المدونة

قراءةٌ في كتاب «الإسلام الديموقراطي المدني» للباحثة اليهودية شيريل بينارد

مدخل:

الحداثيون.. بماذا ينادون؟!

في السَّنوات الأخيرة اشتهرت فئة من النَّاس بتجديدِ الخطاب الدِّيني -حسب زعمهم -وظهروا على وسائل إعلامية متنوعة، وأظهروا أنهم يريدونَ تنقية الدِّين الإسلامي من الخرافاتِ المتراكمة منذُ مئاتِ السِّنين، بل منذ ظهر الدِّين الإسلامي قبل 1400 سنة.

ويعلنونَ للجمهور أنَّ الدِّين الإسلامي بحاجةٍ ماسة إلى توجه جديد يظهره بمظهر لائقٍ أمام الدِّيانات الأخرى، متناغمًا مع ثقافاتِ العالم المختلفة، ومنسجمًا مع بيئاتها المتنوعة.

يتركَّز ذلك التَّجديد المزعوم وتلكَ التَّقنيات في نقطتينِ رئيستين، هما:

• أولًا: إنكار أحاديث النَّبي صلى الله عليه وسلم، باعتبارها مناقضة للقرآنِ الكريم في كثيرٍ من الأحكام -زعم بعضهم -، ولأنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم دوره في النُّبوة مقتصر على تبليغ القرآنِ فقط، وعليه، فإنَّ التنقية عندهم تعني: الاقتصار على القرآن الكريم في تلقي أحكام الدِّين الإسلامي، ورفض الأحاديث النبوية، ورفض الأقوال الفقهية لعلماء الإسلام منذ تشكلت وإلى يومنا هذا؛ ومبررهم في ذلك أنَّ الفقهاء المسلمين ليسوا إلا كهنة، كتبوا ما كتبوا تحتَ تأثير الفعل السِّياسي -حسب زعمهم -.

• ثانيًا: ‏دعوة المرأة إلى التَّخلي عن الحجاب، والخروج إلى العالَم مظهرةً جمالها، ومنفتحة على الرجال، تبادلهم الحديث وتجلسُ إليهم، وتلهو وتلعب مع من تشاء منهم، بدون أي حواجز أو أعراف، ضاربة بالدِّين والعُرْف عرضَ الحائط.

هاتان النقطتان هما جُلُّ ما ينادي به أولئكَ الحداثيون، وليسَ هناك عائق أمامهم إلا المنهج الإسلامي الوثيق ممثلًا بأصولِ الفقه وقواعده التي أحْكَمت زمام العبث، وعلماء الإسلام ودعاته، ولذلك، فإنهم يصفونهم بالكهنة، ويرمونهم بالتَّخلف، وأنهم لا يفهمون الدِّين إلا من زوايا ضيقة لا تتسعُ للمفهومِ الحديث للإسلام.

والحقيقة المرة أنَّ هؤلاء الحداثيين ما هم إلا أدوات بيد السِّياسة الغربية الجديدة تجاه المسلمين، فقد عكفت اللجان ومراكز الأبحاث الغربية على دراسة أحوال المسلمين، ونقبوا في أفكارهم، واستنتجوا أنه لا بد من اختيار طائفة من المسلمين تتصف بسهولة التنصل من الدين، والقدرة على بثِّ الشُّبهات بين عوام المسلمين، والإبداع في التأثير على قلوبهم.

هذه الطائفة هم الحداثيونَ الذين نراهم اليوم يبثونَ الشُّبهات في كلِّ مكان، وحقيقة أمرهم أنهم ليسوا إلا أدوات تستعملهم الدول الغربية في هدمِ مضامين الدِّين الإسلامي، علموا بذلك أم جهلوا، قصدوا أم لم يقصدوا.

هذا الكلام ليس ادعاءاتٍ ندعيها على الحداثيين ظلمًا وجورًا، وإنما هو قراءات لواقعهم وممارساتهم، وقراءات للمنهجيات التي أسست لتحركاتهم.

أما واقعهم وممارساتهم فهي ظاهرة للعيان، ولا نحتاج إلى الحديثِ عنها.

وأمَّا ما نحتاج إلى الحديث عنه وتسليط الضوء عليه فهو (المنهجيات التي أسَّست لتحركاتهم).

فهل هناك جهات غربية تحدثت عن ضرورة دعم الحداثيين وتمويلهم ونشر أفكارهم عبر الإعلام؟

هل هناك إصدارات لهذه الجهات تحدثت فيها عن هذا الموضوع؟ وماذا قالت بالضبط؟

1 قراءةٌ في كتاب «الإسلام الديموقراطي المدني» للباحثة اليهودية شيريل بينارد

الغزو الفكري ومراكز الأبحاث الأمريكية:

منذ ظهور الإسلام بدأت الديانات الأخرى الحرب ضده، وقد نقل لنا التاريخ تلك الحروب وذكر لنا تفاصيلها، ولقد حمل اليهود والنصارى على عاتقهم تلك الحروب، وأطول الحروب هي الحروب الصليبية التي تبنتها الروم منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم، مرورًا بعهد الخلفاء الراشدين، ثمَّ الدولة الأموية فالعباسية، وما تلا ذلك، وكلها كانت مقتصرةً على الجانب العسكري، حتى كانت آخر حملة-وهي الحملة الصليبية السابعة-والتي قادها ملك فرنسا (لويس التَّاسع) في عهد الدولة الأيوبية، فقد كانت نهاية حملته في مصر، حيث قبض عليه وأسر فترة، ثم فكّ أسره، ولكن لويس التاسع خرج من سجنه وقد أبعد من رأسه فكرة استمرار الحروب العسكرية؛ لأنَّ حروبهم ضد الإسلام لم تحقق ثمارها، وهي إنهاء الإسلام، وهدم أركانه.

وظهرت لهم فكرة أخرى هي أخطر من الحملات العسكرية، لقد قرروا تغيير الإستراتيجية الصليبية في الحرب على الإسلام، وتحويلها من الجانب العسكري إلى الجانب الفكري، وهنا ظهرت لهم عدة مسارات في الحرب الصليبية على الإسلام، منها: (الاستشراق)، والذي كان هدفه: تشكيك المسلمين بدينهم عن طريق علماء غربيين أظهروا للمسلمين أنهم يبحثون عن محاسن الإسلام، ولكنهم في الوقت ذاته يدسون السُّمَّ في العسل، ويبثون الشبهات على المسلمين من خلال مناقشة المسائل المتشابهة في القرآنِ والسُّنة وأحكام الإسلام.

وفي القرن العشرين اتجه الغرب الصليبي واليهودي إلى ما هو أعمق من ذلك، وهو دراسة أحوال المسلمين بعمق، ورسم إستراتيجيات مدروسة بعناية لإدارة الحروب الفكرية ضد المسلمين بقدر أعلى من الحنكة والذكاء، فأنشأت أمريكا مراكز أبحاث تهتم بهذا الأمر.

ومن بين تلك المراكز تعتبر (مؤسسة راند للأبحاث) هي المركز البحثي الإستراتيجي الأمريكي الأهم على الإطلاق، والتي يعدها البعض “العقل الإستراتيجي الأمريكي”، وهي الذراع البحثي شبه الرسمي للإدارة الأمريكية.

وهذه المؤسسة عادة ترفع تقارير وتحليلات إلى الإدارة الأمريكية، وهناك تقرير سنوي وإصدارات أخرى لها يتم نشرها في وسائل الإعلام، وكتبهم وإصداراتهم تحتاج إلى قراءة متأنية لفهم جذور وإستراتيجيات التحركات الغربية الحديثة تجاه الإسلام والمسلمين.

ولكن هناك كتاب من إصدارات راند يحتاج إلى مزيد عناية ودراسة صدر بتاريخ: 15/ديسمبر/2013م، وهو بعنوان: (الإسلام الديموقراطي المدني)، والذي ألفته الكاتبة/ شيريل بينارد، وهي باحثة يهودية أمريكية من أصل نمساوي، متخصصة في العلوم السياسية، ومهتمة بالشرق الأوسط وعلمنة الإسلام وتمكين المرأة، وتعد من أهم محللي مؤسسة راند البحثية، وهي كذلك زوجة زلماي خليل زاد -السفير الأمريكي السابق في كل من أفغانستان والعراق-.

صدر هذا الكتاب في إطار الجهود الأمريكية لإعادة رسم الخارطة السياسية والاقتصادية للعالم الإسلامي بعد أحداث 11/سبتمبر/2001م.

قامت المؤلفة في هذا الكتاب بتحديد ملامح الإستراتيجية التي يتعين على الإدارة الأمريكية تبنيها من أجل إعادة بناء الدين الإسلامي، ودمجه في المنظومة الديموقراطية الغربية، وإحدى الإستراتيجيات الأساسية هي زرع أيادٍ لها في وسط العالم الإسلامي، ودعمهم ليكونوا هم المعول الذي به يتم هدم الإسلام من الداخل.

كيف عرضت المؤلفة ملامح إستراتيجيتها في الكتاب؟ وما علاقة الإسلام الحداثي بتلك الملامح؟

موجز تصنيف العالم الإسلامي بمعايير [الإسلام الديمقراطي المدني]

للوقوف على أهم أفكار كتاب شيريل بينارد، يحسن بنا الغوص في أعماقه والتعرف على منهجية تصنيف المؤلفة للعالم الإسلامي، حيث قامت بتصنيفه بناءً على معيارين، هما:

• معيار (طريقة فهم الإسلام ومدى الالتزام به).

• ومعيار (الموقف من الغرب والتَّعامل معه).

والهدف من هذا التصنيف هو البحث عن الصنف المناسب الذي ينبغي دعمه من قبل الغرب المتمثل بالولايات المتحدة الأميركية والمجتمع الدولي الغربي، حيث إنهم يفضلون عالَمًا إسلاميًّا متناغمًا مع النِّظام العالمي الجديد، ويتبع قواعد السُّلوك الدولي وقوانينه، ومن الحكمة -بحسب تعبير المؤلفة -“تشجيع العناصر الإسلامية المتوائمة مع السَّلام العالمي والمجتمع الدولي، والتي تحبذ الديموقراطية والحداثة”.

وعليه فقد صنفت المؤلفةُ العالمَ الإسلاميَّ إلى أربعةِ أقسام:

• القسم الأول: الأصوليون: وهم الذين يرفضونَ القيم الديموقراطية والثقافة الغربية المعاصرة.

• القسم الثاني: التقليديون: وهم الذين يريدون مجتمعًا محافظًا، ويتشككون في الحداثة والإبداع.

• القسم الثالث: الحداثيون: وهم الذين يريدون أن يصبح العالم الإسلامي جزءًا من الحداثةِ العالمية، ويؤمنون بضرورة تحديث الإسلام وتقويمه ليواكب العصر.

• القسم الرابع: العلمانيون: وهم الذين يريدون أن يقبل العالم الإسلامي انفصال الدين عن الدولة، كما هو الحال في الديموقراطيات الصِّناعية الغربية، مع قصر الدِّين على المجالِ الخاص.

قراءةٌ في كتاب «الإسلام الديموقراطي المدني» للباحثة اليهودية شيريل بينارد

شرح مختصر لتصنيف العالم الإسلامي بمعايير [الإسلام الديمقراطي المدني]

بناء على تصنيف شيريل بينارد للعالم الإسلامي في كتابها (الإسلام الديمقراطي المدني)، نقف أكثر في تفاصيل توصيفها لكلِّ قسم من أقسامِ العالَم الإسلامي-بحسب تصنيف المؤلفة-.

القسم الأول: الأصوليون:

وصفتهم المؤلفة بأنَّ مرجعيتهم ليست القومية العربية أو الجماعات العِرقية، وإنما هي مرجعية دينية (الأمَّة الإسلامية)، وقسمت المؤلفةُ الأصوليين إلى تيارين:

1) الأصوليون النصوصيون: ووصفتهم بأنهم أكثر رسوخًا في الجانبِ العقدي، وتمتدُّ جذورهم في المؤسسات الدينية، ومن النَّماذج التي تمثل الأصوليين النصوصيين – بحسب تعبير المؤلفة – التيار الوهابي السعودي.

2) الأصوليون المتطرفون: وهم أقل اهتمامًا بالدلالة الحرفية لنصوص الإسلام، ويميلون إلى الاعتماد على الذات والانتقائية في معرفتهم بالإسلام، وممن يمثل هذا التيار: تنظيم القاعدة وحركة طالبان.

القسم الثاني: التقليديون:

والتياران يجتمعان بأنهما لا يتوافقان مع قيم المجتمعات المدنية الغربية، والتصور الغربي لمجتمع الحضارة.

وصفتهم المؤلفة بأنهم الذين يريدونَ مجتمعًا إسلاميًّا محافظًا، ويتشككونَ في الحداثة والإبداع والتطور، وأفضل ما يمكنهم فعله تجاه الغرب هو التسامح القَلِقُ والمؤقتُ معه.

وقسمتهم إلى تيارين:

1) التقليديون المحافظون: وهم الذين يؤمنونَ بالتطبيق الحَرْفِيِّ للشريعة الإسلامية والتراث، وهدفهم الاجتماعي الحفاظ على قواعد الإسلام وقِيَمِهِ، ومثلت لهذا التَّيار بـ(الأزهر).

2) التقليديون الإصلاحيون: وهم الذين يرونَ أنه يجب على الإسلام أن يقدم تنازلات في قضية التطبيق الحَرْفِيِّ لتعاليمه، ويدخل فيمن يمثل التوجه التقليدي – بحسب رأي المؤلفة – الإخوان المسلمون.

القسم الثالث: الحداثيون:

وصفتهم المؤلفة بأنهم يؤمنون بتاريخانية الإسلام، وهو ما يعني أن الإسلام الذي تُعُبِّد به في أيام النَّبي صلى الله عليه وسلم كانت تناسبُ ذلك العصر، ولم تعد صالحة الآن، (بمعنى أنهم يؤمنون بأنَّ أحكام الإسلام عند ظهوره كانت مناسبة لذلك الزَّمن، ولا تناسب هذا الزمن بسبب ما طرأ على العالم من التطور والحضارة، فما كان مقبولًا قبل مئات السنين، لم يعد مقبولاً اليوم). 

ثم بينت المؤلفة بأنَّ الحداثيين يتطلعون إلى مجتمع يعبر أفراده عن تدينهم بالطريقة التي تروقهم، ويتعاملون مع القضايا الأخلاقية ونمطِ معيشتهم وَفْقًا لما تمليه عليهم ضمائرهم، ويرونَ أن الإسلام يدعم حق المسلمين في القيام بتغييرات ومراجعات، حتى في الثوابت من أحكام الشريعة ونصوصها، كما أنهم يبدون اعتراضات جوهرية على بعض عقائد الإسلام، ويعتبرون “مصلحة المجتمع” قيمة تتجاوز تعاليم القرآن ذاته، ثم بدأت تظهر ميولها نحو الحداثيين بتبيينها أنَّ القيم الجوهرية للحداثيين تتوافقُ بسهولةٍ مع المعايير الديمقراطية الحديثة.

القسم الرابع: العلمانيون:

وتحدثت عنهم المؤلفة بقولها: “أمَّا العلمانيون فيرونَ أنَّ الدِّين أمر شخصي يجب فصله عن السِّياسة”، ومثلت لهذا التوجه بتيار الكمالية التركية التي أممت الدين لحساب الدولة.

ولم تغفل المؤلفة الإشارة إلى ضرورة إدراك هذا التقسيم باعتباره درجات متتالية، وليست فئات متمايزة، إذ لا توجد فواصل محددة بينها؛ مما قد يُنْتِجُ تداخلًا بين التقليديين والأصوليين. فالأكثر حداثةً من التقليديين يعد تقريبًا من الحداثيين، كما أن الحداثيين الأكثر تطرفًا يشبهون العلمانيين.

ثم ذكرت المؤلفة الصوفيين وأنهم لا يدخلون تحت أي قسم من الأقسام السَّابقة، وإنما يمكن إضافتهم إلى الحداثيين، باعتبارهم يمثلون التفسير الفكري المنفتح للإسلام.

فما هو التوجه الذي يفضل الغرب أن يتعامل معه؟ ويجعله أداة من أدواته لضرب الإسلام؟

Only Muzzled Dogs Get Tenure قراءةٌ في كتاب «الإسلام الديموقراطي المدني» للباحثة اليهودية شيريل بينارد

استراتيجية مقترحة لبناء [الإسلام الديمقراطي المدني]

بعد أن بينت المؤلفة شيريل بينارد لتصنيفها للعالم الإسلامي وَفْقَ معاييرها، وشرحها لسلبيات وإيجابيات التَّعامل مع كل صنف، أكدت أنه يجبُ على الولايات المتحدة والغرب أن يختاروا بعنايةٍ شديدة الاتجاهات والقوى الإسلامية التي ينوونَ دعمها وتقويتها، ثمَّ خلصت إلى أنَّ أفضل التوجهات التي ستتواءم مع السياسة الأمريكية هو التوجه الحداثي (الحداثيون)، وذكرت شخصيات تمثل هذا التَّوجه بينَ المسلمين، وهم: “محمَّد شحرور” في مصر، و”فتح الله كولن” في تركيا، و”بسام طيبي” في أوروبا، و”خالد أبو الفضل” في أمريكا.

وتوصلت المؤلفة إلى أنَّ الحداثيين هم أجدر وأوثق التوجهات الإسلامية بحمل رسالة “تطوير الإسلام الديموقراطي” ونشرها، لكنهم على أرض الواقع ضعفاء، وليسَ لديهم شعبيات كبيرة، وليس لديهم تمويل كافٍ، ولا يمتلكون قنوات إعلامية ودور طباعة لنشر فكرهم، كما يمكن اتهامهم بالردة من قِبَل التوجهات الإسلامية الأخرى، وسوقهم إلى المحاكم، ومنعهم من نشر أفكارهم، باعتبار أنَّ أفكار الحداثيين مضادة للإسلام.

وبناءً على ما سبق فإن المؤلفة توصلت إلى توصية مفادها: أنَّ المنهج الأمثل والسياسة المفضلة لتعامل الغرب مع المسلمين هو: إشهار التوجه الحداثي والوصول به إلى دفة القيادة للأمة الإسلامية.

ولتحقيق ذلك اقترحت المؤلفة -اليهودية-إستراتيجية بينتها كما يلي:

أولًا: دعم الحداثيين، من خلال ما يلي:

– نشر رؤيتهم وتفسيرهم للإسلام وتوزيع أعمالهم على أوسع نطاق.

– تشجيعهم على الكتابةِ ومخاطبة الجماهير.

-إقحام آرائهم في مقرراتِ التَّعليم الإسلامي.

– منحهم منابر إعلامية، وإتاحة آرائهم وترويج أحكامهم حيال القضايا الأساسية في تأويل الدين لجموع الجماهير، وذلك لمنافسةِ الأصوليين والتقليديين.

-اختيار “علماء حداثيين مناسبين” لإدارة مواقع إلكترونية، أو مِنصَّات جماهيرية، لعرض الآراء الفكرية والفقهية الجديدة.

-نشر الحداثة للنشء الإسلامي السَّاخط بوصفها ثقافة مضادة وخيار بديل.

-تيسير وتشجيع الوعي بالتَّاريخ وثقافة ما قبل الإسلام؛ لتتويه المهتمين بالتاريخ، وإشغالهم عن قراءة التاريخ الإسلامي.

-دعم وتشجيع المؤسسات والبرامج الثقافية المدنية والعلمانية.

– خلق زعامات للاحتذاء، وذلك بتصوير الحداثيين الذين يتعرضون للاضطهاد باعتبارهم قادة شجعان للحقوق المدنية، كما حصل لنوال سعداوي.

-ضم الحداثيين إلى أنشطة وفعاليات “التوعية” السياسية.

– دعم المجتمع المدني من خلال المنظمات المحلية غير الحكومية، حيث تعد المنظمات المحلية بنية تحتية يمكنها الإسهام في محيطها في التربية السياسية، وإظهار قيادات حداثية معتدلة.

ثانيًا: دعم التقليديين ضدَّ الأصوليين، من خلال الآتي:

– نشر انتقادات التقليديين للأصوليين، وتشجيع الخلافات بينهما.

-إحباط أي تحالف بين الأصوليين والتقليديين.

– تشجيع التَّعاون بين الحداثيين والتقليديين الأقرب إليهم فكريًّا.

– غرس الحداثيين ونشاطاتهم داخل المؤسسات التقليدية.

– تشجيع انتشار التصوف والعمل على تقبُّل المجتمعات له.

ثالثًا: مواجهة الأصوليين ومخالفتهم، من خلال الآتي:

-إبراز أخطاء في تفسيرهم للإسلام، ونقد عيوب رؤيتهم التقليدية للإسلام، وربطها بالتَّخلف الحاصل في بلاد المسلمين.

-إظهار علاقاتهم بالمجموعات والأنشطة غير القانونية.

-تبيين عجزهم عن حكم البلاد على نحو يفيد مجتمعهم.

-تصويرهم للعالم بأنهم إرهابيون وأشرار.

-المساهمة في إنهاء احتكار الأصوليين والتقليديين للإسلام، تعريفًا وشرحًا وتفسيرًا.

-تعزيز مكانة التَّصوف، وذلك بتشجيع الدول التي توجد بها تقاليد صوفية قوية، ودعوتهم لزيادة الاهتمام بها، وبث الفكر الصُّوفي في المقررات الدراسية، بعبارة أخرى، قالت: (أَوْلُوا الإسلام الصوفي مزيدًا من الاهتمام).

رابعًا: التركيز على التعليم والنَّاشئة: فالجيل الجديد من السَّهل التأثير عليه، وتشكيل وعيه، وذلك بدمج رسالة الإسلام الديموقراطي في المقررات الدراسية ووسائل الإعلام.

ما سبق هو ملخص إستراتيجية المؤلفة شيريل لبناء الإسلام الديمقراطي المدني في العالم الإسلامي، فما هي أهم وسيلتين نصحت بهما شيريل ليقوم الحداثيون بضربِ الإسلام من الداخل؟

قراءةٌ في كتاب «الإسلام الديموقراطي المدني» للباحثة اليهودية شيريل بينارد

وسيلتان مهمتان لنشر الإسلام الديموقراطي المدني:

بعد إيراد شيريل إستراتيجيتها المقترحة لبناء إسلامها الديمقراطي المدني، ركزت حديثها في ملحقين عن وسيلتين مهمتين لنشر هذا الإسلام ذي النمط الغربي، وهما:

1- الوسيلة الأولى: إنكار الحديث النَّبوي والتَّشكيك به:

إنَّ إنكار الحديث النبوي هو السَّهم الأسهل الذي يمكن أن يمرره الغرب إلى أوساط المسلمين عبر الحداثيين؛ حيث إن التشكيك بصحة الأحاديث النبوية من السهل أن يوصله الحداثيون إلى عقول العوام من المسلمين، وذلك بطرح بعض الشبهات المتعلقة بصحة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وادعاء مناقضتها لأحكام الإسلام، أو مخالفتها للعقل، والتي سبق أن استخدمها الملحدون والمستشرقون من قبل، ولكن شبهات إنكار الحديث التي طرحها الملحدون والمستشرقون كانت مصحوبة بشبهات أخرى واضحة العداء للإسلام، وتمس أساسيات الدين الإسلامي، فلم يتقبلها المسلمون، وفهموا خطورتها بسهولة، فردوها وردوا معها شبهات إنكار الحديث، باعتبار أنَّ مصدر هذه الشبه هم الملحدون والمستشرقون.

أما الآن، فمن السَّهل أن يبث الحداثيون هذه الشبهات، ويُلَبِّسُونَ بها على عوام المسلمين، خاصةً المتصفين بضعف الخلفية الإسلامية؛ حيث يبذل الحداثيون عدة طرق لتشكيك المسلمين بصحة الحديث النبوي، والوصول إلى إنكاره، كمسألة “تقديم العقل على النَّقل”، ومحاولة إثبات أنَّ العديد من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم تتناقض مع العقل السليم، وبالتالي يصدر الحكم عليها من قبلهم بأنها أحاديث مفترى على النبي صلى الله عليه وسلم، ومسألة ادعاء تناقض بعض أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم مع أحاديث أخرى، وأنه لا يمكن أن يكون كلام النبي صلى الله عليه وسلم يناقض بعضه بعضًا، حتى يصل بهم الأمر إلى إنكار جميع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، باعتبارها مشكوك فيها وفي صحتها، ويصل الأمر إلى الدعوة إلى ترك السنة جانبًا، والاعتماد على القرآن الكريم في فهم الدين الإسلامي، معتمدين في فهم القرآن على أهوائهم التي يسمونها (عقولهم)، ومتجاهلين بذلك تفسير العلماء للقرآن منذ عهد النبوة إلى هذا العصر، فيحصل بذلك إيقاع الناس في مستنقعات التخبط في تفسير القرآن الكريم، وفهم الدين الإسلامي.

وحقيقة الأمر أنَّ هذه التوصية بالدعوة إلى رد السُّنة النبوية ليست جديدة، بل هي قديمة، وقد رد العلماء الأفذاذ وناقشوا شبهات القائلين بها في كتب كثيرة، منها: كتاب (دفاع عن السُّنة للدكتور محمد أبو شهبة) وهو من علماء الأزهر الشَّريف، وكتاب (تاريخ السُّنة النبوية وشبهات المستشرقين للدكتور حاكم المطيري)، وكتاب (الوحي الإلهي في السُّنة النبوية.. دراسة تأصيلية للدكتور عماد علي عبد السَّميع)، وكتاب (أفي السُّنة شك؟) وكتاب (تثبيت حجية السُّنة) وكلاهما لأحمد يوسف السيد، وغيرهم كثير.

2- الوسيلة الثانية: نزع الحجاب من المرأة المسلمة:

إنَّ نزع الحجاب من المرأة المسلمة ليسَ محصورًا على كشفِ وجه المرأة فحسب، بل المقصود منه هو إخراج المرأة من الحشمة إلى السُّفور، ومن الحياءِ إلى التفسخ، ومن الالتزام بالقيم الإسلامية إلى تبني القيم الغربية المتمثلة بالعري وكسر قوانين الأسرة.

إنَّ نزع الحجاب ليسَ إلا الخطوة الأولى من خطواتِ إفساد المرأة، وتشجيع العلاقات العاطفية، وإخراج المرأة إلى ميادين الفن المختلفة، وبهذا كله يسهل إغراق المجتمع المسلم بالفساد الأخلاقي الذي يبدأ بإفساد المرأة، وينتهي بإفساد المجتمع.

إنَّ الحداثيين اليومَ هم الذين يحملون على عاتقهم نزع الحجاب من المرأة المسلمة، ويدعونها إلى التخلي عن القيم الإسلامية، وينهجون في ذلك الطرق الملتوية، كبث الشبهات المتعلقة بحجاب المرأة، وتشجيع المرأة على المطالبة بحقوقها المسلوبة -بحد زعمهم-، ويسهلون لها الوصول إلى ميادين الفن كالتمثيل، والغناء، والرقص، والرياضة.

بعد عرض كل ما سبق: هناك سؤال يطرح نفسه: ما هي الكيانات التي تعمل على غرس الأفكار التي وضعتها اليهودية شيريل بينارد في مجتمعاتنا؟ ابحثوا عنهم، ثم تأملوا: ألا يسير أولئك وفق الخطة التي وضعتها لهم هذه اليهودية في كتابها (الإسلام الديموقراطي المدني)؟!

أخيرًا: خلاصات وملاحظات ختامية:

الدول الغربية ليست غافلة عنِ المجتمع المسلم، وليست متجاهلة قوة الدِّين الإسلامي، بل إنها متوجسة منه، آخذة حذرها، عاملة بشتى السُّبل لإبقاء المسلمين عاجزين عن إقامة دولة قوية، وهم – الغرب – يدرسون بجد وجهد حالة المسلمين لمعرفة مكامن الضَّعف والخلل، لإبقائهم في حالةِ الضعف والذل.

وقد توصلوا إلى أنه من الممكن محاربة الإسلام فكريًّا من الداخل، وبأيادٍ مسلمة، فوجدوا أن فئة من المسلمين هم الأجدر بتنفيذ هذه الحرب الفكرية، وهم الأقدر على تنفيذ الخطط الغربية لهدم الإسلام.

وقد عمل الغرب على إشهار هذه الفئة بين المسلمين، من خلال إنشاء قنوات إعلامية لهم، وخلق قيادات وزعامات منهم، وخلق بيئات فاعلة لتسهيل وصولهم إلى المجتمعات المسلمة، وذلك لنشر إسلام جديد غربي بين المسلمين، وتشكيك المسلمين بدينهم الحق.

وها نحن نجد الآن أنَّ صفحات مواقع التواصل الاجتماعي صارت مليئة بأفكار تشكيك المسلمين بدينهم، بدءًا بإنكارِ أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وانتهاءً بموجة الإلحاد والخروج من الدِّين الإسلامي.

وصارت مليئة أيضًا بالدعوة إلى نزع حجاب المرأة المسلمة، وصولًا إلى إخراجها إلى عالم العري والفساد.

وهم بهذا يهدمون العقيدة والأخلاق في آنٍ واحد.

والمنفذ لهذا المخطط هم هؤلاء الذين نراهم على وسائل الإعلام، يلقون الشبهات علينا، وينكرون سنة نبينا، ويسعون لإفساد المرأة بنزع الحياء منها بشتى الطرق والوسائل.

ولكم أن تتساءلوا: أليس دعاة تحديث الإسلام وتطويعه للتوافق مع معايير وقيم العالم الغربي ما هم إلا أدوات منفذة للخطط والإستراتيجيات التي وضعتها مؤسسة (راند) وغيرها من مراكز الأبحاث الغربية؟!

لكن لنتذكر قول الله عز وجل: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)) [الصف:8-9].

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى