Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
أدب

في عامي الثمانين

أكتب هذه الكلمات في يوم بلوغي الثمانين من العمر كي أشكر الخالق عز وجل على آلائه إذ مد في أجلي حتى أكون من سدنة الثقافة العربية المخلصين, وكي ألقي نظرة سريعة إلى الوراء, وكي أسجل ديني لكل من أغنوا حياتي بحضورهم الإنساني وشحذوا فكري وأرهفوا حساسيتي بأفكارهم وكتاباتهم ومحادثاتهم.

إن كل امرئ ثمرة للحظته التاريخية وسياقه الشخصي من بيئة ووراثة وتعليم. وقد نشأت في عصر ثورة 23 يوليو 1952 بكل أمجادها وهزائمها, وكانت فترة ازدهار خصب في الحياة الثقافية, شهدت المرحلة الأخيرة من حياة رجال من طبقة طه حسين والعقاد وسلامة موسى وهيكل والزيات وفريد أبو حديد وعلي أدهم وعبد الرحمن بدوي وتوفيق الحكيم ومحمود تيمور وإسماعيل مظهر وعبد الحميد يونس وزكى نجيب محمود ومحمد مندور وتوفيق الطويل ولويس عوض وشوقي ضيف ومصطفى سويف. وعلى المستوى الشخصي كنت محظوظا إذ نشأت في بيت يقدس المثل العليا, أخلاقيا وفكريا, وتحتل فيه المكتبة أعز مكان (كان أعلى أرفف المكتبة المجثم الأثير لقطي الأليف). لهذا أود أن أسجل ما أدين به لأبوى, شفيق فريد العالم الأثري, ومفيدة عبده ناظرة مدرسة المركز النموذجي للمكفوفين, وشقيقتى الدكتورة ليلى فريد الطبيبة ببريطانيا وعاشقة الأدب (لها كتابان أحدهما عن نجيب محفوظ).

تلقيت دراستي في مدرسة النقراشي الإعدادية النموذجية (كان من مدرسي اللغة العربية فيها الشاعر فاروق شوشة والشاعر سعد دعبيس) ومدرسة مصر الجديدة الثانوية (كان أحد وكلائها المترجم النابغ –كفيف البصر- عبد العزيز توفيق جاويد). ثم التحقت بقسم اللغة الإنحليزية بآداب القاهرة (1961- 1965) حيث تلقيت العلم على أيدي أساتذة لهم مساهماتهم الجليلة في الفكر والنقد والأدب, أخص بالذكر منهم رشاد رشدى ومجدي وهبه ومحمد عنانى. أولهم عرفني على مدرسة النقد الجديد الأنجلو- أمريكي وقادني إلى معرفة ت. س. إليوت أهم مؤثر فكرى في حياتي كلها. ومجدي وهبه شيخي الذي قرأت عليه تشوسر وأدب عصر النهضة والأوغسطيين وأشرف على رسالتي للدكتوراه, ومحمد عنانى (لم يكن يكبرني إلا بخمس سنوات) الذي قاد خطاى الأولى في عالم الترجمة وشرفني بأن جعلني مشاركا له في تأليف عدد من الكتب ومناقشة رسائل جامعية في عدد من الجامعات.

وفي فترة دراستي الجامعية كنت أتردد على ندوة عباس العقاد في بيته بمصر الجديدة, وندوة نجيب محفوظ في كازينو ميدان الأوبرا. وبدأت أوافي الصحف والمجلات الأدبية بكتاباتى وترجماتى: وهنا أدين لأمين الخولى (مجلة الأدب) ويحيى حقى (مجلة المجلة) وفؤاد زكريا (مجلة الفكر المعاصر) وعز الدين إسماعيل (مجلة فصول) وحسين مؤنس (مجلة الهلال) وفؤاد إندراوس (مجلة ديوجين) وعباس خضر (جريدة الحياة) وتوفيق حنا (مجلة الشهر) ويحيى الرخاوى (مجلة الإنسان والتطور) وعبد العزيز الدسوقى (مجلة الثقافة) وعبد القادر القط (مجلة الشعر) وفريال غزول (مجلة ألف) وإدوار الخراط (مجلة لوتس: الأدب الأفريقي –الآسيوي) ومصطفى رياض (مجلة وصلات) وفاضل السلطانى (جريدة الشرق الأوسط) وغيرهم.

صدر أول كتابين لى –”النقد الإنجليزي الحديث” (1970) و” الشعر الإنجليزي الحديث” (1971) –في سلسلة المكتبة الثقافية التي كان يشرف عليها شكرى عياد (غدوت فيما بعد من رواد ندوته الأسبوعية بمدينة الصحفيين). وفي مرحلة لاحقة صدرت ترجمتي لقصائد ت. س. إليوت بمقدمة للشاعر صلاح عبد الصبور, وترجمتى لكتابات إليوت النقدية بمقدمة لجابر عصفور, ومجموعتي القصصية “خريف الأزهار الحجرية” بمقدمة لنعيم عطيه.

عامي الثمانين في عامي الثمانين

خلال حياتي الأدبية شرفني عدد من الأدباء والمفكرين بأن طلبوا إلي أن أكتب مقدمات لكتبهم: أحمد عبد المعطي حجازى (أشجار الأسمنت), شكرى عياد (رباعيات), محمد جبريل (مد الموج), وفاء كامل (ثمانون يوما في بلاد اليانكى), حامد طاهر (عناقيد الحكمة), ماهر البطوطى (عزلة النسر), أحمد مرسى (مواقف البحر اللانفرى), أسامة فرحات (كارا), ماجد يوسف (كتاب الحيوان- تحت الطبع) وغيرهم.

حين أوفدت في بعثة دراسية إلى بريطانيا حيث حصلت على درجة الماجستير من جامعة كيل, تحت إشراف الأستاذ الراحل دومنيك هبرد, ثم أعددت مادة الدكتوراه في كلية هولواى الملكية بجامعة لندن تحت إشراف الشاعر فرنسيس برى والناقد مارتن دودزورث, تفتحت أمامي أبواب الثقافة الغربية –بل العالمية –بلا حدود.

لي مخطوطات سبعة كتب باللغة العربية, ما بين انشاء وترجمة, لم تنشر من قبل, وآمل أن تنشر يوما بعد مماتي, عناوينها كما يلي: (1) درج من ضباب: مقالات في النقد الأدبي (2) بين المنشئ والناقل (3) زيت منتصف الليل (4) من الشاطئ الغربي (5) ديوان الشعر الإنجليزي من القرن السادس عشر إلى الألفية الثالثة (6) الجزء الثاني من موسوعة الآداب الأجنبية (7) في عالم و. ه. أودن: قصائد ودراسات. وهذه المخطوطات مودعة بمكتبة معهد الدراسات العربية والإسلامية بجامعة اكستر البريطانية وذلك بمبادرة كريمة من كريستينا فيليبس وجيمس داونز ورشيد العناني.

أود أن أشكر أصدقائي الكرام في قسم اللغة الإنجليزية بآداب القاهرة –ما بين زملاء من جيلي وتلاميذ سابقين أصبحوا الآن أساتذة يشغلون أرفع المناصب في الحياة الجامعية- على مبادرتهم بإنشاء هذه الصفحة لى على وسائل التواصل الاجتماعي. وأشكر كل من تفضلوا بالمشاركة فيها على مشاعرهم النبيلة وكلمات تقديرهم السخية. هل لى أن أضيف أنى أرحب بالنقد أيضا؟

أشكر ناديا الخولى ومحمد عبد العاطى الذين أشرفا على إصدار عدد خاص من دورية “دراسات القاهرة في اللغة الإنجليزية وآدابها” تكريما لي في يناير 2011, وهاني مطاوع الذي دعاني للتدريس بجامعة السلطان قابوس بسلطنة عمان عام 1998, ويوسف الشاروني الذي زكاني لجائزة التفوق في الأدب عام 2006, ووليد حمارنة ومجاب الإمام الذين زكياني لجائزة الشيخ حمد من دولة قطر في 2019, وطلعت الشايب الذي أعاد إصدار ترجمتي لقصائد إليوت في “مكتبة الأسرة” عام 2013, وجابر عصفور الذي عهد إلي بالتدريس في دورات المجلس الأعلى للثقافة لإعداد جيل جديد من المترجمين والمترجمات, وأحمد هاني الذي أعد بحثي المعنون “الخيال: ثلاث لحظات في تاريخ مصطلح” للنشر في دورية “دراسات القاهرة” عام 2024.

ما الذي علمتنيه الحياة؟ إن العمل الطيب لا يضيع وإن احتاج أعواما طوالا قبل أن يؤتى ثماره. ما الذي كنته أتمنى لو تعلمته في شبابى قبل فوات الأوان؟ أن ألحق بالتكنولوجيا الحديثة وأولى شيئا من الاهتمام للرياضة البدنية وأوازن بين العزلة والاجتماع. بم أنصح الأجيال الشابة؟ لا أجد هنا خيرا من أن أورد ما كتبه لى الكاتب المسرحي الراحل على أحمد باكثير وهو يهديني أحد كتبه: “إذا كان لى أن أنصحك بشئ فلتفكر أكثر مما تقرأ, ولتقرأ أكثر مما تكتب, ولتكتب أكثر مما تنشر”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى