فكر

في وجه التزييف العلماني (الجزء الأول)

دعاوى الإصلاح الديني الجديد تحت المجهر

في العالم الإسلامي اليوم ظاهرة غريبة مغرقة في الغرابة؛ أبرز ما فيها هو تلك الأصوات الجهورية التي تتعالى من كل مكان تدعو إلى ضرورة إجراء إصلاح إسلامي جذري – وشبيه بما حدث في المسيحية واليهودية- يشمل العقيدة، والعبادات، وتشريعات الأسرة والأحوال الشخصية، والعقوبات والحدود، وقوانين الحلال والحرام، والتعليم والثقافة، والخطاب الدعوي.. وكل ذلك بغرض(علماني نبيل ونزيه وإنساني!) هو: إنقاذ أمة الإسلام من أحوالها الحضارية المتدهورة، وإعادة الإسلام إلى حقيقته التي شوهها المسلمون: المتطرفون، المتخلفون، الضعفاء، وإنقاذه من قبضتهم المتطرفة!

وأصحاب الدعوة المشبوهة إلى الإصلاح الديني هذه لا يفرقون بين دعوة ودعوة، ولا بين إسلامي وإسلامي، ولا بين جماعة وجماعة، فكلهم في ميزانهم الغريب الظالم: دعاة عنف وإجرام ولو كان جهادا ضد الاحتلال وضد الطغاة والمستبدين.. ودعاة رجعية ولو كانوا يدعون إلى سيادة الشريعة الإسلامية في مجتمعات المسلمين.. ودعاة تخلف ولو دعوا إلى الاستقلال الاقتصادي وتنمية البلدان الإسلامية على هدى مباديء الإسلام وقيمه.. أو كانوا من دعاة الفضيلة الرافضين لموجات الانحلال الأخلاقي واللحاق بالغرب في خيره وشره.. أو طالبوا بالمحافظة على الهوية والثقافة الإسلامية، ودعوا إلى الأخوة والوحدة الإسلامية!

ويبدو أن ثمة عوامل حفزت العامل الخارجي الأجنبي وأتباعهم المحليين على الاندفاع في تنفيذ مخططاتهم؛ مثل شعورهم أن النجاحات التي تحققت في المرحلة الأولى (فترة الاستعمار العسكري) توشك أن تفقد زخمها وتأثيراتها مع التغييرات الكبيرة التي عرفتها المجتمعات العربية والإسلامية في زمن الاستقلال الوطني، واشتداد تأثيرات الصحوة الإسلامية ونجاحها الفكري في التصدي في مواجهة أجندة التغريب والغزو الفكري.. ومثل معرفتهم أن حالة الرخاوة والهشاشة – التي صارت عليها الأنظمة في العالم الإسلامي- تساعد على التدخل الفج دون خشية ظهور أي تحفظات أو ممانعات رسمية مثل الحديث عن السيادة الوطنية والهوية الإسلامية!

ومثل هذه الدعوات وجدت مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي فرصا للانتشار الإعلامي، وصار بإمكان أي طائش باحث عن الشهرة نسخ تلك الدعاوى، ونشرها في صفحة في الفيس أو تويتر، ويتبنى ما فيها ويروج لها بحماس دون تفكير في صحتها من عدمها.. المهم أن يقال إنه تنويري حداثي منفتح.

وقد تناقل تلك الدعاوى الشباب (المستهدفون من تلك الاكاذيب) إما اغترارا بها أو رغبة في وضعها على طاولة البحث والنقاش.. ولكل ذلك فقد صار التصدي لها، ومحاولة تفنيدها، وبيان ما فيها من أخطاء، ودسائس، وأكاذيب، وتدليسات صار واجب الوقت على من كل يملك القدرة على ذلك. وفي الصفحات التالية نحاول أن نقوم بواجبنا نحو تلك الشبهات الجديدة أو الأجندة المسمومة التي تستهدف إيماننا بصلاحية الإسلام ليكون طريقنا إلى النهوض واستعادة مجد الأمة، وإعادتها إلى مكانتها الحقيقية في موقع أستاذية العالم، وقيادته إلى السلام والخير.

من سمات الأجندة المشبوهة

قبل أن نبدأ مناقشة الأجندة المنشورة لدعوات الإصلاح المشبوهة؛ فقد رأينا أنه من الأفضل ذكر عدد من سماتها؛ حتى يكون النقاش على بينة من الأمر فلا يفاجأ القاريء بما فيها من تلاعب بالألفاظ والمصطلحات وحقائق الأحداث التاريخية، والوقائع الراهنة، أو ذكر لمسائل تاريخية وفكرية قد تغيب عن بال البعض.. وفيما يلي أبرز تلك السمات التي أمكن رصدها:

1- من السهولة بمكان اكتشاف أن تلك الدعوات هي إحدى ثمار الغزو الفكري الذي غرسه المستعمر زمن هيمنته على العالم الإسلامي، ووطد فعاليته، ونجح من خلاله في أن ينشيء أجيالا من النخب تتبنى مفاهيمه الحضارية والفكرية والثقافية والأخلاقية بأشد ما يكون التبني، وأوكل إليها القيام بما عجز عنه بوصفها الصواب، وأن ما يناقضها ويرفضها هو الخطأ والتخلف!

2- لا غرابة في كثير من دعوات تزعم أنها تتوخى إصلاح الإسلام، وجعله معتدلا متسامحا؛ أكثر من أنها تصدر من دول وأنظمة، ومراكز دراسات وجامعات، وهيئات ومنظمات وأحزاب: نصرانية، ويهودية، ولا دينية، ومعادية للأديان، وعلمانية تعمل ليل نهار للقضاء على الإسلام بتهميشه وتجريده من فعاليته كدين ومنهج حياة، وشريعة حاكمة! وبلغت الكوميديا أو المأساة ذروتها عندما ظهر زعماء دول علمانية ولا دينية ومسيحية ودولة الكيان اليهودي (وكلهم أو معظمهم تخوض جيوش بلدانهم حروبا إجرامية ضد شعوب أخرى حماية لمصالحها!) وهم يبدون استغرابهم واستنكارهم من تشويه صورة الإسلام الذي يقوم به متطرفون مسلمون تحت أسماء مثل داعش والقاعدة!

3 –  كما هو ثابت في التاريخ فهذه الدعوات (الغيورة) ليست جديدة بالمرة، ولا تكاد تختلف عما حدث منذ وصلت أول جيوش الاستعمار الأوربي واحتلال نابليون – ممثل الثورة الفرنسية صاحبة شعارات الحرية والإخاء والمساواة- لمصر في نهاية القرن الثامن عشر، فخلال فترة الاحتلال الفرنسي لمصر رفع الفرنسيون شعارات الإصلاح والتطور الحضاري، وتظاهر نابليون قائد الاحتلال باعتناق الإسلام والغيرة عليه، ونفذوا بدعوى الإصلاح  مشاريع دعائية لتجميل وجه الاستعمار وتبرير وجوده؛ مثل إنشاء ديوان عام أو برلمان شكلي للموافقة على قرارات الاحتلال وخاصة فرض الغرامات وجباية الأموال، وكمثل طلب نابليون من الأزهر إصدار فتوى تأمر المصريين بأن يحلفوا يمين الطاعة له! كما شهدت تلك الفترة تشجيع النساء على السفور والخروج إلى الشارع متبرجات، والاختلاط بالنساء الفرنسيات وحتى العسكر الفرنسيين!

[ انظر حقيقة الإصلاحات الفرنسية في: ودخلت الخيل الأزهر، محمد جلال كشك، ص249 وما بعدها.]

وجه التزييف العلماني 1 01 في وجه التزييف العلماني (الجزء الأول)

4- بعد أكثر من مائتي عام على مجيء جيوش الاستعمار، وقرابة نصف قرن على رحيلها بعد مرحلة تغريب متفاوت في الشمول والتأثير ما بين المسخ الكامل للشخصية المسلمة أو تشويهها؛ فما تزال دعاوى الإصلاح المشبوهة تلك تدور – في فضاء الإعلام والثقافة ووسائل الاتصال الاجتماعي- حول القضايا ذاتها بعد أن تراوحت آثارها بين نجاح محدود وانتكاسة بسبب المقاومة المستمرة لها؛ والتي نجحت في سبعينيات القرن الماضي أن تتحول إلى حركة شعبية فكرية وسياسية واجتماعية واسعة المدى عرفت إعلاميا بوصف الصحوة الإسلامية.

5- لا تعترف هذه الدعوات المشبوهة الداعية لإصلاح جذري للإسلام بالتعددية الفكرية، ولا بالتعددية المذهبية في الفكر الإسلامي، ولا بتعددية الصواب، ولا ببشرية الخطأ، وتستهدف بدعوتها إعادة تأسيس (إسلام جديد) وفق أفكارها التي لا تقبل النقض ولا المراجعة! وتعد مواقفها ووجهات نظرها هي المقياس للصحة والصواب والحق الذي يجب على جميع المسلمين اتباعها دون مناقشة، ويجب فرضها دون نقاش، ومن يرفضها فهو جامد ومتحجر ويرفض الإصلاح!

يجدر الانتباه هنا إلى أن حتى الإصلاح المسيحي ذاته – الذي يراد له أن يكون قدوة للمسلمين- لم يؤول أبدا إلى مثل هذه الأحادية المطلوب تجسيدها في الإسلام؛ ولا نجح في فرض نسخة واحدة موحدة من المسيحية، ولا حتى داخل إطار البروتستانتية نفسها التي من أبرز سماتها التعددية غير المحدودة في مذاهبها وعقائدها وكنائسها، وفي كل حال فلا تزال الأغلبية المسيحية معادية ورافضة لمباديء الإصلاح المسيحي البروتستانتي الذي ظل أقلية مقارنة بالمذهبين الرئيسين: الكاثوليكي والأرثوذكسي. ولكل ذلك فليس تجاوزا إن قلنا إنها دليل على أنها دعوة شمولية فرعونية تتلبس بدعاوى الإصلاح، لا تؤمن بالرأي الآخر، وتؤسس لديكتاتورية علمانية لا دينية، وشعارها ( ما نريكم إلا ما نرى)!

6- لا يهتم أصحاب دعوات الإصلاح الديني المشبوهة – كما كان الحال مع السلطات الاستعمارية إبان سيطرتها على العالم الإسلامي- إطلاقا بالإصلاحات السياسية الحقيقية، وتأسيس أنظمة الحكم على أسس دستورية ديمقراطية (كما هو الحال في بلدان الغرب الراعية والممولة لدعوات الإصلاح الديني!)، ولا بإقرار الحريات الديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان السياسية؛ لأنهم يعلمون تماما أن ذلك سوف يعطي الحرية للشعوب المسلمة لاختيارات ضد مشروعهم العلماني التغريبي.. ولذا يركزون دعاواهم فقط على الشؤون الدينية والفقهية، والتعليمية، والأحوال الشخصية والمواريث، والعلاقات الخاصة بين الذكور والإناث على الطريقة الغربية، وإعادة كتابة التاريخ الإسلامي وفق مقرراتهم!

هذا التجاهل المتعمد للإصلاحات السياسية الديمقراطية خطير في المآل الأخير؛ لأن تاريخ الإصلاح المسيحي أثبت أن الإصلاحات الدينية التي حدثت – رغم هامشيتها ومحدوديتها- ودون إصلاحات سياسية ديمقراطية تسببت في حالة من عدم الفوضى الدينية واللا استقرار سياسيا في الإقليم الأوربي، وبسببها شهدت أوربا قيام دول ديكتاتورية مستندة إلى الكنائس الوطنية، وعانت أوربا من حروب دينية دامية لفرض التجانس الديني وفق الهوية الوطنية للدولة، ولم تستقر الأوضاع في أوربا إلا بعد إجراء إصلاحات سياسية حقيقية باتجاه حكم الشعب والدستور، والتداول السلمي للسلطة، وتحويل الحكم المطلق إلى حكم شعبي ديمقراطي.

وجه التزييف العلماني 2 في وجه التزييف العلماني (الجزء الأول)

7- يساند حكام مستبدون يحملون أسماء إسلامية هذه الدعوات المشبوهة، ويتحمسون لها، ويفتحون لها أبواب بلدانهم ومجتمعاتهم الإسلامية، ويسلمون لها رقاب مؤسساتهم بدعوى إصلاحها؛ لا فرق بين الاقتصاد والجيوش، ولا بين مناهج التعليم، وأجندة وزارات الأوقاف والإرشاد والشؤون الاجتماعية والقانونية، لسبب واضح وهو أن أولئك الحكام على استعداد أن يدفعوا ثمن بقائهم في السلطة المطلقة من دين الأمة وهويتها واستقلالها وعزتها وكرامتها!

8- على العكس من الشعارات المرفوعة باسم الإصلاح المشبوه؛ فإن التجربة التاريخية تؤكد أن الغرب المسيحي/ العلماني يحارب أي توجه للإصلاح الحقيقي إن لم يكن وسيلة لتعزيز نفوذه السياسي والثقافي، وضمان مصالحه، أو يمكن أن يؤدي إلى ظهور قوة إسلامية متمردة على هيمنته. وفي تاريخ الاستعمار الغربي للعالم الإسلامي نماذج من قيام السلطات الاستعمارية بتدمير كل محاولات الإصلاح  التي سعى بعض القادة لإجرائها في بلدانهم (مثل الإصلاحات المتميزة التي قام بها خير الدين باشا في تونس قبل الاحتلال الفرنسي)، ولا تستثني حتى تلك المحاولات التي قام بها القادة المعادون للروح الدينية المهمشون للبعد الإسلامي في دولهم، ولو اقتصرت تلك الإصلاحات على الجوانب المادية والدنيوية، وحتى لو كان بعض أولئك القادة معادين للروح الدينية وعملوا على تهميش الإسلام في دولتهم(والمثال الأوضح إصلاحات محمد علي باشا في مصر)، وعلى سبيل المثال فقد كان من أوائل قرارات الاحتلال البريطاني لمصر إلغاء مجانية التعليم الابتدائي.

وكانت آخر عمليات الإجرام الغربي تأييدهم لمؤامرات إفشال ثورات الربيع العربي، وإجهاض الإصلاحات السياسية في العالم العربي، ودعمهم لأنظمة الانقلابات ومليشياتها في مصر وليبيا، والتآمر على ثورة الشعب السوري ضد النظام البعثي الديكتاتوري خشية قيام نظام شعبي ديمقراطي يؤثر على الوجود اليهودي في فلسطين المحتلة!

9- هناك خلط متعمد واضح، وخلط الحابل بالنابل في الحديث عن مظاهر القصور والأخطاء والانحرافات في المجتمعات الإسلامية دون تمييز بين أحوالها، ودون تفريق بين أصول الإسلام وممارسات وآراء المنتمين والطوائف والمذاهب المنتمية إليه الخاضعة للاجتهادات البشرية الخاصة القابلة للخطأ والصواب، وتصوير الوضع الإسلامي العام كأنه ظلام دامس يشمل كل جوانب الحياة في المجتمعات الإسلامية، ودون تطرق لحركات الإصلاح والرفض الإسلامي لمظاهر الخلل والانحرافات الاعتقادية والسلوكية. وبصورة عامة ترفض هذه الدعوات المشبوهة الإقرار بحدوث أي عمليات إصلاح إسلامي لا قديما ولا في العصر الحديث مع تعددها شكلا وموضوعا، فضلا عن الإشارة إلى إيجابياتها وإنجازاتها والتغيير الذي أحدثته في مجالات عديدة. [ يمكن مراجعة الإصلاح الإسلامي في مقالات الحقيقة والوهم في الإصلاح الديني].

10- تستهدف دعوات الإصلاح المشبوهة في خلاصة الأمر: (تنصير الإسلام) – على حد تعبير مدهش للأستاذ جلال كشك- وحصر الإسلام في زوايا المسجد فقط، وفي أوقات محددة بالدقيقة والثانية! فهو إصلاح للإسلام على الطريقة المسيحية الشائعة، وتجاهل الاختلاف بينهما؛ ويراد به العودة بالإسلام إلى قسمة حياة الإنسان بين الله وقيصر، وتحويله إلى دين سلبي، وإلى فكرة صوفية تهتم بالآخرة فقط، ولا تهتم بمناهضة المظالم والحكام المستبدين، ولا الثورة ضد المستعمر والهيمنة والاستكبار والاحتلال، وإبعاده عن شؤون المجتمع والدولة، والأسرة والاخلاق والتعليم. ولعل هذا يفسر الدعم السياسي والإعلامي الذي تلقاه حركات صوفية مشبوهة ورموز ودعاة دينيين مشبوهين يتبنون هذا النهج، ويتم تقديمهم للعالم على أنهم صورة الإسلام الصحيح المعتدل.

11-  تتعمد الدعوات المشبوهة مساواة وضع الإسلام بوضع الديانتين المسيحية واليهودية في حدوث الانحرافات وسماتها، وتتجاهل الفوارق الجوهرية بين الإسلام وبينهما؛  سواء من جهة الأصول المقدسة أو في التجربة التاريخية، والترويج بخفة إلى مساواة الطرفين في كل شيء من الانحرافات، وإلى حاجة الإسلام لإصلاحات على الطريقة المسيحية واليهودية؛ بل وإلى إصلاحات في أصوله وليس فقط في الفروع وبعض الممارسات والاجتهادات البشرية، ويروجون لافتراءات قديمة روجها صليبيون وأعداء للإسلام، ويتبنونها وكأنها من بنات أفكار مصلحين من بني جلدتنا!

وجه التزييف العلماني 4 في وجه التزييف العلماني (الجزء الأول)

وفي الوقت نفسه؛ فإن تلك الدعوات تتجاهل توجيه دعوة الإصلاح للمسيحية واليهودية في العالم الإسلامي؛ بحجة أن المسيحية واليهودية قد أنجزتا إصلاحهما الديني المطلوب، ولم يعد مطلوبا منهما شيء؛ رغم كل المظاهر السلبية الموجودة في الديانتين المسيحية واليهودية؛ ورغم وجود جماعات مسيحية ويهودية غارقة في مجاهل التاريخ والخرافات، ولم تزل تتمسك بتشريعاتها الخاصة وتراثها التشريعي في الأحوال الشخصية أو في أساطير كتبهم المقدسة المحرفة.. وأبرز مثالين على ذلك: الأول إثارة عواصف النقد حول تعاليم الزواج والطلاق وفق الشريعة الإسلامية مقابل تجاهل حقيقة أن المسيحيين الأرثوذكس في مصر مثلا يفرض عليهم الزواج وفق تعاليم الكنيسة وبإشرافها لكي يكتسب مشروعيتها الدينية، كما أن رعايا الكنيسة محرومون من الطلاق نهائيا إلا وفق تعاليم كتابهم المقدس الذي لا يبيح الطلاق إلا لعلة الزنا!

والمثال الآخر هو دعم الغرب المسيحي لمشروع سياسي صرف هو تأسيس دولة إسرائيل على أسس دينية وخرافات وأساطير نابعة من كتب اليهود والمسيحيين المقدسة.. وفي الوقت نفسه فإنه يعادي أي مشروع إسلامي ذات طبيعة سياسية يستهدف أسلمة الدولة، والمجتمع، والقوانين ومناهج الاقتصاد والثقافة والتربية!

12 – الخلط في الحديث ومطالب الإصلاح المزعوم بين القضايا الدينية المرتبطة بالإيمان وأصول الإسلام وبين الحوادث البشرية التاريخية المحكومة بظروف الزمان والمكان، وممارسات الدول الإسلامية القديمة أو الحديثة، وعدم التمييز بين المباديء والأصول المقدسة من جهة، ومن جهة أخرى بين ممارسات الأفراد والجماعات والمذاهب الخاضعة للاجتهادات البشرية القابلة للخطأ والصواب!

13- من المفارقات المريبة أن دعوات الإصلاح المشبوه تتجنب المطالبة بالاقتداء بأبرز أجندة الإصلاح المسيحي البروتستانتي (الجريء) التي تتحمس له، وتدعو لاقتفاء خطواته، وخاصة فيما يتعلق بالجانب العقائدي: أي العودة إلى نقاء العصور الأولى للدين، ورفض كل ما يعارض الكتاب المقدس (القرآن الكريم في الحالة الإسلامية) والاحتكام إليه بوصفه المرجعية الأولى للدين، ورفض البدع والخرافات الطارئة المستحدثة، والالتزام بالتعاليم الإسلامية في كل شؤون الفرد والأسرة والمجتمع والدولة، وفي كل شؤون الحياة كالمطعم والملبس والمشرب، والمحافظة على الصلاة الجماعية، وإلزامية حضور دور العبادات لسماع المواعظ، والتأكيد على دور الدولة في نشر تعاليم الدين وفرض شرائعه!

وليس تجاوزا للعدل إن قلنا إن السبب في ذلك هو أن هذه الدعوات المشبوهة لا تهتم أصلا بإصلاح من هذا النوع، ولا لمبدأ العودة لزمن النقاء العقائدي كما قيل في الإصلاح المسيحي، لأنه ليس من أهدافها تجديد مباديء الإسلام وبعث القوة والحيوية فيها، وعودة المسلمين للتمسك بها بقدر ما أن هدفها هو طمس تلك المباديء في النفوس والقلوب، وفي أقل القليل تحويل الإسلام إلى دين سلبي محصور في الزوايا، منقطع عن كل ما في العالم كما كان الحال مع الإصلاح اليهودي(الهسكالاه)!

14-   وأخيرا… فإن المتأمل في حيثيات دعوات الإصلاح المشبوهة سوف يكتشف ببساطة أنها نقل حرفي جامد لكثير من حيثيات الإصلاح الديني المسيحي واليهودي الذي حدث قبل بضعة مئات من السنين، وتخلو من أي إبداع أو ذكاء في الدعوة إليها، أو حتى التفكير في صحتها، أو إعمال العقل في مضامينها، وهل تتناسب مع واقعنا العربي والإسلامي خاصة في المائة السنة الأخيرة أو منذ بداية ظهور الحركات الإصلاحية الإسلامية الحقيقية في بداية القرن الثامن عشر وحتى الآن. وما نجحت في تحقيقه من إنجازات تاريخية مهمة على طريق التجديد والإصلاح تجاوزت به مرحلة الجمود والتخلف الحضاري؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى