Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
أشتات

طوفان الأقصى والمثقفون الخبثاء

يقال: إنَّ بعثة تنصيرية ظلَّت مرابطة في منطقةٍ صحراوية ما بين الكويت والسُّعودية قبل نحو من نصف قرن تجول وتصول لمدة عشر سنوات أو يزيد تُقدِّم الدَّواء والغذاء جنبًا إلىٰ جنبٍ مع المفاهيم النَّصرانية وطقوسها وتعظيم يسوع وروح القدس، ولماذا صلب؟  -حسب العقيدة النصرانية المحرفة-، وعندما حان وقت المغادرة لتلكَ البعثة، تمَّ إعداد احتفالية لتكون خاتمة هذا الجهد الكبير والتَّأكد من الإنجاز فجمع النَّاس من البدو المتواجدين حينها في مكانٍ واحد وبدأ القس في تلاوة ترانيمه وصلواته ثمَّ ألقى خطبته واختتمها بالطَّلب من (الرَّب عيسى) _ تعالى الله عمَّا يقولونَ علوًّا كبيرًا _ أن يحل عليهم بروحه ويحضر اِحتفالهم وبدأ يمهد لذلك المشهد بالكلماتِ المؤثرة وما لبثَ أن صرخَ وخاطبَ النَّاس:

هذه روح الرَّب بيننا! 

هذه روح عيسى ربنا قد حلت بيننا!!

فما كان منهم إلا أن تعالت أصواتهم بكل تلقائية وعفوية صادقة على الفطرة: 

لا إله إلا الله لا إلا الله سبحان الله سبحان الله سبحان الله.

وهكذا وفي ثوان معدودة أوقع في يد القس وفريقه ولم تحصل لهم الفرحة التي سعوا لها، بل أصابتهم الخيبة وأي خيبة! وعادوا بخفي حنين يجرونَ أذيال الخيبة والخذلان.

أحسب أنَّ هذه القصَّة تعبر تعبيرًا دقيقًا عن ذلك الشُّعور الذي وجده المثقفون الخبثاء من العرب والذين كانوا يروجون للرؤية الصهيونية لمشروع الاحتلال اليهودي في فلسطين ومبرراتها ويعملون بكلِّ جدٍّ وبكل الصُّور على محاولات اختراق العقل العربي والمسلم للقبول بالتَّعايش مع هذه الدولة العنصرية المحتلة والمشاريع المنبثقة عنها والمروجة لأهدافها ويسابقون الزَّمن لاستغلال الفرصة المفتوحة لهم في وسائل الإعلام الرسمية والخاصة وشيكات الدولار المتقاطرة من الشمال والغرب.

فجاءت اللحظة التي لم يتوقعها أحد، وكانت العمليَّة التي قامت بها المقاومة الإسلامية في 2023.10.07م طوفان الأقصىٰ، بمثابة الحجر الذي ألقمَ أفواههم وكشف لهم أنَّ جهودهم ذهبت أدراج الرِّياح، وأنَّ خداعهم لم ينطلِ على الكثير ممن كانوا يظنونهم قد أصبحوا في صفهم وفي خانة الأرقام المحسوبة في رصيدهم، بل زادهم حنقًا وامتعاضًا وعضوا أصابع النَّدم عندما خرجت جموع أهل الإسلام من المحيط إلىٰ الخليج وفي أرجاء المعمورة وهي تعلن فرحها بهذا الانتصار من جهة، وتناصر المستضعفين من أهل غزة وفلسطين من جهةٍ أخرى.

“وقل جاء الحق وزهقَ الباطل إنَّ الباطلَ كانَ زهوقًا”، ولله الحمد، والمنَّة أولًا، وآخرًا.

ولأننا ما زلنا في ظلال هذه العمليَّة وما بعدها من المواجهةِ والحرب بينَ جيش الاحتلال الغاصب والمقاومة وأهل غزة من جهة أخرى، فلعلَّ الوقت يكون مناسبًا لكشف العناوين أو سمها (الاسطوانات المشروخة) التي اعتمدها المثقفون الخبثاء من العرب سعيًا لاستهداف القضية الفلسطينية ومحوها من عقلية الشعوب الإسلامية وخاصة العربيَّة منها.

لقد استخدمت هذه العناوين المسمومة تحت شعار كبير جدًّا هو (الأولوية لبلادنا ودولنا وليس لفلسطين والفلسطينيين).

ولابدَّ من التنبيه هنا قبل الخوض في الفكرة المرادة، لسنا ضدَّ ترتيب الخطط وإعدادها لخدمةِ الأوطان وبنائها، لكن أن يستخدم هذا الشِّعار وهذا المفهوم _ (السعودية أولًا، العراق أولًا، مصر، اليمن أولًا، المغرب أولًا، الخ القائمة العربيَّة والإسلامية) _ لقطع رابطة الأخوة الإيمانية (إنما المؤمنون إخوة) الحجرات، ومن ثمَّ وحدة المصير مع الشَّعب الفلسطيني المسلم فهذا مما يرفضه الإسلام كدين حق خاتم، ثمَّ يرفضه العقل العربي الواعي بالمخططات التي تستهدف أرضه وتاريخه وهويته.

وهذا ما سعى له العشرات من المثقفين الخبثاء عبر برامجهم واطروحاتهم ومقالاتهم ومداخلاتهم في البرامج المرئية والمسموعة والمقروءة سياسيين كانوا أو اعلاميين أو رجال أعمال أو ربما ممن يلبسون زي علماء الدين والإفتاء.

فإليك _ أخي القارئ _ نماذج من مقولاتهم المقنعة والمدلسة والملوثة، 

يقول أحدهم: القضية الفلسطينية تخصُّ الفلسطينيين ولا داعي لإضاعة وقتنا في الكلام والدِّفاع عنها!!! 

ويقول الآخر: الفلسطينيون استنزفوا أموال الناس المتبرعين وأهل الخير والتنمية في بلادنا وفقرائنا أحق بها منهم !!! 

ويقول الرابع: نريد أن نتفرغ لبناء بلداننا وتطويرها هؤلاء يريدون أن نبقى معهم في العصور المتخلفة!!! 

ويقول الخامس: لماذا لا يقبل أهل فلسطين أن يعيشوا تحت ظل دولة (ديمقراطية يهودية) ويرحمونا من هذه المناحات والبكاء على الأطلال. 

ويقول السادس: لماذا لا يفهم أهل غزة وغيرها من المناطق الفلسطينية أنَّ الدولة اليهودية هي إرادة النظام الدولي والشرعية الدولية وعليهم القبول بذلك والرضوخ. 

ويقول السابع: هذه القضية ينبغي محوها من أذهان الأجيال القادمة حتى لا تؤثر على قدرتهم على التَّعايش مع العالم والتطور. 

ويقول الثامن: الفلسطينيون هم الذين باعوا بلادهم لليهود واستلموا الثمن وأقول للعرب دعوهم يكملوا مشروعهم وأنتم أيها العرب لا خير فيكم. 

ويقول التاسع: أصبحت المناطق الفلسطينية مناطق لإعداد الإرهابيين وتهديد الأمن القومي للدول المجاورة!!! 

وهكذا دواليك ينفثون سمومهم ويخرجون قيئهم وانحرافاتهم لتشتيت العقل والقلب المسلم في موقفه تجاه قضية العرب والمسلمين الكبرى.

وسبحان الله هؤلاء الملونين ممن يتسمون بأسماء عربية مسلمة هم أنفسهم الذين خرجوا يقولون ليلة عملية طوفان الأقصى: انتصرت المقاومة على أسطورة الجيش الذي لا يقهر، لكن ردة فعل الكيان الصهيوني ستكون عنيفة وهذه تصرفات غير مدروسة سياسيًّا ولا عسكريًّا وحركات المقاومة لا يهمها أهل غزة!!

عجبًا أنتم مع من؟ وتخدمون بكلامكم هذا من؟

وصدق الله: ((مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا)) النساء.

والحقيقة التي اعترف بها عقلاؤهم أنَّ انتصار 2023.10.07م كان انتصارًا نوعيًّا فريدًا لم يكن على بال أحد أبدًا حتى ربما من نفذه، لكن هؤلاء المخذولين المرجفين وإن كان بعضهم يريد الانتصار على الدولة اليهودية حقًّا من باب العصبية القومية، لكنه لا يريد ولم يحب أن يكون هذا الانتصار على يد حركة مقاومة خاصة إسلامية مثل كتائب القسام وهذا من قلة العقل ومن الكبر والغرور الذي يصاب به أهل الظلم ومرضى النفوس في جميع أفعالهم وتصرفاتهم وهم يزعمون الدفاع عن الحقوق والحريات ومقدرات الأوطان.

وهذا هو أحد أسباب تأخر العرب وفرقتهم وانحطاطهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

وعودًا على بدء، فخاتمة المقال:

ذلك المشهد المشابه لخاتمة البعثة التنصيرية في صحراء الجزيرة العربية، فقد أثبتت الجماهير الصَّابرة في غزة الإباء والصُّمود والجماهير المحبة للحق والمناصرة لقضيتها في المنطقة والعالم بأسره أن تلك النفثات من الشبه والأراجيف والتخذيل الذي مارسه المثقفون الخبثاء خلال عقود من الزمن _ خاصة العقد الأخير _ لم يؤت ثماره كما خططوا له وأحبوا وأن من يزرع الشوك لا يجني العنب، لقد كان مما روجوا له في السَّنوات الأخيرة ما يسمى بصفقة القرن، ثمَّ التطبيع وفق اتفاقيات إبراهام الصهيونية وقد زرعوا الخنوع والاستسلام وكراهية الحق والعدل فأصبحت جهودهم بجميع صورها وفي ليلة وضحاها أثرًا بعد عين وذرات من التراب تهوي بها الرِّيح في مكانٍ سحيق بسببِ جيلٍ من الشباب والأطفال يحبون الشهادة ويرجون لقاء الله كما يحبون هم الحياة الدنيا ويرجون رضا عدوهم، بل أشد .

نعوذ بالله من الضلال بعد الهدى ومن الحور بعد الكور. 

والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى