Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
آثار

الأيوبيون يؤسسون للنهضة العلمية في الدولة الرسولية

من الحقائقِ التَّاريخية أنَّ الدولة الأيوبيَّة في اليمن (569- 626هـ)قد مهدت لقيام الدولة الرَّسولية، حيث جاء بنو رسول مع ملوكها، وتولوا في عهدهم المناصب الإدارية المهمَّة، وحاربوا تحت راية الدولة الأيوبية حتى استقلَّ السُّلطان المنصور نور الدين بن علي بن رسول بحكم اليمن عام 632هـ بشكلٍ رسمي.

لقد عملَ ملوك الدَّولة الأيوبيَّة في اليمن على تشجيعِ العلماء وحثهم على التَّدريس ونشر العلم وتخصيص المرتبات لهم، وإكرامهم بالعطايا والهدايا الجزيلة، كما قاموا بإنشاء العديد من المدارس في تعز وأوقفوا الأوقاف المهمَّة عليها ، ومنها:

1 ـ المدرسة السيفية: وقد كانت بالأصل دارًا للأمير سنقر الأيوبي ثمَّ اشتراها منه الملك المعز إسماعيل بن طغتكين بن أيوب وحولها إلى مدرسة وسمَّاها بالسيفية نسبة إلى والده سيف الإسلام طغتكين بن أيوب وأوقف عليها أوقافًا جليلة، فمن الأوقاف التي أوقفت عليها “وادي الضَّباب” بالكامل وقد استمرت هذه المدرسة إلى عهد الدولة الطاهرية(1).

وتم تجديدها وترميمها في عهد السلطان الأشرف بن إسماعيل بن العباس بن رسول (ت 803هـ ).

• علماء قدموا اليمن في العهد الأيوبي

ومثلما رحل إلى اليمن الكثير من مشاهير العلماء في العالم الإسلامي في عهد الدولة الرسولية فقد رحلَ إلى اليمن قبل ذلك في زمنِ السَّلاطين الأيوبيين العديد من العلماء، منهم  العلامة أبو الحسن علي بن عثمان الأشبهي، وقد درَّسَ في المدرسة السَّيفية، واستمرَّ يدرس فيها حتى عهد  الدولة الرسوليَّة، وكان فقيهًا عارفًا قدم اليمن غريبًا من ناحية الحجاز لما سمع بإكرام ملوك الدولة الأيوبية في اليمن للعلماء ومعرفتهم بقدرهم وفضلهم، فلما وصل تعز أقام في المدرسة السيفية حتى أخذ عنه جماعة من الفقهاء فبلغ العلم به إلى قاضي القضاة يومئذ وهو الصَّاحب موفق الدِّين فرتبه مدرسًا في المدرسة المظفرية.

وكان يدرس كتاب “الحاوي الصغير” في الفقه الشَّافعي(2)، وقد درس النَّاس عليه هذا الكتاب وغيره.

ويذكر المؤرخ الخزرجي (ت812هـ) أنه كان مدرسًا في بغداد، ولما وقفَ على كتاب “المعين” تصنيف الفقيه اليماني علي بن أحمد الأصبحي (ت703هـ) أعجب به واستنسخه، وقال: (ما كنت أظن أنَّ مثل هذا يوجد في زماننا)، فرحل إلى اليمن للقاء علمائها، ثمَّ لم تطب له الإقامة في تعز فاستأذن في السَّفر إلى عدن وسافر إليها سنة 707 هـ بغية العودة إلى العراق فذكروا أنَّ المركب الذي سافر فيه غرق، والله أعلم(3).

وممن درسوا بها الفقيه عبد العزيز بن علي النويري المكي (ت 825هـ )، وقد ولي الفقيه النّويري قضاء تعز مراتٍ عدة، ودرسَ في السيفية والمظفرية، وكان متبحرًا في الفقه، حَسَن المذاكرة(4)، وممن درسوا بها الفقيه محمَّد بن أبي بكر المراغي (ت 859هـ ). ودرس بها الفقيه محمد بن داود الوحصي ( ت 886هـ )، وغيرهم.

ومن المدراس التي أسَّسها ملوك الدولة الأيوبية بتعز، المدرسة المجيرية، والمدرسة الأشرقية، والمدرسة الأتابكية بذي هزيم نسبة إلى الأتابك سنقر الأيوبي، وكانت هذه المدارس بمثابة جامعات علميَّة يقصدها الطلاب من كلِّ مكان.

• التَّأسيس للنَّهضة العلميَّة

لقد أسَّسَ ملوك الدولة الأيوبية لنشر العلم وإكرام العلماء وإقامة المدارس العلمية، وهذا يحسب لهم، وعلى هذا النَّهج سار ملوك الدولة الرسولية وتوسعوا فيه بشكل كبير جدًا حتى عمَّت النَّهضة العلمية في عهدهم جميع أنحاء اليمن وأصبح العصر الرسولي بحق عصر الازدهار الثَّقافي والعلمي في اليمن بإجماع كافة المؤرخين.

والأمر العجيب الذي يؤكد مقولة “النَّاس على دين ملوكهم” أنَّ الاهتمام بالعلم وتكريم العلماء وبناء المدارس العلمية تجاوز ملوك الدولة الأيوبية إلى وزرائهم وأمرائهم الذين بدورهم أقاموا العديد من المدارس العلمية، ثمَّ جاؤوا بالعلماء للتدريس فيها وخصصوا لهم مرتبات مجزية وأوقفوا عليها الأوقاف التي تضمن استمرارها في أداء رسالتها.

وعلى هذا النَّهج سار الوزراء والأمراء والشَّخصيات البارزة في عهد الدولة الرسولية، ولكن بصورة أكبر وأكثر انتشارًا ومؤسسية ، بل لقد وصل الأمر إلى النِّساء حيث قامت العديد من الأميرات ونساء الوزراء بالتنافس على إقامة مدارس علمية عديدة، حيث بلغت عدد المدارس التي أنشأتها الأميرات: أربعة وثلاثون مدرسة مقابل عشرين مدرسة أنشأها الملوك، وقد أنفقن من مالهن بسخاء على بناء المساجد والمدارس العلمية وأربطة العلم والكتاتيب ومياه السَّبيل والخانقات وملحقاتهن من مكتبات ودور للطلبة وعلى العلماء والفقهاء والمشايخ وطلبة العلم، وعلى اقتناء الكتب ونسخها(5).

وليس فقط في تعز عاصمة الرسوليين الصَّيفية وزبيد عاصمتهم الشتوية، بل في إب وجبلة وغيرها من القرى التي كانت تمثِّل مراكز علمية في ذلك العصر.

ويرى الدكتور سفيان عثمان – الباحث الحاصل على الدكتوراه في تاريخ الدولة الرسولية – أنَّ ملوك الدولة الرسولية غلَّبوا بناء المدارس والمساجد على القلاع والحصون لسببيْنِ اثنين:

الأول: أنَّ ملوك الدولة الرسولية شكلوا امتدادًا لما بدأه الأيوبيون الذين رأوا أنَّ أنجح وسيلة لمقارعة المد الإسماعيلي الذي كان مسيطرًا على مناطق كثيرة من اليمن هو: تدريس مذاهب السُّنة لمقارعة المذهب الإسماعيلي فاستمر سلاطين الدولة الرسولية بنشر العلم وتشجيع طلابه وإكرام العلماء ونشر المذهب الشافعي لمواجهة المذهب الزيدي الذي ينتشر في شمال الشمال(6).

في حين يتمثل السَّبب الثاني: في أنَّ الملوك الرسوليين كانوا علماء وأدباء، بل ومؤلفين في التَّاريخ والأنساب والطب والمساحة وغيرها من العلوم؛ ولديهم في ذلك مؤلفات كثيرة ومشهورة.

إضافة إلى أنَّ عهد الدولة الرسولية في اليمن قد استمرَّ أكثر من قرنين وثلث قرن، من (626) حتى (858هـ) في حين لم يستمر حكم سلاطين الدولة الأيوبية لليمن غير 57 عامًا فقط من العام 569هـ إلى العام 626هـ ، وهي مدَّة قليلة مقارنة بمدَّة الدَّولة الرسولية.

ختامًا:

نؤكد أنَّ النَّهضة العلمية والثراء الحضاري هي جهود تراكمية كبيرة تتجاوز الأفراد إلى المؤسسات والدول، ومن المؤسف أنَّ الدولة الطاهرية التي أعقبت الدَّولة الرسولية لم تواصل هذا الزخم الحضاري وفي القلب منه النهضة العلمية، ولم تبن على جهود الدولة الرسولية وفي عهدها بدأ التراجع العلمي والحضاري الشامل، وتواصل التراجع إلى اليوم.

ومن المؤسف أكثر أننا اليوم بعد ستةِ قرون من الدولة الرسولية ما نزال نحنُّ إلى ذلك العهد الذهبي اليمني، ولم نستطع أن نستفيد من هذا التطور العلمي والمعرفي والتكنولوجي في دولة قوية ناهيك عن إقامة حضارة راقية كتلك الحضارة.

الهوامش:

  1. ابن حاتم اليامي : السمط الغالي الثمن صـ 40 ، الجندي السلوك ج2 صـ 536 ، الخزرجي العسجد المسبوك صـ 171 
  2. ” الحاوي الصغير ” تأليف العلامة نجم الدين عبد الغفار القزويني الشافعي (ت 665هـ)، يعد من أمهات كتب الفقه في المذهب الشافعي، وهو مختصر من الشرح الكبير للإمام أبي القاسم الرافعي القزويني (ت 623هـ) المسمى ” فتح العزيز ” . 
  3. ” العقود اللؤلؤية في تاريخ الدولة الرسولية ” : الخزرجي ج 1 صـ 309 ـ السلوك : الجندي ج2 صـ 144 
  4. للتوسع أنظر ” الحياة العلمية في تعز وأعمالها في عهد بني رسول ” ـ رسالة علمية قدم الباحث علي بن علي حسن أحمد لنيل الماجستير من جامعة أم القرى بمكة . 
  5. أنظر للتوسع الدراسة التي نشرها الباحث د . بشير زندال بعنوان : ” نساء الدولة الرسولية وتاريخ من بناء المدارس في اليمن ” مجلة ” المدنية ” وتوجد نسخة إلكترونية منها على شبكة الانترنت على هذا الرابط : https://almadaniyamag.com/ar/2019/09/30/women-in-the-rasulid-state/ 6 ـ 
  6.  أنظر للتوسع التقرير المنشور في ” الجزيرة نت ” بعنوان : ” تعز القديمة الرسوليون مروا من هنا ” على هذا الرابط : https://aja.me/9ccxwk

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى