أدب

يومٌ من أيامِ الجوع:

كان محمَّد ناصر الشنيف قد وصلَ إلى يقينٍ صافٍ من عدم صلاحيته لشيءٍ بعد كلِّ الهزائم الماحقة التي أحرزها خلال حياته القصيرة جدًا.

أنا واحدٌ من مقربيه، وأكثر من مرةٍ قال لي بألوانٍ مختلفة من التعبير: “أنتَ لست صديقًا، بل أخ صغير”، وكانت قد مرت ثلاثة أيام دون أن أراه في ميدانِ التَّحرير بصنعاء؛ إذ هو المكان الدائم له منذ الرابعة عصرًا وحتى العاشرة ليلًا.

كانَ الشنيف متوسط القامة، وَفْقًا للقامات اليمنية، ذا عينين واسعتين متباعدتين حمراوين ملتهبتين معظم الوقت، وكانتا ضعيفتين مريضتين دومًا، وإذا فتحَ شاشة تلفونه ينظر إلى الشَّاشة نظرة جانبية، وكنّا نظنُّ أنه يخبئ ما يظهر على الشاشة، ولكن كان يجنّب عينيه ضوء الشاشة على الرغم من اعتدال الإضاءة، وكان لا وسيمًا ولا دميمًا، راضٍ عن جسده، أمَّا وجهه فكان يقول “هذا الوجه ليسَ لي، ولا يليقُ بي”.

ولكن كانت تمر به لحظات يجد نفسه وسيمًا، وقد كتبَ لي رسالة ذات ليلة:

“دخلت حمَّام بخار وقصصتُ شعري وحلقتُ لحيتي، والآن لم أستطع النَّوم ولا القراءة.. لماذا؟

لا أشعر بفرح ولا أشعر بحزن، ثمة كآبة تجوب أعماقي لكنها، ويا يا للأسف!، لم تورثني اللامبالاة.

أستعجلُ خروجي، وهو ما لم يحدث إلا بعد الرابعة عصرًا، أمامي وقت طويل، كي أمشهدني أمام الناس اللامرئيين، أفتقر إلى رؤيتهم لي أنيقًا!

ما أنا في هذه الحالة إلا عبد لهم.. سأجتهد في أن أكون لا مباليًا”.

-“أين صاحبك؟” كانت تسألني شابة دون العشرين تعمل بائعة متجولة لأنواع من الشوكولاتة الرديئة المؤلمة للأسنان فورًا، وكان الشنيف يمنحها اعتبارا كبيرا، وكان يقول: “إنها فتاة ممتازة” وحين نسأله تعليلًا لحكمه يشرع في تفلسف يثير في نفسي الملل حقًا، فأنا لم أتعود على ذلك ولا أريد أن أتعود على هذا التدريب الذهني الشَّاق الذي لا طائل منه. أعترف أنَّ نتائج ذلك التفلسف كانت تبهرني، ولكن ليس دائمًا، فكثيرة هي المرات التي كنتُ أسخر من نتائجه ومن تمارينه الفينومينولوجية كما كان يقول. ثمَّ ما هذه الفينومينولوجيا؟!

-“لا أعرف، تلفونه مغلق، وهو شخص لم يعد يطيق التواصل” أجبتُ (بائعة الويفر) وهو الاسم الذي أطلقه عليها الشنيف. (لا نعرفُ اسمها، ولا هي تعرف أسماءنا، ما الحاجة إلى ذلك؟!).

-“صاحبك إنسان طيب” قالت، ومضت.

حينما تمرُّ بنا هذه البنت، مبرقعة تظهر عيناها الغائرتان قليلًا بلا سحر، تتحدثُ إلينا واقفة وباقتضاب، وحديثها معنا لا يتجاوز فترة الشراء منها، وكان هذا يضفي عليها مسحة من الأصالة على حدِّ تعبير محمَّد ناصر.

“نظراتها ساذجة، ومشيتها تفصح بالبراءة، وحديثها بسيط وتلقائي لا تظلله حذلقة أو تغنُّج، هذا، يا أصيل، ما يجب أن تتوفر عليه المرأة، وهذه الخصال سر قدسيتها، مع أنك تعرف أنني مللت من هذه الألفاظ التي باتت شديدة العفونة رغم وجود كُتَّاب مائعين ما يزالون يجدون فيها حياةً…لا يدركون أنَّ اللغة أصبحت جثة متفسخة، ولا بد من التوقف عن الكتابة أو ابتداع نمط جديد في الكلام.. “هذا ما قاله، بعد مناكدتي له حول القيمة التي يصبغها على تلك الفتاة، وفي نفس اللحظة يسأل: “لماذا تعجبنا البساطة؟ لماذا نكره التصنع؟ ثم ما هي البساطة بالضبط؟” وهكذا يصيبني بالدوار، ليس في هذه وحسب، بل في أتفه الظواهر والإيماءات وطرائق القول.

في اليوم الثَّالث في السَّابعة مساءً العاشر من أكتوبر من هذا العام، اتصل بي صديق يسكن في العمارة ذاتها التي يسكنُ فيها الشنيف، وقال بصوت منهك “تعال الآن إلى البيت”، أيقنتُ أنَّ الأمور ليست طبيعية بشأن صديقنا الغائب، لم أسأله السبب إنما توجهت إلى البيت حالًا.

ما إن دخلتُ البيت (وهو بيتٌ قديم من بيوتِ صنعاء القديمة) حتى سمعت همهمات في الطابق الذي يسكن فيه الشنيف، وكان الطابق الثالث، فصعدت السلّم الحجري الضيق المظلم مستعينًا بمصباح التلفون صاعدًا نحو الهمهمة التي أمست واضحة الآن “لا حول ولا قوة إلا بالله، استغفر الله العظيم، إنا لله وإنا إليه راجعون، ليش يصنع بنفسه هكذا..” أحسستُ أنَّ حملًا ثقيلًا قد هوى عليّ، فلم أكد أسحب قدمي صعودًا، وقد كنتُ على مقربةٍ منهم تفصلني عنهم درجتان، وهم متجمعون في صالة الطَّابق الثَّالث الصغيرة التي تتوسط أربع غرف متقابلة ومتفاوتة الرثاثة، وكانت غرفة الشنيف أول غرفة على اليسار وعند الدخول إليها تهبط درجتين، لها نافذة واحدة فقط، وشكلها تابوتيٌّ حقًا.

أيقنتُ أنه مات، ولكن كيفَ مات؟

e1666636271619 يومٌ من أيامِ الجوع:

مَن سمعتهم يتمتمونَ بتلكَ الكلمات كانوا حوالي خمسة ميزت منهم حارس البيت الستيني القصير الثخين “غليظ الطبع” كما كان يصفه المرحوم، وكانت بينهما عداوة صامتة.

تقدمت نحو باب غرفته الخشبي النحيف ذي الطراز القديم، وتوقفت منهارًا عند العتبة مدخلًا رأسي فقط وملتفتًا إلى اليسار حيث مساحة الغرفة وحيث يرقد الشنيف مسجَّىً بإزاره الأبيض المخطط باللون العنابي الداكن الذي كان يلبسه كلما عاد إلى القرية، وكنتُ أقول له متهكمًا “هذا معوز السَّفر”، وكان صاحبي (وهو صاحبه أيضًا) الذي اتصلَ بي، جالسًا على كرسي بلاستيكي، مسندًا ذراعه إلى الطاولة، وقد نكس الرأس تكسو محياه الفاجعة، وكانت النَّافذة مفتوحة على مصراعيها لطرد الرائحة التي ربما وصلت إلى الجوار. هبطت إلى الغرفة وجلست متهالكًا، على أرضيةِ النَّافذة..

قال صاحبي، وهو على تلك الحالة، بصوت يُسحبُ سحبًا:

“قبل قليل، أخبرني الحارس بأنَّ رائحة غريبة ومزعجة تخرجُ من فراغات الباب، والباب مغلق من الداخل… صعدنا إليه وضربتُ على الباب بقوة وأنا أناديه ولكن لا جواب… تيقنتُ أنه مات، الرائحة قالت كل شيء… ركضتُ الباب وانفتح بسهولة، كان ملقى على صدره العاري وسط الغرفة قريبًا من مرقده، وقليل من الدَّم متجمد تحت وجهه، بلباس نصفي… أنا والحارس انصعقنا، ولم نتجاسر على تحريكه… رأيتُ ورقة على الأرض إلى جانبه فأخذتها، وهي التي شجعتنا على تعديله وتوجيهه نحو القِبْلة، وكان كتاب هكذا تكلم زرادشت تحت أسفل بطنه، وقد أماتني الهلع وأنا أنظر إلى السكين مغروس في صدره… بالإمكان تنظر.. مع أنني لا أنصحك.. المشهد مرعب للغاية.. السكين بارزة من خلف الغطاء…. لا أعرف كيف نعمل الآن.. أنا مفكك كليًا… قال الحارس من الضروري إطلاع القسم على ذلك والخروج منه بتقرير… كيف نكلم أهله؟ طبعًا خذ الورقة أنتَ المعني بها أكثر”.

في شبه غيبوبة كنتُ.

قرأتُ في الورقة:

“إلى أصيل:

الحياة جميلة دائمًا، وأنا أغادرها لأنها كذلك.

لست متشائمًا ولامتفائلًا، ولا أكره العالَم..

لا أريد أن أجعلَ من آلامي آلامًا كونية، ولا تروقُ لي تلك الطبيعة الفاسدة لدى كبار الكُتَّاب، أمثال إميل سيوران الذي جعل الحياة كابوسًا أزليا طوال عمره المديد؛ فقط لأنه أمضى مدة من الليالي والأيام في أرق ناصع نقي.  سيوران ذلك العدمي المتحذلق الذي سبقَ وأن أولعت به ولعًا مفرطًا أراه الآن كاتبًا يثير الغثيان، دائم التذمر كامرأة سيئة.. سيوران لا يكتبُ إنما يعوي.

أموتُ لأنني تلقيتُ هزائم ماحقة، دمّرتُ قواي.. هزائم من نوع شخصي وعائلي، ولكنها أفقدتني الحياة وأنا حي.

أموتُ لأنَّ أسناني على وشك السقوط وبصري في طريقه إلى الظلام المطلق… ولا أريد أن ألتقي بالشيخوخة في الثلاثين!

أموتُ لأنَّ لي هذا الأنف القبيح.. ولأنَّ صلعة كريهة المنظر بدأت بالزَّحف على مقدمة رأسي.

أموت لهذه الأسباب كلها ولأسباب كثيرة غيرها لا تقل عنها عمقًا ومأساوية.

أحبُّ الحياة هذه الفاتنة اللعوب، ولكني تعبت.. تعبتُ حتى من التنفس، وقلبي الآن يؤلمني ألمًا حسيًا حادًّا.

اخترتُ الفناء، ولا ألومُ أحدًا على هذا المصير.. ولا عتب عليكم إنْ لمتموني. لا أقول ذلك تسامحًا؛ فانطباعكم لا يهمني في شيء، وحين لا أهجو الكون فلإنَّ هجاء العَالَم طبع الأراذل من البشر وإن كان بمنزلة شوبنهاور.

موتي لم يكن مخططًا له، ولطالما فرحتُ بومضات الحياة البهية.

كان السبب المفجر لنهايتي هو الإحباط الذي تدفَّقَ في دمي وأنا أقرأ (رجلٌ بلا صفات)، ذلكَ العمل الفذ وتلك الحرية في الشكل الكتابي وفي الشكل الروائي وتلك البراعة في الملاحظة والتحليل ودقة الوصف الظاهراتي، جميع ذلك قال لي “هيهات أن تقول شيئًا رائعًا ذات يوم!”.

أغلقتُ الرواية المهيبة وتوجهت إلى زرادشت نيتشه علَّه ينفخ في روحي “حس البطولة” كما فعلَ قبل نصف سنة أثناء مروري بأزمة قاصمة. ولكن، يا للخيبة!

كل كتاب أحاول إعادة قراءته يصير خاليًا من الرُّوح.

زرادشت تخلى عن إنقاذي عند الْتماسي منه العون ثانيةً!  هكذا أيضًا هم البشر، ولا ملامة. مع أنَّ لي أصدقاء ليسوا كزرادشت، وليسوا كبقية البشر، وقد حدثتكَ عنهم، ولا بدَّ أن توصل إليهم كل ما قلته لك، ولا سيما ذاك الذي كان الأمان لي ولعائلتي.

لا أحبُّ إثارة العواطف، ستجد دفترًا كبيرًا على الطاولة، لكَ الحق في التَّصرف به كما تشاء والظرف الذي فيه سلمه إلى أبي فقد يجد فيه بعض العزاء. ما عدا ذلك من أوراق ودفاتر قم بإتلافها جميعًا حتى قبل دفني إذا اقتضى الأمر.. ولا تنس أن تمحو جميع بيانات تلفوني… جميعها دون استثناء.

سوف أهينك إن حذرتكَ من تصفحها فأنا أثقُ في نبلكَ ولا أتصور أنَّ فضولًا خسيسًا سيدفعكَ إلى ذلك.

بوسعي إتلاف كل شيء بنفسي، ولكن أهبك هذا الحق كإشارة أخيرة إلى عمقِ العاطفة الأخوية تجاهك أيها الصغير..

لا تجعلوني صورةً عرض حائطٍ ما، لا تتركوا وجهي يحدق في العيون طالبًا التَّعاطف الزَّائف عبر حالة واتس أو عبر فيس بوك.. اخترتُ موتي في غرفتي حتى لا يراني أحد، ولا أريد لأحدٍ أن يراني مثبَّتًا في صورة. كما لا أحبُّ لكم، يا أقربائي، أن تظهروا للنَّاس أحزانكم، وأن تجعلوا من موتي وسيلة وقربى لدى تافهٍ أو كريم.

عار وخزي، يا أصيل، أن تستعملني واجهةً على حسابكَ الإلكتروني كي تثير عطف الناس نحوك، وسوف يفعلون في البدء مجاملةً ولياقة ثمَّ لا يلبث هذا العطف أن يتحول إلى سأم ثمَّ إلى تشفٍّ ثم إلى احتقار…

عش ماجدًا، وتدرَّب على الصبر.

لا تجزع فأنا بخير إذ أموت.

محمَّد ناصر الشنيف، الثانية صباحًا (بتوقيعه)”.

ما إن أنهيتُ الاطلاع على هذه الورقة حتى كان البحث الجنائي قد أقبل، وتمَّ إجراءاته، وسلَّمَنا تقريرًا مفاده أنه مات منتحرًا، وعمره ثمانية وعشرون عامًا.

كنا قد أعلمنا الأقارب في البلاد، وقد وصلوا بسيارتين عندَ منتصفِ الليل، لم يكن أبوه بينهم (قيل لي أنه تيبَّسَ في مكانه، وحُمِلَ منعوشًا إلى داخل غرفة وأغلق عليه الباب، وطِوال أيام العزاء لم يظهر، ولعله لن يظهر أبدًا)، إنما مجموعة من أقاربه هم الذين حضروا وتمَّ تشييعه إلى تربته الأولى،

وقد تم دفنه إلى جوار أخيه الذي مات، في جو من الرعب، منذ عامٍ ونيف، وكان ذلك في الثانية أو الثالثة صباحًا.

كان حزن الشنيف على أخيه عميقًا ومفتتًا لقلبه، وقد قال لي قبل انتحاره بأيام: إنَّ أخاه لا يفارقه في أحلامه مطلقًا، وأنه يراه دائما في نومه، وغالبًا ما يظهر له طفلًا ومراهقًا” تلك هي المرحلة التي كنا لا نكاد نفترق” قال موضحًا.

لعلَّ المحبة التي أضفاها عليّ لم تكن غير حالة تعويضية لذلك الفقد؛ فقد جمعتني بأخيه المتوفى، الذي يصغره بأربع سنوات، صداقةٌ عميقة وكان في سني، ولا أريد الحديث عن مشاعر الأسى وعن خسارتي بفقدي هذين الأخوين الشَّابين. لقد علمنا الشنيف ألّا نحول الأحزان إلى فُرْجة.

شقيقي، وهو أخلص أصدقائه، أغلق على نفسه في بيته حال سماعه النَّبأ، ولم يحضر العزاء، وأخبرتني والدتي أنَّ شخصًا من أهل بيته قد أُصيبَ بالجنون فعلًا ويظل يهذي “أنا قتلته.. أنا قتلته..”.

أبوه في غرفة تشبه الدهليز، لا يُسمع إلا حنينه الذي يشبه حنين الجِمال، والكل يتوقع لهذا الشخص ولأبيه أنهما سيفارقان الحياة قريبًا.

لو كان الشنيف حيًّا لحاول أن يتفكر في سر صدمة كل واحد من هؤلاء بتلك الطريقة التي صرتُ أفتقدها الآن..

ارتباكه أثناء تفكيره وعجزه وإخفاقاته في نتائجه، أرى كل ذلك ساحرًا وفاتنا أكثر من لحظات صفائه التي يستطيع إظهار تمكنه بلا اختلال ولا ارتجاج.

لستُ كاتبًا، ولا أحبُّ أن أكون، والقراءة تصيبني بالسَّأم، وما قمتُ به حتى الآن، هو عرض لمشاهداتي الأخيرة لغرض التمهيد لآخر ما كتبه الشنيف في ذلك الدفتر الكبير الذي خولني حرية التصرف فيه. أمّا الأوراق التي حثني على إتلافها فقد أتلفتها كلها ولم أتصفح منها ورقة واحدة، وهكذا فعلت ببيانات هاتفه.

أنا لا أفهم لماذا أصَرَّ على الحرق والمحو؟!

الدفتر الكبير النَّاجي، والذي أصبحَ بحوزتي، كانَ مليئًا بالكتابةِ قرابة الثلثين منه، وقد عرفتُ أنه كتابًا أو شكلًا كتابيًا شبيهًا بالرِّواية، وكانَ عنوانًا بارزًا بهذه الصيغة (فشل الكينونة).

لم أقرأ هذه المسوَّدة؛ فخطُّه غاية في الرداءة، وكان يتألم لذلك ألمًا مقهورًا خاصة لأنه أصبحَ لا يستطيع الكتابة على التلفون بسبب آلام عينيه، “لا أستطيع الكتابة وهذا الرأس يضجُّ بأفكار أظنها تستحق الخروج، فإضافة إلى عدم إيماني بنفسي، أجدني مشلولًا؛ فلا خطي جميل بحيث يساعدني على المرور في الكتابة، ولا عيوني فتية بحيث أواصل الكتابة على شاشة الهاتف! وحين أكتب يشوش سوء الخط أفكاري ويعطل إمكانات الجودة الكتابية، كما يفعل وجع العين حين أدوّن على التلفون.. إنني أتحجَّر!” كان يقول ذلك ساخرًا من نفسه وبطريقة فكهة، ولكنَّ البؤس والأسى في نبرته وملامحه لم يكن بمقدوره سترهما وإن اجتهد.

يومٌ من أيامِ الجوع:

وقد ذهبتُ إلى الصَّفحات الأخيرة، ووجدتُ فيها كلامًا مفهومًا، وبخطٍّ يبدو واضحًا قليلًا، وقد قلَّبتُ الصفحات الأخيرة باحثًا عن بداية أولى لها، وقد وجدتها ولم أتردَّد في اليقين أن ذلك اليوم هو اليوم الذي عجَّل في رحيله، حتى وإن ادَّعى أنَّ رواية (رجل بلا صفات) قد أثارت في نفسه اليأس. ربما ذلك صحيح، لكن اليوم الذي مرَّ به حتى وصلَ إلى هذا الكتاب المشؤوم كان يومًا شديد المرارة.

إليكم هذا اليوم دون تردد، وكما كتبه هو بأسلوبه:

يومٌ من أيام الجوع:

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. ننعى الرجل أم نشيد بقلم الكاتب!؟
    لله الأمر من قبل ومن بعد، إلى رحمة الله من على الأرض قبل من هم تحتها، كلنا إلى رحمة الله.. أحسن “زبن الله” تنفيذ وصية صديقه، وأحسن نعيه، لم يُعلِّق صورته، بل علَّق اسمه، وعلَّق حياته، فقرأنا شيئاً من حياة هذا الكئيب، صورته في السطور تعيد إليَّ أسماء الكثير ممن كانوا كمثله -أعرفهم- لكن هل أدركتهم عناية الله في اللحظات الأخيرة؟ أم تخلت عنهم لتتركهم وتدبيرهم على هذه الأرض، رحمة الله سبقت لمن؟ لهؤلاء، أم لأمثال الكئيب الراحل؟ الله أعلم، علَّنا نقول “في كل خير” فنسلم من إسقاط الحكم!
    فقد اليمن رجلاً كان من الممكن أن يكون.. فيلسوفاً؟ ربما.. أديباً؟ ليس ببعيد، اعتادت اليمن كما اعتادت الشام، كما اعتادت بلاد العرب المرضية!!
    رحم الله شهيدَ نفسه، كما قتله الجميع، قتلَ نفسه.
    قلمُ الكاتبِ جذاب، وكنت سأقول “العقدة رائعة” لكن تذكرت أن العقدة أودت بحياة الرجل، لذلك، كانت رائعة.

  2. مشروع أديب ناجح.. لكن تنقصه ان يجعل لأدبه وموهبته غاية تفجر الحيوية في النفوس المرهقة.. وتوقظ القلوب النائمة.. وتهدي العقول الحائرة.. وتعلم الإنسان ان الحياة بلا غاية ضياع وبلا دين تيه وبلا تراحم غابة ضباع. وانها ليست المنتهى بل معبر الى الغاية العظمى.
    يوم من أيام الجوع هو يوم الجوع للغاية والهدف.. ويوم التيه والضياع في رحلة الحياة.

  3. هذه السطور
    إعلان بمولد روائي جديد

    وعلى مذهب فرانس كافكا

    زبن الله
    أنت لها
    لم تتبق إلا الخطوة الأولى

    ولديك من فيوض الألم ما يكتب عشر روايات
    وليس واحدة
    ..
    مودتي لك أيها القلم الأليم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى