الاتهام السابع
[ لن ننجح في إصلاح علاقة الإسلام مع العصر إلا باتخاذ خطوات جريئة مماثلة أهمها:
أ- أن يقر المسلمون باختلاف مذاهبهم بحرية المعتقد، وذلك يتضمن حرية الشخص في اعتقاد أو ترك الدين الذي يشاء.. ويتضمن ذلك أيضا الاعتراف بصحة الديانات الأخرى كطرق صحيحة ومتعددة للوصول إلى الله.
ب- اعتراف الإسلام بنتائج العلم الحديث دون انتقاء أو مزاجية وإقرار مرجعية العلم الحديث في كل القضايا المتعلقة بالعلم (أو بالعالم) والكون، والصحة الجسدية والنفسية حتى ولو كانت متعارضة مع ما يرون أنه نظرات أو أحكام دينية.
ج- التخلي تماما عن فكرة الجهاد، وفرض الدين بالقوة على الآخرين في زمن أصبح التدين أمرا شخصيا لا علاقة له بالحكومات أو السياسات.
د- التوازن بين الدين والدنيا، وتخفيف الثقافة الجنائزية للخطاب الديني الإسلامي بما يقتضيه ذلك من رفض فكرة الشهادة وثقافة الموت واحتفار الحياة الدنيا.
ه- تطوير علاقات إيجابية مع العالم تقوم على الاندماج والتعاون لا على العداء والشك والتعصب والولاء والبراء. و- إعادة النظر فيما حدث من ممارسات أثناء حركة الفتوحات الإسلامية والاعتذار عنها والتخلي عن نسخة إسلام الفتوحات القائمة على فرض الدين بالسيف.]
وهذه التهمة الطويلة العريضة تتضمن لائحة اتهامات مليئة بالمتناقضات والعبارات والأوصاف الدرامية، والأحكام الستالينية البوشية القاطعة التي لا تقر بحق الاختلاف والتنوع، وتفترض أن النجاح مقترن بالمعايير التي تحددها الجهة التي تنتج هذه المطالب وتصدرها إلى الدول الإسلامية، لزيادة مستوى الرعب من الإسلام المتوحش، وربما لتبرير أي عمليات قمع للحريات والحقوق الإنسانية بحجة أن المسلمين لا يستحقونها!
ولنأخذها واحدة.. واحدة:
(أ)
[ أن يقر المسلمون باختلاف مذاهبهم بحرية المعتقد، وذلك يتضمن حرية الشخص في اعتقاد أو ترك الدين الذي يشاء.. ويتضمن ذلك أيضا الاعتراف بصحة الديانات الأخرى كطرق صحيحة ومتعددة للوصول إلى الله.].
1- من العدل تعديل الفقرة السابقة بحيث تكون موجهة لجميع أهل الأديان، والمعتقدات الوثنية والإلحادية، والنظريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية البشرية على حد سواء.. فالمسلمون ليسوا هم وحدهم دون غيرهم المطالبين باحترام الحريات الدينية أو غير الدينية.. والأسباب سوف نعلمها بعد قليل!
2- يحتاج الإقرار بحرية المعتقد: اعتقادا أو تركا إلى إعلان عالمي لحقوق الإنسان جديد يشارك في إعداده والاتفاق على بنوده ممثلون عن جميع الحضارات والأديان، ثم على الجميع الالتزام به: مسيحيين ويهودا ووثنيين وملاحدة قبل المسلمين.. ودول عظمى لها حق الفيتو قبل الدول الصغيرة.
ومن المهم الانتباه إلى أن هذه الحرية الدينية لا تعني فقط حرية اعتناق أو إعلان الردة عن أي دين أو مذهب بشري، أو إعلان الإلحاد واللا دينية.. ولكن تعني بالضرورة أيضا أن يعيش أهل كل دين ومعتقد ومذهب وفق تعاليم دينهم ومعتقدهم دون استثناء أو تمييز بين هذه التعاليم تحت أي حجة طالما لا تضر الآخرين.. ودون أن تفرض عليهم قسرا تعاليم وتقاليد الأديان والمعتقدات والنظريات الأخرى، ولو كانت متسترة أو مموهة ضمن الإعلانات الحقوقية العالمية أو الدساتير العلمانية (وهي في حقيقتها تعاليم دينية) بقوة القانون أو الحديد والنار.. فما تقره تعاليم الأديان والمعتقدات والمذاهب الدينية والبشرية يجب احترامها، وعدم منع المؤمنين بها من الالتزام بها والأخذ بها! (وإلا ما معنى حرية المعتقد والتدين إذن؟)
ونقطة الأهمية فيما سبق؛ أن معظم الدول المسيحية واليهودية والوثنية والملحدة تصدر قوانين لا تقبل الجدل والاختلاف فيها مستوحاة من أديانها أو تقاليدها القومية أو مزاجها الاجتماعي، وتغلفها بشعارات المساواة وحقوق الإنسان، ثم تجبر المسلمين خاصة الذين يعيشون تحت سلطانهم على الالتزام بها بقوة القانون والشرطة رغم مخالفتها لتعاليم دينهم!
وعلى سبيل المثال؛ فقد وصل التعنت في بلدان متحضرة وعلمانية (غير متوحشة) إلى درجة شتم المسلمين، واتهامهم بالوحشية، والتخلف لالتزامهم بتعاليم دينهم في طريقة ذبح الذبائح بزعم الرأفة والرفق بالحيوان من الذبح بالسكين! أو لبس النساء الحجاب، أو تربية أولادهم وفق تعاليم دينهم، أو حتى إطلاق أسماء إسلامية على أطفالهم، أو فرض تقنين الطلاق وتعدد الزوجات على الطريقة المسيحية بحجة احترام حقوق المرأة؛ مقابل إباحة الزنا وأشباهه، والدعارة بكل أنواعها كحرية شخصية أو عمل تجاري!
3- ليس من مقتضيات الحرية الدينية والتسامح الديني إطلاقا الاعتراف بصحة الأديان الأخرى، والإقرار بأنها طرق صحيحة موصلة إلى الله.. ولسنا نمزح عندما نتساءل:
– ما ذنب اليهود أن يفرض عليهم الاعتراف بصحة المسيحية والإسلام وأن عيسى ومحمد نبيان مرسلان من الله وهم يكفرون بهما؟
– وما ذنب النصارى أن يفرض عليهم الاعتراف بصحة الإسلام والإيمان بأن الله واحد أحد لا شريك له لم يلد ولم يولد، وأن محمدا نبي مرسل من الله وخاتم النبيين وبشر به عيسى عليه السلام، وأن القرآن الذي جاء به صحيح، وتعاليم الإسلام صحيحة وموحى بها من الله؟
– وما ذنب المسلمين أن يفرض عليهم الاعتراف بصحة عقيدة اليهود وهي تشبّه الله (تعالى عما يقولون) بطبائع البشر، وأنه ينهزم في مصارعة حرة مع بشر(!)، أو كأنه أحد ساسة بريطانيا أو رجال الدين الفاسدين في كنيسة ورما؟ أو يفرض عليهم الإيمان بصحة عقيدة أن الله ثالث ثلاثة وأن المسيح هو الله وهو ابن الله؟
– وقياسا على ذلك؛ فما ذنب الملاحدة أن يفرض عليهم الاعتراف بصحة أديان تؤمن بخالق للكون، والإنسان، والإيمان بالبعث والنشور والحساب، وأن الجنة للمؤمنين وجهنم للملاحدة الكافرين وهم لا يؤمنون بالله أصلا؟
– وما ذنب عبّاد البقر، والفئران، والقرود، والحشرات، والأحجار، والنجوم والكواكب أن يفرض عليهم الاعتراف بصحة دين يدعو إلى عبادة إله حكيم، عليم، قدوس، خالق للكون، واحد أحد ليس كمثله شيء؟
أليس هذا المطلب مجرد عبث فكري لا يليق؟ ويتناقض بوضوح مع مطلب إلغاء العبادات القاتلة المدمرة المشروعة عند بعض الطوائف المقتنعة المؤمنة بأنها توصلها إلى الله تعالى؟
وماذا سيقال للنساء اللائي يؤمنّ أن لبس الحجاب والنقاب يوصلهن إلى الله؟ أو الذين يؤمنون أن تعدد الزوجات يوصلهم إلى الله؟ هل سيسنّ بهم سنة عباد البقر في حرية تعبدهم واغتسالهم ببولها، والاعتراف بصحتها أم سيقال لهم إن ذلك تخلف ورجعية وإرهاب وإهانة للمرأة ولعقلها؟
وطالما أن المطلب هو توفير الحريات الدينية كاملة للناس دون تمييز.. فيكفي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان – بعد تصحيحه طبعا- أن يوفر لكل إنسان رجلا أو امرأة أن يعيش وفق تعاليم وشرائع دينه ومعتقده ولو لم يرض عنها أحد.. وغير ذلك من تحيزات أو قيود أو استثناءات إنما هي ديكتاتورية دينية! فهذه هي الحرية الدينية غير الناقصة، وهذا هو التسامح الحقيقي أن يتعايش المختلفون بأمان وسلام رغم أن الأطراف لا تؤمن بصحة معتقدات بعضها بعضا؛ بل تؤمن بأنها فاسدة أو كفر أو زندقة أو هرطقة!
(ب)
[ اعتراف الإسلام بنتائج العلم الحديث دون انتقاء أو مزاجية، وإقرار مرجعية العلم الحديث في كل القضايا المتعلقة بالعلم، والكون، والصحة الجسدية والنفسية حتى ولو كانت متعارضة مع ما يرون أنه نظرات أو أحكام دينية.].
1- هذا المطلب- التهمة مصاغ بطريقة هزلية تدل على خفة العقل، فلا يوجد للإسلام كنيسة رسمية أو هيئة مشخصة بأفراد تتحدث باسمه حتى يطالب بأن يعترف بشيء وكأنه متهم بجريمة شنعاء.. فضلا عن أن هذا أمر لا يمكن حدوثه بصورة موحدة من قبل أي دين أو معتقد، وهل تؤمن جميع الاديان بكل نتائج العلم الحديث، وتقر مرجعيته حتى لم يبق إلا الإسلام نفرض عليه ذلك؟
وأصلا لماذا نزج العلم في حالة عداء مع الأديان؟ فهل يقبل أصحاب هذا المطلب أن يفرض مثلا على أتباع بعضها مثل الهندوس أن يكفروا بدينهم ويقروا بنتائج العلم الحديث التي تقرر قذارة بول البقر وخطورته على الصحة الجسدية، وهم يتبركون بالتمسح والغسل به تقربا لآلهتهم إيمانا منهم بأنها توصلهم إلى الله؟ أو نفرض عليهم أن يتخلوا عن تقديس الفئران والقرود والأفاعي لأنه عمل يحتقر العقل فضلا عن إضراره بالصحة الجسدية بل النفسية؟ أو يفرض على بعض أتباع دين ما نبذ تقاليدهم وعقائدهم المنافية للعقل والعلم والتخلص من حشرات الرأس واللحى حاملة الأمراض الخطيرة وهم يؤمنون أنها مقدسة واحترامها يوصلهم إلى الله؟
وماذا سيكون حال شاربي الخمور والسجائر- فضلا عن الممارسات الشاذة التي تتسبب في الأمراض السرية القاتلة- إن قيل لهم إن العلم الحديث يؤكد الخطورة القاتلة لهذه الأمور على صحة الإنسان الجسدية والنفسية، وعليهم الإقرار بها؟
وهل نفرض على الملاحدة واللا دينيين الصيام لأن الطب والعلم الحديث يثبت نفعه لصحة الإنسان النفسية والجسدية والجمالية كما ورد قبل قليل؟
2- لا يتفق مع الحرية الشاملة في احترام الأديان والمعتقدات والإقرار بصحتها المطالب بها في الفقرة (أ) أن يفرض على دين – بل على ناد رياضي- أن يعترف غصبا ودون تفكير أو نقاش بمرجعية أي دين أو قانون أو أي انتاج بشري فكري أو علمي مخالف له
وكيف يفرض على المسلمين احترام حرية الكفر والإلحاد، واحترام أي قول وأي فكرة ثم يفرض عليهم فرضا لازما الإيمان بنظريات علمية، وآراء اجتهادية في الصحة الجسدية والنفسية تتعارض مع أحكام دينهم، ويختلف حولها العلماء بأشد من اختلاف لغات أهل بابل؟
وهل المسيحيون على استعداد مثلا لاتباع تشريع الإسلام المانع لاتصال الزوج بزوجته وقت الدورة الشهرية المضرة بصحة الاثنين جسديا، وهو ما أثبته العلم الحديث، خلافا لتقاليدهم أو تعاليم المسيحية المحرفة؟
وكيف تكون هناك حرية كفر بالله وإلحاد وفرض احترام لهما، ولا توجد في المقابل حرية نقاش، وأخذ وعطاء بالمرجعية العلمية والنظريات العلمية والطبية التي تتغير كل حين وآخر؟
3- طالما قيل للمسلمين (خاصة عند ربط المفسرين والدعاة لبعض الآيات القرآنية بالاكتشافات العلمية) أنه لا علاقة للأديان بالعلم، وأنه لا يجوز الزج بالدين والقرآن بالعلوم المادية والاكتشافات الحديثة، ولا يجوز الحديث عن موافقة العلم الحديث لبعض ما في القرآن من إشارات علمية فيما يعرف بالإعجاز العلمي في القرآن والسنة النبوية؛ لأن الدين ثوابت والعلم متغير ومجرد نظريات قابلة للنقض والخطأ! فلماذا الآن يراد أن يفرض على المسلمين الإقرار بمرجعية العلم الحديث، وجعله حكما على الدين ومرجعية له ولو كان هناك اختلاف وتناقض بينهما؟ وما هو المعيار الثابت الذي لا يختلف عليه شخصان في ضمان تحقيق هذا المطلب وفق معايير العدل وليس الهوى والأغراض المنحرفة؟
ولعلم هؤلاء الذين يستدلون علينا بالفيلسوف سبينوزا، ويظنون أنهم يفحموننا بآرائه؛ أن صاحبهم يرفض فكرة إقحام أو مقارنة الدين بالفلسفة أو اللاهوت بالعقل.. وله وجهة نظر حاسمة في هذه المسألة بحكم أن لكل منها ميدانه الخاص به.. ومن ثم فعليهم أن يقرروا أولا إما أن هناك صلة وعلاقة بحيث يصير للطرفين حق إبداء الرأي في شؤون الآخر.. أو يقرروا اتباع سبينوزا وكفى المؤمنين الاعترافات تحت ظل السيوف!
والصحيح الذي عليه جمهور المسلمين أن لكل من الدين من جهة والفلسفة والعقل والعلم من جهة أخرى مجالا خاصا.. وفي حالة وجود مسائل مشتركة فالطريقة المثلى هي ما أوردناه سابقا عن شيخ الإسلام ابن تيمية.
(ج)
[ التخلي تماما عن فكرة الجهاد، وفرض الدين بالقوة على الآخرين في زمن أصبح التدين أمرا شخصيا لا علاقة له بالحكومات أو السياسات.].
كالعادة في موازيين الإصلاح الديني المشبوه؛ فإن الدعوة إلى احترام خصوصيات الأديان، والاعتراف بصحة الديانات كطرق صحيحة ومتعددة للوصول إلى الله لا تشمل الإسلام كسائر الأديان المحرفة، والعقائد الوثنية.. إلخ. وكما رأينا وسنرى فالمطلوب إجراء عمليات تغيير وتبديل لكل ما يتيسر الوصول إليه من خصوصيات الإسلام، وهذه التهمة تجمع بين رفض أي خصوصية للإسلام وبين الافتراء كما سنرى:
– الجهاد في الإسلام ليس هو (القتال) حصريا، وقد وردت لفظة الجهاد ومشتقات جذرها في قرابة 141 آية قرآنية شملت كل ما هو في سبيل الله من أعمال الخير والبر والمعروف؛ ومنها: جهاد الكلمة في مواجهة شبهات وتشكيكات وأباطيل الخصوم عن الإسلام من الكفار والمنافقين، وبذل المال في سبيل الله ودعم المحتاجين من كل نوع، ومقاومة أهواء النفس ومجاهدتها للارتقاء بها عن سفاسف الأمور، والالتزام بالحلال والابتعاد عن الحرام(أو الجهاد الأكبر كما جاء في الأثر)، والدعوة إلى الإسلام ونشره بين الأنام، والجهاد القتالي (العسكري) في معناه العام وفي بيان فضله والحث عليه.. وعموما فكل عمل يؤدي إلى خير الإنسان، والمجتمع، ونصرة الدين فهو في ميزان الإسلام جهاد في سبيل الله، وقد وصف بر الوالدين بأنه جهاد (ففيهما فجاهد) كما جاء عن النبي الكريم.
2- الجهاد العسكري دفاعا عن بلاد المسلمين، أو صدا لخطر محتمل أو تهديد حقيقي هو أحد أنواع الجهاد لا ريب في ذلك؛ وإن غلبت الكلمة عليه في الاستعمال البشري؛ لكنه ليس الوحيد ولا هو فرض دائما كما غيره من معظم أنواع الجهاد. ومما له دلالة مهمة هنا أن القرآن لم يصف فعل القتال والحرب بالجهاد – ولا بمشتقات الجذر اللغوي لها (جهد)- في الآيات التي تناولت كل ما له علاقة بالمعارك والقتال والحروب والغزوات، واستخدم بدلا منها كلمة (القتال ومشتقات جذرها اللغوي: قتل).. أي أنه استخدم كلمتي: (الجهاد ومشتقات جذرها اللغوي: جهد) و(القتال ومشتقات جذره اللغوي: قتل) في سياقين مختلفين في المعنى والدلالة؛ الأول في المعنى العام لبذل الجهد أي جهد، والآخر حصريا في معنى الحرب والمعارك. وهذا التفريق يؤكد على أن لفظ (الجهاد ومشتقات جذره) لا يقصد به دائما ولا غالبا: القتال والفعل العسكري المعروف، لذا جاءت الكلمة عامة تشمل كل أنواع الجهاد أو بعض أنواعه، ومقرونة بإنفاق المال، أو محاجة شبهات الكفار والمنافقين، أو أثناء الحديث عن مواجهة كيد المنافقين، وهؤلاء كما هو معروف لم يشرع قتالهم بل عوملوا على أنهم مسلمون، ولم يقاتلهم النبي – صلى الله عليه وسلم- رغم معرفته بهم، ورغم الأمر الإلهي له ب(جهادهم) لأن الجهاد لم يكن يقصد به القتال والحرب! وحتى عندما كانت الآيات القرآنية تستخدم كلمة الجهاد في معناه القتالي كانت تأتي في إطار عام يبين فضله ويحث عليه لكن ليس في مناسبة قتال وحرب محددة.
وفي المقابل فإن لفظة: (القتال) ومشتقات جذره: [ قتل- القتال- قاتلوا- يقاتلون- فاقتلوا- واقتلوهم- اقتتلوا ..] كانت هي اللفظة المستخدمة دائما في وصف الجهاد القتالي أو العسكري، أو حتى الحرب بين أي طرفين، أو قتال بين شخصين، بما فيها وقائع القتال في زمن بعض الأنبياء. وفي التاريخ الإسلامي استخدم المسلمون أيضا أوصافا أخرى لحروبهم مثل الغزوات والفتوحات.
3- مع أن المسيحيين مشهورون باستخدام مصطلح الحرب المقدسة أي الدينية في وصف حروبهم إلا أن التهمة تلصق بالإسلام وكأنه مبتكرها من العدم.. والمسيحيون الأوربيون شنوا حروبهم الصليبية لمدة مائتي عام باسم الصليب.. وفي زمن الاستعمار الأوربي كانت جيوشهم رغم تعاليم الإصلاح الديني والعلمانية تنساح في العالم وتحتل البلدان، وتهدم الحضارات، وتقتل الملايين باسم الصليب، وبحجة إنقاذ الشعوب المتخلفة من الكفر والوثنية بالقوة والمال والإغراء بوصفها رسالة الرجل الأبيض، وفي كل بلد استعمروه كان بناء الكنائس من أوليات إنجازاتهم الحضارية، وفرضوا اعتناق مذاهبهم المسيحية بالقوة والتحايل والإغراء في معظم البلدان حتى صارت الكاثوليكية هي دين الغالبية في البلدان التي استعمرتها دول كاثوليكية مثل فرنسا وإسبانيا والبرتغال، وصارت البروتستانتية بانشقاقاتها هي دين الغالبية في البلدان التي استعمرتها دول بروتستانتية مثل أمريكا الشمالية وكندا وأستراليا وجنوب إفريقيا.
وما تزال دول مسيحية في القرن الواحد والعشرين تقدم حروبها على أنها باسم الدين وفي رعاية المسيح ونصرة للصليب! وقد رأينا في الفنوات الفضائية قساوسة روسيا الأرثوذكس يباركون بطقوس دينية أسلحة الجيش الروسي وقواته المتجهين للقتال في سوريا! وسمع العالم ما قيل إنها زلة لسان للرئيس الأمريكي السابق بوش الابن؛ عن صليبية الحرب التي شنها في أفغانستان العراق! وهو الذي أعلن في حوار صحفي أن الله هو الذي أمره بغزو أفغانستان والعراق فغزاهما! وفي احتفال نقل السفارة الأمريكية إلى القدس (مايو2018) شارك اثنان من كبار رجال الدين المسيحي الإنجيلي (ثمرة الإصلاح الديني) من مناصري الرئيس ترامب في الاحتفال الذي يعد في عقيدتهم (الإصلاحية) مؤشرا على قرب عودة المسيح الثانية!
وهاهم يهود إسرائيل يخوضون حروبهم ضد العرب باسم الدين الذي منحهم أرض فلسطين بوعد إلهي.. ويحظون بتأييد غير مشروط من الدول المسيحية والبروتستانتية والكاثوليكية على حد سواء، وفي مقدمتها الجماعات الإنجيلية الصهيونية التي تتحكم في أمريكا وتؤمن بأن حروب اليهود في فلسطين ضد العرب هي حروب دينية لتحقيق نبوءات الكتاب المقدس، ولولا أن اليهودية ليست دينا تبشيريا لكانت فلسطين غالبا الآن في خريطة دينية مختلفة!
4- الغريب أنه في الزمن الذي تشن فيه الدول العلمانية المسيحية والوثنية واليهودية حروبها الخاصة لتحقيق أهداف حقوقية وسياسية وفكرية واقتصادية وأمنية – وحتى دينية مثل ضمان الحرية الدينية المزعومة والسماح لأديان غريبة أن تعمل بحرية- يراد للمسلمين أن تكون حروبهم – رغم أنهم لا يحاربون إلا أنفسهم وأعداؤهم في أمان منهم- خالية من أي معان راقية مثل غيرهم! وسنعرف رقي الجهاد الإسلامي عندما نستعرض تقييمات المستشرقين المنصفين له.
الفارق بين بين جهاد المسلمين والحروب المقدسة الدينية للمسيحيين أن المسلمين بسطوا سيطرتهم على مناطق شاسعة من العالم لكنهم لم يفرضوا دينهم على أحد، وهذا دليل على أن حروبهم أو جهادهم لم تكن حروبا دينية مقدسة بالمعنى المسيحي، ولم تكن بغرض فرض الدين بالسيف والجبر، وبعد مئات السنين لما زالت دولهم كانت الديانات القديمة موجودة بكل عقائدها وتقاليدها.
وفي هذا الصدد يقول المستشرق اليهودي الأصل المناصر للصهيونية (برنارد لويس) يقول في بحث بعنوان (السياسة والحرب) ضمن كتاب (تراث الإسلام)، القسم الأول، ص229، عن إحدى ممارسات الفتوحات الإسلامية في زمن متأخر جدا، ومن دولة متهمة أوربيا أنها دولة سيئة:
– [ وعندما انتهى الحكم العثماني في أوربا كانت الأمم المسيحية التي حكمها الأتراك خلال عدة قرون لا تزال هناك بلغاتها وثقافاتها ودياناتها وحتى – إلى حد ما- بمؤسساتها. كل هذه الأمور بقيت سليمة وجاهزة لاستئناف وجودها الوطني المستقل. أما إسبانيا وصقلية فليس بهما اليوم مسلمون ناطقون باللغة العربية. إن الفلاحين في المناطق التي غزيت قد تمتعوا بدورهم بتحسن كبير في أوضاعهم وقد جلبت الحكومة الإمبراطورية العثمانية الوحدة والأمن مكان الصراع والفوضى كما ترتبت نتائج اجتماعية اقتصادية هامة. كانت الإمبراطورية العثمانية بالإضافة إلى كونها عدوا خطرا ذات سحر قوي فقد كان المستاءون والطموحون ينجذبون إليها بالفرص التي تتاح لهم في ظل التسامح العثماني وكان الفلاحون المسحوقون يتطلعون بأمل إلى أعداء أسيادهم، وحتى مارتن لوثر في مؤلفه المسمى (النصح بالصلاة ضد الأتراك) 1541قد حذر بأن الفقراء المضطهدين على يد الأمراء وأصحاب الأملاك والمواطنين الجشعين يفضلون على الأرجح العيش في ظل الأتراك بدلا من المسيحيين من أمثال هؤلاء.. هذا الأمن والازدهار كان لهما دور كبير في جعل الفلاحين يتقبلون النواحي الأخرى الأقل جاذبية في الحكم العثماني وهما يفسران إلى حد كبير حالة الهدوء الطويل الذي ساد الولايات العثمانية حتى تفجرت الأفكار القومية التي جاءت من الغرب.. وكانت الضرائب التي يدفعونها تقدر بصورة مخففة وتجمع بطريقة إنسانية بالمقارنة بما كان يجري في أنظمة الحكم السابقة والمجاورة]. (28)
5- الفقرة أو التهمة لم تحدد هل المطلوب هو فقط تغيير الاسم أم التخلي تماما عن فكرة الدفاع عن الأوطان، أم أن الهدف هو تفكيك الجيوش العربية واستئجار جيوش الدول المسيحية واليهود للدفاع عن بلدان المسلمين؟ لأن الجهاد لا يعني فقط الحرب الهجومية أو الاستباقية (المشرعنة لدى الدول المسيحية والوثنية والكيان الصهيوني الآن)؛ فحتى الحرب الدفاعية المشروعة تسمى في الإسلام (جهاد)، وتحرير الأوطان من مغتصب أو محتل هو (جهاد) أيضا.
6- يخيل لنا أن هناك عدم دقة أو خطأ في سرقة أفكار التهمة مثل عبارة: (التخلي عن فرض الدين بالقوة على الآخرين في زمن أصبح فيه التدين أمرا شخصيا) وتقديمها على أنها مطلب من الإسلام، فهناك خلط بين (فرض الدين) و(فرض التدين) فالمطلب المستهدف – إن أحسنا الظن- هو رفض (فرض التدين) لكن لأن الغرض هو التشويه فقد اختلط الأمر على المقلدين بين المصطلحين مع الفارق الكبير بينهما.. وعلى كل حال فتاريخيا فالإصلاح الديني المسيحي عمل ليس على فرض الدين وتصفية المخالفين فقط؛ بل عمل على فرض التدين بمعنى ممارسة العبادات والالتزام بالأوامر الدينية على مستوى الشخص والأسرة والمجتمع.. فكيف صار ذلك عيبا وتهمة الآن والإصلاح المسيحي هو القدوة التي يعايروننا بها؟
7- التدين بمعنى أداء العبادات والسنن والمستحبات وترك المكروهات (ذات الطابع الفردي أو الشخصي) ليس محل إشكال أو خلاف كبير يحتاج إلى إصلاح الديني على الطريقة البروتستانتية الدموية، وانشقاقات مذهبية؛ فأداء العبادات الإسلامية أبرز مظاهر التدين لا ترتبط بجهاز ديني ولا تستلزم وجود قسيس ولا كاهن على الإطلاق (باستثناء الصلوات الجماعية وهذه ليس فيها حجر على الفرد في تحديد الشخص أو المسجد فضلا عمن يقول إنها سنة وليس فرضا عدا صلاة الجمعة، وعند معظم الشيعة لم تعد الجمعة تقام حتى ظهور الإمام الغائب.).. وهناك مظاهر تدين أخرى أقل أهمية مثل اللباس والطعام وغيرها مما لا يمكن القول إنها تسبب دواهي تفرض إصلاحا دينيا صاخبا!
كذلك يجب ملاحظة أن واقع العالم الإسلامي لا يعطي هذه التهمة أي قيمة فليست هناك مشكلة ولا محاكم تفتيش تطارد الناس في الشوارع أو تداهم البيوت تسألهم هل صلوا أو؟ أو هل صاموا أم لا؟ ومثل هذه الممارسات عرفتها بعض مناطق الجزيرة العربية في زمن الدولة السعودية فقط، وفي فترة قصيرة من حكم طالبان في أفغانستان لكنها لم تتحول إلى ظاهرة عامة في العالم الإسلامي (مع وجود فارق بين النصيحة وفرض الأمر بالقوة).. والأكيد إن المشكلة الآن هي أن التدين الشخصي غلب عليه الإهمال والترك فالذين لا يلتزمون بالعبادات الفردية والجماعية ربما يكونون أكثر من الذين يلتزمون بها، فلا معنى لعبارة (رفض فرض التدين) أصلا!
ومقلدو الغرب هؤلاء إن كانوا يقصدوا بالتدين (المشروع الإسلامي الحضاري) فهو لا يعتمد الفرض والإجبار على الناس لممارسة تدينهم الشخصي في العبادات والمظاهر الشخصية؛ لأن الهدف أكبر من ذلك وهو الجانب التشريعي وإصلاح الدولة في الإسلام وأصوله العامة، أو العبادات الجماعية التي تمس حياة المجموع والمجتمعات والبلدان!
8- من المتناقضات عند مقلدي الغرب والمعجبين بالإصلاح الديني المسيحي الزعم بأن التدين (صار) أمرا شخصيا لا علاقة له بالحكومات والسياسات.. وهو كذلك بالفعل فيما يختص بالفرد مع أن الملاحظ في هذا الزمن أن دولا كثيرة – ومنها دول كبرى وعلمانية- تتدخل في ممارسات التدين الفردي كاللباس، وطريقة إعدادهم للطعام، وحتى الأسماء التي تطلق على مواليد المسلمين.. والجماعي مثل التحكم في الترخيص ببناء المساجد، والتحكم في أنشطة المساجد، ومتى تفتح ومتى تغلق، من يحاضر فيها ومن يصلي بالناس! ولو قرأ هؤلاء أي كتاب عن فترة حكم بوش الابن فسوف يكتشفون العلاقة الوثيقة بين السياسات والتدين، وكيف كان بوش يفرض على وزراء أقوى دولة علمانية في العالم أن يبدأوا اجتماعاتهم بالصلاة المسيحية! وكان يوقع اسمه على القرارات مؤرخة نصا( بالعام .. من ميلاد الرب المسيح)! وفي الولايات المتحدة تقام صلاة مسيحية في المدارس كل يوم بأوامر الدولة!
(د)
[ التوازن بين الدين والدنيا، وتخفيف الثقافة الجنائزية للخطاب الديني الإسلامي بما يقتضيه ذلك من رفض فكرة الشهادة وثقافة الموت واحتقار الحياة الدنيا.].
1- ولأن الإسلام يفرض علينا الإنصاف والعدل؛ فنحن نتفق مع الدعوة إلى التوازن بين الدنيا والدين مائة بالمائة.. فهي من تعاليم الإسلام الأصيلة:(وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا..) القصص77، فالإسلام يرفض الانعزال عن الدنيا، وفكرة إقصاء الدين عن الحياة التي ينادي بها العلمانيون وأعداء التوازن بين الدين والدنيا، وتركها للأشرار يعيثون فيها فسادا، كما يرفض الانغماس في الدنيا بعيدا عن تعاليم الإسلام وضوابطه وآدابه.
2- ليس من العدل وصف الخطاب الإسلامي جملة أنه ذو ثقافة جنائزية فهذا من ثقافة استهبال القراء واحتقار عقولهم! وبغض النظر عن دقة المصطلح، فلا يوجد أصلا خطاب إسلامي – ولا خطاب مسيحي ولا يهودي ولا لاديني- واحد موحد، فهو يختلف ويتنوع من طائفة إلى أخرى، وجماعة إلى جماعة، وداعية إلى داعية، ومتطرف ومعتدل، وتقليدي ومعاصر، ومتحفظ ومنفتح.
وفي كل أنحاء العالم الإسلامي – ومتى سمحت قبضة الأنظمة العلمانية الأمنية الديكتاتورية- تتنوع اهتمامات الخطاب الإسلامي بتنوع مظاهر الحياة التي صار المشروع الإسلامي الكبير ينشط فيها؛ من السياسة إلى العمل الدعوي، ومن الفنون إلى التربية والثقافة، ومن الاقتصاد إلى العمل الإنساني.. وقد أثبتت تجربة النصف قرن الماضية أن المشروع الإسلامي هو الأكثر شعبية وحيوية وقدرة على اجتذاب الاهتمام الشعبي، وهو أمر لا يمكن حدوثه بسهولة لو كان الخطاب الإسلامي مقتصرا على الثقافة الجنائزية. والأكيد أن التيار الإسلامي هو أكثر تيار فكري سياسي اجتماعي يهتم شبابه وشاباته بإحياء الأعراس بأناشيد وأغان تجمع بين المتعة البريئة والفائدة.. وهو كذلك أكثر تيار فكري سياسي يهتم بتنظيم حفلات الزفاف الجماعية الجماهيرية التي تضم مئات العرسان من الجنسين؛ فضلا عن تسهيل إجراءات الزواج ودعمهم ماديا!
ومثل هذا المطلب مجرد عبث في الوقت الضائع، وهو اجترار متأخر عدة قرون لمطالب النهضة الأوربية المتمردة على كآبة العصور الوسطى، فالثقافة الجنائزية والإيمان بقرب نهاية العالم من سمات العصور الوسطى الأوربية قبل ظهور زمن النهضة.. ولا نظن أن عالمنا الإسلامي يعاني معاناة حادة من المشكلة، أو أنها تشكل ظاهرة مقلقة لبعض الناس (المقلدين)؛ فالثابت على سبيل المثال أن عدد القنوات الفضائية في العالم العربي والإسلامي التي تنشغل بنشر اللهو والمرح والتسلية، والسخافات وقلة الحياء، والميوعة والفسق والفجور تفوق عددا القنوات الفكرية والسياسية والتعليمية الجادة – وليس فقط جنائزية الثقافة- من أي نوع بمئات المرات! وعدد أماكن اللهو والتسلية والمجون من كل نوع وشكل أضعاف عدد المساجد ودور البحث والتفكير بمئات المرات، وهي دائما ممتلئة تشكو الازدحام على عكس أماكن الجد والتفكير التي تشكو قلة المرتادين!
وفي كل الأحوال فإن الإيمان المزعوم بالتعددية، وتنوع الطبائع البشرية وأمزجتها، يمنع فرض اجتهاد واحد في أي لون من ألوان النشاط الإنساني؛ فمن حق من تعجبه الثقافة الجنائزية أن يعيش في إطارها كما يعيش المعارضون لهم وفق ما يرضيهم.. والمهم هو توفير حرية الاختيار وعدم فرض شيء خاص على الآخرين.
3- مطلب رفض فكرة الشهادة (أي الاستشهاد) وثقافة الموت، واحتقار الدنيا هو مطلب طالما ردده الطغاة منتهكو حقوق الإنسان والحريات، ولصوص الشعوب والمستعمرون خوفا من انتفاضة الناس ضدهم دفاعا عن حرية الأوطان ورفضا للقهر والاستعباد، وكانوا يتهمون الثائرين بالجنون والإرهاب وحب العنف والقتل. ومثل هذا المطلب يفترض توجيهه أصلا إلى الجيش الصهيوني الذي يرمي أبناء بني صهيون في سبيل أوهام وأساطير دينية في جحيم الحروب منذ تأسيس دولتهم على أنقاض دولة الشعب العربي الفلسطيني.. وللجيوش الأمريكية والروسية والأوربية التي لم تتوقف – تقريبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بين الدول المسيحية/ العلمانية- عن الاشتراك في حروب مدمرة أكلت الأخضر واليابس في العالم الإسلامي وقارات العالم الفقير!
ولا شك أن أفراد تلك الجيوش المسيحية واليهودية والوثنية وغيرهم لا يذهبون للمشاركة في الحروب بدافع الحرص على الحياة، وكراهية الموت، وبغضا في ثقافة الشهادة.. فالحرب تعني الموت وكل ما يكرهه الإنسان من آلام وفجائع كما أثبت ذلك القرآن قبل 1400 سنة. والواجب أولا دعوة القوى التي تمتلك القنابل الذرية القادرة على تدمير الأرض ومن عليها (عدة مرات قد تصل إلى العشرات) إلى تدمير مقدراتها النووية تدميرا تاما كبداية لإنهاء ثقافة حب الموت وكراهية الحياة، فالأمر يحتاج إذن إلى مبادرة من الدول المسيحية واليهودية أولا إلى الكف عن إشعال الحروب ثم حل الجيوش فالتخلص من كل أسلحة الدمار الشامل وصولا إلى الخناجر والجنابي والسلاح الأبيض.. والحجارة والمقلاع الذي يستخدمه الفلسطينيون.
(ه)
[ تطوير علاقات إيجابية مع العالم تقوم على الاندماج والتعاون لا على العداء والشك والتعصب والولاء والبراء.]
1- معظم مضمون الفقرة السابقة مما يشرح القلب المسلم.. ويا ليت تقتنع القوى الدولية (المسيحية واليهودية والوثنية) بأهمية تطوير علاقات إيجابية مع كل العالم والعالم الإسلامي خاصة، واحترام خصوصياتها الدينية، وحق المسلمين في عبادة الله تعالى وفق طرقهم التي يؤمنوا بها وأنها توصلهم إلى الله، وبعيدا عن احتلال الأوطان، والنهب الاقتصادي، والهيمنة السياسية والثقافية، والإقصاء ودعم الأنظمة الديكتاتورية، وعملائها من الحكام اللصوص الذين استولوا على الحكم بالانقلابات العسكرية.
2- ويا ليت يتفق الجميع على محددات واضحة للتعاون والاندماج (مع أن كلمة الاندماج غير دقيقة وتتناقض مع مبدأ احترام التعددية) فتقبل الدول المسيحية باندماج المسلمين وغيرهم من أبناء الدول الفقيرة في عالمهم الغني دون تمييز أو شروط معجزة في منح التأشيرات والإقامات والجنسيات، أو فرض شروط ذات صبغة دينية واجتماعية تخالف التعددية الثقافية والاختيارات الخاصة، وتحترم خصوصيات كل دين وثقافة (آخر تلك الشروط في بعض الدول ضرورة معرفة موقف طالب التأشيرة من الشذوذ الجنسي)! ومثل قرارات بعض الدول بمنع منح التأشيرات لمواطني دول معينة كلها إسلامية بدعوى مكافحة التطرف والحد من خطره على بلدانهم!
والأكثر أهمية أن تنتهي فكرة إقرار(يهودية) دولة إسرائيل المعادية لفكرة الاندماج والتعاون، والتي يسعى اليهود لإقرارها بدعم الدولة المسيحية الأكبر في العالم؛ حتى يمكن للبشرية أن تتخلص من حالة العداء، والشك، والتعصب.
3- الولاء والبراء معناه: النصرة والاتباع والحب، وهو يحتاج إلى قوانين دقيقة لتفسيره، ولتحديد معايره تتفق عليها جميع الأديان والحضارات لكيلا يستغلها الخارجون عن القانون.. فمثلا هل ينطبق إلغاء مبدأ الولاء والبراء على أمثال الجيش الصهيوني المحتل لفلسطين، وداعش والقاعدة والمتهمين بالإرهاب والإرهابيين، وتجار المخدرات ودول الشر، ومنتجي أسلحة الدمار الشامل في كل مكان.. بمعنى هل كل هؤلاء يمكن أن يستفيدوا من دعوة إلغاء مبدأ الولاء والبراء ويتم منحهم الحب والدعم والنصرة، والاتباع (هذا هو معنى الولاء والبراء لغويا واصطلاحا) رغم كل أعمالهم.. أم هنا يجب ممارسة واجب البراءة منهم وموالاة من يعاديهم؟
ولو قيل: لا.. هؤلاء يجب البراء منهم وكراهيتهم وعدم مناصرتهم واتباعهم؛ ففي هذه الحالة من الذي سيحدد من تنطبق عليهم معايير البراء والولاء؟ لو قلنا مجلس الأمن الدولي فسوف تتحول المسألة إلى نكتة بحكم أنه مجلس خاضع لدول كبرى هي صاحبة أسوأ سجلات انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي ذاته! وسنعود إلى الحلقة المفرغة عن الولاء والبراء وكل طرف سوف يبتكر لذاته معايير وأسس تناسب مصالحه وثقافته.. كما هو الحال في ممارسات اليهود الصهاينة والبوذيين في فلسطين وبورما!
ما نريد قوله إن مبدأ الولاء والبراء هو مجموعة معايير تحكم العلاقة بين الأفراد بعضهم بعضا، والجماعات فيما بينها البين في التناصر والاتباع والمحبة على الخير ورفض الشر والإجرام.. ويمكن القول إن كل (إنسان) وكل (جماعة) لديهم معايير خاصة بهم في تحديد علاقتهم بالآخرين.. فالأمر ليس قاصرا على المسلمين والإسلام ابتداء.. والفارق هو في صوابية المعايير، وعدالتها، وصدقها ومدى الالتزام بها، والاكثر أهمية بعدها عن القسر، والعنف، وإيذاء الآخرين ماديا، وإجبارهم على ما يؤمنون به!
(و)
[ إعادة النظر فيما حدث من ممارسات أثناء حركة الفتوحات الإسلامية، والاعتذار عنها، والتخلي عن نسخة إسلام الفتوحات القائمة على فرض الدين بالسيف.].
1- نبدأ التعليق هنا بلفتة خاصة.. فأصحاب التهمة يطالبون بإعادة النظر في ممارسات الفتوحات الإسلامية، ثم ينسون مطلبهم ويقررون فورا: ضرورة الاعتذار عنها!
والسؤال الذي يفرض نفسه: إذا كان المطلوب هو الاعتذار مسبقا فلم إذن كان مطلب إعادة النظر أولا؟ لأن إعادة النظر (ومنه مصطلح: النظرية) تعني التدبر، والتفكير لتقدير الأمر وقياسه، والبحث عن براهين لإثبات صحته، وهذا النظر لا يؤدي بالضرورة إلى اكتشاف خطأ ما يستحق الاعتذار في ممارسات الفتوحات الإسلامية، وربما يؤدي إلى نتيجة مغايرة للتهمة أي عكس الاعتذار أي الإشادة والتقدير! أما إن كان المقصود هو الاعتذار بصرف النظر عن نتيجة إعادة النظر فهذا لا يسمى إعادة نظر بل شرشحة مع سبق الإصرار والترصد!(29)
2- بغض النظر عن أن التهمة لم تحدد ما هي الممارسات المدانة المطلوب إعادة النظر فيها في تاريخ الفتوحات الإسلامية، وجعلتها مشاعة مثل تهم الأنظمة الديكتاتورية الموجهة لمعارضيها؛ إلا أن الواجب الانتباه إلى أن الفتوحات الإسلامية صارت مسألة تاريخية يناقشها المؤرخون والمفكرون المختصون ولا تترك لمنافسات البحث عن (لايكات) في وسائل الاتصال الاجتماعي. والمفارقة هنا أن حداثيين ومحرضين على نبذ الماضي من أجل الانشغال بالمستقبل، وطالما سخروا ممن يهتمون بالماضي وبمشاكله وأفكاره، وأحداثه ورجاله.. ها هم الآن هم الذين ينشغلون بمسائل وقضايا عمرها ألف وأربع مائة عام، وبحروب ومعارك قديمة جدا بدلا من الاهتمام بجرائم الحروب المعاصرة التي لا يزال دخانها يملأ الآفاق ودماء ضحاياها ساخنة!
ومن نافلة القول إن الفتوحات الإسلامية لم يبق منها على أرض الواقع إلا إسلام من أسلم من الشعوب، واستعصى على محاولات (الفتوحات المسيحية واللا دينية) في إجبار المسلمين على تغيير دينهم واعتناق المسيحية أو الإلحاد كما حدث مع مسلمي إسبانيا، ومع السكان الأصليين في الأمريكيتين، وفي أستراليا، وعدد من دول إفريقيا وآسيا، وفي العصر الحديث في يوغسلافيا السابقة، وبورما!
وفي كل الأحوال فهي تظل مسألة من مسائل الخلاف والنظر المتفاوت وفق أجندة كل طرف؛ وحتى في الرد على أكذوبة فرض الدين بالسيف التي يمكن أن يفندها المسيحيون واليهود العرب وأهل الأديان الأخرى الذين عاشوا في أمان أكثر من المسلمين أنفسهم في ظل كل الدول الإسلامية؛ في الوقت الذي عاشت فيه أوربا تاريخها كله حتى القرن التاسع عشر – وفي بعض البلدان إلى القرن العشرين- لا تؤمن إلا بدين واحد تفرضه بالحديد والنار وبالقوانين الصارمة، وحتى في ظل الدين المسيحي خاض الأوربيون – كما سلف- أسوأ أنواع الحروب الدينية فيما بينهم لفرض مذهب مسيحي واحد وطرد كل المخالفين!
3 – أنتجت الفتوحات الإسلامية كما هو معلوم من التاريخ أول مجتمع إنساني تعددي دينيا، لا يفرض الإيمان بالإسلام (دين الدولة) على أهل الديانات الأخرى، ويؤمن لهم حريتهم الدينية الكاملة، ويعفيهم من واجبات ذات بعد ديني مثل المشاركة الإجبارية في حروب الدولة الإسلامية، وأداء التزامات مالية مثل الزكاة، ويقيم أواصر من البر والعدل خاصة مع أهل الكتاب إلى درجة إباحة الزواج من نسائهم مع إبقائهن على دينهن، وإباحة طعامهم وذبائحهم.(30)
ومقارنة مع كان يحدث في المجتمعات المسيحية وغيرها وإلى زمن قريب، وخاصة في زمن الإصلاح الديني المسيحي؛ فإنه لا تستقيم المقارنة بين واقع وسقف الحريات الدينية في مجتمعات الفتوحات الإسلامية بالنسبة لغير المسلمين مع مثيلتها في المجتمعات الأخرى وخاصة المسيحية منها.(31)
وهذه اقتباسات عن عدد من المؤرخين الأوروبيين الذين أدهشتهم حركة الفتوحات الإسلامية، وأدهشهم (تسامح) المسلمين مع غيرهم من أصحاب الديانات الأخرى عندما وصلت جيوش الفتح الإسلامي تحت راية الجهاد إلى بلدانهم:
أ- من موسوعة (تاريخ الحضارات العام) الجزء3، إدوارد بروى بإشراف: موريس كروزيه: -( قلما عرف التاريخ – والحق يقال- فتوحات كان لها ،في المدى القريب، على الأهلين مثل هذا النزر الصغير من الاضطراب الذي يحدثه الفتح العربي لهذه الأقطار.. فمن لم يكن عربياً من الأهلين لم يشعر بأي اضطهاد قط, فاليهود والنصارى – الذين هم أيضاً من أهل الكتاب- حق لهم أن يتمتعوا بالتساهل وألا يضاموا..).. ص16.
– (تمتع الذميون بكافة حرياتهم).. ص116.
-(وهكذا نرى أن الفتح العربي كان أخف وقعاً بكثير على الأهلين وكان شعورهم به أقل بكثير من شعور الناس في الغرب بغزوات الجرمان واحتلالهم لأوربا الغربية).. ص12.
ب- ومن موسوعة (معالم تاريخ الإنسانية) المجلد الثالث، ط4، تأليف هـ.ج. ويلز، ترجمة عبدالعزيز توفيق جاويد:
– (إن فاضل الناس بين البلاء الفارسي وبين العرب؛ كان العرب – أعني عرب السنين العظيمة- أنظف الطرفين وأطهرهما بشكل ظاهر.. وكانوا أوسع رحمة وأكثر عدلاً.. وانضم العرب المسيحيون دون تردد إلى الغزاة.. كذلك انضم إليهم كثير من اليهود) ص806.
– (الإسلام ساد لأنه كان خير نظام اجتماعي وسياسي استطاعت تلك الأيام تقديمه) ص811.
ج- ومن النسخة الكاملة ل(قصة الحضارة) تأليف: ول ديورانت، جزء 13-14 عصر الإيمان:
-(أصبحت الفتوح العربية أعظم الأعمال إثارة للدهشة في التاريخ الحربي كله) ص.73
– (لم يكن الأعداء يخيّرون بين الإسلام والسيف بل كان الخيار بين الإسلام والجزية والسيف) ص73.
– (كان اليهود في بلاد الشرق الأدنى قد رحبوا بالعرب الذين حرروهم من ظلم حكامهم السابقين..) ص131-132.
-(كانوا – أي اليهود- يعاملون على قدم المساواة مع المسيحيين وأصبحوا مرة أخرى يتمتعون بكامل الحرية في حياتهم وفي ممارسة شعائر دينهم في بيت المقدس..).
– (كان المسيحيون في بلاد آسيا الغربية يمارسون شعائر دينهم بكامل حريتهم, وبقيت الكثرة الغالبة من أهل بلاد الشام مسيحية.. وكان المسيحيون أحراراً في الاحتفال بأعيادهم علناً والحجاج المسيحيون يأتون أفواجاً آمنين لزيارة الأضرحة المسيحية في فلسطين).
– (لقد ذهب المسلمون في حماية المسيحيين إلى أبعد من هذا إذ عين والي أنطاكية في القرن الثاني حرساً خاصاً ليمنع الطوائف المسيحية المختلفة من أن يقتل بعضها بعضاً في الكنائس..).
د- كتاب (حضارة العرب) تأليف د. غوستاف لوبون، ترجمة محمد زعيتر، ص152
– (عرف الخلفاء كيف يحجمون عن حمل أحد بالقوة على الإسلام.. وعرفوا كيف يجعلون حسن السياسة رائداً لهم.. وقد ابتعدوا –خلافاً لمزاعم الكثيرين- عن إعمال السيف فيمن لم يسلم).
– (ويثبت لنا سلوك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في مدينة القدس مقدار الرفق العظيم الذي كان يعامل به العرب الفاتحون الأمم المغلوبة..).
– (ولم يكن عمرو بن العاص أقل كرماً من ذلك فقد منح المصريين حرية دينية تامة وعدلاً مطلقاً ومساواة كاملة واحتراماً كبيراً لأموالهم).
ه- موسوعة (الدعوة إلى الإسلام) ص145-146، تأليف: السير/ توماس أرنولد:
– ( لم نسمع – في ظل الإسلام- عن أية محاولة مدبرة لإرغام الطوائف من غير المسلمين على قبول الإسلام، أو عن أي اضطهاد منظم قصد منه استئصال الدين المسيحي.. ولو اختار الخلفاء تنفيذ إحدى الخطتين لاكتسحوا المسيحية بتلك السهولة التي أقصى (فرديناند) و(إيزابيلا) دين الإسلام من إسبانيا أو التي جعل بها لويس الرابع عشر المذهب البروتستانتي مذهباً يعاقب عليه متبعوه في فرنسا, أو بتلك السهولة التي ظل بها اليهود مبعدين من انجلترا مدة ثلاثمائة وخمسين عاماً).
ويمكن للقراء الاطلاع على كتاب (الدعوة إلى الإسلام) ليعرفوا كيف نشرت المسيحية بالعنف عبر وقائع موثقة!
و- مختصر قصة الحضارة، ول ديورانت، ج3:
– [ عاشت الأقليات اليهودية آمنة في القسطنطينية، وسالونيك، وآسيا الصغرى، وسوريا، وفلسطين، والجزيرة العربية، ومصرن وشمال إفريقيا، وإسبانيا تحت حكم العرب.. ص350.
– [ ولقي المنفيون (اليهود) من إسبانيا استقبالا إنسانيا في القاهرة تحت حكم السلاطين المماليك والعثمانيين، ورحب السلطان بايزيد الثاني في تركيا باليهود..] ص 353.
– [ وقد تمتع المسيحيون في العالم الإسلامي بتسامح ديني ما كان لحاكم مسيحي ليحلم بمنحه للمسلمين في أي بلد مسيحي، وكانت السلطات في تركيا والبلقان تتولى حماية الكنيسة اليونانية الارثوذكسية ضد أي تحرش أو إزعاج أثناء العبادة والصلوات.]. ص513
الهدف الحقيقي من التهمة:
4- نحن نعلم أن الهدف الحقيقي لهذه التهمة هو موضوع (الرق) وكيف تعامل معه الإسلام والمسلمون؛ لكن هو أيضا صار مسألة تاريخية بتفاصيله القديمة.. أما بتفاصيله الحديثة المتجددة فلا زال الرق قائما بأشكال وصور تبدأ من استعباد الشعوب واحتلال بلاد خلق الله باسم نشر الديمقراطية والحداثة، ولا تنتهي بممارسات شبيهة وأكثر إجراما تقوم بها عصابات المافيا والدعارة، وشركات توظيف الشغالات، وعصابات تهريب المهاجرين غير الشرعيين التي توجد في العالم المسيحي العلماني الغربي كما توجد في غيره!
وبالنسبة لموضع الرق والإسلام فلا يوجد ما يجب إخفاؤه فما هو خطأ يتعارض مع قواعد الإسلام فسنقول عنه: خطأ، وما هو من الصحيح فسنقول عنه: صواب.. قَبِل من قَبِل وامتعض من امتعض. وهذه العلاقة سنتحدث عنا في النقاط التالية:
1- ربما لا يعرف أصحاب هذه التهمة إن الرق ظهر في تاريخ البشر على يد الإنسان المتحضر وليس المتوحش! وكان يعد زمنها تطورا إنسانيا عظيما، وصورة من صور الرحمة والتقدم؛ فقد كان العرف السائد قبله هو قتل الأسرى والضعفاء وغير القادرين على إطعام أنفسهم، ولما تطورت الحياة الاقتصادية، واحتاج الإنسان إلى أيد عاملة تساعده على العمل في الزراعة خاصة كف عن قتل الأسرى، وبدأ استخدامهم في العمل مقابل الإبقاء على حياتهم.(32)
ويقول المؤرخ/ ول ديورانت في مختصر قصة الحضارة عن ظهور نظام الرق:
[ انتهت (الزراعة) إلى نظام الرق الذي لم يكن معروفا في الجماعات التي كانت تقيم حياتها على الصيد الخالص، وقد أدت نشأة الزراعة وحدوث التفاوت بين الناس إلى استخدام الضعفاء اجتماعيا بواسطة الاقوياء اجتماعيا، ولم ينتبه الظافر في القتال قبل ذلك إلى أن الأسير الذي ينفعه هو الأسير الحي، وبذلك قلت المجازر وقل أكل الناس بعضهم لحوم بعض كلما زاد نظام الرق اتساعا، وإذن فقد تقدم الإنسان تقدما عظيما حين أقلع عن قتل زميله الإنسان أو أكله، واكتفى من أعدائه باسترقاقهم. وبات الرق جزءا من النظام الذي استعد به الإنسان للقيام بالصناعة، هذا فضلا عن أنه عمل على تقدم المدنية بطريق غير مباشر بأن زاد من الثروة فخلف الفراغ لفئة قليلة من الناس، ولما مضت قرون على النظام جعل الناس ينظرون إليه كأنه نظام فطري لا غنى عنه، بهذا قال أرسطو، وكذلك بارك القديس بولس هذا النظام الاجتماعي الذي لا بد أن يكون قد بدا لعينيه في عصره نظاما قضى به الله!].
وتورد د. زينب راشد عصمت – باستغراب شديد- هذا الكلام عن الرقيق والرق ل( مونتسكيو) وهو واحد من أهم فلاسفة التنوير، ومن أبرز أعلام المفكرين في عصر الثورة الفرنسية، وإمام من أئمة التشريع فيها، وصاحب كتاب (روح القوانين)، وصاحب نظرية الفصل بين السلطات.. تورد له كلاما مفزعا يبرر فيه استرقاق البيض للسود في أمريكا يقول فيه:
[ لو طلب مني تبرير حقنا المكتسب في استرقاق السود لقلت إن شعوب أوروبا بعد أن أفنت سكان أمريكا الأصليين لم تر بدا في استرقاق السود في إفريقيا لتسخيرهم في استغلال تلك البقاع الواسعة، ولولا ذلك ولولا استغلالهم في زراعة هذه الأرض للحصول على السكر لارتفع ثمنه…. إن أولئك الذين سخروا في هذا العمل ليسوا غير أقوام من السود فطس الأنوف لا يستحقون شيئا من رحمة أو رثاء.. إنه لا يتصور مطلقا أن الله بحكمته السامية قد وضع في تلك الكائنات السود أرواحا يمكن أن تكون طيبة.. ومن المستحيل أن نفرض أن هذه المخلوقات بشر، ولولا فعلنا لجاز لنا أن نشك في أننا مسيحيون!].(33)
2- عندما جاء الإسلام كان الرق نظاما معترفا به دينيا وإنسانيا وقانونا وعرفا، ويمتدحه كبار فلاسفة اليونان، ويعدونه نظاما طبيعيا وإلهيا رغم كل ما كان يشوبه من مظالم وانتهاك لإنسانية الرقيق.. فالإسلام – إذن- لم يؤسس نظام الرق، ولا وضع قوانينه، ولا شرعه كما فعلت الأمم الأخرى، ولا رغّب فيه، ولا حض أتباعه على امتلاك الرقيق، ومما له دلالة قوية على حقيقة موقف الإسلام من الرق؛ أنه لا يوجد في كتب الفقه الإسلامي باب اسمه: (الرق) ولكن يوجد باب اسمه: (العتق). والإسلام وإن أقر التعاطي معه فلأنه لم يكن ممكنا إلغاؤه من طرف واحد بينما تمارسه الأمم الأخرى في حق المسلمين؛ لكنه في المقابل لم يجعله وسيلة قهر وإذلال، وإنما جعله وسيلة لنقل الرقيق من الكفر إلى الإيمان ودمجه في المجتمع الإسلامي، وحرم الرق بسبب الديون، أو بيع النفس بسبب الفقر، أو بسبب ارتكاب الجرائم، وجعل الحرب المشروعة مصدره الشرعي الوحيد، وهو في ميزان الإسلام: (مجرد عجز مؤقت يصيب الإنسان الذي يقع أسيرا في الحرب فيفقد أهليته القانونية، ويزول بالفداء أو العتق)، وشرع العتق ورغّب فيه، ويسر أسبابه فأوسع أبواب الخروج منه فجعله من القربات العظمى إلى الله تعالى، وأجاز حق المكاتبة لمن أراد أن يحصل على حريته مقابل دفع الثمن على أن يسمح له بالعمل لتوفير القيمة وحث صاحب الرقيق والدولة والمسلمين على مساعدتهم على توفير الثمن من الصدقات والزكوات، وجعله أيضا من الكفارات الشرعية في القتل الخطأ، والحنث باليمين، والظهار، والإفطار في رمضان.
والأكثر أهمية أنه أمر أن يعامل الرقيق معاملة كريمة تحفظ شعوره الإنساني، وجعلهم كالأخوة والموالي فلم ينزع عنهم صفة الإنسانية ولا مشاعرها.. وقد أثمرت هذه المعاملة صورا غير متناهية من العلاقات الإنسانية النادرة سمحت للرقيق وأبناء الرقيق أن يكون منهم قادة الدين والعلم والأدب والفنون في المجتمع الإسلامي، ووصل منهم كثيرون إلى قمة القيادة في الدولة بعد تحررهم دون أن يشعروا أو يشعر أحد أنهم وضيعو الأصل، وبرز منهم كافور الأخشيدي الذي حكم مصر والشام والحجاز.. بل وصل المماليك إلى قيادة العالم الإسلامي وهم ما يزالون عرفا في حكم الرقيق، واعترفت لهم الأمة بالقيادة والزعامة بعد أن تولوا حمايتها من أكبر خطرين وجودين تعرضتا لهما هما الحملات الصليبية والغزو المغولي التتاري. (34)
يقول المستشرق الفرنسي/ جوزيف رينو(1795-1868):
– [ النظام الذي وضعته الشريعة الإسلامية للرقيق يضمن كرامته، ويجعل العبد في وضع لا يختلف عن وضع الأحرار متى ظهرت كفاءته في مجال من مجالات الأعمال مثل التجارة، والذين تسعفهم الظروف يصبحون أحرارا..]. (35)
وفي العصر الحديث صار رجلا من الأرقاء مثل خير الدين التونسي أحد قادة تونس في القرن الثامن عشر (قبل الاحتلال الفرنسي)، وقام بإجراء تجديدات كبيرة في تونس أهلته لتقدير الإستانة عاصمة الأتراك العثمانيين؛ فاستدعاه الخليفة وعينه صدرا أعظم للدولة أي رئيسا للوزراء. وفي النصف الثاني من القرن العشرين لم تمنع حقيقة أن والدة بندر بن سلطان – أحد أبناء الأمير السعودي الشهير سلطان بن عبدالعزيز- كانت أمة أو جارية من أن يعترف بولدها منه ابنا شرعيا له، ويصير أحد أمراء العائلة الحاكمة البارزين، ويتولى عددا من أخطر المناصب السياسية لبلاده، بل ويتزوج من الأميرة هيفاء بنت الملك فيصل نفسه!
تخيلوا: ابن جارية سابقة يتزوج بنت الملك الأشهر والأقوى في تاريخ السعودية بعد والده المؤسس للدولة. (36)
3- تقييم علاقة الإسلام بالرق وتعامله معه ينبغي أن يكون موضوعيا وفقا لما أثبتناه سابقا أي وفقا لقواعد الإسلام وللجوانب الأخلاقية التي تعامل بها مع هذا النظام الإنساني السائد، وكيف كانت حالة الرقيق في المجتمع الإسلامي بصورة عامة ومقارنة بالحضارات الأخرى، وليس هل ألغى الإسلام الرق فورا أم لا؟ فالأمر كان أكثر تعقيدا وترسخا في حياة البشر والمجتمعات، ولم يكن ممكنا إلغاؤه بجرة قلم وتجاهل الملابسات التي تحيط به.. وعلى سبيل التشبيه فها هي البشرية التي عانت من ويلات النظام الرأسمالي البشع الإجرامي، والملكية الفردية، لم تستطع التخلص منه ومن شروره رغم المحاولات الكبيرة والجذرية التي اتخذت في سبيل ذلك، وما زال هو النظام السائد والأكثر توافقا مع الحاجات البشرية للتملك والثراء.(37)
4- من الأسئلة الشائعة تلك التي تستنكر عدم إعلان الإسلام تحريم الرق طالما أنه ينتقص من إنسانية الإنسان وكرامته.. وبدءا نذكر أن هؤلاء الأسرى الذين يراد إطلاق سراحهم ليسوا حمامات سلام ولا طيور الجنة بل هم في الأساس مقاتلون جاءوا للحرب والبحث عن الغنائم ومنها الأسرى، ولو كانوا انتصروا لفعلوا بالمسلمين الشيء نفسه، وإطلاق سراحهم أو قبول الفدية فيهم وفق التشريع القرآني يخضع للظروف السائدة ومبدأ المعاملة بالمثل ورأي الدولة الإسلامية في الأصلح للمسلمين؛ فقد كان من غير المعقول إطلاق سراح عشرات الآلاف من الأسرى وإعادتهم إلى بلادهم ليعودوا من جديد جنودا مقاتلين!
وكذلك لم يكن ممكنا إيداعهم في معسكرات اعتقال – لم تكن معروفة في ذلك الزمن- تحتاج من المسلمين إلى جهود كبيرة في الإشراف والرعاية؛ إن لم تكن هي بذاتها محلا للاضطهاد والقسوة كاستخدام الأسرى في أعمال السخرة الشاقة (استمرت هذه الطريقة حتى الحرب العالمية الثانية عندما كان الحلفاء ودول المحور على السواء يستخدمون الأسرى في الأعمال الشاقة وتوفير احتياجات الجيوش من المؤن والمواد الضرورية للحرب، وتغطية النقص في الأيدي العاملة، وان الأسرى الإيطاليون مثلا يؤخذون إلى أمريكا حيث يتم توزيعهم للعمل مع المواطنين!)
وكما سلف فقد جاء الإسلام والرق نظام عالمي معترف به حتى عند الرقيق أنفسهم.. ولم يكن ممكنا إلغاؤه نهائيا من جانب واحد مع حقيقة أن الآخرين يمارسونه في حق المسلمين والمسلمات فهو كان من باب المعاملة بالمثل(38)، والأسرى الذين في يد المسلمين إما أن يكون مصيرهم القتل أو الأسر في ظروف بشعة إنسانية بحق الرجال والنساء على حد سواء (النساء كن يجبرن على ممارسة الدعارة، وفي الحرب العالمية الثانية اغتصب جنود الحلفاء الروس والأمريكان مئات الآلاف من النساء الألمانيات وغيرهن كلما سيطروا على بلد ما. انظر في ويكيبديا تحت عنوان الانتهاكات الجنسية اثناء تحرير بولندا وألمانيا وفي حرب البوسنة).. وكان الحل الأفضل الممكن هو استرقاق الأسرى وتوزيعهم على المسلمين يعيشون بينهم ومعهم، في ظل منظومة كاملة في غاية الإنسانية المتاحة في تلك الظروف، وخاصة النساء اللائي بدلا من توظيفهم للعمل في الدعارة فقد كن ينتقلن إلى ملكية مسلم يقوم على المحافظة على كرامتهن من مساويء الدعارة والضياع، وتعيش الواحدة منهن في بيته تؤدي خدمات وأعمالا معقولة، وفي الوقت نفسه يقوم برعايتهن ويعشن معه في ظروف مناسبة، وحتى السماح للمالك بمعاشرتهن معاشرة الزوجات فقد كان حلا أفضل للطرفين من الدعارة كما قلنا، ويكون سببا في حصولهن على رعاية خاصة وسببا في العتق مستقبلا؛ إذ تصير الواحدة منهن – في حالة حملها ووضعها لمولود- أم ولد لها حقوق كبيرة من بينها أن تصير حرة مع أولادها بعد موت مالكها، وقد تمتعت أمهات الأولاد بمكانة كبيرة في المجتمع الإسلامي وصار كثير من أبنائهن خلفاء وعلماء وقادة.(39)
5- يمكن تشبيه ما قام به الإسلام تجاه موضوع الرق بما حدث مع النظام الرأسمالي، فهو مثل الرق كان يوم ظهر خطوة متقدمة في تاريخ البشرية، وانتفعت به الإنسانية – كما انتفعت بنظام الرق- كثيرا في جوانب التنمية والتطور الاقتصادي والعلمي كما لم يحدث مع أي نظام سابق، لكن مع ذلك فقد كانت له أسس وممارسات غاية في الإجرام والتوحش والظلم في حق الإنسانية، وفي مواجهة ذلك انقسمت مواقف المصلحين الرافضين بين موقفين؛ الأول يدعو إلى إلغاء النظام الرأسمالي نهائيا، والآخر يدعو إلى إصلاحه تدريجيا بتخليصه من عوامل التوحش والظلم؛ فقد حاولت النظم الشيوعية أن تلغي النظام الرأسمالي للتخلص من شروره وآثامه لكنها فشلت فشلا ذريعا، وأنتجت أنظمة أسوأ إجراما وأشد استعبادا للشعوب التي ابتليت بها، وفي أقل من سبعين عاما من ظهورها انهارت تلك النظم وعادت الرأسمالية لتحكم الشعوب، وتحولت أحزاب شيوعية ومثقفون شيوعيون إلى دعاة للرأسمالية والاقتصاد الحر، وفي كثير من الحالات كانت عودة سيئة فاتتها كثير من إيجابيات المجتمعات الرأسمالية العريقة التي حصلت عليها بالنضال السلمي التدريجي. (40)
وفي مقابل فشل الشيوعية في إلغاء النظام الرأسمالي؛ نجحت دعوات ونظريات سياسية وفكرية أخرى (مثل الأحزاب الاجتماعية الاشتراكية والديمقراطية الليبرالية) في تهذيب ممارساته، والتخفيف من توحشه (على الأقل داخل المجتمعات الرأسمالية التاريخية الكبرى) من خلال الدعوة إلى ضمان الحقوق الأساسية للناس والعمال خاصة مثل الراتب المجزي، والعطلات الرسيمة المستحقة، وتوفير الرعاية الاجتماعية مثل التطبيب والدراسة المجانيين، والضمانات الاجتماعية في حالة التعرض للمرض أو العجز، والتقاعد بمرتب يحفظ للعامل كرامته. وقد تم ذلك بخسائر أقل بكثير جدا مما دفعته الشعوب التي ابتليت بالشيوعية. .. مع ملاحظة الفارق بين الرق الذي كان محكوما بالحروب وبظروف التطور الإنساني، وبين النظام الرأسمالي الذي يظل يعبر عن حاجات طبيعية للبشرية.
6- لا يعني كل ما سبق أن وضع الرقيق في المجتمعات الإسلامية كان مثاليا خاليا من الأخطاء والانحرافات عن المنظومة التشريعية للرق في الإسلام، فالحديث يتناول فترة زمنية تبلغ 1400 سنة، ومساحة جغرافية مثلت أكثر من نصف العالم المعمور.. فلا شك أنه كانت هناك ممارسات خاطئة وبعضها مجرمة في حق الرقيق، فلم تعد الحرب المشروعة هي المصدر الوحيد للرقيق، واختلطت معها مصادر أخرى محرمة مثل الخطف والبيع، وانحرفت المعاملة عن تلك المقررة شرعا، وقد تسببت تلك الممارسات في قيام تمردات أخطرها ثورة الزنج في جنوب العراق، كما أن الانحرافات العامة في المجتمع الإسلامي شملت موضوع الرقيق وخاصة النساء منهن في قصور الملوك والأغنياء. (41)
الفيصل في موضوع الإسلام والرق هو أولا في القواعد والتشريعات التي وضعها الإسلام للتعامل في موضوع الرق والرقيق.. وأما ما يخالفها فمرفوض ومدان، ثم ثانيا في مقارنة نسبة الممارسات الخاطئة بالوضع العام من المعاملة الحسنة. ولعل من المفيد الإشارة هنا إلى أن إلغاء الرق في الولايات المتحدة الأمريكية تم رسميا في ستينيات القرن التاسع عشر (سبقته تونس المسلمة) في نهاية الحرب الأهلية، لكن نوعا أبشع من الرق استمر مائة عام أخرى هو: التفرقة العنصرية تحت شعار (متساوون لكن منفصلون)، واحتاج الأمريكيون السود إلى نضال كبير وشاق ومؤلم للخلاص من جرائم التفرقة العنصرية في ظل قانون إلغاء الرق(!) وخاصة في الولايات الجنوبية (حيث الأغلبية البروتستانتية الإنجيلية التي أنجزت إصلاح المسيحية كما يقال لنا) بدءا من إلغاء مساواتهم بالكلاب في منع دخولهم الفنادق والمطاعم، والفصل في المدارس، وانتهاء بالسماح لهم بممارسة حقوقهم السياسية، ومرورا بحقهم في الوظيفة والالتحاق بالأعمال العسكرية في الجيش، وحتى تقديم برامج إعلامية فأول امرأة سوداء سمح لها بتقديم برنامج تلفزيوني كانت هي المذيعة الشهيرة أوبرا وينفري وفي ثمانينيات القرن العشرين، وكما هو معروف فلم ينجحوا إلا بعد مائة في إلغاء جميع مظاهر التفرقة (الرسمية) في ظاهر المجتمع.(42)
ورغم التطور الكبير الذي حدث في أمريكا في موضوع الحقوق المدنية، إلا أن الشكاوى ماتزال مستمرة من قبل الأمريكان الأفارقة (السود) من وجود فصل عنصري خفي يعانون منه في الأحياء الفقيرة التي يسكنونها، والخدمات العامة التي تقدم لهم وفق نسبة الضرائب التي تحصل منهم وهي ضئيلة ولا تقارن بنسبة مثيلتها في أحياء البيض الأثرياء! ومن تعرضهم الدائم لاضطهادات رجال الأجهزة الأمنية البيض كما هو مشهور إعلاميا!
وفي المقابل فإن البلدان الإسلامية القليلة التي استمر فيها نوع من الرق حتى القرن العشرين وتم إلغاؤه؛ لم تعرف مقاومة عنيفة لقرارات الإلغاء، وتم الأمر بهدوء وسلاسة مثلما حدث في اليمن والسعودية في بداية الستينيات (لم يكن في السعودية إلا أقل من 2000 شخص ينطبق عليهم وصف الرقيق، وأقل منهم بكثير في اليمن).
ومن نافلة القول إن آخر نظام فصل عنصري تم القضاء عليه في تسعينيات القرن العشرين كان في جنوب إفريقيا تحت حكم العنصريين البيض، والذي كان يحظى بدعم الغرب المسيحي الرأسمالي بقيادة كل من الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى حيث تسود مذاهب تنتمي للبروتستانتية أي مذهب الإصلاح الديني! ولعل من الملفت للانتباه هنا إن أعتى الأنظمة العنصرية في القرن العشرين ظهرت في بلدان تعتنق المسيحية البروتستانتية مثل: ألمانيا النازية، والولايات المتحدة، ودولة جنوب إفريقيا!
الهوامش:
28- د. محمد عمارة، مصدر سابق، ص187.
29- تذكرنا هذه التهمة بما يحدث في أنظمة القهر والاستبداد عندما يحاكم المعارضون وقد تم مسبقا تجهيز أحكام الإعدام أو السجن!
30- انظر أيضا: الإسلام في عيون غربية، محمد عمارة، ص 322.
31- عزمي بشارة، مصدر سابق، فصل الإصلاح الديني، ص 233.
32- الرق ماضيه وحاضره د. عبدالسلام الترمانيني، ص15، سلسلة عالم المعرفة، ط1، 1979.
33- مختصر قصة الحضارة، ديورانت، ص25 ج1+الرق ماضيه وحاضره ص19. وانظر أيضا: المختصر في تاريخ أوروبا الحديث من مطلع القرن السادس عشر إلى نهاية القرن الثامن عشر، د. زينب عصمت راشد، ص62، ط3، 1981.
34 – محمد قطب، شبهات حول الإسلام: فصل الإسلام والرق، ط14، 1981، دار الشروق. والترمانيني، مصدر سابق… ويروي جلال كشك في كتابه: ودخلت الخيل الأزهر (ص55) معلومة تاريخية مدهشة عن كيف كانت الأسر في أواسط آسيا تسعى لبيع أبنائها لتجار الرقيق الموردين له إلى مصر خاصة؛ حيث اشتدت الحاجة إلى المماليك الصغار لتربيتهم عسكريا وإعدادهم للعمل العسكري في دولة المماليك، وتسنح لهم الفرص للترقي والثراء وحتى إمكانية الوصول إلى قيادة الدولة ذاتها.
35 – كتاب/ الفتوحات الإسلامية في فرنسا وإيطاليا وسويسرا في القرون الثامن والتاسع والعاشر الميلادي، جوزيف رينو، ص213، تعريب وتعليق د. إسماعيل العربي، ط1، 1984.
36- انظر قصة خير الدين التونسي في زعماء الإصلاح في العصر الحديث لأحمد أمين، موسوعة أحمد امين الإسلامية، دار الكتاب العربي، بيروت 1979. وانظر كتاب: الأمير، القصة السرية للأمير الأكثر إثارة للاهتمام في العالم الأمير بندر بن سلطان، تأليف وليام سيمبسون، ترجمة عمر الأيوبي، نسخة إلكترونية، ط1، 2010 الدار العربية للعلوم ناشرون.
37- كتابا: شبهات حول الإسلام، محمد قطب، الإسلام والرق، مصدران سابقان.
38- انظر أوضاع الأسرى المسلمين في أوربا في الفتوحات الإسلامية في فرنسا وإيطاليا وسويسرا، ص232، مصدر سابق.
39- راجع في: البداية والنهاية لابن كثير أسماء الخلفاء العباسيين والقادة، وغيرهم من الشخصيات العلمية البارزة ممن كانت أمهاتهم جواري وإماء؛ مثل علي زين العابدين بن الحسين بن علي وابنه زيد بن علي وأبرزهم أبناء هارون الرشيد عدا الأمين.
40- محمد قطب، انظر فصلي الإسلام والرأسمالية والإسلام والملكية الفردية في شبهات حول الإسلام، مصدر سابق.
41- شبهات حول الإسلام، محمد قطب، الإسلام والرق، مصدر سابق.
42- انظر الرق ماضيه وحاضره، فصول: زوال الرق في أوربا، الرق الأسود، مراحل إلغاء الرق، استمرار الرق.. ص147 وما بعدها. وأيضا انظر فظائع التفرقة العنصرية في القرن العشرين في: مذكرات مالكولم إكس زعيم المسلمين السود، تأليف إليكس هيلي، ط1، 1968، ترجمة ذوقان قرط، دار الآداب، بيروت.. وانظر كتاب: النفير عن قصة حياة داعية الحقوق المدنية مارتن لوثر كنج، تأليف ستيفن أواتيس، ترجمة سهيل أيوب، ط1، 1990، دار دمشق.