فكر

مائة كتاب تراثي لترسيخ البناء الفكري المعاصر

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّد المرسلين. وبعد، فهذه قائمة من الكتب التراثية النافعة المهمّة، الغاية من إنشائها إمداد الفاعلين في حقل الدعوة والدراسات الإسلامية والتصدّي للإلحاد والتيّارات اللادينية بمادة تأسيسية مهمّة، تُعينهم خير إعانةٍ على الامتلاء الفكري والمعرفي والإيماني واللساني والأخلاقي، انطلاقًا من اعتقادي بأنّ التأسيس التراثي هو الرافد الأهم لترسيخ الثقافة الإسلامية المعاصرة، بخلاف النظرة القاصرة التي تنسب الاهتمام بالكتب التراثية إلى المتخصصين في علوم الشرع والعربية، وتُنشئ حاجزًا بينها وبين قضايا العصر الملحّة.

وحين نُجيل النظر في الكثير من الأُطر الفكرية المعاصرة نجد التركيز في التأسيس الفكري يقوم على الكتب المعاصرة، سواء العربية منها أو الغربية. وهذا ليس سيّئا على إطلاقه، ولكنّه حين يخلو من التأسيس المعرفي الجيّد على الكتابات التراثية حول الكتاب والسنّة والعربية؛ يكون بناء فكريّا هشّا لا يصمد أمام الشبهات والإشكالات الفكرية المعاصرة كصمود البناء الذي يُزاوج بين المعرفة التراثية الراسخة والمعرفة المعاصرة المتفتّحة.

وقد يبدو غريبًا لأمّة شرّفها الله بالكتاب والسنّة، وأنتج علماؤها على مدى ألف وأربعمائة عام ذخيرة ضخمة من الكتابات في مختلف المجالات، أن تُهمَل هذه الكتابات حين ترغب بالتأسيس الفكري والمعرفي المعاصر، وتلجأ عوضًا عن ذلك لا إلى كتب إسلامية معاصرة فحسب، بل إلى كتبٍ غربية ككتب التنمية البشرية والتنمية الذاتية التي تتطرّق إلى ضبط سلوك الإنسان وتفكيره، وتحسين جودة معارفه ومدركاته، أو إلى الدراسات الغربية المترجَمة التي تتناول مسائل الدين والتراث الإسلامي. مع أنّنا سنجد في ديننا وفي تراثنا الإسلامي عددا كبيرا جدّا من الكتابات الموجّهة إلى ضبط هذه المجالات، فلا نكاد نستفيد منها إلا الشذرة بعد الشذرة، بينما نعوّل على الآخَر المغاير لنا دينيّا وفكريا وحضاريّا في بناء فكرنا وضبط بوصلة نهوضنا. من أجل ذلك كان التفكير في إعادة بعث الكتب التراثية وتسليط الضوء عليها في هذا السياق، أي مع بيان أهميّتها في البناء الفكري المعاصر، وفي مواجهة التحدّيات الدعوية المعاصرة، وفي التصدّي للشبهات حول الدين، وفي البناء الإيماني والأخلاقي واللساني.

والقائمة تُركّز على كتب المتقدّمين من علماء الإسلام، وتؤكّد على أهميّة أطروحاتهم في هذا الصدد الذي أُعدّتْ من أجله؛ لاعتقادي بأنّهم كانوا أرسخ قدمًا في فهم الدين، وأعمق فكرًا، وأفصح عبارة، مع خلوّ معظم تلك الكتابات من التأثيرات الأجنبية متمثّلةً بالفلسفة الإغريقية والمنطق الأرسطي، التي ساهمت إلى حدّ كبير في ابتعاد كتابات المتأخرين – إلا من رحم ربّك – عن الفصاحة والوضوح والرسوخ في فهم الكتاب والسنّة. وما اخترتُه من كتابات المتأخرين من علماء الأمة – وهو عدد لا بأس به – كان في معظمه من الكتابات التي تميّزتْ بالوعي حول إشكاليات علوم المتأخرين والأثر السلبي للفكر اليوناني في العلوم الإسلامية.

وهذه القائمة ليست نهائية، بل هي مقترحة بناء على تجربتي واستنادا إلى معايير تجعل محتوى هذه الكتابات مهمّا في التأسيس الفكري المعاصر، دون إغفال المستويات الإيمانية واللسانية والأخلاقية التي لا يرسخ الفكر الإسلامي المعاصر دون الرسوخ فيها. مع التأكيد على أنّ هذه القائمة موجّهة إلى الفاعلين في حقل الدعوة والفكر الإسلامي ومواجهة التيارات اللادينية وشبهاتها، وإلى الذين يمتلكون ثقافة جيّدة حول الإسلام وعلومه، أي الذين يُفترض أنّهم يمتلكون أدوات الفهم والبحث مع قَدْر كافٍ من المعرفة الشرعية واللسانية التي تجعلهم قادرين على الاستفادة من محتوى هذه الكتابات التراثية.

وأنوّه إلى أنّ اختيار هذه الكتب له أسباب تتعلّق بالهدف المرجوّ منها، فالكتب المذكورة في هذه القائمة تزوّد قارئها المتدبّر الجادّ بمعرفة نافعة تُعينه في فهم حقائق الدين وتطبيقاته في الشأن الخاص والعام، وفي الحصانة من الشبهات، وفي بناء القلب والنفس إيمانيّا، وفي التخلّق بأخلاق الإسلام، وفي التمرّس بلسان العربية وهو لسان القرآن، وهذه من أبرز أدوات الداعية والباحث والمحاور الذي يسعى إلى نشر معالم دين الله في الأرض، ويرجو أن يدفع عنه جهل الجاهلين وكيد المبطلين. ومن أجل توضيح مَكْمَن الاستفادة من كل كتاب وسبب اختياره في القائمة، كتبتُ توضيحًا من أسطر قليلة لكل كتاب، أبيّن فيه لماذا اخترتُ هذا الكتاب وأين تقع فائدته في سياق الترسيخ الفكري المعاصر.

وقد يتعجب بعض القراء من غياب كتب هي من أمهات كتب التراث أو من أكثر الكتب انتشارا وتأثيرا، وسيزول هذا العجب حين يعلم أنّ هذه القائمة – كما ذكرت – لا تستهدف جمع أشهر أسماء الكتب أو أكثرها تأثيرا وتداولا، بل هي موجّهة للباحث والمفكر والداعية والمتصدّي للشبهات الفكرية المعاصرة، ولأجل ذلك اخترت ما أجده نافعًا من وجهة نظري ومن خلال تجربتي. وكثير من هذه الكتب مغمور غير متداول، والحاجة إلى إبرازه والإرشاد إليه مع ما أعلم من نفعه في سياق الهدف المذكور حاجة كبيرة، وهي أكبر من الحاجة إلى ذكر كتب يتداولها الناس وتُقرأ وتُدرّس في الأطر الشرعية التقليدية. وقد أشير إلى كتاب مشهور، ولكنّي أبيّن وجه الاستفادة منه في البناء الفكري المعاصر مما يزيد من الانتفاع به في هذا الباب.

كما أنّني لم أذكر كتب التراث الفقهي التخصصي، ككتب المذاهب الفقهية، فهذه عدّة طلبة العلم والفقهاء، ولها أطرها الدراسية سواء على مستوى التفقّه الشخصي لمعرفة الأحكام، أو على مستوى إعداد الفقهاء. أما التراث الكلامي والفلسفي والمنطقي فقد أعرضتُ عنه رغم علمي بتصوّر الحاجة إليه لدى شرائح معاصرة عديدة؛ لاعتقادي باحتوائه على إشكاليات تُبعد القارئ عن الانطلاق من الأسس الفكرية التي يؤسس لها الكتاب والسنّة. وإذا كنتُ أعتقد أنّ نشأة هذا التراث الكلامي بأثر من الفلسفة الإغريقية كان نكبةً على العلوم الإسلامية وانتهى إلى تخليط كبير في باب العقائد، فلا يُعقل أن أجعله موردًا للبناء الفكري المعاصر! ومع ذلك فقد يجد القارئ في القائمة كتبًا لعلماء خاضوا في العلوم الكلامية والمنطقية وتبنّوها، ولكن ما اخترتُه من كتاباتهم ليس من الكتابات الكلامية بالمعنى الذي ذكرت.

ولعلّ بعض المشتغلين في العلوم الشرعية يرى أنّ بعض الكتب المذكورة هي كتب “تخصصية” بحسب اصطلاحهم، لا بد أن يتناولها “المتخصصون” في العلوم الشرعية المختلفة لا غيرهم من “العوام” وإنْ كانوا مثقّفين أو يمتلكون أدوات العربية والفهم التي تمكنهم من الاستفادة منها. ولست مقتنعًا بهذا الطرح الذي فوّت على الأمّة فوائد كثيرة من خلال هذه “التغطية” للعلوم التراثية و”حراستها” التي لم تجلب علينا خيرًا؛ فلا أحد زعم أنّ قارئ هذه الكتب سوف يصبح مجتهدًا يحرّف الدين بفهمه القاصر لها، والكتب متوفّرة للجميع على أية حال، والتوجيه إلى النافع منها أفضل من عدمه. كما أنّه ليس المقصود منها أن يقوم غير المؤهَّل على تدريس هذه الكتب وشرحها، ولا يعدم أيضًا القدرة على استشارة أهل الخبرة فيما اعتاص عليه من مسائلها. ولكنّ الغاية الأعظم مع ذلك كلّه هي ما تورثه هذه الكتابات حين تُشرق على قلوب مُطالعيها من رصانة فكرٍ ورسوخٍ وحصانةٍ ضدّ الشبهات، فلن يعدم الخيرَ رجلٌ خالطَ الخيرَ بقدْرٍ جيّد من أدوات القراءة والفهم والنيّة الصالحة، وإنْ لم يكن بمستوى الفقهاء المتخصّصين والعلماء الجهابذة المفلقين!

والقائمة في النهاية تضمّ ما أعتقد أن قراءته ومطالعته تُثري الشباب الذي يطمح للدعوة والإصلاح والتغيير، وتجعلهم يمتلكون معرفة متينة في حقائق الدين وما بني عليها من علوم، وحساسية قلبية عالية، وعقلية نقدية متميّزة. ولا شكّ أنّ الكتب التراثية النافعة تزيد على مائة كتاب، ولكني اجتهدتُ أن أختار منها مائة كتاب تؤدّي الغاية على أفضل وجه، ولم يكن هذا الاختيار سهلًا، بل مليئا بالتفكير في الأولوية والتعديل والتغيير الذي استمر طويلا، حتى استوت هذه القائمة على الوجه الذي أرتضيه وأعتقد أنّه يلبّي ما أردتُه منها بإذن الله. واللهَ أسألُ السدادَ والتوفيقَ فيما قصدتُ إليه.

وسيلاحظ القارئ تكرار أسماء من العلماء، والسبب أنّ هذه الأسماء قد ساهمت في بنائي الفكري مساهمة وجدتُها نافعة جدا، وقد التفتُّ إليهم وأحببت كتاباتهم لما وجدت من أثرها الطيّب في فهم حقائق الدين ومواجهة مستجدّات الواقع الحالي، وتحديدًا في المجالات التي برعوا فيها والتي اخترتُ بعض كتاباتهم حولها، فهم أعلامٌ في تلك الأبواب، ويجدر بالمستفيد منهم الذي امتلأ بخيرهم أن يدلّ الناس عليهم.

كما سيلاحظ كثافة جانب التزكية في الكثير من هذه الكتب، سواء في الباب الذي جعلته للأخلاق والتزكية والرقائق أو في سائر الأبواب؛ ذلك أنّ إحدى آفات هذا العصر والسياق الفكري الإسلامي المعاصر الضعف في هذا الجانب، وشيوع مظاهر تتعارض مع أسس الأخلاقيات الإسلامية التي جاءت في الكتاب والسنّة، وأساسها اتّباع الهوى، مع شيوع السخرية والفحش والبذاءة والفجور في الخصومة وطلب الجاه والرياء وانعدام الجدّية وفقدان الرساليّة وغيرها من الآفات التي تحتاج إلى تزكية النفس ليكون الرسوخ الفكريّ على هدى وطريق مستقيم.

وأخيرا، لا شكّ أنّ بعض الكتب تحتوي على ما قد لا يرتضيه القارئ من آراء ومواقف للمؤلّف، ولا أزعم أنّها جميعًا نقية ناصعة تخلو من الأخطاء والزلات، لكني اجتهدتُ أن يكون الغالب عليها هو الحق والخير والنفع والفائدة، أما الاختلافات في مسائل من أبواب الفقه والعقائد الفرعية ومختلف الآراء فهو كائن فيها، وينبغي لقارئ كتب التراث – بل كل كتاب بشري – أن يعتاد على ذلك، ولا يبحث عن وهم المصنّفات التي تخلو من الخطأ في أعمال البشر الخطّائين!

ولنشْرَع الآن في بيان القائمة التراثية، ولنقدّم لكل قسم من أقسامها بمقدّمة وجيزة تكشف عن أهميّته. على أنّ بعض الكتب قد تتداخل موضوعاتها مع أكثر من قسم، فاجتهدتُ في وضعها في القسم الأليق بها رغم احتوائها على ما يتّصل بأقسام أخرى.

كتاب تراثي لترسيخ البناء الفكري المعاصر 1 مائة كتاب تراثي لترسيخ البناء الفكري المعاصر

● في الدراسات القرآنية

هذا القسم هو أَوْلى الأقسام باهتمام الدعاة والباحثين والمشتغلين بالفكر، وذلك لتعلّقه بكتاب الله الذي هو كتاب الإسلام الأول وعليه قامت معالم الدين وبأثرٍ منه نشأتْ جميع العلوم الإسلامية. ومع كثرة الطعن في عصرنا هذا بالقرآن وتسليط الشبهات على العديد من جوانبه، كانت الحاجة ملحّةً إلى تكوين معرفي راسخ في العلوم القرآنية المختلفة، ولهذا كانت كتب هذا القسم كثيرة قياسًا إلى غيره.

1) فضائل القرآن ومعالمه وآدابه لأبي عبيد القاسم بن سلام (157-224 هـ): كتاب مهمّ يعتمد على رواية الآثار المتعلّقة بكتاب الله، وهو بمنزلة مقدّمة منهجية معرفية مهمّة لإدراك قيمة كتاب الله، ويجمع بين الحديث عن قيم القرآن وصفات أهله، وبين المعلومات التأسيسية المتعلّقة بالقرآن كفضائل سوره وآياته، والأحاديث الواردة فيه، وتاريخه حتى وصل إلينا بالصورة التي نراها عليه. 

2) أخلاق أهل القرآن لأبي بكر الآجُرّي (ت 360 هـ): كتاب قيّم يتناول الصفات والآداب التي ينبغي أن يتحلّى بها أهل القرآن وحاملوه وبعض ما لا ينبغي جهله فيما يتعلق بالقرآن.

3) جواهر القرآن لأبي حامد الغزالي (450-505 هـ): هذا الكتاب على وجازته يزيد القارئ رسوخًا في معرفة مقاصد القرآن وموضوعاته وترتيب علومه في الأهمية. 

4) بيان إعجاز القرآن لأبي سليمان الخطّابي (319-388 هـ): وهي رسالة وجيزة تسلّط الضوء على موضع الإعجاز في كتاب الله عزّ وجلّ. 

5) مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية الحرّاني (661-728 هـ): وهي رسالة نفيسة فيها قواعد كلّية تعين على فهم القرآن ومعرفة تفسيره ومعانيه، وفيها ما يعصم القارئ لكتاب الله عن التوجّهات المنحرفة في تأويل كتاب الله. 

6) جامع البيان عن تأويل آي القرآن لأبي جعفر الطبري (224-310 هـ) (مرجعًا – مع استيعاب المقدّمة): وهو من أمّهات التفسير الجامعة التي لا بد من الرجوع إليها عند كل نظر في آية، لشموله للأقوال المختلفة ومختلف جوانب العلم المستفاد من الآيات. 

7) تفسير القرآن العظيم لابن كثير الدمشقي (700-774 هـ) (مرجعًا): تفسير قيّم يتميّز بوضوح أسلوبه وسلاسته، مع صلابة صاحبه في الدين وبعده عن البدعة وعن التأثّر بالمناهج الكلامية والفلسفية، وقد تميّز أيضًا بتفسير القرآن بالقرآن، وثرائه بالسنن والآثار، مع اشتماله على مختلف الجوانب التي اشتمل عليها غيره من التفاسير كالجانب اللغوي والفقهي. 

8) نَظْمُ الدُّرر في تَناسُب الآيات والسُّوَر لبرهان الدين البقاعي (809-885 هـ) (مرجعًا): وهو تفسير تدبُّري فريد اهتمّ فيه الإمام البقاعي بعلم المناسبات وربط السُّوَر والآيات ببعضها بعضًا، وهو مهمّ للمعتنين بالتدبّر والكشف عن نظام السُّوَر والآيات في كتاب الله، وهذا الجانب مهمّ جدّا في عصرنا هذا تحديدًا الذي كثرت فيه الطعون في كتاب الله، وبعضها متعلّق بمزاعم انعدام المنهجية والنظام في كتاب الله، إذ يقيس هؤلاء “المنهجية” و”النظام” بناء على معايير غربية، دون أن يدركوا عمق غور كتاب الله وطبيعة نظامه الفريد الذي يخاطب فيه الفطرة البشرية أحسن خطاب. 

9) مصاعد النظر في مقاصد السُّوَر لبرهان الدين البقاعي: وهو كتاب مهمّ أيضًا يركّز فيه الإمام البقاعي على مقاصد سور القرآن، وهو علم ضروري لمعرفة رسالة القرآن ومضامينه الكلّية، تحديدًا في زمن الغربة الحالي، ولهذا ذكرتُ عدّة كتب تراثية في هذا الباب. 

10) البرهان في تناسب سور القرآن لابن الزبير الغرناطي (627-708 هـ): وقد كان أحد مصادر البقاعي، وهو كتاب في بيان نظام القرآن وتناسب سوره، ولكنّه يضمّ في سياق ذلك ذكرًا لمقاصد سور القرآن، وهو مبحث مهم لفهم كتاب الله ونظامه الفريد. 

11) الناسخ والمنسوخ لأبي جعفر النحّاس (ت 338 هـ): كتاب مهم وشامل في قضية مهمة استشرى الطعن بها في هذا العصر، ومن الجيد مطالعة كتاب تراثي فيها لإدراك أبعادها وفهمها جيّدا. 

12) تأويل مُشْكِل القرآن لابن قتيبة الدينوري (213-276 هـ): يوضّح فيه معاني الآيات المتشابهة والألفاظ القرآنية التي طُرحت حولها الاستشكالات والشبهات؛ كزعم التناقض واللَّحْن وفساد النظم وغير ذلك، فيبيّن وجهَها وتفسيرها معتمدًا على لغات العرب، سادًّا بذلك باب الطعن في كتاب الله. وكثير من الطعون المعاصرة ما زالت تستلهم تلك الطعون القديمة، والمدخل اللغوي القرآني هو مدخل تأسيسي في الحصانة من هذه الطعون. ومن الملاحظات المهمة في هذا الباب أنّ ابن قتيبة رحمه الله كان مرتكزًا إلى المدخل اللغوي في الردّ على أهل الشبهات، فقد كان مؤمنًا بقوة العربية ونسيجها المتكامل في مجابهة شبهات الفلاسفة وطعون أعداء الدين والزنادقة، في مقابل من تبنّى المنطق الأرسطي وحاول من خلاله ردّ الشبهات عن دين الله. 

13) مسائل نافع بن الأزرق (غريب القرآن في شعر العرب) لابن عبّاس رضي الله عنه (3 ق.هـ – 68 هـ): كتاب صغير الحجم ولكنّه نفيس في بيان أهمية الشعر العربي القديم في فهم الكثير من ألفاظ القرآن ومعانيه، وهو يفنّد الشبهة التي تجعل اختلاف طبيعة الشعر عن طبيعة القرآن سببا للطعن في فهم السلف لكتاب الله. 

14) تحصيل نظائر القرآن للحكيم الترمذي (نحو 205-295 هـ): هذا الكتاب يندرج ضمن كتب نظائر القرآن، ولكنه لا يردّ اللفظ الواحد إلى معانٍ متباينة بحسب اختلاف موقعه من الآيات في كتاب الله، بل يبيّن وجود أصل واحد تعود إليه هذه الاستعمالات المتعددة، وهو على طريقة الاشتقاقيين، ويقول بمنع الترادف، وهذا الطرح مهم في السياق الفكري المعاصر لإغلاق الطريق على طرحٍ استشرى في عصرنا الحاضر، وهو الذي يلتمس الدلالات اللغوية لمعارضة المعاني الشرعية، فالحكيم الترمذي يبيّن ارتباط الدلالات الاستعمالية العُرفية والاصطلاحية الشرعية بالدلالات اللغوية، ولا يجعلها متعارضة. 

15) فنون الأفنان في عيون علوم القرآن لابن الجوزي (582-656 هـ): وهو من المصنّفات القديمة النافعة في باب علوم القرآن، يقدّم صورة جيّدة لأسس هذا العلم، ويتميّز بجمال الأسلوب ويُسره مع ثرائه العلمي. 

16) مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني (ت 502 هـ): معجم لغوي قرآني مهمّ وفريد في معرفة معاني الألفاظ القرآنية، وهو مرجع مهم للباحث المعاصر. 

17) البرهان في توجيه متشابه القرآن لما فيه من الحجّة والبيان لأبي القاسم الكرماني (توفي نحو 505 هـ): جمع هذا الكتاب الآيات المتشابهة أو المكرّرة في القرآن، التي في بعضها زيادة أو نقصان أو تقديم أو تأخير أو إبدال حرف مكان حرف أو غير ذلك من الاختلاف، فبيّنَ وجوه هذه الآيات المكرَّرات وحكمتها، وأسباب تكرارها والفائدة من إعادتها، مع بيان الموجب للزيادة والنقصان، أو التقديم والتأخير، أو الإبدال. وهو باب مهمّ يكشف المزيد حول دقّة القرآن، ويزيل الإشكالات المتولّدة من عدم فهم هذا التكرار في كتاب الله. 

18) استخراج الجدل من القرآن لناصح الدين بن الحنبلي (554-634 هـ): كتاب قيّم وجيز يوجّه النظر نحو الحجاج العقلي في القرآن الكريم، ويبيّن الأدلة القرآنية العقلية على أصول الإيمان.

وسبحة الصلاة الإسلامية أو التسبيح على رف أو حامل خشبي للكتب الرمضاني. مائة كتاب تراثي لترسيخ البناء الفكري المعاصر

● في السنّة النبويّة والسيرة

السنّة النبوية الشريفة وسيرة المصطفى صلوات ربّي وسلامه عليه هي الشرح التفصيلي والعملي والواقعي لمبادئ القرآن وقيمه وأحكامه وهداياته، وهي كلام المعصوم صلّى الله عليه وسلّم وأفعاله وتقريراته، ومن ثمّ يحتاج الدعاة والباحثون إلى معرفة راسخة فيها، وإلى اطّلاع على كتب تشتمل على متون السنّة الصحيحة لإدمان النظر فيها، وعلى كتب توضّح مفهوم السنّة وموقعها من الدين وتدفع الشبهات عنها، مع معرفة راسخة في السيرة النبوية. وقد كثرت الشبهات الطاعنة في السنّة في عصرنا هذا، مما يجعل الرسوخ في السنّة وعلومها أمرًا واجبًا على من يريد الذبّ عن دين الله في هذا الباب.

19) صحيح البخاري واسمه “الجامع المسند الصحيح المختصر من أُمور رسول الله صلى الله عليه وسلّم وسُننه وأيامه” لأبي عبد الله البخاري (194-256 هـ): لما فيه من السُّنن الصحيحة، ولمكانته بين الصحاح، وفقهه في التراجم، وللتمرّس على طريقة السلف في التصنيف والاستنباط. وحريّ بالداعية المسلم والباحث والمفكر أن ينهل من مشكاة النبوة قدرَ ما يستطيع ليستقيم عقلُه وقلبُه. 

20) صحيح مسلم لمسلم بن الحجاج (206-261 هـ): لما فيه من السُّنن الصحيحة، ولمكانته بين الصحاح، ولتتميمه صنيع شيخه البخاري، ولمقدّمته المنهجية النفيسة التي تُطلع القارئ على منهج التأليف والنقد الحديثي عند المتقدّمين. 

21) المسند الصحيح على التقاسيم والأنواع لابن حبّان البُستي (270-354 هـ): لما فيه من السُّنن وأهمية إدمان النظر فيها، ولذكاء تقسيمه على الأنواع الأصولية، مما يزيد مُطالِعه فهمًا لمقاصد السُّنن النبوية، ومقدّمة ابن حبّان تشرح الأمر. 

22) السُنّة لمحمّد بن نصر المروزي (202-294 هـ): مدخل منهجي متقدّم في فهم السنّة وعلاقتها بالقرآن وموقعها من الشريعة. 

23) جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي (736-795 هـ): نموذج من جوامع الأحاديث التي تشتمل على حقائق الإسلام وقيمه وأحكامه المركزية، وفيه شرح نفيس لصاحبه يثري قارئه في فهم أسس الدين وقيمه ويزيده فقها في السنّة. 

24) أعلام الحديث لأبي سليمان الخطّابي: من الشروح المتقدّمة للحديث، وهو شرح على أحاديث كثيرة من صحيح البخاري، تميّز بسعة علمه ومعرفته اللغوية وفصاحة أسلوبه. 

25) شرح السنّة لأبي محمد البغوي (433-516 هـ): لمزيد من فقه السنّة على الأبواب المختلفة، لإدراك شموليّتها والتعمّق في فهمها وتشرّب قيمها، مع صلابة الإمام البغوي في الدين ووضوح عبارته واهتمامه بإحياء السنّة النبوية. 

26) بيان مُشكِل أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخراج ما فيها من الأحكام ونفي التضادّ عنها (مشكل الآثار) لأبي جعفر الطحاوي (238-321 هـ): وهو كتاب كبير جدا يحسن أن يكون مرجعًا في باب رفع التعارض عن السُّنن، فقد جعله الإمام الطحاوي في الأحاديث المُشكلة المرويّة بالأسانيد المقبولة، التي يبدو في الظاهر أنّها تتعارض مع غيرها أو فيها إشكالٌ ما، فيحلّ الإمام الطحاوي هذا الإشكال. والتمرّس بهذا الباب وبمنهج الإمام الطحاوي في حلّ الإشكالات ضروري لكثرة الطعن في السنّة في عصرنا هذا. 

27) تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة الدينوري: وهو من جنس كتاب الطحاوي المذكور أعلاه، وإنْ كان أصغر حجمًا، وهو يردّ على شبهة لبعض أهل الكلام مفادها أنّ أهل الحديث فتحوا الباب للطعن في السنّة الشريفة بِما رووه من روايات مكذوبة ومتناقضة وسخيفة – بزعمهم – وظّفَها مختلف الفِرَق والتوجّهات والنزعات في نصرة مذاهبهم، واستخدمها الملحدون للطعن في الإسلام. وسيجد القارئ أن كثيرًا من هذه الشبهات ما زال يجد صدى لدى الطاعنين في السنّة والإسلام عمومًا من المعاصرين. 

28) السيرة النبوية لابن هشام (ت 213 هـ): وهو كتاب أساسي لا غنى عنه في دراسة السيرة النبوية. ودراسة السيرة النبوية باب مهمّ جدّا، وتزداد الحاجة إليه في واقعنا المعاصر لأخذ الدروس والعبر، وكي نبصر الإسلام مجسّدًا في حركة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأخلاقه وهَدْيه ومعاملاته وأحواله، وهذه البصيرة الناتجة عن إدمان النظر في السيرة النبوية تزيد من رسوخ الإسلام في القلب وعمق فهمه. ولأجل ذلك ضمّنتُ هذه القائمة أكثر من كتاب في السيرة، تتنوّع في طريقة التناول وزاوية النظر والتركيز وأشياء أخرى. 

29) السيرة النبوية وأخبار الخلفاء (من كتاب الثقات) لابن حبّان البُستي: سرد سلس ومختصر للسيرة النبوية وما تلاها من أحداث تاريخية وصولا إلى الخلافة العبّاسية. 

30) شمائل النبيّ لأبي عيسى الترمذي (209-279 هـ): كتاب تأسيسي مهمّ في معرفة شمائل نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم. 

31) أخلاق النبيّ لأبي الشيخ الأصبهاني (274-369 هـ): كتاب قيّم يروي فيه الإمام أبو الشيخ الأصبهاني أخبارًا تتناول أخلاق النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وآدابه وبعض أحواله. 

32) الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض (476-544 هـ): كتاب فريد في بابه حول الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأحواله وشمائله وحقوقه. 

33) زاد المعاد في هَدْي خير العباد لابن القيّم (691-751 هـ): كتاب كبير في هَدي النبي صلى الله عليه وسلّم وسيرته وسُننه وآدابه وأحواله. 

34) المحدّث الفاصل بين الراوي والواعي لابن خلّاد الرامهرمزي (265-360 هـ): وهو أول ما كتب وبلغنا في أصول الحديث، ويعدّ كتابًا تأسيسيًا في هذا الباب، إذ يقدّم معرفة جيّدة فيما يتعلّق بعلم الحديث وأهميّته وآدابه ومجالاته ووسائله وغير ذلك من المسائل المتعلّقة به. 

35) معرفة علوم الحديث وكمّية أجناسه لأبي عبد الله الحاكم (321-405 هـ): وهو من الكتب التأسيسية المتقدّمة في علم مصطلَح الحديث. وقراءة الكتابين (كتاب الرامهرمزي وكتاب الحاكم) تُقدّم ثقافة جيّدة تُعمّق من فهم القارئ المعاصر لعلوم الحديث، وتجعله عصيّا على الاستخفاف والاستغفال من جهة الطاعنين في هذا العلم الشريف، الذين تصدُر الكثير من شبهاتهم نتيجة جهلهم بأصول هذا العلم ومناهجه. 

36) العواصم والقواصم في الذبّ عن سُنّة أبي القاسم لمحمد بن إبراهيم الوزير (775-840 هـ) (ومختَصَره الروض الباسم في الذبّ عن سُنّة أبي القاسم): هو كتاب كبير في الردّ على شبهات أحد مشايخه تجاه السنّة النبوية وأهل السنّة، وفيه مضامين وأبعاد أصولية وعقائدية، فهو موسوعة متنوّعة العلوم والفوائد، وصاحبه ذو بيان وحجّة، دافع فيه عن مذهب أهل الحديث والأثر، وناقش أهل الشبهات في مختلف المسائل من اجتهاد وتأويل وإجماع ومسائل الصفات وطرق معرفة الله والقدَر وغيرها، 

37) مشاهير علماء الأمصار وأعلام فقهاء الأقطار لابن حبّان البُستي: وهو في ذكر أشهر علماء هذه الأمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم، وهؤلاء هم الذين نقلوا لنا الدين عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وهم القرون الخيرية في الأمّة كما جاء في الحديث: “خيركم قرني، ثمّ الذين يلونهم، ثمّ الذين يلونهم” (صحيح البخاري). ولا بدّ للداعية والباحث المسلم من معرفتهم وامتلاك تصوّر عن طبقاتهم وكيفية انتقال الدين إلينا وإنْ على سبيل الإجمال.

كتاب تراثي لترسيخ البناء الفكري المعاصر 6 مائة كتاب تراثي لترسيخ البناء الفكري المعاصر

● في التأسيس الإيماني والعقائدي

يتناول هذا القسم كتابات لها طابع خاص يركّز على القطعي والمجمَع عليه والمركزي والواضح من أصول الدين والعقيدة. ويتجنّب التراث الكلامي والفلسفي الذي يرى كاتب هذه السطور أنّه تراث إشكالي، فهو أقرب إلى أن يكون “لوثة” من أن يكون “معينًا” للباحث أو الداعية المعاصر. وعوضًا عن ذلك، اجتهدتُ في الكشف عن مصادر تراثية بعضها مغمور، ومع ذلك فهي الأكثر التصاقًا بمناهج المتقدّمين الأوائل الذين أخذوا هذا العلم عن صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كما أنّها الأجدر في تحقيق بناء إيماني وعقائدي راسخ، يركّز على الناحية القلبية العملية والشعورية مع مخاطبته للعقل بالأدلة الناصعة القوية، المبنية على ما تدركه الحواسّ والأخبار الصادقة وما لا تختلف عليه العقول، لا على المناهج الكلامية والفلسفية التجريدية الظنّية، التي دخلت في مسائل لا علاقة لها برسالة الدين فضلا عن عدم بناء العمل عليها وجفافها وإتلافها لحياة القلوب. وإلى جانب ذلك ضمّنتُ القائمة كتبًا تواجه بعض الانحرافات العقائدية التي ما تزال أصداؤها حاضرة في عصرنا.

38) التوحيد أو تحقيق كلمة الإخلاص لابن رجب الحنبلي: رسالة وجيزة في توحيد العبادة والإخلاص لله عز وجلّ وشروط لا إله إلا الله وشروط دخول الجنّة والتحذير من طاعة الشيطان والحثّ على مخالفة الهوى وفضائل التوحيد وغيرها من المسائل المتعلّقة بالتوحيد بأسلوب وعظي مؤثّر. 

39) تجريد التوحيد المفيد لتقيّ الدين المقريزي (764-845 هـ): رسالة وجيزة في بيان حقيقة التوحيد بأسلوب ميسّر واضح، مع التركيز على توحيد العبادة وبيان أنواع الشرك، وفيها كلام مهم عن أصلَي: متابعة الرسول صلى الله عليه وسلّم وإخلاص العبودية لله تعالى وبيان أقسام الناس بالنسبة إلى هذين الأصلين، وكلام عن حكمة العبادة ومنفعتها ومقصودها. 

40) رسالة العبودية لابن تيمية: رسالة في بيان حقيقة العبادة وفروعها، وفي سياق شرحه لمفهوم العبادة ومقتضياتها يتناول مسائل في تزكية القلب وحثّه على التعلّق بالله وحده، مع التطرّق إلى العديد من الشبهات والتوجّهات المنحرفة ونقدها وتقويمها، بأسلوب شديد الارتباط بكتاب الله عزّ وجلّ وسنّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم. 

41) الإيمان لأبي عبيد القاسم بن سلام: رسالة متقدّمة في تحرير مفهوم الإيمان بقلم عالم بحر، مع تطرّقه لبعض المسائل التي كانت مثار جدل في عصره وبيان وجه الصواب فيها. 

42) كتاب الإيمان الكبير لابن تيمية: كتاب كبير في تأصيل علمي فريد لمفهوم الإيمان والفرق بينه وبين الإسلام والعلاقة بينهما معتمدًا على الكتاب والسنّة، مع تناول الكثير من المسائل المتعلّقة بهذا الباب، كمراتب الإيمان والزيادة والنقصان والاستثناء وغيرها، ومناقشة مختلف أقوال الفرق في مسائل الإيمان. 

43) تفسير أسماء الله الحسنى لأبي إسحاق الزجّاج (241-311 هـ): كتاب وجيز في معرفة معاني أسماء الله عزّ وجلّ وصفاته التي جاءت في القرآن والأخبار (سيأتي الشرح حول أهمية هذا التناول في الكتاب التالي). 

44) اشتقاق أسماء الله لأبي القاسم الزجّاجي (ت 337 هـ): وهو تلميذ الزجّاج، وقد توسّع في كتابه أكثر من أستاذه. ورغم تصنيف هذين الكتابين ضمن كتب اللغة، ولكنّهما أقرب إلى باب معرفة الله سبحانه من الكثير من كتب العقائد المتخصصة في “الأسماء والصفات”؛ لأنّ تلك الكتب العقائدية كانت تتصدّى لتأكيد وجهة نظر أصحابها فيما يتعلق بالنصوص التي ثار حولها الجدل، لا الأسماء أو الصفات الواضحة التي سمّى الله بها نفسَه مباشرة. والإنسان يقترب من معرفة الله سبحانه كلّما ازداد فهمًا لأسمائه وصفاته وإدراكًا لدلالاتها، ومن هنا يكون المدخل اللغوي لاشتقاقيٍّ عتيد كالإمام أبي القاسم الزجّاجي وأستاذه الإمام الزجّاج من خير ما ينفع المسلم في فهم هذه الأسماء والصفات ليتعبّد الله بهذا الفهم. وقد نزل القرآن بلسان عربي مبين، فلا بدّ أن تكون اللغة هي المدخل الأهم في فهم مفرداته وعبارته. وهذا ما يحتاجه الداعية والباحث المعاصر لينفع النّاس، ولا يحتاج أن يدخل في أتون المعارك الكلامية التاريخية. 

45) شأنُ الدعاء لأبي سليمان الخطّابي: كتاب مهم في إيضاح موضوع أساسي من العلاقة مع الله عزّ وجلّ، وهو الدعاء الذي هو وسيلة الرجاء كما يقول الخطّابي رحمه الله. وقد بيّن فيه معنى الدعاء وفائدته ومحلّه من الدين والعبادة وحُكمه في باب الاعتقاد وغيرها من المسائل والآداب المتعلّقة بالدعاء. ثم شرح أسماء الله الحسنى لكونها هي التي يُدعى الله بها كما جاء في كتاب الله: {وَلِلَّهِ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (الأعراف: 180)، وشرح ألفاظ الأدعية المأثورة التي جمعها الإمام ابن خزيمة (223-311 هـ) رحمه الله. 

46) كتاب القَدَر لأبي بكر الفريابي (207-301 هـ): وهو كتاب على طريقة أهل الحديث في إثبات القدَر، جمع فيه الفريابي رحمه الله عددا كبيرًا من الأحاديث والآثار التي تتناول موضوع القدَر من مختلف الجوانب، من غير شرحٍ من عنده، بل اقتصر على التبويب والترجمة. والكتاب يقدّم للباحث والداعية نصوص القدَر الواردة في السنّة وعلى ألسنة الصحابة والتابعين ليدرك مراميها، وليعرف (في النسخة المحققة التي فيها أحكام على الروايات) ما صحّ منها وما لم يصحّ، فالقدَر أحد أركان الإيمان. 

47) الغُنية عن الكلام وأهله لأبي سليمان الخطّابي: رسالة مهمّة على وجازتها في بيان منهج السلف في الاستدلال العقلي على حقيقة الألوهية وصدق الرسالة على طريقة القرآن، والاستغناء عن مناهج المتكلّمين وبيان عوارها. وهي تأسيسية في هذا الباب؛ لأنّها تبيّن المنهج العقلي المغاير لمناهج المتكلّمين والفلاسفة، وتنفي شبهة عدم وجود حجج عقلية خارج إطار علم الكلام والفلسفة والمنطق، بل تُبيّن تفوّقَ هذا المسلك العقلي القرآني على تلك المسالك الخفية المشوبة. 

48) البرهان القاطع في إثبات الصانع لمحمد بن إبراهيم الوزير: كتاب فريد في بابه، يستدلّ على أصول الدين وفي مقدّمتها قضية الألوهية والتوحيد من خلال طريق الوحي وإثبات النبوّة بالأدلة المتنوّعة الكثيرة، فيجعل طريق الوحي مقدّمًا في معرفة الله عزّ وجلّ، وهو طريق عقلي راسخ تتعدّد مسالك إثباته وترسيخه كما سيظهر من الكتاب، مع إشارته إلى طريق الاعتبار من دلالات الأنفس والآفاق المذكور في كتاب الله عزّ وجلّ. 

49) الدلائل والاعتبار على الخلْق والتدبير المنسوب لأبي عثمان الجاحظ (163-255 هـ): سواء ثبتت نسبته للجاحظ أم لا، فهو يمثّل نموذجًا متقدّما مختلفًا من أبواب النظر في المخلوقات لمعرفة الله عز وجل، أي على طريقة القرآن الثرية الكثيفة المغايرة لطريقة الفلاسفة والمتكلّمين التجريدية. ويعبّر عن طريقة أهل ذلك العصر في التبصّر بدلائل الأنفس والآفاق على الله وصفاته وأفعاله سبحانه.[1]

كتاب تراثي لترسيخ البناء الفكري المعاصر 2 مائة كتاب تراثي لترسيخ البناء الفكري المعاصر

50) رسالة الاعتبار (أو التبصرة) لابن مَسَرَّة الجَبَلي (269-319 هـ): رغم كل ما قيل عن ابن مسرّة من تُهم فإنّ هذا الكتاب كما وجدته وكما أشارت بعض الدراسات الحديثة يمثّل المنهجية القرآنية السنّية في الاعتبار العقلي لمعرفة الله عزّ وجلّ وصحة الدين. والكتاب رسالة صغيرة مفيدة بنفَس روحاني لطيف يجمع بين العقل والوحي. 

51) الدين والدولة في إثبات نبوّة محمد صلّى الله عليه وسلّم لابن ربَّن الطبري (من القرن الثاني والثالث الهجريين): وهو كتاب مهم في إثبات نبوّة سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم ببراهين قوية وعبارة بليغة، وقد كتبه صاحبه – الذي كان نصرانيّا وأسلم – للخليفة المتوكّل. تميّز الكتاب بسهولة العبارة مع قوة الحجج، وقد أورد فيه عشر حجج في إثبات نبوّة سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم. 

52) إيثار الحقّ على الخَلْق في ردّ الخلافات إلى مذهب الحقّ من أصول التوحيد لمحمد بن إبراهيم الوزير: كتاب عقدي مهمّ على منهج أهل الأثر، وضّح فيه صاحبه مسائل العقيدة معتمدًا على الكتاب والسنّة وما دلّا عليه، وأعرضَ عن مناهج المتكلّمين والفلاسفة ونقدَها مع رسوخ كعبه في العلوم العقلية، وقد تميّز أيضًا بعدم التعصّب لمذهب من المذاهب، وبحرصه على اجتماع الأمّة. 

53) تعظيم قَدْر الصلاة لمحمّد بن نصر المروزي (يشتمل على مسائل عديدة في الإيمان): مع كونه كتابا في بيان هذا الركن العظيم في الدين، الصلاة، فقد احتوى فصولا قيّمة جدّا في بيان حقيقة الإيمان والإسلام. وللإمام محمد بن نصر المروزي أسلوبه الذي جمع بين رواية الأحاديث والآثار بأسانيدها والمناقشة المفصّلة للمسائل والآراء. 

54) الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان لابن تيمية: يحرّر فيه الإمام ابن تيمية رحمه الله مفهوم الولاية والأولياء الذي كثر الخلط فيه عند المتأخّرين ودخلت من خلاله انحرافات عديدة تحت ستار التصوّف، فيناقش هذه الانحرافات ويفنّدها، ويعتمد في ذلك كعادته على الكتاب والسنّة. 

55) الاعتصام لأبي إسحاق الشاطبي (ت 790 هـ): كتاب يؤصّل لمفهوم البدعة وذمّ البدع وبيان أنواعها وأحكامها ويتناول العديد من المسائل المتعلقة بها.

كتاب تراثي لترسيخ البناء الفكري المعاصر 3 مائة كتاب تراثي لترسيخ البناء الفكري المعاصر

● في أصول الشريعة وفقهها، وفهم مقاصدها وحِكَمِها

تكمن أهمية هذا القسم في أنّ الاطلاع على مقاصد الأحكام الشرعية ضروريّ في فهم أعمق لهذه الأحكام وتطبيقها بشكل أمثَل. وكثيرا ما تنشأ الشبهات والنزعات الإلحادية نتيجة فهم عقيم للشريعة، وهو فهم جامد مصمَت لا يدرك حكمة الشريعة ولا تماسكها ومنهاجها الكلّي. كما أنّ الاطلاع على كتب تأسيسية في أصول الفقه كالرسالة للشافعي والفصول للجصّاص، يقدّم للباحث المعاصر إطلالة على تماسك الطرح الأصولي الإسلامي، ويعينه على ردّ الكثير من الشبهات وفهم الكثير من مسائل الشريعة التي كانت غير واضحة بالنسبة إليه.

56) الرسالة لمحمد بن إدريس الشافعي (150-204 هـ): أول ما كُتب في أصول الفقه وفي ضَبْط فهمنا للكتاب والسنّة، وهو كتاب نفيس بليغ يكشف عن عقلية صاحبه الإمام الشافعي، ويرتفع تفكير المتمرّس بقراءته ودراسة مسائله. 

57) الفصول في الأصول لأبي بكر الجصّاص الحنفي (305-370 هــ): من كتب أصول الفقه الحنفية المتقدّمة، تميّز بترتيبه ويُسر أسلوبه وبعده عن التعقيد. 

58) الموافقات لأبي إسحاق الشاطبي: كتاب كبير مهم في بيان أسرار التكليف في الشريعة، له مقدّمات علمية نفيسة يحتاجها طالب العلم والباحث والداعية، وقد تناول فيه تأصيلًا مسائل الأحكام والمقاصد الشرعية والأدلة الشرعية ومسائل الاجتهاد والتقليد. والتمرّس بمحتوى هذا الكتاب نافع جدّا في الحصانة من التيّارات العلمانية المعاصرة، التي تطرح الشبهات حول الشريعة واقتدارها على مواكبة العصر، وتحاول اختزال مفهوم الدين في علاقة فردية بين العبد والربّ. 

59) حجّة الله البالغة لولي الله الدهلوي (1114-1176 هـ): كتاب في أسرار الشريعة وحكمتها، وأسلوبه فيه مبتكَر في مقدّماته وتأصيله ومقاصده، ويعتبر من الكتب التي تناولت هذا الباب المهم على أعتاب اجتياح الحضارة الغربية للعالم الإسلامي، فالكثير من الشبهات حول الإسلام تحتاج إلى رسوخ في فهم الشريعة وأسرارها وحكمتها فهمًا عميقًا، لـ “يصير الإنسان على بصيرة فيما جاء به الشرع” كما يقول الإمام الدهلوي رحمه الله. 

60) الصلاة ومقاصدها للحكيم الترمذي: كتاب مهمّ يتناول الصلاة وأحكامها بنظرة مقاصدية تنظر إلى الحكمة من أفعال الصلاة وأحكامها، مما يزيد المسلم رسوخًا في فهمها والانتفاع بها في آخرته ودنياه. كما أنّ الكتاب يشكّل نموذجًا لمدرسة متكاملة دعا إليها الحكيم الترمذي في مختلف كتبه، فكتب في أسرار الحج والصيام وعلل الشريعة وخصص كتابا للمنهيات وغيرها من الكتب التي تمركزت حول بيان “الحكمة” الكامنة خلف الأحكام، لتكون العبادة على بيّنة وبصيرة، ويكون تأثيرها في القلوب والجوارح أبلغ.

كتاب تراثي لترسيخ البناء الفكري المعاصر 4 مائة كتاب تراثي لترسيخ البناء الفكري المعاصر

● في أصول العلم والعقل والحكمة

هذا الباب يُطلِع الباحثين على ما يمكن تسميته “نظرية المعرفة الإسلامية”، كيف نظر الأئمة المتقدّمون إلى مفهوم “العلم”؟ ماذا كتبوا لتلقيح العقول وتربيتها على طلب الحقّ والصدق والعدل؟ وكيف كان مفهومهم عن الحكمة؟ وقد تعمّدتُ ألا تكون هذه الكتب من الكتابات التي اختلطت بالفلسفة الإغريقية وفي القلب منها منطق أرسطو؛ بل حرصتُ على التنبيه على الكتابات التي كانت تقدّم منظومة أخرى لبناء الفكر وضبط منهج التفكير، وهي منظومة قائمة على علوم الوحي والعربية، وتنهل من إرث الإسلام من قرآن وسُنَنٍ وآثار. لقد حافظتْ هذه الكتابات على مركزية الوحي في بناء الفكر، وعلى شرح مفهوم العلم كما جاء في الكتاب والسنّة، ولهذا كان حريّا بالداعية المسلم والباحث المسلم أن ينهل منها لصقل عقله وفكره، وبناء منهج تفكيره على أسس تتّسق مع هويّته ورسالته وحضارته.

61) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البرّ (368-463 هـ): كتاب كبير جامع كاسمه في باب العلم وفضله وأنواعه وآدابه وآفاته وسائر أحكامه ومتعلّقاته. وهو غنيّ جدّا بالروايات النفيسة من السُّنن وآثار الصحابة والتابعين والسلف الصالحين، مما يجعله موردًا لتصوّر مفهوم العلم كما كان عند سلفنا. والكتاب يجمع بين الرواية بالأسانيد والبيان والشرح والتحليل بقلم الإمام ابن عبد البرّ رحمه الله. 

62) كتاب العلم من إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي: وهو أحد أجزاء كتاب الإمام الغزالي الشهير إحياء علوم الدين، فقد جعله أربعين كتابًا أوّلها كتاب العلم هذا، وفيه فصول نافعة في تحقيق مفهوم العلم الحقيقي كما كان عند السلف، والعلم المحمود والعلم المذموم، ومراتب العلوم، وآداب العلم، وآفات العلم وصفات علماء الآخرة وعلماء السوء، مع بيان بعض الألفاظ العلمية التي انحرف مفهومها وهي الفقه والعلم والتوحيد والتذكير والحكمة. 

63) اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي (392-463 هـ): رسالة وجيزة لكنّها جليلة النفع والفائدة، فهي تتناول ركنًا أساسيّا يتعلق بمفهوم الإسلام عن العلم، وهو ارتباطه بالعمل، إذ الغاية من حفظ العلم العمل به. وقد جمع الخطيب البغدادي نحو مئتي حديثٍ وأثرٍ تقرّر هذا المعنى من أوجه مختلفة. 

64) بيان فضل علم السلف على علم الخَلَف لابن رجب الحنبلي: رسالة قيّمة جدّا على وجازتها، بيّن فيها ابن رجب رحمه الله – كما في العنوان – تفوّق علم السّلَف المتقدّمين من أئمة الدين على علمِ الخلَف المتأخّرين، فبيّن حقيقة العلم النافع كما جاء في الكتاب والسنّة والعلم غير النافع، وتناول عدّة أبواب مقارنًا خلالها بين مواقف المتقدّمين منها ومواقف المتأخّرين، كمسائل القدَر والجدل والصفات وعلم الكلام والفلسفة. 

65) خطبة الكتاب المؤمَّل للردّ إلى الأمر الأول لأبي شامة المقدسي (599-665 هـ): هذا الكتاب هو مقدّمة تأصيلية مهمّة كتبها أبو شامة رحمه الله لكتاب كبير في الفقه كان يأمل إنجازه ولم يتحقق له ذلك، وقد أرفق معها مقدّمة أصغر بعنوان “مقدّمة الكتاب المرقوم في جملة من العلوم”. وتتناول الخطبة تأصيل مفهوم العلم في الإسلام، مع نقد الحالة العلمية في عصره وذمّ التعصّب للمذاهب والتقليد والحثّ على اتّباع الدليل، وقد تنبّه فيه إلى قيمة ما خطّه الإمام الغزالي في كتاب العلم من إحياء علوم الدين، فساق بعض كلامه فيه. 

66) ترجيح أساليب القرآن على أساليب اليونان لمحمد بن إبراهيم الوزير: كتاب فريد في بابه، يقرّر فيه الإمام ابن الوزير رحمه الله رجحان أسلوب القرآن على الأساليب الكلامية المتأثرة بالفلسفة الإغريقية والمنطق الأرسطي، وكفاية كتاب الله في البرهنة على التوحيد، وأنّه أساس لاستنباط الأدلّة العقلية. ويقدّم نقدًا للعديد من جوانب علم الكلام والأدلة الكلامية المبنية على المفاهيم الفلسفية. 

67) روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبّان البُستي: كتاب قيّم في تربية العقول على القيم الصالحة والسلوكيات الحسنة، ونبذ القيم الفاسدة والسلوكيّات السيّئة. ومفهوم العقل عند ابن حبّان هو المفهوم المستقرّ عند السَّلَف، أي باعتباره ممارسة راشدة لا جوهرًا، فهو يقول عنه: “وإنّ محبّة المرء المكارمَ من الأخلاق وكراهته سفسافها هو نفس العقل”. وسيجد قارئ الكتاب أبوابا تُحسَب في أبواب الأخلاق والآداب والتزكية، ولكنّها في الواقع لصيقة جدّا بالعقل، فالعاقل هو الذي يتحلّى بهذه الخصال ويربّي نفسه عليها، ولهذا يُكثر ابن حبّان في كتابه من الأحاديث والروايات والأشعار التي تؤكّد معنى كل باب وتبيّن أوجهه المختلفة. 

68) كتاب الفروق للحكيم الترمذي: وهو كتاب في بناء العقل، يفرّق فيه الحكيم بين أفعال إنسانية تبدو متشابهة، ولكنّ أحدها خرج من قلب سليم والآخر من نفس سقيمة. والكتاب يهدف إلى تربية العقل على إحدى أبرز ملكاته، وهي ملكة التفريق، ولكنّه عملي يتطرق إلى مسائل الحياة من خلال هذه الأفعال، ويسعى إلى الارتقاء بالإنسان المسلم إلى الأفعال الصادقة الصادرة عن قلوب سليمة مع تجنّب الهوى باعتباره العدوّ الأول للعقل. 

69) كتاب الأمثال لأبي عبيد القاسم بن سلام: وهو كتاب في شرح أمثال العرب، قال أبو عبيد رحمه الله عنه: “هذا كتاب الأمثال، وهي حكمة العرب في الجاهلية والإسلام، وبها كانت تعارض كلامها فتبلغ بها ما حاولت من حاجاتها في المنطق بكناية غير تصريح، فيجتمع لها بذلك ثلاث خِلال: إيجاز اللفظ، وإصابة المعنى، وحسن التشبيه”. والأمثال باب لتلقيح العقول بالحكم الفذّة النبيلة، فهذه هي طريقة العرب والمسلمين في تلخيص الخبرات الحياتية في عبارات ذكيّة وجيزة بليغة. 

70) فضل العرب والتنبيه على علومها لابن قتيبة الدينوري: وهو كتاب تحدّث فيه ابن قتيبة رحمه الله – في سياق مواجهة الشعوبية – عن فضل العرب، وردّ عنهم ما ألصقه بهم الشُّعوبيون من مساوئ ومن جفاوة وغباوة، ثم ذكر علومهم التي وجدَ أنّها اشتملت على خصائص جعلتها تتفوّق على علوم غيرهم، كما ذكر العلوم التي برعوا فيها في عهود الإسلام كعلوم القرآن والسنّة والتاريخ وغيرها، إلى جانب العلوم التي كان لهم فيها حظّ وليست من العلوم الإسلامية كالخطابة والشعر والنجوم والخيل وغيرها.

كتاب تراثي لترسيخ البناء الفكري المعاصر 5 مائة كتاب تراثي لترسيخ البناء الفكري المعاصر

● في الأخلاق والتزكية والرقائق

ثمّة غياب مريب للبُعد الأخلاقي والتزكوي في العديد من قطاعات الدعوة وطلب العلوم الشرعية والدراسات الفكرية في عصرنا هذا، ولا شكّ أن تزكية الأنفس وتحلّيها بالأخلاق الفاضلة هي من أوْلى الأولويّات لبناء ثقافة الداعية والباحث والمفكّر، فلا خير في علم أو فكرٍ يكون مع سوء خلق أو مع نفوس فاسدة، والعلاقة بين الانحراف الأخلاقي والانحراف الفكري لا تغيب عن عاقل متأمّل في حال البشر، ولهذا كان لا بدّ للداعية والباحث والمفكّر من التزوّد بالمعرفة التي تعينه على تزكية نفسه، والترقّي في مدارج طريق الآخرة، كي لا يكون ممّن يطلب الدنيا بعلمه وفكره. وقد حرصتُ على تجنّب كتب التصوّف التي دخلها الدَّخَن الذي سمّي لاحقًا بـ “العرفان” تجميلا للغنوصية وما بني عليها من أفكار مخالفة للوحي. فالغنوصية في حقيقتها مزاحمة لمركزية الوحي في إصلاح النفس والمضي في الطريق إلى الله؛ لكونها تقدّم مصدرية بديلة ومسلكًا مغايرًا لمسلك الوحي.

71) أخلاق العلماء لأبي بكر الآجرّي: كتاب مهم يركّز على الجانب الأخلاقي لأهل العلم والذين يرغبون بسلوك طريق العلم بعد الحثّ عليه، وهو مفعم بالآيات والأحاديث والآثار. 

72) الزهد لأحمد بن حنبل (164-241 هـ): قيمة الزهد في الدنيا قيمة عظيمة لا بد من استحضارها دائمًا وتذكير النفس بها، خصوصا في عصرنا هذا الذي تضخّمت فيه الدنيا في حسّ الناس وكثرتْ زينتها وبهرجها وملهياتها، بل صار للانكباب على الدنيا مذاهب فكرية تروّج لمفاهيمها ليل نهار. والإمام أحمد رحمه الله إمام كبير، هو خير من يصنّف في هذا الباب جمعًا للسُّنن والآثار النافعة في باب الزهد. 

73) مكارم الأخلاق ومعاليها ومحمود طرقها لأبي بكر الخرائطي (ت 327 هـ): كتاب جامع في مكارم الأخلاق التي حثّ عليها الإسلام. وقد تميّز كتاب الإمام الخرائطي هذا بغلبة الصحة على مرويّاته، وكثرتها، وتراجمه المعينة على الاستفادة من الحديث أو الأثر، مع خلوّه من الحكايات الخيالية الغريبة، وثرائه إلى جانب الأحاديث والآثار بالقصص الأدبية والأشعار. 

74) مساوئ الأخلاق ومذمومها وطرائق مكروهها لأبي بكر الخرائطي: ويمكن اعتباره مكمّلا لكتابه مكارم الأخلاق، فقد جمع فيه أبوابا كثيرة في الأخلاق المذمومة في الإسلام ليحترز عنها المسلمون. 

75) رياض الصالحين للنووي: كتاب مبارك جامع، وهو اسم على مسمّى، فكان رياضًا للنفوس الطالبة لصلاح أمر دينها ودنياها بما جمع من آيات وأحاديث وآثار في الحثّ على صالح الأعمال في جميع مجالات الحياة. 

76) الأذكار من كلام سيّد الأبرار للنووي: كتاب جامع في باب الأذكار الشاملة لمختلف الأزمنة والأمكنة، مع الأدعية المأثورة. وقد سُمّي اسمًا يدلّ على محتواه وهو “حلية الأبرار وشعار الأخيار في تلخيص الدعوات والأذكار المستحبّة في الليل والنهار”. 

77) مختصر منهاج القاصدين لأبي الفرج بن قدامة (597-682 هـ): هذا الكتاب هو مختصر كتاب “منهاج القاصدين ومفيد الصادقين” لابن الجوزي الذي اختصر كتابه من كتاب “إحياء علوم الدين” لأبي حامد الغزالي. وكان ابن الجوزي قد هذّب الإحياء في كتابه بعد نقده في “تلبيس إبليس”، فحذف منه الأحاديث الموضوعة والمسائل الصوفية الإشكالية التي تخالف الزهد السنّي المحمود، وجعل مكانها الأحاديث الصحيحة. ثم جاء أبو الفرج بن قدامة فأخرج منه المباحث الفقهية المطوّلة التي كان الغزالي قد ضمّنها في كتابه، فقَصَرَه ابنُ قدامة على جانب التزكية والأخلاق، واشتمل على فصول كتاب الإحياء القيّمة وكلماته المفيدة وأسلوب تناوله الفريد. 

78) سراج المريدين في سبيل الدين لأبي بكر بن العربي (468-543 هـ): وهو موسوعة ثرية في التزكية والأخلاق بقلم بليغ، ضمن مشروع كبير للإمام أبي بكر بن العربي في إحياء علوم القرآن، واسمه الكامل: “سراج المريدين في سبيل الدين: لاستنارة الأسماء والصفات في المقامات والحالات الدينية والدنيوية بالأدلة العقلية والشرعية القرآنية والسنّية، وهو القسم الرابع من علوم القرآن في التذكير”. وقد اعتمد فيه الإمام ابن العربي اعتمادًا كبيرا على القرآن وعلى صحيح السنّة والآثار، وهي من ميّزاته التي جعلته يفوق الكثير من الموسوعات الصوفية التي شُحنتْ بالأحاديث الضعيفة والموضوعة والأفكار السقيمة البعيدة عن هَدْي الإسلام. 

79) مدارج السالكين في منازل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين لابن القيّم: كتاب كبير كتبه الإمام ابن القيّم شرحًا لكتاب “منازل السائرين” للإمام أبي إسماعيل الهرَوي (396-481 هـ). والإمام ابن القيّم صاحب قلم عذب بليغ مؤثّر في النفوس، وكتابه هذا من خير ما يرتقي بالنفس في منازل العبادة بمنهج قويم بعيد عن الشطحات، مع اشتماله على لفتات علمية مهمّة وردود على بعض الانحرافات الفكرية لبعض الفرق. 

80) إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان لابن القيّم: فلا بدّ ألّا تغيب قضية “الشيطان” عن بال أيّ مصلح؛ لأنّها قضية مركزية في الخطاب القرآني والنبوي، وابن القيم رحمه الله من أفضل من كتب في هذا الباب وحذّر من مصايد الشيطان المختلفة.

كتاب تراثي لترسيخ البناء الفكري المعاصر 7 مائة كتاب تراثي لترسيخ البناء الفكري المعاصر

● في لسان العربية وبلاغتها وآدابها

العربية هي لسان القرآن الكريم والسنّة النبوية، وهي الوعاء الذي يحمل هذه العلوم التراثية، ومن ثمّ يحتاج الداعية والباحث إلى امتلاك خبرة جيّدة فيها، وإلى علاقة حميمية مع نصوصها وطرائق التعبير فيها، فهذه المعرفة نفيسة جدّا في فهم حقائق الدين، وفي امتلاك الحصانة والرسوخ والثقة في ردّ الشبهات والطعون؛ فكثير من هذه الشبهات والطعون ناشئ عن جهل فظيع في علوم العربية. وسيلاحظ القارئ المتمكّن في العربية ركاكة معظم من يطعن في قطعيات الشريعة أو يحرّف المفاهيم الدينية استنادًا إلى أهوائه، وسيكون قادرا على الكشف عن مغالطات الذين يتسوّلون على أعتاب اللغة لتحريف العقائد والأحكام الراسخة. كما أنّ الأدب العربي بنصوصه الصافية المشرقة يورثه بلاغة ترفع بيانه وقدرته على بلوغ قلوب الناس وعقولهم. ولأجل ذلك تجنّبتُ كتب المدرسة البلاغية الكلامية المشحونة بالأساليب المنطقية الفلسفية، واعتمدتُ بشكل كبير على كتب المتقدّمين الأدبية، وتحديدًا الدواوين الأربعة الشهيرة التي ذكرها ابن خلدون ممّا نصح به أهل الصناعة (البيان والتبيين والكامل وأدب الكاتب والأمالي)، إلى جانب بعض كتب أعلام المدرسة الأدبية المتأخرين كابن الأثير وابن حجّة، لما يعبّران عنه من مزاج عصرهما وطرائق التعبير فيه.

81) مقدّمة في النحو لخلف الأحمر (توفي نحو 180 هـ): وهو متن متقدّم وجيز في النحو تميّز بفصاحة الأسلوب وسلاسته إلى جانب حشد الأمثلة، مما يعطي صورة ناصعة عن تأليف المتقدّمين في النحو. 

82) قصيدة الخليل بن أحمد في النحو للفراهيدي (100-170 هـ): وهي قصيدة تعليمية متقدّمة منسوبة إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي، وتتميّز بسهولة نظمها وسلاسة تعابيرها وكثرة الأمثلة فيها وابتعادها عن التعقيد والجفاف والإلغاز، وتركيزها على ما يفيد تجنّب اللحن مع الاقتصاد، دون الدخول في التفاصيل المتشعّبة ومسائل الخلاف. 

83) المنصف لابن جنّي (ت 392 هـ) في شرح التصريف لأبي عثمان المازني (ت 247 هـ): وأبو عثمان إمام البصريين في عصره، وقد كان مهتمًّا بالتصريف، وهو علم مهم في باب دلالات الألفاظ ولا بدّ من الرسوخ فيه لفهم اللغة. 

84) معجم مقاييس اللغة لابن فارس (329-395 هـ) (مرجعًا في اللغة ودلالات الألفاظ): يتميّز هذا المعجم بكونه على طريقة الاشتقاقيين، والرسوخ في هذا الباب – كما ذكرتُ – يمكّن الباحث من ربط الدلالات اللغوية بالدلالات الاصطلاحية الشرعية مع سدّ الطريق على من يستغلّون هذا الباب لتحريف الدلالات الشرعية، فنكون نحن أولى بفهم تراثنا وإحسان استخدامه. 

85) البيان والتبيين للجاحظ: من أشهر دواوين الأدب والبلاغة، كتبه الجاحظ على طريقة العرب دون تصنيف وكثرة تشقيق وتنظير، بل أكثر من النصوص البليغة مما يجعله موئلا لمن يطلب صقل لسانه وتحليته ببلاغة العرب. 

86) الكامل في اللغة والأدب للمبرّد (210-286 هـ): من أمّهات كتب الأدب القديمة التي تناولت النصوص الشعرية والنثرية بالشرح اللغوي والنحوي والبلاغي مع بيان أسرار اللغة وفقهها. 

87) أدب الكاتب لابن قتيبة الدينوري: وهو كتاب نفيس بيّن فيه صاحبه آداب الكتّاب وقدّم لهم نصائح نفيسة، مع امتلائه بالمعارف الضرورية لهم، فتناول الكثير من مسائل اللغة وأسماء الأشياء في مختلف المجالات واستعمالات الحروف والأخطاء الشائعة وغيرها من المسائل. وجعله على أبواب هي: كتاب المعرفة، وتقويم اليد، وتقويم اللسان، وكتاب الأبنية في التصريف. 

88) الأمالي لأبي علي القالي (288-356 هـ): كتاب أدبي ثري أصلُه مجالس أملاها المؤلّف بقرطبة، وهو مليء بالأخبار المنثورة والمختارات الشعرية التي يرويها المؤلّف ويتناولها بالشرح الممتع المفيد. وقد تناول فيه الكثير من الآيات والأحاديث النبوية والأمثال. ومداومة المطالعة لهذه الكتب كالبيان والتبيين والكامل وأدب الكاتب والأمالي وغيرها مما هو من جنسها هي خير وسيلة للرسوخ في العربية وبلاغتها وفقهها، ونفعُها لا يقارَن بالمداومة على كتب البلاغة المتأخّرة المليئة بالقواعد النظرية والاصطلاحات الكلامية مع فقرها بالنصوص وتعقيد أساليبها. 

89) المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر لضياء الدين بن الأثير (558-637 هـ): كتاب في علم البيان، وهو كتاب يمزج بين الأدب والبلاغة بأسلوب المدرسة الأدبية البديع الذي يرتكز على الذوق ويتوسّع في الأمثلة ومعالجتها ولا يُكثر من القواعد النظرية، ويبتعد عن التعقيد والركاكة. وقد جعله على مقدّمة طويلة في تأصيل علم البيان وشرح آلاته وأدواته، وقسمين هما: الصناعة اللفظية والصناعة المعنوية، يندرج تحتهما عموم مسائل البلاغة مع الإكثار من النماذج والشواهد. 

90) خزانة الأدب وغاية الأرب لابن حجّة الحموي (767-837 هـ): هو شرح لقصيدته البديعيّة التي حَوَتْ جميع أصناف البديع في عهده، وهو أحد أبواب البلاغة، ولكنّه توسّع في الشرح بالأمثلة والنماذج البليغة مما يجعله مصدرًا مهمّا لتذوّق جماليات اللغة العربية وبلاغة البلغاء، إلى جانب تقديمه صورةً طيّبة عن الأدب في العصر المملوكي. ولا بدّ للباحث من الرسوخ في طرائق المتأخرين وأحسنها بيانًا إلى جانب رسوخه بطرائق المتقدّمين.

كتاب تراثي لترسيخ البناء الفكري المعاصر 12 01 مائة كتاب تراثي لترسيخ البناء الفكري المعاصر

● في السياسة والدولة والأموال والشأن العام ودروس التاريخ

يشتمل هذا القسم على بعض الكتب المهمّة التي تُبرز شمولية الشريعة وتحديدًا في الشأن العام وأمور السياسة والدولة التي نُحّيتْ عنها الشريعة في عصرنا هذا، وهو جيّد في تفنيد الدعاوى العلمانية العريضة بأنّ الدين مسألة فردية وعلاقة بين العبد والربّ، وبعدم وجود علاقة بين الدين والدولة أو الدين والسياسة العامة. وسيرى القارئ من خلال الكتب المختارة بعناية مدى شمولية الشريعة ونفاذها إلى مختلف المجالات العامة. كما سيرى تهافت دعوى عدم تدخّل السلطة في إقامة الشريعة في الإسلام، وسيرى جليّا علاقتها بمسائل السياسة والأموال والعلاقات الدولية والحسبة، وكلها مجالات لإقامة الشريعة مرتبطة ارتباطًا جليّا بالدولة.

والمصادر في هذا الباب كثيرة، ولكنّي اقتصرتُ على بعضها لتسليط الضوء على هذا المجال المهم، الذي تزداد أهميّته في عصرنا مع شيوع “الاستشراق الجديد” الذي يحاول توهين دور السلطة في إقامة الدين من خلال تقزيم علاقة “الدولة” بالشريعة في تاريخنا الإسلامي، وذلك بالارتكاز على تفسير ضيّق لمفهوم الشريعة يجعلها تكاد تكون محصورة بالفقه والقضاء والوعظ والتزكية، بينما كان مفهوم “الشريعة” في تاريخنا الإسلامي منذ العصر النبوي مرتبطًا بجوانب أخرى كالسياسة وتنظيم الأموال والحسبة على الأسواق والعلاقات مع الأمم والكيانات الأخرى، وهي جوانب مرتبطة ارتباطًا جوهريّا بالدولة وفي قلبها السلطة.

91) غِياث الأمم في التياث الظُّلَم لإمام الحرمين الجويني (419-478 هـ): كتاب فريد في بابه، فصّل فيه في أحكام الإمامة وواجبات الإمام وغيرها من المسائل المتعلّقة بالإمام والولاة والقضاة ودورهم في الدين وسياسة الأمة، ولكنّ هدفه الأساسي في الكتاب هو بيان أحكام حالة خلوّ الزمان عن الأئمة حماةِ الدين وولاة المسلمين، وشغوره عن المفتين الجامعين لشرائط الاجتهاد، فجعل أحكام الإمامة والولايات مقدّمات لبيان هذا الباب، مما يجعله فريدًا في موضوعه ومهمًّا لعصرنا. 

92) السياسة الشرعية لإصلاح الراعي والرعية لابن تيمية: وهي رسالة مهمّة في بيان واجبات الحاكم المسلم تجاه الأمة، ودوره في أداء الأمانات والحكم بالعدل. وقد ترجمها قاضي زادة (ت 1045 هـ) وهو أحد علماء الدولة العثمانية مع بعض الإضافات وأهداها إلى السلطان مراد الرابع. 

93) الخراج لأبي يوسف القاضي (113-182 هـ): كتاب مبكّر مهمّ كتبه أبو يوسف القاضي للخليفة هارون الرشيد ليعمل به – كما جاء في مقدّمته – “في جباية الخراج والعشور والصدقات والجوالي وغير ذلك مما يجب عليه النظر فيه والعمل به”. فأبان فيه عن جانب عظيم من إقامة الشريعة يتعلّق بالدولة. 

94) الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام: كتاب كبير مهمّ في بيان أحكام الأموال في الشريعة، وهو يدلّ دلالة واضحة على دور السلطة والدولة في تنظيم هذا الباب وإقامة أحكامه وهي كثيرة ومنصوصٌ على كثيرٍ منها في الكتاب والسنّة إلى جانب آثار الصحابة والتابعين. ويبتدئه أبو عبيد رحمه الله ببيان حقّ الإمام على الرعية وحقّ الرعية على الإمام، وبيان صنوف الأموال التي يليها الأئمة للرعية وأصولها في الكتاب والسنّة. 

95) كتاب السِّيَر الكبير لمحمد بن الحسن الشيباني (131-189 هـ) وشرحُه للسرخسي (ت 483 هـ): وهو أول ما كتب فيما يسمّى اليوم “العلاقات الدولية”، إذ يبيّن فيه الإمام محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله أحكامًا كثيرة تتناول علاقة الأمّة بسائر الأمم، وقد أمر محمد بن الحسن بحمله إلى باب الخليفة، مما يؤكّد دور السلطة في إقامة هذه الأحكام المهمة، ومنها: مسائل الإمارة والسرايا والرايات والألوية وأحكام الحرب والجهاد والأمان والمعاهدين والأنفال وقسمة الغنائم والأسرى والاستعانة بالمشركين والموادعة والجزية وغيرها من الأحكام التي لا يقام أكثرها بغير سلطة ودولة. 

96) أدب القاضي لابن القاصّ (ت 335ج هـ): وهو كتاب متقدّم في بيان أحكام القضاء الذي كان مؤسسة بارزة ضمن الحكم الإسلامي، وسيطّلع من خلاله القارئ على استقلال القضاء، يقول ابن القاصّ إنّ القضاة هم “قوام المسلمين، جُعِلوا لمصالحهم وليسوا بوكلاء في خاص أمر الخليفة”، ولكن سيطّلع أيضًا على علاقة هذه المؤسسة بالسلطة وتبعيّة القضاة للإمام، فلديهم شرطة وترجمان ومعهم صلاحيات الحبس واتخاذ السجن، مما يؤكّد على أنّ القضاء الشرعي ليس مسألة فردية متروكة للأفراد كي يقيموها، بل هو جزء من مؤسسات الدولة. وسيطلع القارئ من خلال الكتاب أيضًا على تطوّر مجال القضاء الإسلامي، وغربة القضاء العلماني المعاصر عن مفاهيم هذا القضاء الشرعية، مما يؤكّد أنّ الأمة تعيش أزمة كبيرة في علاقتها مع شريعتها. 

97) معالم القربة في طلب الحسبة لابن الأخوة (648-729 هـ): وهو كتاب مهمّ يتطرّق إلى جانب أساسي في إقامة الشريعة، وهو منصب “الحِسبة” في التاريخ الإسلامي الذي يتناول النظر في مصالح الرعية وأحوال الأسواق وضبطها بالشريعة والعدل. وجوهرُ الحسبة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان المحتسب شخصًا يولّيه الإمام لينوب عنه في النظر في أحوال الرعية ومصالحهم، فهو من مناصب السلطة، ووظيفته تتعلق بإقامة أحكام المعاملات التجارية وحركة الأسواق والموازين والمكاييل ومختلف المرافق التجارية والمهنية، وهي جزء مهم من المجال العام الذي يجب أن ينضبط بالشريعة ويحتاج إلى من يُقيمه من جهة السلطة، ولا يصحّ أن يُترك بغير تنظيم ولا يقوم به الأفراد وحدهم. 

98) إزالة الخفاء عن خلافة الخلفاء لوليّ الله الدهلوي: كتاب نفيس جدّا في الذبّ عن الخلفاء الراشدين وبيان فضائلهم ومناقبهم وتثبيت الخلافة الراشدة، استحضر فيه الإمام الدهلوي رحمه الله شهادات القرآن والسنّة ووقائع السيرة وسِيَر الصحابة رضوان الله عليهم التي تدلّ على فضائل الصحابة عمومًا والخلفاء الراشدين خصوصا وأفضليّتهم وأحقّيتهم بالخلافة على الترتيب ومزايا حكمهم وخصائصهم. وقد تحدّث فيه عن الخلافة العامّة ووجوبها وأحكامها ومسائلها، وعن الخلافة الخاصّة التي هي عهد الخلفاء الراشدين. كما أنّه ضمّنه تحليلا لتاريخ الإسلام الديني والتغيرات الفكرية والأخلاقية والفتن الحادثة بعد وفاة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. والكتاب مهمّ جدّا في الردّ على الشبهات التي تطعن في هذه المرحلة التأسيسية من تاريخ الأمّة وفي الصحابة عمومًا لبثّ مشاعر الإحباط والخيبة، وللتشكيك بنزاهة الجيل الأول من هذه الأمة ومن ثمّ التشكيك بما نقله إلينا ذلك الجيل من السُّنن وأمور الدين. يُشار إلى أنّ الكتاب كُتب بالفارسية، وتُرجم إلى العربية قبل نحو عقد. 

99) المقدّمة لابن خلدون (732-808 هـ): وهو كتاب فريد لا يشبهه كتاب في التراث الإسلامي، يحتوي على فوائد جمّة وعلوم كثيرة تعزز ثقافة قارئه فيما يتعلق بمختلف جوانب الحياة الإسلامية في تاريخنا الإسلامي. وقد جعله ابن خلدون رحمه الله مقدّمة لكتابه الكبير في التاريخ، فأتى بأشياء ترتبط بما يسمّى اليوم علم الاجتماع وفلسفة التاريخ وعلم العمران وغيرها من العلوم. إلى جانب حذق ابن خلدون ورؤيته النقدية لمختلف جوانب الحضارة الإسلامية وعلومها، وهو من جنس التأريخ الكلّي الذي يستوعب مختلف الأبواب في كتاب واحد. ومطالعة المقدّمة تُكسب صاحبها – إلى جانب الثقافة والمعرفة – عمقًا في النظر والتناول والتفكير. 

100) سِيَرُ أعلام النبلاء لشمس الدين الذهبي (673-748 هـ): وبه أختم القائمة، وهو كتاب ضخم فريد في بابه، ترجم فيه الذهبي لمشاهير علماء الأمة عبر نحو سبعة قرون، من الصدر الأول من الصحابة رضوان الله عليهم وصولا إلى عصره. وترجع قيمة الكتاب إلى كونه يعكس الحياة العلمية والفكرية لهذه الأمة من خلال أعلامها الذين امتازوا بعلمهم وآثارهم المرتبطة بالقيمة والمعنى، ويقدّم مادة كثيفة لفهم أحد أبرز أوجه هذه الحضارة، وهو علومها المرتبطة بالدين، وللاطلاع على الكثير من السياقات الاجتماعية التي ارتبطت بالعلم والعلماء في تاريخنا الإسلامي. كما أنّه يقدّم صورة ناصعة عن علمٍ تفوّق فيه المسلمون، وهو علم التراجم والرجال.

والحمد لله ربّ العالمين.

الهوامش:

  1. هناك معلومة مهمة تتعلّق بهذا الكتاب، وهي أن للكتاب مقدمة قرأتها من مخطوطين لا توجد في المطبوع، وأهم نقطة فيها أن الكتاب جمعه الجاحظ عن حكماء سابقين ذكر بعضهم، وذكر منهم جبريل بن نوح الأنباري، ثم قال: “وقد جمعنا في كتابنا هذا محاسن ما وجدنا في هذه الكتب، وزدنا بمقدار الطاقة والتوفيق من الله جل ذكره، وشرحنا ما نقلنا عن غيرنا، وبيّنّا القول فيما زدنا، ورتبناه ترتيبا يونق السمع ويسرّ القلب وينشط السماع ويوجب الحجة على المخالف، وما توفيقنا إلا بالله”. فلعل بعض الاختلاف عن أسلوب الجاحظ وآرائه ناشئ من نقله عن غيره، وخلو المطبوع من المقدّمة سيء، جعل بعض الباحثين ينسب الكتاب لجبريل بن نوح، لأن الكتاب المطبوع يبدأ بنص جبريل بن نوح نفسه، فربما لم تسم عبارته سمو عبارة الجاحظ، ولهذا ظن بعض المعاصرين أنه منحول عليه. وأنقل هنا جزءا من هامش تحقيق كتاب “مفتاح دار السعادة” – طبعة دار عطاءات العلم، فقد نقل ابن القيم عن كتاب جبريل بن نوح وتناول المحقق نسبة الكتاب للجاحظ في الهامش فقال: “وهو كتابٌ متنازع النسبة. ولا ريب أن للجاحظ كتابًا في هذا الباب، ذكره في جريدة مصنفاته النديم في “الفهرست” (٢١١)، وياقوت في “إرشاد الأريب” (٢١١٩)، وسمياه: “التفكر والاعتبار”، لكن بعض المعاصرين ذهب إلى أن ما بين أيدينا اليوم ليس به، وأنه منحولٌ على أبي عثمان لا يشبه أسلوبه، ومن أولئك: حسن السندوبي في “أدب الجاحظ” (٤٤, ١٥٣)، ومحمود أبو رية في رسائل الرافعي إليه (١٤٧، ٢٠٨). والمثبتون له المصححون لنسبته أجلُّ، فأولهم: الإمام المحقق المجتهد محمد بن إبراهيم الوزير (ت: ٨٤٠)، فقد وقف عليه وأطراه وسماه: “العبر والاعتبار”، في “العواصم والقواصم” (٤/ ٣٣، ٣٧)، و”إيثار الحق على الخلق” (١٦٩). وثانيهم: العلامة الشوكاني (ت: ١٢٥٠) في “فتح القدير” (٥/ ٥٦٧)، وأثنى عليه كذلك، ومن الكتاب نسخٌ خطية في مكتبات اليمن، وللزيدية هناك عنايةٌ بتراث المعتزلة وتهمُّم، وكثيرٌ منه طبع عن أصول احتفظت بها خزائنهم. وثالثهم: إمام الأدب لعصره مصطفى صادق الرافعي، وحسبك به خبرةً بطرائق الكلام وأنسًا ببيان الجاحظ، فقد كتب لأبي ريه حين طبع الكتاب بحلب سنة ١٩٢٨ يوصيه به: “طبع للجاحظ كتابٌ جديد اسمه كتاب الدلائل والاعتبار، فلا يفتك هذا الكتاب، وهو من أهم كتب الجاحظ، بل لعله أهمها في الرأي والفكر؛ لأنه أغار فيه على آراء الفلاسفة القدماء في حكمة المخلوقات وجاء بها في عبارة سَرِيَّة، رحم الله هذا الرجل وزمنه وأهل زمنه”. “الرسائل” (١٤٧). ولم يقنع بذلك صاحبه، فكتب إليه سنة ١٩٣١ يسأله رأيه في نسبة الكتاب، فأجابه الرافعي: “لا يمكن إثباتُ كتاب لمؤلف كالجاحظ زوَّر على غيره وزوَّر غيرُه عليه إلا مقابلة الكتاب بأسلوبه في دقائقه وتفاصيله، والراجح أن كتاب دلائل الاعتبار له لولا بعض عبارات ضعيفة تعترض في أثنائه”. “الرسائل” (٢٠٨)”. ثم توسع في الحديث عن كتب أخرى تشبهه منها كتاب جبريل بن نوح، وأنصح بقراءتها كاملة (المقدمة، ص 40).

مقالات ذات صلة

‫6 تعليقات

  1. وأضف ثلاثة كتب :
    ١) معنى قول الامام المطلبي إذا صح الحديث فهو مذهبي للسبكي
    ٢) الرد على من اتبع غير المذاهب الأربعة لابن رجب
    ٣) مشارع الأشواق إلى مصارع العشاق لابن النحاس

    وأهمية الأول والثاني لمعالجة الفوضى العلمية والثالث لأن السبب الرئيسي لوضع المسلمين المعاصر هو ترك الجهاد كما ورد في السنة وثبت بالواقع

  2. ارى الحاجة الماسة لكتب الفرق والملل والرد على الباطنية والرافضة كمقالات الاسلاميين للاشعري والفرق بين الفرق للبغدادي والملل والنحل للشهرستاني والفصل لابن حزم وفضائح الباطنية للغزالي وكشف الاسرار وهتك الاستار للباقلاني واسرار الباطنية والقرامطة للمعافري والعواصم من القواصم لابن العربي ومنهاج السنة للتقي ابن تيمية وغيرة الايمان الجلي لابي بكر وعثمان وعلي للتقي السبكي وتطهير الجنان واللسان لابن حجر الهيتمي..
    ولليمنيين خاصة كتاب طبقات فقهاء اليمن للجعدي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى