صدر حديثًا (يوليو/ 1446هـ / 2025م) عن “حكمة يمانية” كتاب “الفكر الزيدي المبكر – النشوء والتطور” للدكتور البحَّاثة عبد المجيد محمد الغيلي، وقد انطلقت الدراسة من سؤال محوري: كيف تنظر الزيدية إلى “الآخر”؟ فعمل المؤلف على تفكيك هذا السؤال، وضبط مفاهيمه بدقة علمية، لتشمل الآخر الداخلي والخارجي، الفكري والتطبيقي.
كما قدمت الدراسة تحليلًا علميًا موسعًا ودقيقًا لتراث الزيدية المؤسسين حتى أوائل القرن السابع الهجري، بالاعتماد الكامل على كتبهم الأصلية، كما حققها ونشرها باحثوهم المعاصرون، مع الابتعاد عن الروايات الخارجية أو كتابات الخصوم.
بالإضافة إلى اهتمامها بدراسة زيدية اليمن وزيدية الديلم كلٌّ على حدة، مع بيان التأثيرات المتبادلة. وقد تتبع الكاتب نشوء الأفكار العقدية وتطورها منذ زيد بن علي مرورًا بالقاسم الرسي، وحفيده يحيى بن الحسين، وانتهاءً بعبد الله بن حمزة.
ولعل من الزوايا المهمة التي تناولها الكتاب دراسة الفكر الزيدي العملي والتطبيقي تجاه الآخر في سياقات النزاع السياسي والاجتماعي.
وقد خصَّصَت الدراسة بابًا مهمًّا لتحليل الفكر الجارودي وعلاقته بالزيدية، كما ناقشت قضية الإمامة بين العباسيين والعلويين كخلفية أساسية لفهم الصراعات الفكرية والسِّياسية.
ومما تميزت به الدراسة، اتباع منهج تحليل الخطاب والمنهج التاريخي، مما أتاح تصحيح كثير من المفاهيم المغلوطة السائدة عن الفكر الزيدي، ومن أبرزها:
o زيف الادعاء بأن الزيدية تجيز إمامة الصَّحابة مع وجود علي رضي الله عنهم، أو أنها تتطابق مع أهل السنة في الأصول الفقهية، أو تعميم أنها تجيز إمامة المفضول مع وجود الفاضل.
o بيان أن الزيدية طائفة شيعية أصيلة، قائمة على مبدأ الاصطفاء الإلهي لعلي وأهل بيته.
وتبرز أهمية هذه الدراسة في كونها:
– أول محاولة شاملة لتحليل الفكر الزيدي المبكر من خلال تراث المؤسسين أنفسهم.
– قدمت تصحيحًا علميًا لكثير من القراءات التقليدية المتسرعة للفكر الزيدي.
– تعد مساهمة حقيقية في فهم طبيعة الفكر الزيدي، بعيدًا عن الأحكام المسبقة والمقاربات السطحية.
وتختم الدراسة بتأكيد أن الزيدية، كفرقة شيعية، لا يمكن فهمها إلا ضمن الإطار العقدي للشيعة عامة، مع تمييزها ببعض الخصائص الفكرية، مع الإشارة إلى أن مجال البحث يقتصر على الفكر الزيدي حتى نهاية القرن السادس الهجري، ويعد مقدمة لدراسة لاحقة للفكر الوسيط والمتأخر للزيدية.
نحن في “حكمة يمانية” نعتزُّ بهذا الإصدار ونرى فيه إضافة نوعية إلى المكتبة اليمنية والعربية، وفتحًا جديدًا أمام الباحثين لفهم واحدة من أهم الفرق التي كثر حولها الجدل منذ القديم. ونرجو أن يكون هذا الكتاب لبنة أساسية في مسار الدراسات العلمية الرصينة، التي تبتعد عن التوظيف الأيديولوجي والقراءات المجتزأة، وتضع القارئ أمام الحقيقة كما نطقت بها المصادر الأصيلة، خدمة للمعرفة، وإنصافًا للتاريخ، وإثراءً لحوار علمي موضوعي حول التراث الإسلامي.