ترجمات

الإسلام في اليابان: بين الجهل والتشويه

بقلم: د. مجاهد يوهي ماتسوياما

ترجمة: عادل العامري

المقال الأصلي نشر في مجلة الإسلام والتجديد الحضاري (ICR) في 15 يوليو/تموز 2010 بعنوان: شعب اليابان والإسلام.

إن وجهة النظر المطروحة في هذا المقال تسلط الضوء على أهم الأسباب التي أدت لحمل كثير من شعب اليابان الإسلامَ على غير محمله. وسأشرحها بتوضيحي لحال الجهتين الرئيسيتين اللتين تنقلان المعلومات عن الإسلام إلى شعب اليابان؛ وهما مسلمو اليابان والمفكرون غير المسلمين.

جهل مسلمي اليابان أنفسهم بدينهم الإسلام

إن أحد أكبر العوائق التي تقف حجرًا في فهم الإسلام في اليابان هي عدم فهم مسلمي اليابان أنفسهم للإسلام؛ وسأوضح هذه النقطة بمثالين:

في المثال الأول، أرغب أن أشير إلى كتاب “أن تكون مسلمًا يابانيًا”، الذي ألفه هيجوتشي، وهو الرئيس السابق لجمعية مسلمي اليابان، وأحد رواد الدعوة فيها. فقد ذكر في أحد أقسام الكتاب التي يشرح فيها أركان الإيمان الستة وصفًا عن الملائكة وأهميتهم في الإسلام. فيقول عنهم: “الملائكة مهمون جدًا في عقيدتنا الإسلامية. فمن دونهم فلن يعرف الله صالح أعمالنا ولن تصله. الملائكة هم الوسطاء بيننا وبين الله.” ومعلومٌ للقاصي والداني أن هذا التفسير الصادم يتعارض مع ملة الإسلام تعارضًا تامًا. فالله هو الخبير ذو العلم المطلق، يعلم كل شيء حتى قبل أن ترفعه الملائكة له. وهذا المؤلف ليس مسلمًا “عاديًا”، بل هو الرئيس السابق لأكبر جمعية يديرها مسلمو اليابان في البلاد، ويعتبره كثير من اليابانيين أحد المسلمين اليابانيين النموذجيين. ولعل هذا المثال يفتح الشك حول ماهية العقيدة التي بُلِّغت إلى جميع المسلمين اليابانيين، وإن كانوا يؤمنون بالعقيدة الإسلامية كما ينبغي أم لا.

والمثال الثاني هو للأمام الياباني الوحيد في طوكيو، عاصمة اليابان، الشيخ عبدالله تقي. وهو إمام مسجد الإخلاص الواقع في منطقة كابوكيتشو في منتصف طوكيو. فهو الذي يؤمهم في كل جمعة ويخطب باللغة اليابانية. ربما تحسب هذا أمرًا حسنًا من ظاهره، بيد أني علمت أنه لم يزر أي بلد إسلامي قط، ولم يدرس الشريعة أو العقيدة، ولا يعرف حتى الأحكام إلا ما يخص كيفية أداء الجمعة. الشيخ عبد الله ذاته رجل ودود جدًا وحسنُ الخُلُقِ وطيب القلب، ولكن صار لدي انطباع أنه لا يعرف حتى الأركان الأساسية لأداء الصلوات المفروضة. فما يظهر لي أنه لم يعلمه أحدٌ إياها. إنه الإمام الياباني الوحيد في طوكيو برمتها، عاصمة اليابان، ويأتيه طلاب غير مسلمين، وهو يعلمهم الإسلام. ولا أحد ينكر أن غير المسلمين في اليابان لن يفهموا الإسلام فهمًا صحيحًا إن تلقوه من مسلمي اليابان الذي ترى أبرزهم في الساحة لا يفهمونه كما هو ولا يدركون عقيدته.

سوء فهم المفكرين للإسلام

وحتى المفكرون المختصون في الدراسات الإسلامية في اليابان – مع العلم أن أغلبهم ليسوا مسلمين – لا يفهمون الإسلام كما هو. وقد كتب هؤلاء أغلب المنشورات التي تتحدث عن الإسلام في اليابان لأن الشعب يريدون معرفة الإسلام من منظور “محايد”. وهذا يعني أن كثيرًا من المعلومات المشوهة عن الإسلام تُنقلُ إلى القراء اليابانيين عن طريق هؤلاء الناس.

يعتبر معجم إيوانامي للإسلام هو أكثر دليل دقيق للدراسات الإسلامية في اليابان على العموم. ولكن لو نظرنا له بمنظار إسلامي فإن محتويات المعجم ليست محل ثقة البتة. فمثلًا، المواد التي تشرح كلمات جوهرية في الدين الإسلامي كالشيطان (أو إبليس) تجعلنا مدركين حقيقة مدى تدني “أعلى مستوى” للدراسات الإسلامية في اليابان. إذ يصف هذا المعجم إبليس أو الشياطين بأنهم كانوا “ملائكة في الأصل” وأن إبليس هو “الملاك الساقط”. هذه التعبيرات خاطئة تمامًا، لأن الظاهر أن المسلمين – عدا قلة من الصوفية في العصور الوسطى – متفقون على أن الشياطين، بما فيهم إبليس، هم جن أشرار وليسوا ملائكة. أي أن “أرقى” كتاب ياباني يتحدث عن الإسلام وهو هذا المعجم لا يمكنه تقديم معلومات صحيحة عن الإسلام حتى فيما يخص المصطلحات الأساسية كالشياطين والملائكة.

لا شك أن الدكتور ماساتو إيزوكا هو أحد أبرز العلماء في مجال الدراسات الإسلامية في اليابان. وقد قدم في إحدى كتاباته تعليقًا على خلفية هجمات 11 سبتمبر، يذكر فيها أن اختفاء جثث المسلمين الذين تورطوا ظلمًا وقتلوا في الهجوم يعد من أكبر المشاكل التي يواجهها المسلحون الإسلاميون أثناء تنفيذ الهجمات الاستشهادية. بل يقول: “فوفقًا للعقيدة الإسلامية، فإن تحنيط الجثث أمر مهم جدًا ولا غنى عنه للمسلمين يوم القيامة. فمن فقد جسده لا يمكن إحياؤه ولا يدخل الجنة. والاستثناء الوحيد لذلك هم الشهداء. ويقال: إنهم يدخلون الجنة مباشرة ولو كانوا بلا أجساد”. وهذا فهم خاطئ بالكامل للعقيدة الإسلامية. فالله هو الخالق، خالق كل شيء، ولا يمنعه تحول العظام رميما من إحيائها يوم القيامة.

وهذه الأمثلة تبين أن عديدًا من المفكرين في اليابان يفتقرون إلى الفهم الصحيح للإسلام حتى في الأساسيات، وهو ليس شيئًا يمكن اعتباره مجرد اختلاف في التفسيرات. إذا كان هذا هو الحال فأنَّى لنا أن نأمل تعلم المرء للإسلام من هذا الموقف الذي يُدَّعى أنه “محايد” عندما يعتمد “معرفة” هؤلاء المفكرين؟

في اليابان بين الجهل والتشويه الإسلام في اليابان: بين الجهل والتشويه

واجب المفكرين المسلمين: الغزو الفكري

بات كثير من الناس في اليابان يتساءلون عن سبب “صعوبة فهم” الإسلام. ويزعم بعضهم أن السبب في ذاك هو التباعد بين علم الكونيات الياباني المبني على الشرك وعقيدة التوحيد الإسلامية. وقد يقول آخرون بأن ذلك نابع من “غرابة” العقيدة والطقوس الإسلامية. لكن ما يظهر لنا هو وجود طبقة صلبة تعيق الطريق نحو الفهم الصحيح للإسلام، سواء لمن صدقوا نيتهم بمعرفة الإسلام من المؤمنين أنفسهم أو من أولئك الذين يرغبون في التعرف على الإسلام من وجهة نظر “محايدة”، على سبيل المثال، من المفكرين غير المسلمين. وكما بينت أعلاه فإن كلا الممثلين يفتقران حتى إلى العلم بأساسيات الإسلام، فوا أسفاه.

أريد أن أنوه في الختام على أهمية مهمة المثقفين المسلمين في اليابان لوضع حد لهذا الوضع المزري. فهم وحدهم من يمكنهم نقل المعرفة الدقيقة عن الإسلام إلى الشعب الياباني، وهو ما يفتقر إليه المثقفون غير المسلمين. إذ سيكونون قادرين على الجمع بين الروايات الأكاديمية و”المحايدة” التي يفتقر لها المسلمون العاديون في اليابان. أي أنهم الوحيدون القادرون على شن غزو فكري، وإنشاء نوع من الصراع الفكري في الأوساط الأكاديمية. لذا أتوقع أن يلعبوا دور اللاعب الرئيسي عندما يتعلق الأمر بصد الإسلاموفوبيا في اليابان، وذلك بتنمية التواصل العميق بين الإسلام واليابان وإقامة الدعوة إلى الله عبر الثقافات.

* المقال الأصلي نشر في مجلة الإسلام والتجديد الحضاري (ICR) في 15 يوليو/تموز 2010 بعنوان: شعب اليابان والإسلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى