أدب

جَلَّ اللهُ واهِبُهُ

قصيدة هائية في مدح شيخ الإسلام: أبي العباس أحمد ابن تيمية، رحمه الله تعالى

حدِّثْ عنِ البحرِ إنْ فاضتْ جوانبُهُ 

 وعن سَخَاْ الغيثِ إذْ جادتْ سحائبُهُ

وعنْ قرينِ العلا سامي الخِلالِ وعنْ 

 فَذٍّ تعالتْ على الجوزاْ مناقبُهُ

عن أحمدٍ مِن رُبى حَرَّانَ منبتُهُ 

 وفي جميعِ الدُّنا سارتْ كواكبُهُ

قدْ ماتَ قبلَ قرونٍ حيُّ شاخصِهِ 

 وذِكْرُهُ في حياةِ الناسِ نائبُهُ

كأنّهُ قائمٌ تَزهو الحياةُ بهِ 

 ولمْ تزلْ في الورى تمشي مواكبُهُ

يا نَجلَ تيميةٍ يا نَشرَ معرفةٍ 

 يَشتمُّ من طِيبِهِ الفوَّاحِ طالبُهُ

تمثَّلتْ فيكَ أوصافٌ محبَّبةٌ 

 فمَنْ حوى بعضَها جلَّتْ مكاسبُهُ

نُورٌ مِن الفَهمِ إنْ حلّتْ أشعّتُهُ 

 لدى الدُجى انجفلتْ عنهُ غياهبُهُ

متى يَخُضْ مُشكِلاً حلّتْ بصيرتُهُ 

 صِعابَهُ فبداْ للعقلِ عازبُهُ

كمْ زيَّنتْ أُفُقَ القاريْ معارفُهُ 

 وأَبهرتْ عُلَماْ الدنيا عجائبُهُ

له اطّلاعٌ عجيبٌ في العلومِ فكمْ 

 تكشّفتْ لِحِجا الشَّاديْ غرائبُهُ

وكم وعَى صدرُه أسفارَ معرفةٍ 

 ما شاءَ مِن وبْلِها ينصبُّ ساكبُهُ

وكم لأشرفِ خلق الله من شرفٍ

لم تبلغ الخلقُ منه عشرَ معشارِ

بِيضٌ خلائقُهُ خُضرٌ طرائقُهُ 

 عُليا منازلُهُ عُظمَى مواهبُهُ

قد جلَّلَ النَّفْسَ إيمانًا وألبسَها 

 حَلْيَ التواضعِ والتقوى مراكبُهُ

ما كانَ همتّهُ الدنيا وزُخرُفَها 

 ولا تميلُ إلى دُونٍ مذاهبُهُ

كمْ شدَّ أزْرَ الرؤى الوضّاءَ مسلكُها 

 وزلزلتْ جحفلَ العاديْ كتائبُهُ

تزورُّ عن لُغةِ السَّفْسَافِ أحرفُهُ 

 وعن غرورٍ  بِها قد مالَ جانبُهُ

تجارِبٌ في رُدودٍ  زانَها بِهُدى 

 والمرءُ تصقلُهُ دومًا تجارِبُهُ

كمْ مُغلَقٍ فتحتْ قدْماً مفاتحُهُ 

 وكم أنارتْ دُجى الساريْ كواكبُهُ

وبدعةٍ لم تزلْ تزهو بِصَولتِها 

 وشرُّها لم يجدْ قِرْنًا يُغالبُهُ

حتى أتاها أبو العباسِ فانكسرتْ 

 وهدَّ جانبَها المزهوَّ جانبُهُ

العَدلُ شيمتُهُ فيما يُدوِّنُهُ 

 لا الجورُ خلّتُهُ معْ مَن يُحاربُهُ

ولا رأينا الهَوى يُزجِيْ مطيَّتَهُ 

فيما نظنُّ وقصدُ الحقِّ صاحبُهُ

تَزِينُهُ سعةٌ في الصدرِ جمّلَها 

 حِلْمٌ تَسيرُ به دومًا ركائبُهُ

كمْ حاسدٍ ذمّهُ أو حاقدٍ نطقتْ 

 حروفُه بأذى ساءتْ عواقبُهُ

ما ضرَّهُ حَنَقٌ بلْ فاحَ مُنتشِراً 

  عبيرُهُ وهوَى في الذمِّ عائبُهُ

لو أنصفوكَ – أبا العباسِ – ما كَتبوا  

 إلا الثناءَ ونالَ الفضلَ كاتبُهُ

تراثُهُ ملأَ الدنيا فكانَ بهِ 

 نهرٌ تدفَّقَ لم تنضبْ مشاربُهُ

ولا نقولُ هو المعصومُ كم زللٍ 

 لكلٍّ عبدٍ وطبعُ المرءِ راكبُهُ

سبحانَ مانحِهِ مِن فيضِ نعمتِهِ 

 هذي الهباتِ فجلَّ اللهُ واهبُهُ

وما حبوتُ أبا العباسِ منقبةً 

 إلا ونافتْ على مدحي مناقبُهُ

عليك صلّى مليكُ الخلقِ وانسكبتْ 

 بالغَفْرِ في رَمْسِكَ النائي سواكبُهُ

وقدَّسَ اللهُ رُوحًا أنتَ حاملُها 

 ونوَّرَ اللهُ قبراً أنتَ صاحبُهُ

23/6/1446هـ/ 24/12/2024م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى