ترجمات

كيف تكون شخصًا جديرًا بالثقة؟

آلان دو بوتون

ترجمة: محمد محمَّد خوامل

أن يثقَ بك الآخرون ويشعرون بالأمانِ لوجودك فهذه علامة ودلالة على الشَّخصية الفذة؛ وما يجعلهم لا إراديًا يثقونَ بك حين تظلم في وجوههم الحياة هو كونك على درجةٍ عالية من التَّعاطف والكرم والعقلية المنفتحة.

ومع ذلك, فإننا ندرك غالبًا أنَّ الأخرين لا ينظرون إلينا بهذه الطريقة على الرغم من نوايانا الحسنة، فإذا سألناهم مباشرة عما يزعجهم فإنهم يحاولون الظهور كأنهم مبتهجين ويصرون على أن كل شيء على ما يرام، مع علمنا أن الأمر ليس كذلك، لـأن رغبتهم بالحديث تكاد تكون منعدمة، ونتيجة لذلك نجد أنفسنا وحيدين ونشعر بشيءٍ من العجز.

هناك الكثير من الأسباب الوجيهة التي تجعل الناس يميلون إلى إظهار الحذر الشديد قبل التحدث عما يختلج في أنفسهم، فقد يتحول المؤتمن على السر إلى شخص متعالٍ، أو مثيرٍ للقلق، أو حساس، أو مثيرٍ للذعر، أو شديد فيما يتعلق بالجانب الأخلاقي، وهنا يمكن أن تكون مخاطر الإذلال حادة. ولكي يجرؤ الآخرون على الوثوق بنا فإنهم يحتاجون إلى شعور قوي بأننا سنكون متفهمين بلا تحفظ، ولطيفين، ولدينا رحابة صدر. ولكن، حتى لو علمنا بأننا نملك كل تلك القدرات، فكيف نتصرف بالشكل الصحيح لجعلهم يشعرون بها فينا؟

يعتبر التأكيد المباشر هو الطريقة الأوضح التي نعتمد عليها، فقد نقول: لا تقلق، لن أكون في موقع القاضي، أو ببساطة: يمكنك إخباري، أنا متفهم جدًا. وعلى الرغم من أن مثل هذه التصريحات قد تكون لطيفة، إلا أنها لا تستطيع المساعدة بشكل عام لأنها لا تلامس الخوف الأساسي والذي مهما حاولنا التأكيد قد نبقى نشعر بالانزعاج أو غير ودودين تجاه تفاصيل البوح الفعلي.

هناك طريقة أكثر مهارة لكنها تتطلب درجة أكبر من الشجاعة من جانبنا، وهي أنَّ علينا الاعتراف دومًا بشيء عسير ومثير للقلق ومخزي إلى حد ما حول أنفسنا، فمن خلال السماح للآخرين بمعرفة شيء من نقاط الضعف الخاصة بنا، فإن هذا يجعلهم يرغبون في مشاركة بعض الأشياء التي يخشون الاعتراف بها في حياتهم. وهنا يُثبت اعترافنا المسبق بأنه أفضل بكثير من الكلمات المنمقة التي نحاول من خلالها إيصال رسالة ما تحمل في طياتها أننا موثوقون لأننا نعرف حقًا ماذا يعني أن يبقى بين جنبيك سر لا يكمن احتماله؟ وماذا يعني أن تشعر بالخوف من رد فعل شخص آخر تجاه ذلك السر؟ وهنا نحن نعرض فكرة حاسمة وهي أننا لن نفشي أسرارهم لأننا وثقنا بهم ألا يفشوا أسرارنا.

غالبًا ما تعمل عملية بناء الثقة بطريقة تدريجية: حيث إننا نبدأ بالكشف عن حقيقة صغيرة ليست مفزعة عنا، ليرد الآخر بالمثل، ومن هنا نتخذ خطوة أكثر جرأة بالاعتراف بشيء أكثر حرجًا، شيء نعلم أنه يمكن اعتباره حقًا غير مقبول تمامًا. وهكذا نحن ندعو الآخر ليجارينا بدوره ويشعر بالأمان في البوح أكثر فأكثر.

وتكمن الفكرة الأساسية في أنه من أجل إظهار موقفنا كشخص متعاطف يمكن الوثوق به لاستقبال أسرار الآخرين، علينا أن نظهر جوانبنا المكسورة، وعيوبنا: لقد فشلنا، لقد تأذينا، لذا يمكن للآخر أن يعترف لنا بأنه فشل، بأنه تأذى. لقد فعلنا واعترفنا بأننا فعلنا أشياء غبية جدًا، لذا لن يخشى الآخر الذي عمل هو الآخر أشياء سخيفة أيضًا بأننا سنفشي سره.

لكي نكون رفقاء جيدين لا يكفي ببساطة أن نكون مهذبين أو نواسي الآخرين، نحن بحاجة إلى المخاطرة، إلى منح أصدقاءنا شيئًا يمكنهم استخدامه ضدنا كي يشعروا بالأمان في إعطائنا شيئًا قد نستخدمه ضدهم. وهنا يمكن القول: إن الثقة والصداقة الحقيقية يمكن أن تزدهر تحت مظلة الدمار المؤكد المتبادل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى