المدونة

هل السيدة توكل كرمان ظاهرة اجتماعية؟!

من أكثر من يرد على السيدة توكل كرمان؟

السيدة توكل كرمان ناشطة يمنية حائزة على جائزة نوبل للسلام، ولأنها أصبحت شخصية عامة ولديها مئات آلاف المتابعين على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، فقد أحدثت تفاعلا اجتماعيا في بعض القضايا الحقوقية وإثارة بعض المسائل الفكرية، فتنوعت ردود الأفعال عليها بين مادح وقادح؛ ولأنها محسوبة على التيار الإسلامي في اليمن (حزب الإصلاح) سنجد أن أكثر من يتولى الردود عليها هم الإسلاميون اليمنيون أنفسهم؟ بينما نجد زميلتيها اللتين نالتا معها الجائزة بالتقاسم: الرئيسة الليبيرية إلين جونسون سيرليف، والناشطة الليبيرية ليما غوبوي، لا أحد من الإسلاميين -تقريبا- يكاد يذكرهما لبعدهما عن فضاء التفاعل مع الإسلاميين-خاصة إسلاميي اليمن- كذلك سنجد السيدة توكل كرمان تركز ردودها على هؤلاء الإسلاميين الذين يتناولونها في منشوراتهم كنوع من الفعل ورد الفعل.

وهاهنا سؤالان مشروعان:

أولا: هل ترقى مشكلة توكل كرمان والإسلاميين إلى ظاهرة اجتماعية؟

وهل الطريقة التي يتعاطى بها الإسلاميون-في اليمن- وغيرهم في الردود على تصريحات ومواقف توكل كرمان هي طريقة إيجابية أم سلبية؟!

وهل طريقة السيدة توكل كرمان في الرد هي طريقة موضوعية؟

ثانيا: هل نحن بحاجة لاستخدام منهج العلوم الاجتماعية والإنسانية في تحليل هذ الظاهرة؟

للإجابة عن السؤال الأول يلزمنا تشخيص الوضع، وهل يعد ظاهرة اجتماعية تستدعي التفكير في طريقة التعاطي معها أم لا.

يعرف عالم الاجتماع (دوركايم) الظاهرة الاجتماعية بحسب حسن قروق-في موقع بوابة علم الاجتماع-:

“بأنها نتاج تأثير شخص أو مجتمع أو جماعة على شخص آخر، وينطوي هذا التأثير على كل نماذج السلوك الذي يحدث بين الناس، سواء كان فيزيقيا أو نظاميا، وعلى جميع المواقف الاجتماعية”.

وهناك خصائص للظاهرة الاجتماعية تنطبق على هذه الإشكالية لا داعي لتعدادها- اختصارا على القارئ- فإذا كنا نعدها ظاهرة اجتماعية (مؤثرة) ونخاف من تداعياتها السلبية فهذا يحتم علينا التعامل معها بأدوات البحوث الاجتماعية، سواء في علم الاجتماع أم في علم النفس الاجتماعي-على الأقل-.

 

بأي ترتيب تتناول العلوم الإنسانية والاجتماعية الفرد والمجتمع؟

– العلاقة الفردية الخاصة (علاقة الفرد مع نفسه) يتناولها علم النفس بشكل أساسي، خاصة فيما يتعلق بالجانب التحليلي الديناميكي وآليات الدفاع النفسي عن (الأنا) كالتبرير والإسقاط والإنكار والتقمص وعقدة النقص.. وهي حيل دفاعية نفسية يقع فيها الشخص بطريقة لاواعية، وبالطبع نتحدث عن كلا الطرفين: الإسلاميين والسيدة توكل كرمان.

– علاقة الفرد بالمجتمع، وهنا يمكن اعتبار التفاعل السلوكي الفردي مع المجتمع داخلا في علم الاجتماع (سوسيولوجي)، وكذلك تفاعل جماعة مع جماعة، أما الأنماط الثقافية لهذا التفاعل فيدرسه علم الأنسنة (الأنثروبولوجي)..بينما سنجد علم النفس الاجتماعي يتناول علاقة الفرد بالجماعة، وعلاقة الجماعة بالجماعة ولكن من حيث الدوافع النفسية لهذا السلوك أو ذاك.

وهكذا نرى أن هناك مستويات من التراتبية في العلوم الإنسانية، ولكل مستوى معايير تقييمية لتشخيص هذه الظاهرة أو تلك، وهذا لا يلقي بالمسؤولية على مجرد بذل الجهد في تشخيص وتحليل الظاهرة فحسب؛ بل وفي تحمل المسؤولية في علاج الظاهرة وتداعياتها من كلا الطرفين.

وسنبدأ بطرف الإسلاميين الذين يردون على السيدة توكل كرمان على اعتبار أن هذه الإشكالية ظاهرة اجتماعية، هل الأفضل من قبل الإسلاميين هو الرد على السيدة توكل كرمان، أم التجاهل والسكوت هو الأفضل؟

كلاهما خياران متاحان: فالسكوت مطلوب حيث يحسن السكوت، خاصة في الأجواء الملتهبة، والعواطف المشحونة والمتخندقة مع هذا الطرف أو ذاك، فإذا انتهت العاصفة بسلام، عندها يمكن إعادة النظر وعلاج بعض المواقف بهدوء.

 

وجهتان في حالة الرد على السيدة توكل كرمان:

الوجهة الأولى: وجهة الفريق المتشنج، والذي يفتقر لحصافة الرد، بل قد يتمترس خلف مصطلحات التكفير والتفسيق والإخراج من الإسلام، فهذا الفريق في واقع الأمر يفاقم الظاهرة أكثر مما يحلها.

الوجهة الثانية: وجهة الفريق الذي يناقش الفكرة ويفندها بمنطقية، مع إظهار حرصه على كسب الطرف الآخر، لأن الغرض ليس إسقاط الخصم وإعلان هزيمته، بقدر ما يكون الغرض هو التفنيد وتوضيح الالتباسات، وإعادة لحمة وحدة المجتمع.

ثانيا: هل نحن فعلا بحاجة لاستخدام أدوات البحوث الاجتماعية والتحليل في علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي وسواهما مع هذه الظاهرة؟ أليس مشروعا لكل مسلم القيام بدور الاحتساب على أي ظاهرة اجتماعية كانت؟!

والجواب هو أن المنطق يقضي بتجدد طرائق الردود طالما وهناك أدوات جديدة للتأثير..

فمنصات التواصل الاجتماعي كالفيس بوك وتويتر لم تذكر في آية كريمة ولا حديث نبوي؛ فمن المنطقي أن يتم التعامل مع تأثير هذه المنصات بطرائق مبتكرة تناسبها، تماما لو كنت خطيب جمعة ثم تعرضت لأحد

منشورات السيدة توكل كرمان، فسوف تراعي عددا من القيود، منها على سبيل المثال:

1- التركيز على الفكرة لا على شخص السيدة توكل كرمان؛ حتى لا تصنف بالاستهداف الشخصي.

2- مراعاة الثقافات المختلفة للحاضرين في المسجد، فليس كل من هو في المسجد-بالضرورة- يؤيد فكرتك.

3-تقريب الفكرة لجمهور المصلين وتبسيطها بحيث يتضح لهم وجه الحق والباطل فيها.

4- مراعاة أولوية طرح الفكرة؛ هل من المناسب طرحها أم هناك مواضيع تشغل بال المصلين أهم من مجرد الرد على منشور هنا وهناك.

 

خطبة الجمعة

طبيعة وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي على المجتمع:

فإذا أضفنا للنقاط الأربع السابقة طبيعة وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي، وأنها دخلت كل بيت، ويتعاطى معها الصغار والكبار والمثقفون وغيرهم والمسلمون وغير المسلمين؛ ستتسع شريحة المتلقين بشكل كبير، وبالتالي سيضع تحديا كبيرا في طبيعة الصياغة التي سيكون عليها الرد بحيث يراعي الاختلافات الثقافية والفروق الفردية لجمهور المتلقين، وليس من الحصافة أن يلقى بالمنشور على عواهنه دون أخذ هذه الأمور في الاعتبار، فهناك من يرصد ويحلل طبيعة التفاعلات والردود ويقيس أثرها السلبي في شرخ المجتمع، وبالتالي يطور برامجه لمزيد من الاستهداف وإحداث الفرقة في المجتمع المسلم.. هذا محور واحد من المحاور المتعددة المتعلقة بالظاهرة الاجتماعية.

وهنا يبرز أهمية وجود مراكز رصد وتحليل للظواهر الاجتماعية المختلفة يستفيد منها الطرفان في وضع تصور صحيح قبل إصدار فتوى أو منشور.

محور آخر: بعض الردود غير الموضوعية والتي تستهدف شخص السيدة توكل كرمان يجرئ كثيرا من السفهاء على رمي السيدة توكل واتهامها في عرضها والدخول في قضايا شخصية لا علاقة لها بالفكرة من قريب أو بعيد، ولها الحق في المقاضاة القانونية لكل من انتهك عرضها بحق أو بغير حق، كما أن لها الحق في رفع دعوى ضد قضايا التكفير التي تنالها، وللطرف الآخر الحق في الاحتساب القانوني ضد ما يعتقد أنه تشجيع على الكفر أو الإلحاد يصدر من السيدة توكل كرمان.

محور ثالث: صراع التجاذبات بين ما يسميه إسلاميو اليمن (توظيف المنظمات الدولية للسيدة توكل كرمان) وبين انتمائها لحزب إسلامي يمني (حزب الإصلاح).. الوضع المنطقي لهذا التجاذب أن يكون باتجاهين لا باتجاه واحد؛ بمعنى أن يلجأ كل طرف لجذب السيدة توكل كرمان وتوظيفها لصالحه، لكن الواقع يقول بأن هذا التجاذب تحول إلى طرف واحد، وهو طرف المنظمات الدولية التي تجذبها وتوفر لها التسهيلات والمناخ الداعم، بينما الطرف الآخر يدفع باتجاه التخلص منها وإقصائها من الصف الإسلامي، وبالتالي تعزيز القوة الجاذبة لطرف المنظمات الدولية! ثم تستخدم هذه النتيجة كتهمة جاهزة لمزيد من الدفع والإقصاء مجددا.

محور رابع: في ظل ظروف الحرب التي يعاني منها اليمن، والظروف الاقتصادية الضاغطة، يتولد ضغط نفسي كبير في المجتمع يبحث عن مخارج ودعم نفسي، فكل من يرفع شعارات الحرية والكرامة والانتصار للمظلومين سوف يلاقي صدى أوسع في هذا المجتمع ويجند طائفة كبيرة لفكرته ومشروعه؛ وهذا هو ما تفعله السيدة توكل كرمان-بغض النظر عن صواب مشروعها أو خطئه فنحن هنا نحلل الظاهرة فحسب- في ظل هكذا ظروف يبرز إسلاميو اليمن في الصورة المقابلة والمعادية فيخسرون مزيدا من الشرائح الهامة في المجتمع، فإن كانوا يرغبون بمزيد من خسارة هذه الشرائح فليتابعوا نهجهم الحالي في التعامل مع هذه الظاهرة! وأعني به النهج الذي لا يراعي مآلات الرد ولا تداعياته، بينما يمكن تحقيق نتيجة طيبة بردود هادئة ومنطقية تستهدف القول لا القائل، وتكسب شريحة المتابعين والمستمعين، وربما تكسب الطرف الآخر نفسه أيضا!


ثانيا: ما يتعلق بجانب السيدة توكل كرمان:

نفس التساؤلات والردود التي وضعناها لجانب الإسلاميين، يمكن أن توضع هنا، ويمكن إضافة ما يلي:

– هل من المفيد للسيدة توكل الوقوف كثيرا مع معارك المصطلحات الفقهية على حساب المعارك الحقوقية العامة التي تتعلق بالمواطنين اليمنيين، كحق الحياة والصحة والتعليم؟ مع شكرنا لجهودها الكبيرة في الميدان في الدعم اللوجستي عبر مؤسستها للمناطق المحاصرة في تعز ومناطق أخرى في اليمن.

– معركة المصطلحات والدخول في ثنايا علم الكلام أو علم العقائد ومسائل التكفير هي من المسائل التي تستهلك وقتا وجهدا، وتحتاج إلى تعامل موضوعي، ومعايير علمية للتناول والرد، ونقترح على السيدة توكل أن تنأى بنفسها عن هذه المعركة المصطلحاتية وتوكل هذه المهمة لفريق علمائي أو باحثين من نفس طينة الإسلاميين، وفي نفس مستواهم البحثي لتحرير هذه المصطلحات والرد عليهم، على سبيل المثال يمكنها الاستعانة بالمنظمات والمؤسسات العلمائية مثل اتحاد علماء المسلمين، أو الأزهر أو أي جهة أخرى تمثل معلما أو تجمعا علمائيا، وتستعين بهم في تحرير المواقف والمصطلحات، وسوف تضرب عصفورين بحجر واحد في هذا السياق: سوف توفر جهدها وتوفر عرضها عن التناول من قبل الطرف الآخر، كما أنها ستساهم بتشجيع التجديد الديني من قبل علماء أو مؤسسات علمائية تثق فيها، وإن كنا نعلم سلفا حساسيتها من علماء المشارقة فلتتجه إلى علماء المغرب العربي-على سبيل المثال-لتحرير هذه المسائل والقضايا.

– التفريق بين الثورة على الظلم والاستبداد السياسي، والظلم والاستبداد الديني-حسب اعتقادها- فالأول يمكن أن يثور الناس معها، كما حصل إبان ثورة فبراير 2011 في اليمن، وأما الثانية، فعلى العكس؛ سيثور الناس ضدها ويرمونها عن قوس واحدة، لأن الناس نشأت على معتقدات معينة، ولديها سلوك ديني معين، ومذاهب محددة، وليس غريبا أن يثور الناس في وجه كل من -يظنون- أنه يستهدف عقائدهم ومذاهبهم، حتى لو كانت باطلة في نظر السيدة توكل كرمان، ومن هنا فالحكمة تقضي بعدم مواجهة هذا التيار بطرق استعراضية أو إعلان التحدي، وإنما بحكمة ولين، وباستخدام الوسائل المناسبة التي يطمئن لها هذا الجمهور، كالمؤسسات العلمائية -التي أشرت إليها آنفا- أو على الأقل بردودها الشخصية، لكن بعد دراسة متأنية واستشارة مختصين.

– نحن نفخر دوما بكون السيدة توكل كرمان هي أول امرأة عربية نالت جائزة نوبل، ونفخر أكثر بكونها يمنية تمثل اليمن أمام العالم، لذلك فالتحديات أمامها كبيرة، والفرص أمامها -أيضا- أكبر في أن تكون قوة محركة إيجابية للشعوب العربية والعالم الإسلامي، وليس لليمن فقط، فليكن تفكيرها واستراتيجيتها عالمية لا قطرية، مع حقنا عليها نحن كيمنيين ألا تنسى بلدها من الدعم الحقوقي المشروع، ولكنه الدعم الذي يبني ولا يهدم، ويجمع ولا يفرق.

نسأل الله تعالى أن يهدي الجميع، وأن يوحد الصفوف لإنجاز معركة العزة والكرامة لليمن ولسائر بلدان العالم العربي والإسلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى