إلى السلطة، ولما دخلت في السلطة وانخرطت في العمل الحكومي ظنت بأنها تمسك بالسلطة بينما ذلك هو الجانب الظاهري من السلطة.
– يعتبر نور الدبن العرباوي [13] أن النهضة كان لها مشروعها الخاص في أن تكون جزءا أو قائدا في الحكم الجديد وهذا حققت فيه شيئا في تحالف 2012-2013م ، ولكن بعد ذلك الواقعية في التعامل مع الساحة السياسية هو ما جعلها تتقارب وتتعايش مع نتائج انتخابات 2014م.
– تجربة التحالف الإسلامي العلماني في تونس استفادوها من التحالف الإسلامي الإسلامي في مصر ، ولم تستمر التجربة نتيجة ضعف القوى العلمانية وخسارتها في انتخابات 2014م، والنخبة العلمانية ضعيفة الامتداد الشعبي لكن حضورها في الذهن الشعبي وعلاقاتها الدولية وشبكاتها، وقد خذلتها شعبيتها ولازالت موجودة. بقاء التجربة التونسية وحياؤها هو الاعتراف بالنخب التونسية التي حكمت البلاد.
وفكرة التحالف الإسلامي العلماني جديرة بالبحث والتحقيق والاستمرار بمعطيات وشروط جديدة تجعلها تنجح.
– يعتبر محسن السوداني [14] أن مكمن أخطاء التجربة التونسية هو اختزال واحتكار الأداء في الخطاب السياسي من طرف الحقوقيين بحيث أن الصوت الثقافي في الثورة التونسية ضعيف جدا، بل معدوما، فلدينا قوانين متطورة، ولكن ضعف الثقافة بذلك، ودلالة هذا التباعد ضعف الشبع الثقافي.
– وصل الحال بالوضع التونسي حسب محسن السوداني إلى مستوى توازن العجز ، كل القوى بما فيها الرئيس عاجزون عن دفع الأمور بالاتجاه الذي يريدونه.
تعجز الحركات الإسلامية في تسويق منجزاتها على كافة الأصعدة.
– حركة النهضة بحسب القيادي رضى السعيدي [15] ولجت فضاء الحكم 2011م دون استعداد وبرنامج العمل العام دون البرامج التنفيذية التفصيلية لكل وزارة ، ودون استعداد على توفر الكادر البشري الكفئ والإطارات المدربة نتيجة السياسة الاستئصالية حيث إطارات الحركة مقصاة من مؤسسات الدولة وأجهزتها أكثر من عقدين من الزمن، وعندما بدأت في تجميع كفاءات الحركة وخبرائها عام 2011م وجدوا الصعوبة الكبرى في من يكون داعما لهذا البرنامج العام للمشاركة السياسية وإعداد البرامج التفصيلية، لم تكن مهيأة لتسيير دواليب الدولة من مركز القرار الرئيس ، كان هناك مسؤوليات أخرى غير المركز الرئيس وتفويت الفرصة على الاستهداف الممنهج من الأطراف المتربصة.
– حينما ترأست النهضة الحكومة اعترضتهم عوائق سياسية وإدارية وتجاذب سياسي واستقطاب وإعلام معادي انخرطت معهم دوائر الأعمال والمال، تنامي الإضرابات وتعطيل المرافق العامة .
– النهضة لم تحكم فعلا بل أشرفت على الحكومة كما شاركت في الحكومات بأعداد مختلفة وتقديم تنازلات استفاد منها الحلفاء أكثر من استفادة النهضة.
– لم تتوفق النهضة في اختيار بعض المسؤولين للإشراف على بعض الوزارات، فلم تخضع لمعايير الكفاءة ولا التجربة.
– إعطاء الأهمية للجهات المختصة للنهضة مثل مركز الدراسات الاقتصادية في توجيه السياسات العامة ولم يكن مرجع نظر الكتلة البرلمانية فحسب، بل مرجع نظر فضاء الحكم وممثل الحركة في الحكومة.
– كان هناك بحسب رضى السعيدي تجنب لعملية تقييم أداء الحركة في الحكومة وكانت هناك مطالب في هذا الاتجاه لتكون الخيارات عقلانية وعلمية وموضوعية.
– إخفاق بعض ممثلي النهضة في التعامل مع الأطراف الاجتماعية كالاتحاد التونسي للشغل والتوترات واهتزاز الثقة التي ولدت أزمات متكررة.
– من خيارات النهضة الخاطئة التركيز على المشاريع الكبرى لتطوير المرافق العامة والبنية الأساسية ولكن آثارها تأتي بعد سنوات وليس في سنة الإنجاز وكان الأجدر التركيز على المشاريع والبرامج الصغيرة التي تستهدف مباشرة المواطن والفئات الاجتماعية ليكون مساعدا على تعديل الانطباع العام مطابقة للحقيقة.
– هناك إخفاق في المعركة الاتصالية الإعلامية ، حيث لم تكن تملك خطة اتصالية ناجعة قادرة على مواجهة الإعلام المعادي ولا يزال موجودا حتى الآن.
– ضعف تسويق البرامج الهامة والمشاريع النموذجية والإصلاحات المنجزة والنتائج الاقتصادية التي تعتبر الأفضل في العشرية ما بعد الثورة حتى قبلها وفي نسبة الاستثمار المسجلة ونسبة النمو المسجلة وبعض المشاريع المنجزة.
– تجربة النهضة في الحكم بنجاحاتها واخفاقاتها فيها من الثراء والتراكم والخصوصية ما يجعلها جديرة بالدراسة وتعميق النظر في تفاصيلها، وكلن لهذه التجربة أن تحقق نجاحات هامة لو تم تلافي الأخطاء في الخيارات السياسية فطبيعة التحالفات وترشيد مسالك اتخاذ القرار.
– كثيرا ما يتساءل وينتقد المتابعون الحركات الإسلامية ومنهم القانوني الجزائري إدريس ربوح [16] التي تصدرت المشهد الثوري العربي أن ممارستها كانت إصلاحية وليست ثورية وأنها تتميز ببراجماتية عالية وهم يسمونها تحالف وليست كذلك بل ائتلافات حكومية فقط، إذ التحالف له شروط ويمتد بالزمن وليس بنتائج الانتخابات.
– الائتلافات ذات طابع مصلحي انتخابي بحت وليست توافقات إصلاحية.
– الاستفادة من تجارب عريقة كالجزائر والمغرب الأقصى أكثر من مقارنة تجربة مصر محدودة الزمن.
– التجربة التركية نجحت بالتركيز على المشروعات الصغيرة والبلديات والخدمات وانطلقوا منها.
– التحالف كان على المستوى المركزي وليس القاعدي الميداني.
– تعتبر جوهرة التيس [17] أن النهضة دخلت في نوع من المركزة المفرطة وخاصة بعد مؤتمرها العاشر، وكانت التعيينات تخضع لمقاييس الولاء ليس للحركة وفكرها وإنما لزعيمها مع بعض الاستثناءات القليلة عن الخط العام، فالوزير يقوم بالعمل نيابة عن الحركة داخل الحكومة لا يدين بالولاء إلى قواعد الحركة ولا مؤتمر الحركة ولا مؤسسات الحركة بقدر ما هو سيحاسب أمام رئيس الحركة فيبقى مشدوها بمراقبة رضاه وسخطه وبالتالي تمسح أخطاؤه وإخفاقاته بالرضا وتضخم ويلقى عليها الضوء بالسخط ، هذا التدهور في الأخلاق الحركية والنضالية وفي كيفية اختيار الأسماء التي تنطق باسم الحركة في الدولة، تصدُّر للشأن العام هذا رجع بالسلبية على الأداء.
– لوائح النهضة تقول إنها حزب اجتماعي يعتمد على الاقتصاد الاجتماعي والتضامني ، وممارسة النهضة للسياسة كانت ممارسة ليبرالية صرفة، ومن قدمتهم للحكم لم يكونوا يتبنون الرأي الاجتماعي وإنما رؤيتهم ليبرالية، فجابر العذاري الذي استقال من النهضة 2016م شخص ليبرالي وتوجهاته ومنطقه ليبرالي ومن تقدمهم النهضة منذ خمس سنوات توجهاتهم ليبرالية إلا أن هذا التناقض الكبير بين ماكينة النهضة في لوائحها وبين ما صدرته للشعب والشأن العام ترك هذا المأزق على النهضة في التحدي الاجتماعي والاقتصادي والتنموي.
– في ظل انقلاب قيس سعيد وحكم المجهول وتوازن العدم حسب توصيف محسن السوداني ما هي التحالفات السياسية الجدية والضمانات التي يمكن أن تقدمها النهضة إلى المنتظم السياسي التونسي حتى يثق بها مجددا في المرحلة القادمة الذي يشتد الخناق عليه إلا إذا موله الغرب بنظرية القلق، كلما كان قلقه كبيرا كلما كان دعمه كثيرا.
– عدم وجود خطة اتصالية لترويج أعمال النواب وإنجازاتهم ومشاريع التنمية.
دخلت حركة النهضة الدولة وكل شيء مفككا حتى وحدات الاتصال ورئاسة الحكومة لم تكن مهيكلة وإنما بالتعليمات لا وجود لخطط، لا وجود لتسويق لسياسات ومشاريع وغيره، دخل في ظرف ثورة لم يكن مستعدا لأن يتحمل مسؤولية أعباء الحكم دون خبرة وحاول أن يصدر أفضل كفاءاته.
– في مسألة الكفاءات تقول فاطمة التومي وهي اشتغلت في إطار فضاء الحكم في الحركة لمحاولة وضع معايير وطرق وأساليب لتصدير كفاءات للدولة، ولا وجود لاحترافية وحرفية في العمل السياسي 100%، هناك تقدير لأي شخص لأي مهمة ، ولا وجود لحرفية تأتي من صفر إلى 100%، هذا تمشٍّ والتمشي لابد أن يكون مسايرة لتبني هذا التمشي لتعليمه للتوعية للثقافة به ثم لتنزيله.
– تقييم الكفاءات التي صدرتها النهضة للحكم يكون بمقارنة مع كفاءات الأحزاب الأخرى.
– كل الأزمات الكبرى إما أن تحسم عبر ميزان القوى ويكون الطرف القوي هو الذي يفرض رؤيته وحله وهذا مالم يحدث في تونس 2013م، تعادلت القوى بين النهضة ومن يتحالف معها وبين المنظومة القديمة ، عندما تعادلت القوى ولم يستطع طرف الحسم حيث شلّت المؤسسات كان لقاء باريس تسوية في لحظة عجز المتصارعون والمتنافسون عن حسم الأمر بطرق ميزان القوى سواء الذين في الحكم أو المعارضة.
إذا لم يحسم الصراع بميزان القوى يحسم بالتسويات وهذا ليس عيبا، كل الأزمات بهذا المسار ولعلكم تنظرون إلى ما سيحصل في أكرانيا.
– مفهوم توازن العجز على المستوى الوطني كما يقول القيادي محسن السوداني، كل الأطراف غير قادرة على أن يدفع البلاد نحو الذي يريد.
– في سؤال تأثير كل من الخلاف التنظيمي على الأداء السياسي، والخلاف السياسي على المسار التنظيمي للحركة ، له تأثير كبير حسب نظر القيادي رياض الشعيبي وهو ما يتطلب إيجاد معالجات مستقبلية وفي نفس الوقت تحافظ على الوحدة الداخلية وتفسح المجال لديمقراطية الإدارة التنظيمية والسياسية للحركة، وتحافظ على الحساسيات الفكرية والسياسية داخل الحركة باعتبارها عامل تنوع يثري الخيار السياسي والأداء السياسي للحركة وباعتبارها رمزا لوحدة هذه الحركة ولاستمرار قوة تأثيرها في الساحة السياسية.
– التفكير بطريقة لإدارة جماعية للنهضة تتجاوز سلبيات الإدارة الفردية ، والقبول بحد معين من الاختلاف السياسي داخل الحركة من خلال التقنين، وضعية وجود تيارات مختلفة داخل الحركة يجمعها قانون ومؤسسات واحدة.
– ثقل التعبير بالإدارة الجماعية داخل الحركة على الاختلاف عن الخط العام داخل الحركة لحد الآن التعبير عن الاختلاف في الخط السياسي في الحركة لا يكون إلا فرديا وأي تعبير جماعي يجرم داخل الحركة والحركة وصلت من النضج والتطور الفكري والسياسي داخلها بالشكل الذي يجعلها تكون قابلة لوجود تيارات وجماعات في داخلها تعبر بشكل مختلف في استشراف مستقبل الحركة، وحتى تتجاوز السلبيات الموجودة الآن على المستوى الوضع التنظيمي وعلى مستوى طريقة صياغة قرارها السياسي فمن المهم البحث عن الحلول التي تحافظ في نفس الوقت على وحدة الحركة ولكنها تحترم آليات الديمقراطية لإصدار القرار وتحترم التنوع الفكري والسياسي الذي يوجد داخلها.
– النهضة بحسب عبدالحميد الجلاصي والمتنفذين فيها اعتمدت منهج الاستئصال ونفي التنوع وضرب الشرعيات ومركزة القرار، وقد حصل في المؤتمر العاشر إبعاد الكفاءات ومستقلي الرأي ليكون ولاؤها للولاء للعائلة للقرب.
– المحك الأساسي لقياس عمق القناعات وعمق التحولات هو إدارة العلاقة بالسلطة.
حسن إدارة التنوع يفتح آفاق التجديد ويثمن الموارد ويحسن الأداء ويتصدى للمخاطر ويستثمر الفرص، ولكن سوء إدارة التنوع والاستهانة بالخلاف لا يؤثر في المناخات والأداء الوطني فقط إنه يشوه الهويات ويولد مسخاً.
– وحدة الجماعات ليس معطى جامدا هي مركب يستدعي الرعاية وإعادة التشكل فير كل حين دون ذلك تصبح الوحدة صنما يعبد وعائقا أمام التغيير حسب عبدالحميد الجلاصي.
– النهضة انتهجت الشراكة السياسية بين العائلة الثورية.
– لم يكن هناك انتباه بحسب توصيف القيادي رفيق عبدالسلام لاحتمال تراجع مسار التجربة التونسية، ومبعث هذا امتداد الثورات العربية في أكثر من قطر بما رسخ القناعة لدى النهضة والفاعلين السياسيين في تونس وغيرها من الدول بأن مسار الثورة غير قابل للارتداد، والتهوين من شأن الثورة المضادة.
– الثورة واجهت الثورة المضادة ذات الأبعاد الإقليمية والدولية بأدوات محلية وهذا قصور في الوعي السياسي والتجربة السياسية.
– تجربة الحكم بينت المسافة الفاصلة بين أن تحكم وبين أن تكون لديك وسائل الحكم وأدوات السلطة ( المال الإعلام النفوذ)وبقيت بأيدي القوى المناوئة للثورة.
– لم يكن هناك وعي كاف بخطورة الإعلام في توجيه الرأي العام وفي تغذية مناخ التذمر والغضب وخدمة أجندة الثورة المضادة، فما تبنيه بالسياسة يتم هدمه بالإعلام وأدوات الدعاية والتضليل، فزرعوا روح الإحباط وتغذية الحنين إلى الماضي، وتغذية الإحساس لدى الجمهور أن الثورة فاشلة والشعور باليأس والإحباط.
– رغم حصول النهضة بعد انتخابات 2014م على مشاركة رمزية وتحكم نداء تونس بمفاصل الدولة إلا أن الإعلام والدعاية صورت أن النهضة هي القوة الخفية الأخطبوطبة المتحكمة في المفاصل وكل شيء، والناس حملوها تعثرات وسلبيات الشراكة السياسية.
– الحكم لا يحتمل الوقوف في المناطق الرمادية أو الوسطى، إما تحكم وتتحمل مسؤولية كاملة السياسية والأخلاقية أي تكون لك القدرة على توجيه القوى الصلبة في الدولة وكل مؤسسات القرار أو تبتعد عن مواقع الحكم المباشر.
– النهضة صاغت قولة حسب تعبير الغنوشي خرجنا من الحكومة ولم نخرج من الحكم، ولكن لم تترجمها إلى فعل.
– غلبة الروح التكتيكية على الاعتبارات الاستراتيجية في إدارة الشأن السياسي وأوضاع البلاد ، وكان هناك محاولة احتواء وتطويع بين طرفي الحكم النهضة ونداء تونس، وتريد النهضة ترويضه على المنظومة الجديدة وهو الدستور، حتى قال الغنوشي من دخل تحت خيمة الدستور فقد دخل تحت خيمة الثورة.
– الاستغراق في الشأن السياسي والبناء المؤسساتي على حساب المنجز الاقتصادي في المرحلة الانتقالية، والمرحلة الانتقالية عاصفة وتحتاج لبناء مؤسساتي استغرقت النهضة 3 سنوات في سن الدستور الجديد وهي وثيقة سياسية مهمة وعنان الثورة، وهذا الوقت الطويل لها بسبب عمق الاستقطاب الداخلي والمتغيرات الإقليمية ( ليبيا ) وكان المفترض سن الدستور في سنة.
– لا يمكن التهوين من صعوبة المرحلة التي كانت موجودة وتمر بها الثورة والتجربة السياسية الوليدة وهذا لا ينفي وجود مظاهر القصور في الوعي والممارسة السياسية لدى مختلف المكونات السياسية ومنها النهضة.
– في الاعتبارات التكتيكية هي انشغالات النهضة بخيار التموقع في الحكم وتطبيع وضعها مع الدولة على حساب المشاغل الوطنية العامة وكأن الحكم أصبح غاية في ذاته، وهذا التطبيع يعقبه تنازلات، ولكنه يبقى هدفا حزبيا لا وطنيا.
– معضلة التعاون والتعاطي مع المعارضة، وترسيخ الحياة الديمقراطية تحتاج إلى التحلي بروح المسؤولية والعقلانية من الأحزاب الحاكمة والمعارضة ، وأنت حين تجد نفسك في مواجهة معارضة عدمية يغلب عليها منطق المعادلة الصفرية تعمل على الاقصاء والنفي.
– النهضة تعرضت لعملية إنهاك واستنزاف في الحكم من دون أن تحكم ، وهناك مسافة فاصلة بين الانطباع العام والواقع الفعلي، فالناس يرون النهضة هي القوة الحاكمة ويحملونها سلبيات الحكم ، والانطباع العام عند الجمهور بتأثير الإعلام، والطرف الثابت في الساحة بعد تبخر الأحزاب هو النهضة فيتجه الناس إلى محاسبة الطرف الثابت.
– معضلة التعامل مع النظام القديم قضية سياسية مهمة في التجارب السياسية الثوري، فالنهضة تعاملت بقدر من العقلانية مع النظام القديم من خلال استيعابه في المنظومة السياسية الجديدة، فإبعاد الشخصيات السياسية القديمة لن يسهم في الاستقرار كما في ليبيا في العزل السياسي فكان الانقسام والحرب الأهلية.
– وكان المقترح هو سن قوانين تمنع مثلا تمجيد النظام القديم وتمجيد الاستبداد وقطع الطريق على المظاهر السياسية المدمرة التي أنهكت الحياة السياسية مثل ظاهرة عبير موسي والحزب الدستوري الذي جاء بمشروعية النظام القديم وخلفية المراهنة على إحياء النظام القديم وغذى الحنين للقديم وترذيل الحياة السياسية والمؤسسات الجديدة.
– ضعف الوعي بخطورة الحركة الشعبوية وما يمكن أن تقوم عليه من مغامرات سياسية ، وكان يمكن قطع الطريق عليها أو الحد والتخفيف من تغولها لو كان هناك تقديرات في هندسة المشهد السياسي وبناء التحالفات السياسية الصلبة.
– رغم اختلاط المكاسب مع الإخفاقات في مسار النهضة إلا أن العشرية الأخيرة تركت أثرها على النفوس في الواقع العيني ، ومن ذلك رسوخ فكرة الحرية وسقوط حواجز الخوف من وعي وضمائر التونسيين.
– زرعت فكرة الحرية وقيمتها في نفوس التونسيين وجذرتها بأقدار معقولة في الواقع، فهناك ارتداد على المستوى السياسي ولكن على مستوى الوعي الفردي والجمعي التونسي.
– إذا علمنا أن الثورات هي مسار مركب متعرج من التقدم والتراجع وليست مجرد نقطة عابرة ، فإنه يسعنا القول بأن الثورة التونسية لم تكتمل فصولها بعد وما زالت تعيش حالة من الاستقطاب العميق بين خطي الثورة والثورة المضادة. – النهضة لها مشاكل وتحتاج عشرات الندوات لعونها على فهم نفسها وفهم طبيعة مشاكلها، وعليها ألا تحل مشاكلها على حساب وحدتها وعلى حساب الدولة وعلى حساب مرجعيتها.
– هناك أجيال في الحركة لا توجد بينهم معاير تفضي لوحدة الرؤية وتأمين الانتقال القيادي ، فهناك مشكلة في العلاقة مع الأجيال الجديدة وخاصة الشباب، ولابد للشباب من أخذ موقعهم المناسب داخل الحركات، وتأمين الانتقال القيادي لهم. تتعرض الحركة لضغوط لتفك ارتباطها بمرجعيتها الإسلامية ، أن تجذر تونستها على حساب علاقتها بحاضنتها الإسلامية.
– كثيرا ما ينسى الإسلاميون بشريتهم، فهم بين الخطأ والصواب والافتتان وتقديس الأشخاص والأفعال حسب نظر العبيد ملوح.
– الخلاف طبيعة بشرية والصحابة اختلفوا واحتربوا، فلا ينبغي التهويل من أمر الخلاف حتى نجعلها تنقسم ، فلم ينقسم الصحابة بعد خلاف واحتراب بمعنى لم يتخذ كل منهما مذهبا مختلفا عن الآخر، نضع الخلاف في الوضع الطبيعي، والسلطة هي التي تصنع الخلاف سلطة المال والاعلام والحكم، فإذا لم تخاطب هذه السلط مخاطبة موضوعية وبشرية منهجية وخلفية مرجعية قطعا ستؤدي إلى الخلاف.
– قضية تجديد القيادات قضية فشل فيها كل الأحزاب في المنطقة العربية إسلاميها وقوميها وغيرها.
– الحركات الإسلامية تستعجل النتائج، كل واحد يريد رؤية نتائج مجهوده وبالذات القيادات في حياتها وهذا يدل على فقدان التفكير والرؤية الإستراتيجية، والتفكير الاستراتيجي يعني وضع الأهداف العليا فوق كل تفكير وحشد الوسائل التي توصل إلى هذه الأهداف الاستراتيجية وتحديد الإطار الزمني الذي يكون عشرات ومئات السنين .
– نتيجة الامتحان الأمني والتهجير على النهضة لم يسمح لها بالنمو الطبيعي كأي جماعة سياسية وأثر هذا على تناولها للقضايا وطريقة إدارتها الداخلية، ولكن عليها الآن أن تدار بشكل طبيعي وفق قانون داخلي هذا القانون فيه مقادير من الشفافية والديمقراطية والتشاركية ، وتحديد المدة الزمنية للقيادة بدورتين يمثل معالجة لكثير من المشاكل التي تعيشها الحركة بداخلها .
– النهضة لا ينقصها الأفكار ولا الأوراق ولوائح المؤتمر العاشر المنشورة من أعمق ما أنتجه الفكر الحركي الإسلامي في التنظيرات وتوضيح المواقف، والسؤال هو بحسب عبدالحميد الجلاصي ما علاقة نهضة الواقع بنهضة الأوراق، فأحيانا تصبح الأوراق مجرد أداة تسويقية ولا تشكل مرجعا في الممارسات ولا تشكل ثقافة مشتركة ووعيا سائدا.
– يعتبر الجلاصي في سؤال علاقة التداول القيادي أن الحركة عقرت، مفكر معقول سياسي ومتوسط ولكنه إدراي ضعيف ، والسؤال الجوهري هل الغنوشي يعيش بأدائه أو بصفته؟، وقد تردد المؤتمر التاسع في حسم الموضوع فهو الذي جعل الحركة اليوم تضحي بكل شيء من أجل زعيمها، فمجرد ظهوره في الساحة مجرد انطباع تستحضر خلاصة خمسين سنة من الصراع والاختلافات ، مجرد ظهوره حالة من الاستنفار المضاد، فالمحافظة والتردد هي التي تقضي على المشاريع الكبرى.
والله ولي التوفيق والهادي إلى سواء السبيل
الهوامش:
- ورقة قدمها رياض الشعيبي بعنوان: تأثير الخلاف التنظيمي على أداء الحركة وسياستها ضمن محور تقييم التجربة من الداخل والدروس المستفادة ، لمركز دراسات الإسلام والشؤون الدولية التابع لجامعة صباح الدين زعيم بتركيا، وهو قيادي في النهضة ومستشار رئيس الحركة الشيخ الغنوشي واستقال منها في عام 2019م ، دكتوراه في الفلسفة السياسية له كتاب الحوار الفكري السياسي رؤية تفكيكية.
- ورقة قدمها عبد الحميد الجلاصي بعنوان: تأثير الخلاف التنظيمي على أداء الحركة وسياساتها، ضمن محور تقييم التجربة من الداخل والدروس المستفادة، لمركز دراسات الإسلام والشؤون الدولية التابع لجامعة صباح الدين زعيم بتركيا، وهو قيادي في الحركة استقال في عام 2019م سياسي وباحث، نائب رئيس الحركة ، ورئيس منتدى المستقبل بتونس ، وعضو المكتب التنفيذي لمجموعة الاستراتيجيات في إسطنبول، من كتبه : اليد الصغيرة لا تكتب ، الشهداء يكتبون الدستور ، دولة الخوف ، ومن الجماعة إلى الحزب السياسي.
- ورقة قدمها الدكتور رفيق عبدالسلام، بعنوان: الحركة وتجربة الحكم نقد وتحليل، ضمن محور تقييم التجربة من الداخل والدروس المستفادة، لمركز دراسات الإسلام والشؤون الدولية التابع لجامعة صباح الدين زعيم بتركيا، وهو قيادي في الحركة وشغل منصب وزير الخارجية في حكومة ائتلاف الترويكا 2012-2013م.
- انتصار السيد باحثة في العلاقات الدولية والعلوم السياسية، الحوكمة والإصلاح بعد الثورة ، مؤسسة منظمة ياسمين.
- وليم لورنس، باحث في العلاقات السياسية والدولية، خبير في معهد الشرق الأوسط رئيس الرابطة التونسية الأمريكية ، مشترك في كتاب عن الثورة وتونس.
- قيادي في النهضة وأستاذ جامعي.
- قيادي في النهضة وأستاذ جامعي.
- قيادي في النهضة وباحث، أحد المعتقلين الآن في سجون الأمن بأمر من قيس سعيد فرج الله عنه.
- باحث ومفكر سياسي مصري ، رئيس أكاديمية العلاقات الدولية تركيا.
- باحث ومفكر مصري.
- باحثة تونسية عضو في حزب النهضة ومستشار لرئيس النهضة.
- مفكر إسلامي تونسي من تيار الإسلام التقدمي.
- مفكر وسياسي تونسي، قيادي في حزب النهضة.
- برلماني تونسي وقيادي في النهضة.
- مفكر وباحث وقيادي في حركة النهضة.
- قانوني وطبيب دكتوراه، صاحب خبرات منها مهني ومنها في جمعيات النفع العام وخبرات سياسية وعلمية قيادي في مجلس الشورى للنهضة ، حركة السلم والخبرات الطلابية والقيادية.
- ناشطة سياسية مستقلة من المعهد العالي للغات قرطاج، حاصلة على الماجستير المهني ، مارست عديد من القيادة في جمعية النفع العام ، عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة 2018-2020م، ورئيس الشباب الوطني.