آثار

في نقد خرافة عيد الغدير ويوم الولاية (ج2)

عيد الغدير في سياق تأكيد التحول الرافضي لدى الزيدية

فرضت  (السلطة) في صنعاء الاحتفال بما يسمى عيد الغدير، وعممت الاحتفال به على كل المناطق التي تحت سيطرتها دون أدنى مراعاة للخصوصيات  الثقافية والدينية، وهذا يدل  – ضمن دلائل أخرى – على أن بذور الغُلوّ والتطرف كامنة في المذهب الزيدي، ونستحضر هنا مقولة الإمام الشعبي – وقد اشتهرت أيضًا عن العلامة المَقبلي – : ائتني بزيدي صغير أخرج لك منه رافضيًا كبيرًا، وائتني برافضي صغير أخرج لك منه زنديقًا كبيرًا.

وفي هذا السياق يمكن أخذ الاحتفال بعيد الغدير – ضمن دلائل أخرى – مؤشرًا على قابلية الزيدية للذوبان في الأفكار والممارسات الرافضية، وعلى هشاشة المباني الفكرية في المذهب الزيدي الهادوي.

تاريخيًا كان الزيدية هم الفريسة الأسهل اصطيادًا وهضمًا للأفعى الرافضية، فمدينة الكوفة التي كانت حاضنة الزيدية، ومعقلاً من أهم معاقلها الكبيرة، تلاشى وجود الزيدية فيها واندثر حتى لم يعد لهم فيها وجود ولا أثر، فلقد ذابوا في الديانة الرافضية الباطنية كما يذوب الملح في الماء!

قد يقتضي منا الإنصاف القول: إن الزيدية هي في جوهرها مذهب سياسي قائم على نظرية الحق الإلهي في السلطة، وعلى مبدأ الخروج وسل السيف لفرض نظريتها في الإمامة الإلهية، وأنها مع اعتناقها للنظرية الشيعية في الإمامة لم توغل كثيرًا في العقائد الباطنية الغنوصية كما حصل لدى ديانات الغلوِّ الشيعة الأخرى التي استقلت عن الإسلام، ولم تبق لها من علاقة به غير علاقة الدود الذي ينخر في العود.

ومن هذه الزاوية يمكن القول: إن الفرقة الزيدية هي أقل فرق الشيعة غلوًا وانغماسًا في العقائد الباطنية الغنوصية، ولكن مع ذلك تبقى المشكلة لدى الزيدية في ذلك الانجذاب العاطفي الدوغمائي نحو مقولات التشيع المتطرفة، وهو الانجذاب الذي استغله الرافضة في تذويب والتهام الزيدية عبر مراحل مختلفة من التاريخ.

والمراقب للتحولات الزيدية المعاصرة يرى الزيدية اليوم تعيش حالة  غير مسبوقة من الاستلاب والتبعية الفكرية للرافضة الإمامية الإثني عشرية، ولا أجد وصفًا لهذه لحالة  أدق من القول إنها حالة تعبر عن  (خواء الذات والأدمغة المستعمرة)، وهو وصف استعيره حرفيًا من عنوان كتاب للمفكر الكبير الفيلسوف مراد هوفمان.

والمعضلة التي تواجه الزيدية اليوم هي أن مساحة الأدمغة المستعمرة للفكر الرافضي تزداد يومًا بعد يوم في أوساط النخب الزيدية، وعلى النحو الذي بات يشكل تهديدًا وجوديًا للزيدية في معقلها الأخير.

نقول ذلك ونحن نعلم أن تاريخ الزيدية هو تاريخ الدم في سبيل تجسيد نظريتها في الإمامة الإلهية على أرض الواقع، فالزيدية تؤمن بانتزاع الدولة الحاضرة والغنيمة العاجلة ولا تعلق الآمال على دولة المهدي المنتظرة كما كان الحال لدى الرافضة الإمامية قبل أن يحتال لهم الخميني لإخراج المهدي المنتظر من سردابه بحيلة ماكرة صاغها باسم نظرية الولي الفقيه.

وبعيدًا عن بسالة المقاتل الزيدي التي تذكرنا ببسالة المقاتل الخارجي مع الفرق بين التوجهين؛ إذ يستبسل المقاتل الخارجي في سبيل إشاعة الإمامة ورفض حصرها في عرقٍ أو سلالة، بينما يستبسل المقاتل الزيدي في سبيل حصر الإمامة في سلالة بعينها، لكن هذا المقاتل الزيدي المستبسل حتى الجنون في كفاحه الإمامي السلالي كان ولا يزال فقير الحيلة أمام مكر واحتواء ثعالب الرافضة له.

ويأتي الاحتفال بما يسمى عيد الغدير في مناطق سيطرة الحوثي وتسخير كل إمكانيات السلطة له، على شاكلة صنيع الرافضة في إيران والعراق ليعطينا مؤشرًا واضحًا –  ضمن مؤشرات أخرى – على مدى القابلية لدى أتباع المذهب الزيدي للذوبان في دين الرافضة الإمامية، أفكارًا وممارسة.

ومن يستمع أو يقرأ  لمتحدثي الزيدية اليوم يراهم يستعيرون مقولات وحجج الديانة الرافضية الباطنية حول ما يسمى عيد الغدير ويوم الولاية، ويرى الشطط  يبلغ ببعضهم حد القول: إن الاحتفال بعيد الغدير من العلامات التي تميز المؤمنين عن المنافقين!  وقد قرأنا لبعضهم كلامًا يقول فيه: إن عيد الغدير هو عيد الله الأكبر وليس عيد الفطر ولا عيد الأضحى!

ولن نسأل أدعياء الزيدية هنا: إذا كان الاحتفال بما يسمى عيد الغدير بهذه الأهمية والمكانة فلماذا لم يحتفل به علي بن أبي طالب رضي الله عنه ولا أمر بالاحتفال به طيلة فترة خلافته؟

ولكن سنسألهم سؤالاً آخر هو: لماذا لم يحتفل به مؤسس الزيدية الهادوية في اليمن يحيى بن القاسم الرسي (الملقب عندهم بالإمام الهادي)، ولا نص على الاحتفال به؟ هل كان إمامكم المؤسس لمذهبكم ومن جاء بعده من أئمتكم جاهلون؟ أم منافقون؟ أم تنقصهم جرعة الوعي الرافضي التي حقنتم بها ؟!

إن الحقيقة التي يتجاهلها أو يجهلها أو يتعمد اخفاءها أدعياء الزيدية اليوم هي أن الاحتفال بعيد الغدير هو احتفال دخيل على المذهب الزيدي الهادوي، وأن أول من ابتدعه هم حملة الموروث المجوسي المنتحلين للتشيع في دولة بني بويه الفارسية في القرن الرابع الهجري، وقبل ذلك لم  يحتفل به أحد.

وأما في اليمن فأول من احتفل به هو الرافضي  أحمد بن الحسن بن القاسم  سنة  ألف وثلاث وسبعين هجرية (1073هـ) ، أي بعد نحو ثمان مائة سنة من تأسيس المذهب الزيدي الهادوي على يد مؤسسه يحيى الرسي!

قال المؤرخ الزيدي يحيى بن الحسين في كتابه بهجة الزمن في أحداث سنة 1073هـ: ((وفي هذه السنة ابتدأ أحمد بن الحسن شعار يوم الغدير في ثامن عشر من ذي الحجة بنشر الأعلام والألوية والمتوكل إسماعيل اقتدى به ففعله من بعد وهو (بحبور) لما وصل إليه أحمد بن الحسن))(1).

الهوية وصورة الآخر عند الإمام الهادي 1 في نقد خرافة عيد الغدير ويوم الولاية (ج2)

الرافضة في فكر مؤسس المذهب الزيدي الهادوي:

على الرغم مما كان لدى يحيى الرسي مؤسس المذهب الزيدي الهادوي والدولة الإمامية في اليمن من تطرفٍ وغلوٍّ في بعض المسائل، إلا إنه كان يمقت الرافضة الإثني عشرية أشد المقت، ويذمهم بأقبح الأوصاف، ومن ذلك وصفه لهم بأنهم:  ((حزب الشيطان الخاسر، الهالك عند الله، الجائر، الْمُحِلّ للشهوات، الْمُتَّبِعِ للَّذَّات، المبيح للحرمات، الآمر بالفاحشات))(2).

ويروي يحيى الرسي حديثًا مسندًا ينعت الرافضة بالمشركين ويأمر بقتلهم، فيقول: ((وفيهم ما حدثني أبي وعماي محمد والحسن عن أبيهم القاسم بن إبراهيم، عن أبيه، عن جده، عن إبراهيم بن الحسن، عن أبيه، عن جده الحسن بن علي بن أبي طالب، عن أبيهم علي بن أبي طالب رحمة الله عليه وعليهم السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أَنَّه قال: ((يا علي، يكون في أخر الزمان قوم لهم نَبْزٌ يعرفون به، يقال لهم: الرافضة، فإن أدركتهم فاقتلهم، قتلهم الله، فإنهم مشركون))(3).

والسؤال لزيدية اليوم – وهم يعيشون حالة الاستلاب الفكري والتقليد الأجوف والتبعية العمياء للرافضة – : ما موقفكم من هذا الحديث الذي يرويه إمامكم مسلسلاً بآبائه عن علي رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام، والذي يصم الرافضة بالشرك – كما هو واقعهم – ويأمر بقتالهم؟

وكيف ارتضيتم لأنفسكم أن تكونوا مطايا فكرية وسياسية ودعائية للرافضة المشركين وإمامكم يروي هذا الحديث – الذي لا شك في صحته عندكم – في ذمهم ووجوب قتالهم؟

لن يجد الزيدية العالقون اليوم في دائرة الاستلاب الفكري الرافضي جوابًا عن هذا السؤال، ولن يجدوا ملجأ يهرعون إليه غير جحور الصمت!

إن  الخبرة التاريخية للرافضة في التعامل مع الزيدية، وهضمها ضمن تيار الغلوّ الشيعي، وما يملكه الرافضة من إمكانيات ودعاة مدربون لجذب الزيدية إلى دائرة الإغواءات الباطنية الغنوصية، يجعل حجم التحدي الذي تواجهه الزيدية في اليمن اليوم كبيرًا وخطيرًا، وهو  ما بدأ بعض عقلاء الزيدية يستشعره ويحذر من مآلاته.

لقد خسرت الزيدية كل معاقلها التاريخية في الكوفة وطبرستان والديلم وغيرها لصالح الرافضة الإمامية، ولم يبق لها غير معقلها الأخير في اليمن، والأفعى الرافضية يسيل لعابها اليوم لالتهام آخر فريسة زيدية في آخر معقل لها على وجه الأرض!

يتبع..

الهوامش:

  1. عبد الفتاح محمد البتول: خيوط الظلام.. عصر الإمامة الزيدية في اليمن: ص 202 (مركز نشوان الحميري للدراسات والنشر، صنعاء، اليمن ط1، 1428هـ/2007م). 
  2.  يحي بن الحسين بن القاسم  الرسي (الإمام الهادي): الأحكام في الحلال والحرام 1/405 – 406، مكتبة أهل البيت، صعدة، اليمن، ط4، 1444هـ/ 2023م). 
  3. المرجع السابق (1/406).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى