فكر

فكر زيدية الديلم : الإمامة في تراث زيدية الديلم (ج2)

تناولنا في الجزء الأول من البحث مدخلا موجزا تاريخيا عن الزيدية في إيران، ثم بينا أهم كتب التراث الزيدي الإيراني التي وردت إلى اليمن، ومدى تأثر زيدية اليمن بها. وفي هذا الجزء سنتحدث عن مفهوم الإمامة في تراث زيدية الديلم.

بالنظر في تراث زيدية الديلم، نجد أن المرجع الرئيس الذي خُصص للحديث عن هذا الموضوع، هو كتاب “الدعامة في الإمامة”، لأبي طالب يحيى بن الحسين الهاروني (ت: ٤٢٤ هـ)، بل يعد من أوائل الكتب الزيدية، إذا استثنينا الرسائل التي كتبها القاسم والهادي. كما نجد جدالات وسجالات أخرى بشأن الإمامة لدى المؤيد أحمد بن الحسين الهاروني (ت: ٤١١ هـ) في كتابه: “التبصرة”، ويتناول فيه مسألة الإمامة بوصفها من أصول الدين، فبعد أن بين ما يتعلق بالتوحيد والعدل، والوعد والوعيد، ثم النبوة، تناول مسألة الإمامة. كما نجد حديثا عن الإمامة في “الجامع الكافي في فقه الزيدية”(1) لـ: محمد بن علي أبي عبدالله العلوي الكوفي (ت: ٤٤٥ هـ)، وهو يجمع الآثار المروية عن أئمة متقدمي الزيدية، كالقاسم والحسن بن يحيى.

ولذلك فنظرية الإمامة تبدو في صورتها الأكمل لدى الشيعة الزيدية عند زيدية الديلم. وسنعتمد في تقرير هذه المسألة على ما كتبه أبو طالب بشكل أساس، وهو يجيب عن أربعة من الأسئلة الجوهرية في هذه القضية: ما أسباب استحقاق الإمامة؟ ومن يستحقها من الصحابة؟ ومن يستحقها من الأمة؟ وما واجب الأمة تجاه الإمام؟ وقبل هذه الأسئلة ثمة سؤال جوهري، وهو: هل الإمامة من أصول الدين؟

1/ هل الإمامة من أصول الدين؟

ما تبقى من تراث الحسن الناصر الأطروش، أول أئمة الزيدية في الديلم، هو كتابه البساط، الذي يتناول فيه قضايا أصول الدين، ابتداء بمعرفة الله، وحقيقة الإيمان به، كما يتناول الكفر والنفاق ويناقش من يسميهم “المجبرة” ويقصد بهم أهل السنة في نسبة الهداية والضلال إلى الله…إلخ. ولم يتناول فيه مسألة الإمامة.

لكن زيدية الديلم يسيرون إثر القاسم والهادي في اعتبار الإمامة أصلا من أصول الدين، ولذلك تناولها المؤيد الهاروني في كتابه التبصرة، كما أشرت إليه آنفا. كما أن يحيى الهاروني في كتابه الدعامة يعرضها على أنها من أصول الدين، قائمة على نصوص دينية. وحين استدل بحديث: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى)، ناقش مسألة: هل العلم به ضروري أو مكتسب؟ فيقول(2): (قد قال بعض أسلافنا: إن العلم به ضروري لمن عرف النقل، وسمع الأخبار، ولكن الذي نختاره أن العلم به مكتسب)… ثم يبين أن الحديث مشهور مستفيض، يصل إلى حد التواتر، ولذلك يحتج به في أصول الدين(3).

وبناء على ذلك، فقد قالوا بعصمة الإمام المنصوص عليه: علي والحسن والحسين [كما سأنقل عنهم بعد قليل]. بل إن أبا طالب نقل عن بعض الزيدية من قال بأن إمامة علي كانت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، ووصف هذا الرأي بأنه رأي سديد، وإن رأى أن (الأولى أن لا يطلق جواز كونه عليه السلام إماماً في حال حياة رسول الله صلى الله عليه وآله)(4)، ويذهب إلى القول بأن عليا (استحق أن يكون خليفة رسول الله صلى الله عليهما عند غيبته في حال حياته، وإماماً على أمته بعد وفاته).

وفي الجامع الكافي في فقه الزيدية ينقل نصوصا تبين أن الإمامة من أصول الدين وأركانه، وأن من لم يعتقد بإمامة علي والحسن والحسين فلا يقبل الله منه دينه ولا عبادته ولا شيئا من أعماله(5). ولا تقتصر تلك الفريضة على إمامة علي (المنصوص عليه عندهم)، بل تشمل أي إمام يخرج من ذريته(6).

ويرد على ما سبق ما نقله الجامع الكافي عن فعل علي بن أبي طالب تجاه من لم يبايع، ففيه(7): (قال محمد: سألت أحمد بن عيسى عمن امتنع من بيعة إمام عدل، فذكر أن علياً -صلى الله عليه- كف عمن تخلف عنه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم). فعلي لم يقل أن من امتنع عن بيعته مرتد، أو أنه فاسق، أو أنه لا يقبل الله صلاته ولا صيامه ولا حجه، بل كف عنهم.

DALL·E 2024 03 12 21.49.58 An artistic representation encapsulating the essence of an article discussing Zayd ibn Alis perspectives and contributions to the Zaydi sect focusin e1710269517989 فكر زيدية الديلم : الإمامة في تراث زيدية الديلم (ج2)

2/ أسباب استحقاق الإمامة، ومستحقوها:

حصرت الزيدية أسباب استحقاق الإمامة في أمرين(8) : النص [ويختص النص بعلي والحسن والحسين]، والدعوة (بعد أن يكون الداعي من ذرية الحسن أو الحسين).

ويمكننا القول إن الزيدية تقول بنوعين من موجبات الإمامة: الموجب الواحد، والموجبان.

• الموجب الأول: النص:

أما الموجب الواحد للإمامة فهو: النص. فمن تقرر في حقه النص فقد استحق الإمامة دون نظر إلى أي شيء آخر. فعلي بن أبي طالب إمام بالنص، فمن اعترض عليهم بأنه غير فاطمي قالوا(9): (إذا لم يكن الإمام منصوصا عليه كأمير المؤمنين علي عليه السلام، فأما إذا كان منصوصا؛ فإن النص لا يُعتبر معه النسب).

والذين استحقوا الإمامة بالنص هم ثلاثة فقط: علي والحسن والحسين.

وكما أن عليا استحق الإمامة بالنص؛ فإنه يكون إماما من بعد النبي حتى ولو لم يتمكن من نيل الإمامة. وكذلك الحسن والحسين فلا يشترط في إمامتهما الدعوة؛ فهما (إمامان قاما أو قعدا)(10).

ونتيجة لهذا الموجب (النص) الخاص بعلي والحسن والحسين؛ فقد دخلت الزيدية في نوعين من السجالات:

الأول: حشد النصوص وتأويلها على استحقاق علي للإمامة. والثاني: إبطال أي نص يستدل به بعض أهل السنة على أحقية غيره، كأبي بكر “للإمامة”.

فما يخص الأول: حشد النصوص لمصلحة علي ثم الحسن والحسين، يعد أبرز ما تقوم عليه كتابات الشيعة الزيدية قديما وحديثا، حتى إنها أفردت كتبٌ في مناقب أمير المؤمنين وفضله، كما فعل محمد بن سليمان الكوفي (ت 322 هـ)، وإسماعيل البستي (ت 420 هـ)، والحاكم الحسكاني (ت481هـ). وتكاد الأدلة تتكرر عندهم جميعا، وتزيد من مؤلف إلى آخر(11).

عززت الزيدية هذا الموجب بدعوى أخرى، وهي أن (الإمامة يستحقها أفضل الأمة)، وقد ثبت أن عليا هو “أفضل الأمة”، ومن ثم (ثبت أن الأفضل هو أولى بالإمامة، وأن إمامة المفضول غير سائغ على وجه من الوجوه، فوجب أن يكون هو الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دون غيره)(12). ولذلك حشدوا النصوص والأدلة التي تثبت أن عليا هو أفضل الأمة دون غيره من الصحابة(13)، وطريقة حديث أبي طالب عن فضائل علي ومحاولة نفي فضائل الخلفاء السابقين ولا سيما أبو بكر، لا تشبهها إلا طريقة بعض أهل السنة وهم يجادلون الشيعة فذهبوا إلى التهوين من فضائل علي إلى حد إنكارها، وذم علي نفسه.

ويقرر أبو طالب أن “إمامة المفضول لا تجوز بوجه من الوجوه”(14)، ولذلك فإمامة أبي بكر وعمر وعثمان غير جائزة بوجه من الوجوه.

وتبعا لما سبق قرروا أن الحسن والحسين استحقا الإمامة بعد علي؛ لأنهما أفضل الأمة بعد أبيهما بإجماع أهل البيت(15)، ولأن القول بإمامة علي يستلزم القول بإمامتهما من بعده؛ فـ(إنكار إمامتهما بعد أمير المؤمنين مع ثبوت القول بإمامة أمير المؤمنين بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ساقط بالإجماع)(16). وبالرغم من أن “قيامهما بالدعوة” ليست موجبا في حقهما عند الزيدية؛ لكونهما من أهل النص؛ فإن المؤيد يؤكدها كشيء زائد على الاستحقاق، فيقول: (أنهما قد دعوا إلى أنفسهما وبويعا، ولم يكن في زمانهما من يدعي الإمامة غير معاوية ويزيد، وهذان قد ظهر فسقهما وكفرهما. فبان به صحة إمامتهما)(17). وسنتجاوز الآن عما في هذا النص من تكفير وتفسيق؛ لمناقشته في موطن آخر.

❃❃❃

وما يخص السجال الثاني فقد كان حول إبطال إمامة أبي بكر، فضلا عن غيره من الصحابة، وذلك من ثلاثة أوجه(18): إبطال دعوى النص على أبي بكر(19)، وإنكار إجماع الصحابة [وتبعا لذلك أنكر إجماع الصحابة على بيعة عمر]، والوجه الثالث: إنكار أن يكون أبو بكر أفضل الصحابة.

ولست هنا معنيا بالمناقشة التفصيلية لهذه القضية، إنما هدفي وضعها في سياقها ضمن نظرية الإمامة لدى الشيعة الزيدية.

وما يخص إنكار إجماع الصحابة؛ فيقول المؤيد في التبصرة: (وقد ثبت أنه جرى حينئذ هناك أمور من القهر والحمل والإلجاء، والسكوت مع هذه الأحوال لا يدل على الرضى)، ثم يورد مجموعة من الأخبار والقصص التي لا نجدها إلا لدى الشيعة وكتب الأخبار الواهية، ومنها: كسر سيف الزبير، وضرب عمار، واغتيال سعد بن عبادة…إلخ.

ويقف الشيعة الزيدية هنا عند دليل يحتج به خصومهم عليهم، وهي: كون عليا كان راضيا على إمامة من سبقه، والعمل معهم، والصلاة خلفهم، فهذا يدل على صحة إمامتهم. فأبو طالب يجيب على ذلك بإنكار أن يكون علي راضيا عن إمامة من سبقه(20)، ولكنه لم يتمكن من إقامة الحجة عليهم؛ لأنهم أسرعوا في البيعة دون مشاورته، في حين كان منشغلا بوفاة النبي. ويقول إن عليا ترك محاربة منازعيه؛ “لقلة الأنصار والأعوان، وخشية فتنة عظيمة مؤدية إلى الإضرار بالإسلام”. كما يرى أن عليا قد أظهر مباينتهم(21)، ولم يتول شيئا لهم، وتأخر عن البيعة، (وكذلك تأخر عن بيعة عمر)، فكان (يظهر المخالفة والمباينة في تلك الحال بالتأخر عن البيعة مرة، وبالإعراض أخرى، إذ لم يمكنه في ذلك الوقت أكثر من ذلك). وأما في عهد عثمان فقد كان أشد مخالفة له: (فكان يواقفه ويرد عليه، ويجبهه في كثير من الأوقات بما يسوؤه).

وإذا قيل للشيعة إن موافقة علي على دخوله ضمن أهل الشورى دليل على أنه يرى أن الإمامة لا تكون بالنص، فيقول أبو طالب: إن دخول علي ضمن أهل الشورى(22)؛ إنما كان بهدف أن يبين لهم النصوص والأدلة على إمامته، التي لم يتمكن أن يبينها من قبل. وكذلك لإقامة الحجة عليهم من الوجه الذي يعتقدونه؛ فهم “كانوا مقرين بالبيعة ولم يكونوا مقرين بالنص عليه”.

• النوع الثاني: الموجبان: المنصب والدعوة

نظرية الإمامة عند الزيدية تجعل الإمامة [من غير أهل النص] مستحقة لمن توفر فيه موجبان معاً، هما: كونه من البطنين، وقيامه بالدعوة إلى نفسه. وهذا ما قرره القاسم ومن بعده من أئمة الزيدية، كما هو مقرر لدى الجارودية وغيرها من فرق الزيدية.

ولأول مرة نجد الشيعة الزيدية تستخدم مصطلح “المنصب”، حيث استخدمه أبو طالب الهاروني، والمقصود به أن يكون الإمام من ولد الحسن أو الحسين فقط(23)، ويرى أبو طالب أن استحقاق الذرية للإمامة؛ لأن فضل الذرية يأتي من فضل النبي، مما يستحقون به ما كان يستحقه النبي من إجلال، وتمييزهم عن غيرهم، دون تمييز بينهم(24). (ويستدل على أن الإمامة لا تخرج عن البطنين بإجماع أهل البيت)(25).

ويرفضون دعوى من يزعم أن منصب الإمام (كونه قرشيا)، أو كونه من عامة الأمة ويكون إماما بالاختيار. وينكرون أيضا من يقول إن الإمامة تكون في ولد علي من غير الحسن أو الحسين (كالكيسانية)؛ وذلك (لأن لفظ العترة عندنا لا يتناول إلا ولد الحسن والحسين عليهما السلام على الحقيقة)(26).

و”الدعوة” موجب أساسي في استحقاق الإمامة، حتى لو اختار الإمام إماما بعده، فإن ذلك لا يكفي في ثبوت إمامته حتى يدعو إلى نفسه(27). والمراد بالدعوة(28): (أن يباين الظلمة، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويدعو إلى اتِّباعه). وبذلك يصبح الإمام إماما بمجرد الدعوة.

❃❃❃

ونظرا لما قررته الزيدية أن الإمام من توفر فيه الموجبان: النسب والدعوة، فقد دخلوا في سجال مع فئتين، الأولى: المعتزلة وعامة أهل السنة القائلون بأن موجب الإمامة هو الاختيار والعقد. والثانية: الإمامية القائلون بأن موجب الإمامة لكل إمام هو النص.

فأبو طالب يرفض مقولة الاختيار والعقد (وينسبها للمعتزلة)(29)؛ بحجة أن (الإمامة حكم شرعي ينبغي أن تنص الشريعة على شروطها، وليس في الشريعة نص على الاختيار)(30)، وحجة أن (أهل البيت أجمعوا على القول بفساد الاستحقاق بالعقد)(31). ويرفضون دعوى أن الصحابة أجمعت على اختيار أبي بكر، أو أجمعوا على الاختيار؛ ويدعي أبو طالب أن (القائلين بإمامة أمير المؤمنين عليه السلام إنما اعتمدوا النص الدال على إمامته دون اختياره).

بن علي و الزيدية e1708871442299 فكر زيدية الديلم : الإمامة في تراث زيدية الديلم (ج2)

• الزيدية والإمامية:

دخلت الشيعة الزيدية في سجال طويل عبر التاريخ مع الإمامية، مرده إلى مسألة الإمامة، فالإمامية يقولون بالنص الجلي لكل إمام، ويحصرون أئمتهم في ذرية الحسين، فقالوا بعده بإمامة ولده علي زين العابدي، ثم محمد الباقر، ثم جعفر الصادق…إلخ. ومقولتهم أن الإمامة “تجري مجرى الإرث الذي من حقه أن يكون مقسوماً بين الورثة”، ويبنون عليه أن “المستحق للإمامة عندهم من أولاد الإمام هو الواحد الذي تناوله النص فيه دون غيره”(32). ولأنهم يوجبون الإمامة بالنص فلم يقولوا بـ”موجب الدعوة”.

وسجال الزيدية مع الإمامية تمثل في: أولا: رفض دعوى النص لكل إمام(33)، وثانيا: قالوا بدلا عن النص بـ”الدعوة”، وثالثا: لم يحصروا الإمامة في ولد الحسين بل جعلوها في ولد الحسن والحسين.

تتفق الزيدية مع الإمامية في القول بالنص على علي والحسن والحسين، وإن قيده بعض الزيدية بالنص الخفي. والحق أن متقدمي الزيدية يذهبون إلى أنه نص جلي، ولذلك استدل القاسم على كون علي بن أبي طالب هو الوصي بأدلة عديدة، منها: تسمية النبي له(34)، وقال عن الحسن والحسين(35): “فدل عليهما بأعيانهما وأنسابهما وأفعالهما”. وفي الجامع الكافي(36): (قال الحسن: وقد دل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على إمامة علي والحسن والحسين بأعيانهم وأسمائهم).

ولقد رتبت الإمامية على القول بالنص مقولتين، الأولى: القول بعصمة أئمتهم، والثانية: القول بظهور المعجزات على أيديهم. وكلا المقولتين مرفوضتان لدى الشيعة الزيدية(37).

من الواضح أن دعوى الشيعة لإمام ما بالنص يقتضي عصمته، ولذلك فالشيعة سواء الزيدية أو الإمامية يتفقون في القول بعصمة علي والحسن والحسين. ففي الجامع الكافي تصريح بعصمتهم(38): (قال أحمد بن عيسى: نتولى أمير المؤمنين في ظاهر الأمر وباطنه، ونوجب له العصمة…. أمر الله بولايته، وقد أخبرنا بعصمته وتطهيره على لسان نبيه صلى الله عليه وآله وسلم… وسئل أحمد بن عيسى: هل ثبت لك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: “إن علياً معصوم لا يضل أبداً”؟ قال: نعم، فقيل له: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك في غيره؟ قال: نعم، في الحسن والحسين).

وكذلك أبو طالب في كلامه ما يوحي بالقول بعصمة علي، فيقول(39): (فإن قيل: ما أنكرتم أن يكون أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله قد وقع منه الصغائر على الأيام ما اقتضى نقصان ثوابه، فلا يجب القطع إلى أن ثوابه أكثر من ثواب الجميع لأجل ذلك الفعل؟ قيل له: هذا التجويز قد منع منه الإجماع، لأن كل من قال إنه عليه السلام أفضل الصحابة في وقت من الأوقات، قال إنه أفضل منهم في سائر الأوقات، فالقول إنه عليه السلام كان أفضل منهم في وقت دون وقت مخالف للإجماع، وهذا التجويز يؤدي إليه فوجب أن يكون فاسداً).

وإسماعيل البستي يقرر عصمة علي والحسن والحسين وفاطمة(40). وينقل عن زيد بن علي قوله(41): (المعصومون منّا خمسة: النبيّ والوصيّ والحسنان والزّهراء).

والعجيب أن أبا طالب الهاروني ينزه عليا عن الوقوع في الصغائر؛ ويقطع بأن الإجماع يمنع من ذلك، في الوقت نفسه الذي يقول بجواز وقوع الصغائر من الأنبياء(42): (وقوع الصغائر لم يثبت أنه موضع للتنفير… بل قد ثبت من حاله بخلاف ذلك، ألا ترى أنا نعلم من أحوالنا وأحوال غيرنا أنهم يعلمون وقوع الصغائر من الأنبياء عليهم السلام ولم ينفرنا ذلك عنهم).

ومتأخرو الزيدية عامة يقررون عصمة علي والحسن والحسين، فعلى سبيل المثال يقول صارم الدين إبراهيم الوزير (ت 914 هـ)، في مسألة (حجية قول علي)(43): (“الإمامية، وجمهور أئمتنا”: وقول الوصي وفعله حجة؛ للعصمة وغيرها من الأدلة).

ولكن الاختلاف بعد ذلك في القول بعصمة سائر الأئمة؛ فالإمامية أطردوا قاعدتهم؛ فلأن كل إمام يقوم بالنص، فهو إذن معصوم. ولكن ما موقف الزيدية في ذلك؟

ينقل لنا أبو طالب أن مذهب “عصمة الإمام كالرسول” مذهب قالت به الإمامية وبعض الزيدية (وإن كان طرائق من يقول بذلك من الزيدية مخالفة لطرائق الإمامية). ويرى فساد هذا المذهب(44)؛ فمن قال به من الزيدية قرروا ذلك بحجة أن (الإمام متى لم يكن معصوماً لم يؤمن أن يكون معتقداً للإلحاد والكفر، فيكيد الإسلام كيداً لا يمكن تلافيه)، فرد عليهم أبو طالب باستبعاد هذه الحجة؛ (لأنه لا فصل بين من يجعل هذا علة في عصمة الإمام، وبين من يجعل ذلك علة في وجوب عصمة أمير الجيش، فيقول إن أمير الجيش الذي ينصبه الإمام، وينفذه لحفظ الثغور، ومجاهدة الكفار متى لم يكن معصوماً لم يؤمن أن يكيد الإسلام كيداً لا يمكن تلافيه).

❃❃❃

وإذا انتقلنا لنقطة أخرى من نقاط الاشتباك بين الإمامية والزيدية، فسنجدها في رفض الإمامية الاعتراف بإمامة زيد بن علي، فقال عنهم أبو طالب(45): (ولم يشذ عن بيعته عليه السلام إلا هذه الطائفة القليلة التوفيق التي قطعت من حبل أهل البيت عليهم السلام ما أمر الله تعالى به أن يوصل، وفرقت بين عترة نبيه صلى الله عليه وآله في الموضع الذي أمر الله تعالى بالجمع فيه، وانتسبت إلى موالاة أهل البيت عليهم السلام قولاً وهي بعيدة عنها عقدا وفعلا…). ويرى أنهم: (أسوأ رأياً واعتقاداً في أفاضل العترة وكافة الذرية عليهم السلام من الحشوية والنواصب)(46).

فالإمامية يرون أن زيد بن علي لا يوجد نص عليه، فليس بإمام. لذلك انصب نقاش الزيدية للإمامية على رفض دعواهم بالنص على كل إمام؛ فأنكر أبو طالب هذه الدعوى، وأنكر دعواهم أن أئمة أهل البيت قد ادعوا النص، واحتج عليهم بأن فرق الشيعة القائلة بالنص قد نصوا على أئمة آخرين، كالكيسانية والإسماعيلية؛ فيبطل قولهم، إضافة إلى اختلاف فرقهم باستمرار بعد موت كثير من أئمتهم الذين ادعوا النص عليهم. كما احتج عليهم بوقوعهم في التناقض؛ حين ادعوا أن (جعفراً نص على ابنه إسماعيل قبل موسى، فلما مات قال: “ما بدا لله في شيء مثل ما بدا له على إسماعيل”)، ولذلك قالوا بـ”البداء”(47).

ومن ثم فالإمامية يقولون بضلالة كل إمام يدعو إلى نفسه من غير من نصوا عليه(48): (والمشهور من مذهب القوم أن كل راية ترفع قبل راية قاعدهم الذي يسمونه قائماً هي راية ضلالة)… ولذلك فهم في الحقيقة يقولون بضلالة زيد بن علي فضلا عن من دونه، ولكنهم يعدلون عن القول بتضليل زيد بن علي؛ لأنهم يدعون أن زيدا لم يدع إلى نفسه، بل دعا إلى جعفر الصادق؛ محتجين بأنه دعا (إلى الرضا من آل محمد ولم يدع إلى نفسه).

وكان رد الهارونيين عليهم ببيان أن أخبارهم زائفة وضعيفة، يقول المؤيد عن الإمامية(49): (ومن نظر في كتبهم، وفتش أخبارهم، عرف صحة ما نقول من ضعف أخبارهم في الأصل)، ويقول أبو طالب عنهم(50): (فأما الخبر الذي رووه عن جعفر: فإنه من جملة أخبارهم التي لا يعرفها غيرهم، وأي عاقل تطيب نفسه بقبول ما ينفردون بروايته، مع اشتهار نقلتهم برواية التشبيه المحض، والقول بالجسم والصورة، وصريح الإجبار والتناسخ والغلو، مع أن أكثرهم مجاهيل لا يعرفون، حتى كان بعض علماء أهل البيت يقول: “إن كثيراً من أسانيدهم مبنية على أسامي لا مسميين لها من الرجال”، وقد عرفت من رواتهم المكثرين من كان يستحل وضع الأسانيد للأخبار المنقطعة إذا وقعت إليه، وحكي عن بعضهم أنه كان يجمع حكايات بزرجمهر وينسبها إلى الأئمة بأسانيد يضعها، فقيل له في ذلك، فقال: ألحق الحكمة بأهلها).

❃❃❃

الهوية وصورة الآخر عند الإمام الهادي 2 فكر زيدية الديلم : الإمامة في تراث زيدية الديلم (ج2)

3/ شروط الإمام:

بعد أن قررت الزيدية أن للإمام موجبين: النسب والدعوة، قرروا أن الإمامة لا يستحقها ممن توفرت فيه موجبها إلا بشروط تتوفر فيه. وكان القاسم أول من أشار على بعض هذه الشروط: “من كان من العترة، فيه العلم، والجهاد، والعدل، وأداء الأمانات…إلخ”(51)، وفي موطن آخر قال: “وحقيقة الإمامة؛ الأربع الخصال: القرابة من رسول الله صلى الله عليه، والعلم البارع، والزهد، والشجاعة”(52).

يعدد المؤيد تلك الشروط، فيذكر منها(53): الورع، والشجاعة، والعلم [ويفصل في ما ينبغي له من العلم]، ثم الأفضلية [يقول: (فإذا اجتمع في الواحد ما ذكرنا صلح للإمامة، ولم يكن في عصره من هو أفضل منه، في جمل هذه الخلال…)].

يأتي أبو طالب فيتوسع في الصفات الواجبة، والصفات غير الواجبة في الإمام، فيقول مبينا الصفات الواجبة(54): (أن يكون ذكراً، بالغاً، عاقلاً، مسلماً، عالماً بالأمور التي يحتاج فيها إلى الإمام، وأن يكون عدلاً شجاعاً، ضابطاً غير جوار ولا خدوع، سخياً ببذل الأموال في مواضعها، وأن يكون أفضل الناس أو كأفضلهم، وأن يكون سليماً من الآفات التي تقُعِدُ عن النهوض بالأمر كالعمى وضرب من الزمانة)… (فأما الصفات التي لا يجب كونه عليها: فهي أنه لا يجب أن يكون أعلم الناس بجميع المعلومات على ما يذهب إليه الإمامية ونفر من الزيدية، ولا يجب أن يكون مأمون الباطن [أي معصوما] كرسول الله صلى الله عليه وآله)(55).

وإذا توفرت هذه الصفات في أكثر من “داع”، فبعض الزيدية أجاز ظهور إمامين في الوقت نفسه، ومنهم القاسم، والحسن الأطروش، بل نقل في الجامع الكافي إجماع أهل البيت على جواز ذلك(56). ولكن أبو طالب الهاروني يختار رفضه لقيام إمامين في وقت واحد(57): (ولا يجوز كون إمامين في وقت واحد، هذا هو مذهب أكثرهم وهو الذي نختاره، وإن جوز بعضهم ذلك). مع أن قوائم الزيدية الرسمية للإمامة تنص على الأئمة وبعضهم كانوا في الوقت نفسه، كالحسن الأطروش مع الهادي وابني الهادي.

4/ واجب الأمة تجاه الإمام

يقول أبو طالب الهاروني بوجوب معرفة الإمام لما يترتب على ذلك من نصرة وطاعة(58)، ومعرفة الإمام مصطلح تقصد به الزيدية: إجابته ونصرته وطاعته. ويستبعد القول أنه لا بد في كل زمان من إمام تلزم معرفته، ويرى أنه: إذا ظهر إمام لزم الناس معرفته ونصرته.

ويترتب على وجوب معرفة الإمام: أن يعرف الناس الأئمة الماضين، والقول فيهم يأخذ مسلكين:

الأول: علي والحسن والحسين؛ هؤلاء تجب على المسلمين معرفتهم وموالاتهم على التفصيل(59).

والثاني: من بعدهم من الأئمة، (فمن بلغه خبرهم على التفصيل لزمتهم موالاتهم على التفصيل، ومن عرفهم على الجملة لزمه أن يواليهم على الجملة)(60). ولذلك بعد أن قرر أبو طالب إمامة زيد بن علي، يقول أن ذلك (يوجب أن تكون إمامته ثابتة، وطاعته على جماعة المسلمين في كل عصر لازمة)(61). فهو يقرر أن طاعة الإمام لازمة للمسلمين في كل عصر، حتى في عصرنا الحاضر يلزم المسلمين طاعة أئمة الشيعة!!

ومن هنا نفهم عناية أئمة الزيدية بتقديم قوائم رسمية لأئمة الزيدية المعترف بهم؛ لأن معرفتهم جزء من الدين، وفريضة شرعية، ومعرفتهم تقتضي (اعتقاد إمامتهم دون غيرهم من سائر الذرية)(62).

h 3 فكر زيدية الديلم : الإمامة في تراث زيدية الديلم (ج2)

5/ القائمة الرسمية للأئمة (السابق بالخيرات):

ولذلك فبالنظر إلى الموجبين: النسب والدعوة، فإن الزيدية تستبعد أئمة الإمامية: زين العابدين ومحمد الباقر وجعفر الصادق، وغيرهم؛ لأنهم لم يقوموا بالدعوة. ويقررون أن أول من جمع شروط الإمامة بعد الحسين هو (زيد بن علي، ثم ابنه يحيى(63)، ثم من سلك طريقهما وسار بسيرتهما، وأقام الدعوة، ونهض بالأمر، وتجرد للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومباينة الظالمين، بعد اجتماع الأوصاف فيه).

وبالنظر إلى وجوب معرفة الناس لأئمتهم؛ فقد عُني أئمة الزيدية بتعيين أئمتهم المعتبرين (الأئمة المعترف بهم)، وأول من قدم لائحة بأئمة الزيدية هو الهادي، حيث ذكر منهم (بعد علي والحسنين) ثمانية هم(64): (زيد بن علي، ويحيى ابنه، ومحمد بن عبد الله [النفس الزكية]، وإبراهيم أخوه، والحسين بن علي الفخي، ويحيى بن عبد الله بن الحسن (أخو النفس الزكية)، ومحمد بن إبراهيم طباطبا بن إسماعيل، وأخوه القاسم الرسي بن إبراهيم(65)). ومن الملاحظ أنه استبعد الحسن بن زيد وأخاه محمد بن زيد، اللذين أسسا الإمارة العلوية في طبرستان، وتبعته الزيدية في عدم الاعتراف بهما(66).

ثم أبو طالب في كتابه “الإفادة في تاريخ الأئمة السادة” ذكر السابقين – كما ذكرهم الهادي – ثم أضاف إليهم خمسة: (الهادي يحيى بن الحسين، والناصر الحسن بن علي [الديلم]، والمرتضى محمد بن يحيى، وأخوه الناصر أحمد بن يحيى، ومحمد بن الحسن [الديلم]). وبذلك أدخل أئمة الديلم ضمن القائمة. وقد أكد أبو طالب في مقدمة كتابه “الإفادة في تاريخ الأئمة السادة”، أن دافعه لتأليف الكتاب أن المصنفين السابقين الذين صنفوا في أخبار العترة (لم يميزوا الأئمة منهم عَمَّن سلك مسلك من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر).

أما أبو العباس أحمد الحسني (ت 353 هـ)، في كتابه “المصابيح” (67) فقد بلغ عدد الأئمة الذين ذكرهم 22 إماما حتى الناصر الأطروش. ولكن من جاءوا من بعده لم يعتمدوا تلك القائمة التي قدمها، وظلت قائمة الهادي هي الرسمية، وإصداراتها الأحدث لإضافة الأسماء اللاحقة، فتأتي قائمة أبي طالب بعد قائمة الهادي، ثم قائمة المتوكل أحمد بن سليمان (ت 566 هـ)(68)، ثم المنصور عبد الله بن حمزة [مع تعديلات على قائمة الهادي]، وهكذا تظل القائمة في تطور مستمر.

وممن أسهم في تقديم هذه القائمة: حميد المحلي(ت 652هـ)(69)، وهو من خارج دائرة ذرية الحسنين، لذلك فقائمته ليست رسمية، ولكنه سار فيها على منوال من سبقه، وختمها بالمتوكل أحمد بن سليمان والمنصور عبد الله بن حمزة. إلا انه أضاف على قائمة الهادي الأساسية إمامين لم يذكرهما الهادي: الحسن بن الحسن (الخارج مع ابن الأشعث)، وهو قبل زيد بن علي. والثاني: إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن، وقد خرج بالمغرب أيام الرشيد.

تلك القائمة هي قائمة “السابقين”، وتليها قائمة المقتصدين، وهم الدرجة الثانية، الذين صلحوا للإمامة ولكنهم ليسوا بأئمة، وبداية نجد أولى الإشارات عند أحمد الطبري(70)، الذي ميز القائمة الثانية ووصفه أصحابها أنهم “مقتصدين”. ثم عند المؤيد أحمد الهاروني، الذي يذكر في خصائص نبوة النبي صلى الله عليه وسلم أنه رزق بعترة زاكية وسلالة طاهرة، ثم يسرد مجموعة من الأئمة وغير الأئمة عند الزيدية، ويعقب على ذلك بقوله: (وليس في هؤلاء صلوات الله عليهم إلا من ثبتت إمامته، أو صلح للإمامة)(71) ، ولكنه لم يميز بين من ثبتت إماته ومن يصلح لها.

ثم جاء المتوكل أحمد بن سليمان (زيدية اليمن) فميز بين الصنفين، فسرد أولا قائمة الأئمة الذين ثبتت أئمتهم، وقال عنهم : (فهؤلاء الذين سمّينا من أهل البيت الذين اشتهر عندنا أمرهم، وثبت عندنا قيامهم، وظهرت دعوتهم). ثم بعد ذلك سرد قائمة أخرى لمن لم يقم من أهل البيت،   (لم يمنعهم من القيام إلا عدم الأعوان، فإنهم بلغوا في العلم والزّهد، والعبادة والتّقى ما لا مزيد عليه)، ومنهم: علي زين العابدين بن الحسين، ومحمد الباقر، وعبد الله بن الحسن بن الحسن “أبو النفس الزكية”، وأحمد بن عيسى بن زيد، وجعفر الصادق، وموسى بن عبد الله، وعلي بن موسى، ومثل أولاد القاسم بن إبراهيم: محمد والحسين والحسن، ومثل علي بن العباس، وأبي العباس أحمد بن إبراهيم”. قال: “فهؤلاء وأمثالهم لم يمنعهم من القيام إلا عدم الأنصار وخوف الأشرار، واستظهار أهل الدولتين الأموية والعباسية”.

ثم جاء المتوكل أحمد بن سليمان (زيدية اليمن) فميز بين الصنفين، فسرد أولا قائمة الأئمة الذين ثبتت أئمتهم، وقال عنهم(72): (فهؤلاء الذين سمّينا من أهل البيت الذين اشتهر عندنا أمرهم، وثبت عندنا قيامهم، وظهرت دعوتهم). ثم بعد ذلك سرد قائمة أخرى لمن لم يقم من أهل البيت، (73) (لم يمنعهم من القيام إلا عدم الأعوان، فإنهم بلغوا في العلم والزّهد، والعبادة والتّقى ما لا مزيد عليه)، ومنهم: علي زين العابدين بن الحسين، ومحمد الباقر، وعبد الله بن الحسن بن الحسن “أبو النفس الزكية”، وأحمد بن عيسى بن زيد، وجعفر الصادق، وموسى بن عبد الله، وعلي بن موسى، ومثل أولاد القاسم بن إبراهيم: محمد والحسين والحسن، ومثل علي بن العباس، وأبي العباس أحمد بن إبراهيم”. قال: “فهؤلاء وأمثالهم لم يمنعهم من القيام إلا عدم الأنصار وخوف الأشرار، واستظهار أهل الدولتين الأموية والعباسية”.
وترتبط تلك القوائم بتفسير الزيدية لقوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِي‍رُ}[فاطر:32]، حيث يخصونها بأهل البيت، فالسابق بالخيرات هو الإمام، أما المقتصد فيشمل ذوي الفضل ممن صلحوا للإمامة ولكنهم ليسوا بأئمة، ويشمل غيرهم ممن لم يبلغ درجة الإمامة(74).

الهوامش:

  1. لا يوجد في النسخة التي حققها وطبعها: عبد الله بن حمود العزي، ما يتعلق بالإمامة. لكن هذه الزيادات المتعلقة بالإمامة وغيرها من مسائل أصول الدين تضمنتها كتب الزيدية اللاحقة. وقد اعتمدنا فيما يخص حديثه عن الإمامة على ما نقله مجد الدين المؤيدي في كتابه: “لوامع الأنوار”، ج1/ 691 – وما بعدها. 
  2. الدعامة في الإمامة، 17. 
  3. شرح البالغ المدرك، 79. 
  4. الدعامة في الإمامة، 29. 
  5. فيه: (سئل أحمد بن عيسى عن الولاية أفرض هي كسائر الفرائض؟ قال: نعم، لنداء النبي صلى الله عليه وآله وسلم بها. وقال الحسن بن يحيى: الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والإقرار بما جاء به من عند الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم شهر رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا، وولاية علي بن أبي طالب، والبراءة من عدوه، والإمام المفترض الطاعة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبي طالب-صلى الله عليه) [نقلا عن: لوامع الأنوار، لمجد الدين المؤيدي، ج1/ 691 – وما بعدها].
    وفيه: (وقال الحسن بن يحيى: الإمام المفترض الطاعة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبي طالب -صلى الله عليه-، ومن لم يعتقد بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إمامة علي لم يقبل الله له صلاة، ولا زكاة، ولا حجاً، ولا صوماً، ولا شيئاً من أعمال البر، وبعده الحسن والحسين) [نقلا عن: لوامع الأنوار، لمجد الدين المؤيدي، ج1/698]. 
  6. (وقال الحسن: وليس من الفرائض فريضة أكبر قدراً، ولا أعظم خطراً من الإمام الذي يقوم مقام نبيه، وقد بين ذلك في محكم كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، فجعل الله الإمامة في أهل بيت الصفوة والطهارة، والهدى والتقوى، من ذرية إبراهيم وذرية محمد -صلى الله عليهما- ولا تصلح في غيرهم…ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد قدم من قدم الله، فمن قدم من أخر الله ورسوله وأخر من قدم الله ورسوله فقد خالف سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا) [نقلا عن: لوامع الأنوار، لمجد الدين المؤيدي، ج1/698]. 
  7. الجامع الكافي في فقه الزيدية، ج8/ 208. 
  8. الدعامة في الإمامة، 112. وانظر: التبصرة، 90. 
  9. التحرير، 609. 
  10. الدعامة في الإمامة، 16، والتبصرة، 73. 
  11. انظر مثلا: الدعامة في الإمامة، 16، والتبصرة، 73. وأبرز أدلتهم: قوله تعالى (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)؛ حيث يدعون خصوصيتها بعلي، وحديث (من كنت مولاه..) وحديث (أنت مني بمنزلة هارون من موسى). وما يخص النصوص التي استدلوا بها للحسنين، فما يروونه أن النبي قال: (الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا). [الدعامة في الإمامة، 103-105]. 
  12. الدعامة في الإمامة، 45. 
  13. الدعامة في الإمامة، 84 – وما بعدها. وص 93 – وما بعدها. ومن الوجوه التي صار بها علي أفضل الأمة لديه: فضيلة الجهاد، والعلم، وسبقه في الإيمان، واجتماع خصال الفضل فيه وتفرقها في غيره، وتفرده بخصال لم يشركه فيها غيره. 
  14. الدعامة في الإمامة، 79. 
  15. الدعامة في الإمامة، 103-105.. 
  16. الدعامة في الإمامة، 109. 
  17. التبصرة، 85. 
  18. الدعامة في الإمامة، 57 – وما بعدها، 65، 66. وانظر: التبصرة، 79 – وما بعدها. 
  19. وأكثر ما يستدل به من قال بالنص أن الرسول قدم أبا بكر في إمامة الصلاة، ولذلك يجهد الشيعة جهدهم في إبطال دلالة الإمامة في الصلاة على إمامة الناس. [انظر: التبصرة، 83]. 
  20. الدعامة في الإمامة، 51 – وما بعدها. 
  21. الدعامة في الإمامة، 54. 
  22. الدعامة في الإمامة، 55. 
  23. الدعامة في الإمامة، 121. 
  24. الدعامة في الإمامة، 106: ومما يزعمونه أن قوله تعالى: (قل أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) تدل على استحقاقهم المودة والموالاة. 
  25. التبصرة، 86. 
  26. الدعامة في الإمامة، 122. ويقول المؤيد في التبصرة، 86: و(كون [أولاد الحسن والحسين] هم أهل البيت مجمع عليه لا خلاف فيه، وكون غيرهم من أهل البيت مختلف فيه). إلا أن الجامع الكافي جاء فيه ما يفيد جواز الإمامة في غير البطنين، ج8/ 168:
    (قال محمد: وسألته [أي: أحمد بن عيسى] عن الإمامة هل تجوز في رجل من ولد علي -صلى الله عليه- من غير ولد فاطمة -عليها السلام- من ولد محمد بن علي، أو عمر بن علي، أو العباس بن علي، أو من ولد جفر بن أبي طالب، أو العباس بن عبد المطلب -عليهم السلام-؟ قال: نعم، إذا كان يدعو إلى الرضا. قال: وأنا أرخص، ثم قال: الذي يقوم هو الرضا، ولكنها دعوة جامعة.
    وقال الحسن بن يحيى: الإمامة في ولد الحسن والحسين.
    وقال محمد: بلغنا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: “الأئمة من قريش ما إذا حكموا عدلوا وإذا قسموا أقسطوا، وإذا استرحموا رحموا، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين”). 
  27. الدعامة في الإمامة، 141. 
  28. التبصرة، 90، وانظر: الدعامة في الإمامة، 141. 
  29. الدعامة في الإمامة، 112. 
  30. الدعامة في الإمامة، 139. 
  31. التبصرة، 90. 
  32. الدعامة في الإمامة، 138. 
  33. انظر رده عليهم في الدعامة في الإمامة، 124، وص 130 – وما بعدها. 
  34. وفي موضع آخر يقول إن الوصية بإشارة كافية، فقد سئل: عن إمامة أمير المؤمنين أكان من الرسول إليه وصية، أم قال : أنت الإمام بعدي، أم كيف؟ فقال : “دلالة من الرسول وإشارة عليه كانت منه إليه كافية مغنية”. [مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 2/563]. 
  35. مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 2/ 192. في الأصل [فدل عليهما بأعيانهما وأنساهما وأفعالها]، وهو خطأ مطبعي ظاهر. 
  36. نقلا عن: لوامع الأنوار، لمجد الدين المؤيدي، ج1/705. 
  37. الدعامة في الإمامة، 135. 
  38. نقلا عن: لوامع الأنوار، لمجد الدين المؤيدي، ج1/696. وما بين المعكوفين منقول من زيادات الجامع الكافي. 
  39. الدعامة في الإمامة، 86. 
  40. المراتب في فضائل أمير المؤمنين، 58، 86، 128، 153. 
  41. المراتب في فضائل أمير المؤمنين، 86. 
  42. الدعامة في الإمامة، 136. 
  43. الفصول اللؤلؤية في أصول فقه العترة الزكية، 256. 
  44. الدعامة في الإمامة، 126. 
  45. الدعامة في الإمامة، 152. 
  46. الدعامة في الإمامة، 154. 
  47. الدعامة في الإمامة، 153. يقول معقبا على ذلك: (فلم تقتصر [الإمامية] على إضافة القبيح إلى المخلوقين، حتى تنسبه إلى رب العالمين، فليت شعري إن كان صلى الله عليه وآله قد قدم النص على اثني عشر بأعيانهم فلم استجاز جعفر عليه السلام أن ينص على إسماعيل؟! وإن كان الله تعالى عن قول أهل المحال جعل الإمام في إسماعيل على أن بدا له فأماته فلم استجاز رسول الله صلى الله عليه وآله أن ينص على موسى قبل إسماعيل، وهذه فضيحة لا يقع فيها إلا كل من وكله الله إلى نفسه لسوء اختياره وعدوله إلى التقليد).
  48. الدعامة في الإمامة، 154.
  49. التبصرة، 90. ويقول.
  50. الدعامة في الإمامة، 156.
  51. مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 2/216. 
  52. مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، 1/653. 
  53. التبصرة، 88. 
  54. الدعامة في الإمامة، 124. 
  55. الدعامة في الإمامة، 126. 
  56. ج8/ 170: (وقال الحسن بن يحيى: أجمع آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أنه جائز أن يدعو جماعة متفرقون أو مجتمعون، ويعقد في كل ناحية هذا العقد على النصرة والقيام بأمر الله عز وجل، وعلى كل من حضر قائماً بأمر الله أن ينصره بقدر الطاقة، فإذا ظهر أمر الله فآل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأتقياء العلماء أعلم بالرضى منهم. قال القاسم: فإن زعم زاعم أنه لا يصلح أن يكون الإمام إلا واحداً فإن النبوة أعظم قدراً عند الله تعالى من الإمامة، قال الله عز وجل: {إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ}[يس:14] وقال عز وجل:{وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ}[الأنبياء:78] وقال لموسى وهارون:{اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ}[طه:43]، وكان إبراهيم وإسماعيل ولوط في زمن واحد يدعون إلى الله تعالى، فإذا استقام أن يكون الداعي إلى الله من الرسل في زمن واحد اثنان وثلاثة فذلك فيما دون النبوة أجوز). 
  57. الدعامة في الإمامة، 112،  143، 146. 
  58. الدعامة في الإمامة، 149: (الظاهر من مذهب الزيدية أن الإمام إذا أظهر الدعوة، وانتصب للقيام بالأمر، لزم جماعة المسلمين الذين بلغهم خبره أن يعرفوه، ليمكنهم إجابته، ونصرته ومعاونته، والمبادرة إلى طاعته). 
  59. الدعامة في الإمامة، 150: (فمذهب الزيدية فيه أن معرفة أمير المؤمنين والحسن والحسين صلوات الله عليهم واجبة، لوجوب موالاتهم على التفصيل، لأن رسول الله صلى الله وملائكته عليه وآله أوجب موالاة أمير المؤمنين عليه السلام بقوله صلى الله عليه وآله “اللهم وال من والاه وعاد من عاداه”، ولأن كل من يقول بإمامة أمير المؤمنين عليه السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله فإنه يوجب موالاته وموالاة الحسن والحسين عليهم السلام على التفصيل. يدل على ذلك: إجماع أهل البيت عليهم السلام أيضاً). 
  60. الدعامة في الإمامة، 150. 
  61. الدعامة في الإمامة، 160. 
  62. ص 17. 
  63. الدعامة في الإمامة، 112. 
  64. الأحكام في الحلال والحرام، ج1/ 42. 
  65. ذكر أبو طالب في الدعامة في الإمامة، 161 أن بعضهم اعترض على إمامة القاسم لأنه لم تظهر منه الدعوة، ولكن أبو طالب الهاروني يرفض هذه الدعوى، ويعقب على ذلك بقوله: (هذا غلط قبيح، لأنا قد بينا فيما تقدم أن الغرض بالدعوة هو الانتصاب للأمر، والحث للناس على المتابعة له فيه، وإظهار مباينة الظالمين، ومباشرة الحروب، لأن ذلك مشروط بالتمكن والقدرة، واجتماع الأصحاب والأنصار، والقاسم عليه السلام قد بلغ النهاية في إظهار الدعوة، لأنه كتب بها إلى الآفاق، ودعا الناس إليها، وباين الظالمين وهاجرهم، وحث الناس على مهاجرتهم، ومن مذهبه عليه السلام أن الهجرة عن الدار التي تغلب عليها الظالمون واجبة لا يسع الإخلال بها). 
  66. انظر مثلا: الأحكام في الحلال والحرام للهادي يحيى بن الحسين، ج1/ 42، وص 341 من كتاب المصابيح لأبي العباس الحسني، وأبو طالب في كتابه “الإفادة في تاريخ الأئمة السادة”. ومن الواضح أن الذي استبعدهما الهادي، حيث وصفهما ظالمين، فقد نقل أحمد بن موسى الطبري، صاحب الهادي، في كتابه: “المنير على مذهب الهادي” عن الهادي قوله: (ما منزلة الحسن بن زيد ومحمد بن زيد الحسنيين أميري طبرستان عند الله إلاّ كمنزلة سابكين وكوبكين عبدين لبني العباس مملوكين من تحت أيديهم، بل هما أعظم جرماً عند الله لقرابتهما من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم). وقد ذكر أبو طالب في الإفادة، ص 91، أن الهادي كان قد قدم آمل (بطبرستان) قبل ظهوره ومعه أبوه وبعض عمومته والموالي. إلا أن محمد بن زيد هدده؛ مما اضطره إلى مغادرة طبرستان. 
  67. انظر ص 341 من كتاب المصابيح. وكذلك أحمد الطبري في كتابه المنير في مذهب الهادي، 195، يذكر أن الأئمة بعد الحسن والحسين: عي زين العابدين، ثم ابنه زيد. في حين أن زين العابدين لا يظهر في القائمة الرسمية لأئمة الزيدية. 
  68. حقائق المعرفة، ص 480 – وما بعدها. 
  69. في كتابه: الحدائق الوردية في مناقب أئمة الزيدية. 
  70. المنير في مذهب الهادي، 195. يقول: (ثم من بعد هؤلاء الأئمة مقتصدون، علموا أمة جدهم ما جاء به جدهم من الحلال والحرام، والحدود والأحكام، مثل: عبدالله بن الحسن، وابنه موسى. ومثل: محمد بن علي، وابنه جعفر. ومثل: محمد والحسن والحسين أبناء إبراهيم. ومثل: أحمد بن عيسى، وغيرهم من الأئمة الصادقين). 
  71. إثبات نبوة النبي، 312 – وما بعدها. 
  72. حقائق المعرفة، ص497. 
  73. حقائق المعرفة، ص497. 
  74. يقول المتوكل أحمد بن سليمان: (وقوله: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} فإنه أراد أنه منهم في النسب، وقد ظلم نفسه وأخرجها من الطاعة لربه إذ لم يحل بينه وبين ما أراد الله منه إلا نفسه، وهو العاصي لربِّه المضيِّع لحقِّه. وقوله: {وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} يريد أن منهم من لم يبلغ درجة الإمامة، وهو من حدِّ العالم الذي لم يدّع الإمامة إلى حدِّ المتعلِّمِ المطيع لربِّه، وكل هؤلاء مقتصدٌ عن درجة السّبق، وليس اقتصادهم بسواءٍ، منهم من لم يمنعه من القيام إلا عدم الأنصار، ومنهم من هو دون ذلك. وقوله: {وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} يُريد الإمام الذي دعا الناس إلى طاعة ربه، وباين الظالمين، وعادى الفاسقين، فذلك هو السّابق). [حقائق المعرفة، 453].
placeholder فكر زيدية الديلم : الإمامة في تراث زيدية الديلم (ج2)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى