أشتات

 الحركة الإسلامية السودانية وتحديات إدارة الدولة (4-4)

مؤتمر الاستراتيجية القومية الشاملة:

وجاء مؤتمر الاستراتيجية القومية الشاملة في إطار التخطيط الشامل لإدارة الدولة بملفاتها المختلفة، خاصة الملف الاقتصادي، باعتباره أهم الملفات وأكبر التحديات التي تواجه الدولة: ” لقد مضى على ثورة الإنقاذ نحو عامين قبيل انعقاد مؤتمر الاستراتيجية القومية الشاملة، كانت تجتهد خلالهما في سبيل تأسيس أركانها، وتوطيد أقدامها، وترسيخ رؤاها واكتساب المقبولية لشعاراتها في أنفس الناس، وتسعى خلالهما لبلورة توجهات الأمة الأساسية، وتطلعاتها، من خلال مؤتمرات الحوار القطاعية التي انتظمت شتى المجالات السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية والثقافية ” (سليمان حامد، تجربة الإسلاميين في السودان).

ورأت الحركة الإسلامية أنه لابد من وضع خطة شاملة، وأنه يجب الانتقال من مرحلة التأمين إلى التمكين، ومجابهة تحديات الواقع بالخطط والبرامج بدلاً عن تمني الأماني، كما يوضح سليمان حامد :

” وقدّرت الحركة بعدئذ أنها قد بلغت شأواً يلزمها معه وضع خطة استراتيجية شاملة تنتقل بها من مرحلة الإنقاذ إلى آفاق أرحب، وتتجاوز بها الطموحات والأماني المجردة إلى تمثل الأحداث والوقائع ومجابهة الأقضية والتحديات الحقة في واقع حياة الناس، بعبارة أخرى أن الحركة الإسلامية قدّرت أنّ الإنقاذ قد تهيأت لتجاوز مرحلة التأمين وتوطيد النظام إلى مرحلة تحديات الواقع على الأصعدة كافة، الأمر الذي عبرت عنه من خلال الخطة التي أطلقت عليها الاستراتيجية الشاملة “.

الإستراتيجية القومية الشاملة : (1992 – 2002).

عقدت الانقاذ مؤتمرات كثيرة للتعليم والسلام والاقتصاد والديبلوماسية والنظام السياسي، ولكن كان لابد من مؤتمر جامع لكل هذه المؤتمرات وشامل في رؤاه وتصوره، وحسب تقرير الإصلاح السياسي والاقتصادي في السودان (1989 – 2004) : فقد “دعت الإنقاذ في أكتوبر 1991م إلى مؤتمر الاستراتيجية القومية الشاملة، وكان هدف المؤتمر وضع خطة استراتيجية للنهضة الحضارية، وتمكن السودان من تحقيق ذاتيته، وإشاعة الحرية بين أهله والارتقاء بإمكاناته.

شارك في مؤتمر الاستراتيجية القومية الشاملة ( 6580  مواطناً) من مختلف التخصصات المعرفية والأكاديمية والخبرات المهنية والعملية، من القطاعين العام والخاص، من كل الأقاليم، بل ومن خارج السودان “.

وعلى مدى أشهر من العمل المتواصل، تم إجازة الإستراتيجية، وتم تقسيمها إلى قطاعات، انبثقت منها لجان فصّلت الخطة على مدى عشر سنوات: “أجاز كل المشاركين التصور النهائي للاستراتيجية الشاملة الذي أعدته لجنة تسيير المؤتمر، ثم انقسم المؤتمر العام  إلى  أربعة عشر قطاعاً شملت: التنمية الاجتماعية، الزراعة، الموارد الطبيعية، الصناعة، الطاقة، التعدين، النقل والمواصلات، التشييد، العلوم والتقانة، الثقافة والمعلومات، الموارد البشرية، السياسات المالية والاقتصادية، الأمن والدفاع، العلاقات الخارجية، النظام السياسي والعدلي، والخرائط ومعلومات الأرض”.

وتم تقسيم دقيق للقطاعات لتتحول لأكثر من خمسين لجنة لمدة ثلاثة أشهر :

” انبثقت عن هذه القطاعات الأربعة عشر اثنان وخمسون لجنة فرعية تواصلت اجتماعاتها على مدى ثلاثة أشهر، تخطيطاً وتنسيقاً فيما بينها، مستعينة بالبحوث، والدراسات، والإحصاءات، والخبرات. وبناء على ذلك حدّدت هذه اللجان الأولويات، ورسمت المراحل ومحّصت الأهداف كماً وكيفاً “.

ودار نقاش حول التقارير شارك فيه الوزراء المختصون والقيادات التنفيذية بالدولة، وعملوا على الاتساق بينها حتى وصلت مرحلة الصياغة النهائية في خطة شاملة: “خضعت تقارير القطاعات لنقاش جدي من قبل لجنة تسيير المؤتمر، بمشاركة الوزراء المختصين، والقيادات التنفيذية العليا للدولة، ثم عكفت لجنة التنسيق المكونة من قيادات القطاعات في المؤتمر لدراسة تقارير القطاعات واللجان الفرعية، للتأكد من الاتساق الداخلي للقطاعات، والاتساق الشامل بين جميع قطاعات الاستراتيجية. ثم أُحيلت الأوراق والتقارير إلى لجنة الصياغة، التي نظمت هذا الجهد الوطني في خطة استراتيجية شاملة أطّرت أداء جهاز الدولة والمجتمع على مدى عقد من الزمان”. 

“ربما كانت الإستراتيجية القومية الشاملة هي الوثبة الكبرى التي أرادت الإنقاذ أن تتجاوز بها مرحلة التأمين وتوطيد أركان النظام، وتتهيأ بها لمرحلة مقبلة هي مرحلة مجابهة حقائق وتحديات الواقع على الأصعدة كافة، من خلال ممارسة السلطة وتحمل تبعات ومسئولية الحكم وإدارة مؤسسات الدولة وقيادة وتوجيه قوى المجتمع “.

1 2  الحركة الإسلامية السودانية وتحديات إدارة الدولة (4-4)

الحصار الاقتصادي

كما واجهت الانقاذ أيضاً تحدي (الحصار الاقتصادي) ومنع الدعم عنها :

” ولعل أول ما فعلته تلك القوى الإقليمية الدولية أنها احتضنت المعارضة المتمثلة في حركة تحرير السودان، ثم المعارضة الشمالية، وحجبت الدعم الاقتصادي الذي كانت تمنحه للسودان بحيث تناقص عن (800 مليون دولار) في العام إلى نحو (50 مليوناً) فقط “.(سليمان حامد: تجربة الإسلاميين في السودان).

واستخدمت الدول الغربية نفوذها للضغط على السودان وحرمته من بعض استحقاقاته، يقول دكتور علي عيسى عبد الرحمن في كتابه (الحركة الإسلامية السودانية في ظل التحديات الاستراتيجية المعاصرة) : ” استخدم الغرب نفوذه في الضغط على السودان سواء عبر المنظمة الدولية أو منظمات المجتمع المدني الأخرى حيث علقت عضوية السودان في صندوق النقد الدولي، كما أوقفت المجموعة الأوروبية مخصصات السودان التي ينالها بموجب اتفاق (لومي) الموقع بين الجماعة الأوروبية ومجموعة الدول الإفريقية الكاريبية الباسيفيكية وحرم السودان من ستمائة مليون دولار هي عبارة عن استحقاقه وفق اتفاق (لومي) “.

وتولت أمريكا مسألة الحظر الاقتصادي هذه، بل وتبعته بعمل عسكري عدائي وهو قصف لمصنع الشفاء للأدوية في الخرطوم بحري، وفق سليمان حامد والذي يقول : ” في عام 1997 م، صدر مرسوم رئاسي بالحظر الاقتصادي على السودان. ليبلغ الأمر شأواً بعيداً بقصف مصنع الشفاء في عام 1998 م “.

وأسلوب الحصار الاقتصادي هو أسلوب قديم يُستخدم لإسقاط الأنظمة، والدول التي تقف في وجه النظام العالمي الجديد بقيادة الولايات المتحدة والحلفاء التابعين لها في أوروبا وأمريكا وبقية دول العالم، وتشرك فيه أيضاً حتى الدول المجاورة للسودان عربية وأفريقية. وقد اُستخدم سلاح الحصار هذا منذ القدم ضد السودان ومن أيام الثورة المهدية، والتي أيضاً كانت ترفع الشعارات الإسلامية وتدعو لوحدة الأمة الإسلامية وتحرير البلاد من المستعمرين. تقول دكتورة خديجة صفوت في كتابها (الإسلام السياسي ورأس المال الهارب : السودان نموذجاً) : ” وكانت الحملة المصرية \ الانجليزية والتي جاءت من أجل القضاء على الدولة المهدية (1885 – 1898) قد وظفت من أسلوب الحصار الاقتصادي الطويل، مثلما يتم اليوم بوصفه أحد أساليب إسقاط الأنظمة “.

وذكرت أيضاً أن حكومة الانقاذ اليوم تعاني أيضاً من نفس الشيء ألا وهو الحصار الاقتصادي : ” تواجه الحكومة المحلية الحالية من الحصار الاقتصادي، تخترقها أحياناً إعانات (لا مجدية) من إيران مرة والعراق مرة أخرى، وليبيا مرة ثالثة، في حين تقاطعها منظمات العون الدولية والاستثمارات الأجنبية والعربية والغرب بصورة عامة. تتخذ مصر موقفاً شبه حيادي يتذبذب مع الأمل في استيعاب النظام مرة، من أجل عقد اتفاقية مياه النيل المستحقة منذ سبتمبر 1989 ومرة يميل نحو نقد النظام و(التطير من حكومة أصولية) على أبواب مصر الخلفية “.

وكتب كبار كتاب ومفكري الحركة  الإسلامية عن التحديات التي ستواجه الدولة وعلى رأسها التحدي الاقتصادي، فها هو الدكتور غازي صلاح الدين العتباني يكتب عن (التحديات التي تُواجه الإسلاميين) فيركز على أهم تحدي ألا وهو الاقتصاد، فيقول: “سيكون التحدي الأول والأعجل في نظر الجمهور هو تحدي الاقتصاد والخدمات، وهو تحد معقد في ذاته في ظل نظم حكم وإدارة منهارة، وموارد طبيعية شحيحة في معظم الحالات (مصر، تونس، المغرب) وقيم عمل وإنتاج ضعيفة، ونمو متصاعد لطبقة متوسطة قلقة ذات مطالب ملحاحة وأهداف تنمية بعيدة المنال “.

ويُركز الدكتور الترابي في (أولويات التيار الإسلامي) على شأن الاقتصاد وينتقد الإسلاميين الذين يكتفون بالسياسة والثقافة والإصلاح الاجتماعي ويغفلون عن الاقتصاد – رغم أهميته وخطورته – فيقول :

“ولن يتم البناء الحضاري الإسلامي إلا بأن يولي التيار الإسلامي اهتماما أكبر بشأن الاقتصاد، فمازال جانب كبير من الإسلاميين يتخذون الثقافة ثم الإصلاح الاجتماعي والسياسة وسائل كافية لقيام الإسلام وتمكينه في الحياة، ويغفلون عن الاقتصاد المادي الحديث ضلالا وفتنة للتدين وظلما ومجانبة للشرع وقوة لا دينية يستنصر بها الباطل ويكاد يستبد بها لتوجيه المجتمع وحكمه، وقليل من أهل التيار الإسلامي من اتخذ الاقتصاد مجالاً للدعوة، وهماً يوظف للهداية إلى الدين وبيان أحكامه، وابتلاء لتزكية تدين الأفراد في مواجهته واطار التعبئة قوة من المال ومن الفئة العاملة لصالح حاجات الاسلام وقضاياه، ويرجى في مدى العقود التالية أن يتمكن الاقتصاد شغلا للتيار الإسلامي ووظيفة في حركته وركنا في خطته “. يظل تحدي الاقتصاد والإدارة هو التحدي الأكبر الذي واجه ثورة الانقاذ الوطني، وذلك لأن الدولة ورثت أوضاعاً اقتصادية بالغة التعقيد، وفي ظل حصار اقتصادي نتيجة لمواقف الحكومة السياسية. وكان المخرج الوحيد هو سياسة الاعتماد على الذات والاتجاه شرقاً لاستخراج البترول، مع اعتماد استراتيجية قومية شاملة لإدارة كافة ملفات الدولة.

2 4  الحركة الإسلامية السودانية وتحديات إدارة الدولة (4-4)

التحديات الثقافية وبناء المجتمع

الحركة الإسلامية تطرح نفسها كحركة تغيير اجتماعي، لذا كان من أوجب واجباتها عملية بناء المجتمع. ولكل مجتمع ثقافته الخاصة، فلذلك واجهت الانقاذ في بداياتها وعلى طول مسيرتها تحديات ثقافية وأخرى اجتماعية ترتبط ببناء المجتمع وتزكيته وتقويته حتى يصمد في وجه الغازيات الثقافية، وحتى يتعافى من آفات وأمراض المجتمعات من تشرذم وانقسام وعصبية وغيرها.

واعتمدت الحركة الإسلامية على فكرة ونظرية (المجتمع الرائد أو القائد) الذي يسبق الدولة ويقودها ويُبادر بالأفكار والمشاريع المختلفة. ولربما انبثقت هذه الفكرة من مجتمع (المؤمنين) الواردة في القرآن الكريم بعدة شواهد، أو مفهوم (النفير) في المجتمع السوداني. المجتمع الذي يقوم بغالب الوظائف ويترك الباقي القليل للدولة وهذا ما ظهر جلياً في مؤتمر الاستراتيجية القومية الشاملة كما يقول المحبوب : ” فمنذ مؤتمر الاستراتيجية القومية الشاملة وبإلهام من الأمين العام، اعتمدت نظرياً أولوية المجتمع على الدولة، فالمجتمع هو الأصل وما الدولة إلا بعد من أبعاده، وذلك قبل أن تصدر مصطلحات المجتمع المدني المبادر وتمكين منظماته في مختلف شعاب الحياة، كما جاء في وثائق الأمم المتحدة نحو النصف الثاني من تسعينات القرن المنصرم. فالاستراتيجية القومية الشاملة نصَت بجلاء أن المجتمع المؤمن مجتمع مبادر يقوم بغالب وظائفه، ويترك أخرى محدودة للسلطان “.

وبهذه الدعوة والتي بدت غريبة على المجتمعات – بداية الأمر – نسبة لتطاول الأمد، بدأت الحركة الإسلامية دعوتها وذلك ببناء تنظيمها على ذات الشكل الذي يُغطي معظم الوظائف ليقوم بها المجتمع من ذات نفسه، وعندما وصلت إلى الدولة أرادت أن تنقل إليها نفس النموذج وذلك بطرح الإطار النظري، كما حدث في مؤتمرات الحوار العديدة حول مختلف القضايا وأهمها الاستراتيجية الشاملة، وكذلك بتطبيق نموذج عملي بمبادرات مجتمعية في النفير والتكافل الاجتماعي والزواج الجماعي (لمعالجة ظاهرة غلاء المهور ومظاهر البذخ في المناسبات). يقول الترابي بهذا الشأن : “إن التيار الإسلامي قد بدأ شاذا عن التوجه الذي يحكم حياة المجتمعات الإسلامية العامة، ثم ما انفك وقعه يتعاظم حتى استشرف اليوم مرحلة قدر أن يكون فيها هو الذي يقود الحياة، فلئن كان همه الأول نقد ذلك التوجه العام ثم محاولة نقض الانماط الحضارية التي فرضت على مجتمعات المسلمين كرها أو على حين غفلة، فهمه اليوم أن يكون هاديا وان يحاول بطرح الاقتراح النظري، ونصب النموذج العملي ان يتولى مسئوليته الايجابية “.

ويؤكد الترابي أن على الحركة الإسلامية أن تعمل على تزكية المجتمع حتى يقوم بدوره، وبذا يتم تقليص وظيفة السلطان ويفي المجتمع بغالب شؤونه واحتياجاته: “ثم عليها ثانيا أن تُربي المجتمع حتى يستوي ويرعى غالب أغراض حياته قائماً بذاته مستقلا عن السلطان، ولقد مر زمان على المجتمعات الاسلامية طغى السلطان على شئونها فعطل طاقاتها الحرة وشوه ارادتها حتى غدت قضية تقليص وظيفة السلطان العامة أخطر من تقليص سلطاته السياسية التي تعدت على حرمات الأفراد الخاصة، ولا سبيل لتلاشي السلطان بل لا يجوز ازدهار دوره الخاص في توجيه المجتمع وحماية العدل والأمن فيه، ولكن تقدم المجتمعات الاسلامية رهين بكسب التيار الاسلامي في تزكيتها وتأهيلها للوفاء بأغلب همومها في سياق الحياة الخاص”.

وبهذا يكون المجتمع هو الأصل والدولة بعد من أبعاده، وواضح أن العالم والانسانية تنحو هذا المنحى لما نرى من الدور المتعاظم لمنظمات المجتمع المدني، كما ورد في (تقرير الاصلاح السياسي والاقتصادي في السودان 1989 – 2004) : ” لقد جعلت الاستراتيجية القومية الشاملة من نفراتها الجامعة والشاملة والمحيطة بطبيعة وتركيبة المجتمع السوداني، وتنوع ثقافاته، وعمق تراثه البيئي، أصلاً لنظرتها إلى دور الدولة وأجهزتها الميدانية. فجعلت من المجتمع أصلاً لتكن الدولة بعداً من أبعاده. وهذا الاتجاه في التفكير يأتي منسجماً مع ما أفضت إليه مسيرة التطور في الفكر الإنساني “.

والدولة الاسلامية يجب أن تقوم على التراضي بين أطرافها المختلفة، ويكون للمؤسسات المجتمعية والجمعيات الأهلية والطرق الصوفية وحتى المجموعات القبلية دور كبير في التعارف فيما بينها والقيام بالمبادرات المختلفة، بينما تقوم الدولة بمساعدتها والتنسيق فيما بينها وإكمال النواقص وفض التنازع – إن وُجد – بالتي هي أحسن وبالقانون، يقول عبد الوهاب الأفندي في كتابه (الثورة والإصلاح السياسي في السودان) : ” إن الدولة الإسلامية في أساسها دولة تراضٍ، وهي دولة مجتمع، تسود فيها المؤسسات غير الرسمية من مذاهب وتجمعات أسرية ودينية وقبلية ومؤسسات تعليمية ووقفية، بينما تلعب الدولة الدور المساعد حتى تؤدي هذه المؤسسات واجبها على الوجه الأكمل. وهذا يعني أن مفهوم الدولة الحديثة القابضة والمسيطرة على كل نواحي الحياة غريب على الإسلام وقيمه وتقاليده “.

وكذلك في إطار الرؤى والآفاق المستقبلية تحدي العلم ومؤسساته ونظمه ومناهجه وأيضاً النظم الثقافية والآداب والفنون وحتى الرياضة تحتاج لرؤية نظرية ومن ثم نماذج عملية تكون مفيدة لمجتمعها هادية وقدوة لغيرها على عكس ما موجود في مجتمعات المسلمين بما فيها السودان حسب رؤية الحركة الإسلامية، يقول الترابي : ” فالنظام العلمي الرسمي في المجتمع المسلم اليوم على قصوره عن معالجة الجهل المطبق غريب عن نظم العلم في تعاليم الاسلام وتقاليده، فالعلم الغالب علم ظاهر الحياة ولا يتصل بأمر الغيب ولا يكاد يكون القاؤه وتلقيه وجها لعبادة الله فريضة شاملة، وقد انفصم العلم عن التربية وانحصر التعليم في أطر نظامية، فالتعليم لا يتصل من المهد إلى اللحد، وفرصه ليست متاحة للجميع عن حرية ومساواة واستقلال، وانفرط المفهوم التوحيدي للعلم والعمل، فالتعليم فترة متميزة عن فترة العمل، والتعليم الاكاديمي متميز ومتعال عن التعليم التدريبي التقني، والعلوم الطبيعية انفصمت عن العلوم الشرعية، ونظام الفنون والآداب والرياضة في العالم الحديث يقوم على منشط دنيوي غايته اللهو المحض بالأداء والمشاهدة والافتتان بجمال الشكل والصوت عما وراءه والتنافس على الابداع والمتاع، فالأزمة في هذه النظم الثقافية لا تقتصر على وجوه ممارسة محرمة أو مكروهة، وإنما هي في أصولها ومغازيها المنقطعة عن الله ونهجه، والتيار الإسلامي هو المسؤول عن ريادة ثورة حضارية في هذا المجال “. والحركة الإسلامية نشطت جداً في محاربة البدع والآفات والأمراض الاجتماعية، وكذلك محاربة الثقافات والأشكال الوافدة من الخارج نتيجة للعولمة وما يُسمى أحياناً بـ(الغزو الثقافي والفكري) ولكن تحديها الأساسي في توحيد المجتمع من العصبيات والانقسامات والتي قسّمت المجتمع على أسس جهوية أو حزبية أو طبقية، يقول الترابي : ” ولقد نشط التيار الاسلامي في إصلاح مجتمع المسلمين ولكن غالب كسبه ظل محصوراً في تطهيره من الآفات الاجتماعية العرفية والدخيلة، ولربما يكون التطهير بالضرورة المرحلية أول الهم، ولكن التيار الاسلامي مدعو لأن يستأنف دوره الاجتماعي فيوحد المجتمع الذي فرقته الأشكال والعصبيات التقليدية قبلية ودينية وفرقته الأهواء والأوضاع الجديدة أحزاباً سياسية وطبقات اقتصادية بل الذي شطره التطور شطرين قديما وحديثا بينهما مجانبة كبيرة بين الانشداد إلى الماضي والاتباع لأوروبا، وذلك يقتضي على التيار بسط أطر تنظيم توحيدية جديدة تهيئ المجتمع لمختلف شئون حياته الدينية الشاملة بما يتقاسم وظائفه المتباينة ويحفظ الاتساق والشمول “. ومعروف أن المجتمع السوداني ثقافته الغالبة ثقافة صوفية وتُشكل الوجدان المسلم لغالبية المجتمع السوداني، وهذه قاعدة بنت عليها الحركة الإسلامية السودانية في طرح مشاريعها المختلفة وكان من أهمها الدعوة لتطبيق الشريعة الإسلامية، فكان قادة وزعماء وشيوخ الطرق الصوفية من أوائل الداعمين لهذا المشروع من لدن الجبهة الإسلامية للدستور في الخمسينيات وكان من أكبر داعميها السيد علي الميرغني راعي الخطمية والسيد عبد الرحمن المهدي زعيم الأنصار، وهما أكبر طائفتين صوفيتين في السودان. ولكن التحدي الثقافي والاجتماعي الأساسي الذي يواجه الإسلاميين بعد وصولهم للسلطة – كما يقول التجاني عبد القادر – هو كيف يتم الاستفادة من هذا الرصيد الصوفي في مشاريع جادة وإيجابية تدفع بالبلد إلى الأمام وتوحد طاقاته وتستفيد من مكوناته، فيقول التجاني في (السودان وتجربة الانتقال للحكم الإسلامي): ” وستكون المعضلة الرئيسية المستمرة أمام الحركة الإسلامية المستنيرة في السودان هي : كيف تستطيع أن تحرك هذا الوجدان الصوفي السالب إلى رصيد ثوري موجب، وكيف تستطيع من جهة أخرى، أن تمنع هذا الرصيد من أن يتحول إلى فقاقيع هوائية فارغة، وأن تجعله ينصب في أطر البناء الحضاري المنضبط”.

ولخّص التجاني إشكالية الانتقال بالمجتمعات الإسلامية التقليدية نحو الحكم الإسلامي واعتبرها هي أُس التحديات التي ستجابه دولة الإسلاميين الوليدة في السودان :

” أولاً : إشكال الكيانات الدينية التقليدية. ثانياً : إشكال الطليعة المسلمة التي تتولى عملية القيادة والتغيير. ثالثاً : إشكال الدولة الحديثة التي تسعى الطليعة للاستعانة بها في التحول نحو النظام الإسلامي “.

ومن أخطر التحديات الثقافية والاجتماعية هي موضوع المرأة خاصة في ظل العولمة الثقافية والمؤتمرات العالمية المتعلقة بحقوق المرأة من القاهرة وبكين وحتى اتفاقية (سيداو)، وانتشار الحركات النسوية، فكان لابد للحركة الإسلامية في السودان وهي تتولى زمام الدولة أن تواجه هذا التحدي، وهو تحدي مكون من جزأين مترابطين : ثقافي واجتماعي، وكذلك ذو بعد محلي وآخر عالمي، يقول الترابي :

01  الحركة الإسلامية السودانية وتحديات إدارة الدولة (4-4)

“ولعل اخطر قضية اجتماعية تولاها التيار ويلزم ان يمضي في توليها قدماً، هي قضية المرأة، فقد تجاوز التيار في الخطاب الدفاع عن وضع المرأة في الاسلام إلى البيان الموجب، كما تجاوز في الدعوة التصويب على الذكور واهمال النساء، فدخلت النساء أفواجاً في تيار الإسلام الجديد واتجه الأمر إلى أن ينهار النمط العرفي الظالم وتنفضح شرعيته المنتسبة عرفا إلى شرع الله، كما اتجه الأمر إلى سقوط النمط الاباحي الغربي وانقشاع فتنته الطاغية، لكن بقي على التيار المسلم ذكوراً واناثا ان يطور النهضة بالمرأة ليكون اخذها للدين وعودتها لحياة المسلمين العامة ودورها في الدعوة والجهاد وفي سبيل البناء الحضاري الاسلامي الجديد مسئولية لا أمر جواز ورخصة وحق، وإذا أولى التيار الاسلامي شأن المرأة أولوية واخذ يمتن حركة تحرير المرأة وترشيد دورها وعلاقاتها ورسالتها، فسيحدث ثورة ذات بال في حياة المسلمين وربما يهدي إلى تاريخهم المستقبل أقيم وأجل هبة اجتماعية “. وهذا هو الذي حدث في السودان، حيث دخلت النساء في المؤسسات التعليمية المختلفة خاصة الجامعات، وشاركت في المؤسسات التنظيمية المختلفة للحركة الإسلامية وفي كافة الأطر القيادية (المؤتمر العام، ومجلس الشورى، وهيئة القيادة، والأمانة العامة) بالإضافة للقطاع الخاص بها كبقية القطاعات (قطاع المرأة، وقطاع الشباب، وقطاع الطلاب، والفئات وتشمل النقابات والمهن). وكذلك شاركت في أجهزة الدولة السيادية والسياسية والتنفيذية والتشريعية والقضائية، واصبح السودان في مقدمة الدول العربية والإسلامية والأفريقية في تمكين المرأة في الوظائف العامة خاصة السياسية والقيادية والبرلمانية. ولها أيضاً اتحاداتها ومنظماتها الخاصة مثل : (الإتحاد العام للمرأة السودانية) وكذلك (المنظمة العالمية للمسلمات). بل شاركت المرأة في التدريب العسكري والعمليات الحربية في جنوب السودان وجنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان، فكانت تضمد الجراح وتُشارك في القتال وعُرفن بـ(أخوات نسيبة)، وكذلك هناك منظمة (سلام العزة) وكانت تقوم بالعمل في مناطق العمليات، وقامت المرأة السودانية بأكبر مشروع لدعم المجاهدين والقوات المسلحة باسم (زاد المجاهد)، فكن يجمع حليهن ومجوهراتهن الذهبية دعماً للجهاد، وكذلك الملابس والطعام والحاجات العينية وتذهب في شكل قوافل لمناطق العمليات، هذا غير المشاركة في المناشط الاجتماعية والقوافل الدعوية والطبية والاغاثية للمناطق المتأثرة بالحرب.

وقد أثار مشاركة المرأة السودانية في هذه المناشط المختلفة استحسان المجتمع السوداني، ولكن مشاركتها في القتال وفي مناطق العمليات العسكرية أثار جدلاً كثيفاً حتى في أوساط الحركة الإسلامية، وكان أشهر هذه الحوارات هو ما تم في (سمنار المرأة والبندقية) وكان من أشد الداعمين لهذه المشاركة هو الشيخ الدكتور حسن الترابي الأمين العام للحركة الإسلامية، وكان في الطرف الآخر أحد شيوخ الحركة الإسلامية وهو الشيخ أحمد محجوب حاج نور والذي كان ضد هذه المشاركة في مناطق العمليات.

ويُخصص الدكتور علي عيسى باباً كاملا في كتابه (الحركة الإسلامية السودانية في ظل التحديات الاستراتيجية المعاصرة) لقضايا المرأة وأسماه (تحديات عولمة المرأة) وقال فيه : ” يأتي الاهتمام الأكبر للحركة الإسلامية السودانية للمرأة عندما تمكنت من السلطة في ظل الانقاذ حيث نجدها أفردت حيزاً مقدراً للمرأة ضمن الاستراتيجية القومية الشاملة “.

وإذا ذهبنا للإستراتيجية القومية الشاملة فسنجد أن القطاع الأول بها هو : (قطاع التنمية الاجتماعية) ويشتمل على 14 محوراً تشمل المرأة، والطفولة، والشباب، والأخلاق والرقي الاجتماعي، والرعاية الاجتماعية، والتكافل، والعمل الطوعي والخيري، والتنمية الصحية، والتعليم العام، والتعليم العالي، والتخطيط العمراني والإسكان، وتنمية السياحة، والرياضة، والبيئة . وهو يُساوي ثلث صفحات الاستراتيجية بينما الثلاثة عشر قطاع الأخرى ثلثان فقط وذلك لأهمية التنمية الاجتماعية ودورها في بناء الدول والأمم.

وعن التحديات التي تُواجه الإسلاميين خاصة فيما يتعلق بالتحدي الثقافي وكذلك الاجتماعي يقول الدكتور غازي صلاح الدين العتباني: ” سيكون أمام الإسلاميين، بالإضافة لمعالجة التحدي الاقتصادي، معالجة التحدي الثقافي الاجتماعي. بعض عناصر هذا التحدي تكمن في الرؤية المذهبية أو الفقهية للحركات الإسلامية واحتمال مصادمتها للمفاهيم والسلوكيات الشائعة. والتعقيدات هنا لا تتوقف عند البعد النظري أو الفقهي، بل تتعداه إلى صعوبات عملية في الواقع “.

وبالنسبة للتحديات الثقافية فقد تم تلخيصها في الاستراتيجية القومية الشاملة تحت عنوان : (استراتيجية الإحياء والإشعاع الثقافي)، وتم كتابة هدفها الرئيسي وعليه تم تفصيل كامل الاستراتيجية ضمن قطاع الثقافة والإعلام.

” والهدف الأسمى لإستراتيجية الإحياء والإشعاع الثقافي هو إحداث ثورة ثقافية شاملة، ترود التغيير الاجتماعي، تمنحه غاياته ومقاصده، وتتجه في شمولها إلى كل خصائص المجتمع وبنياته الثقافية، وطرائق أدائه، وسلوكه الاجتماعي، فتحدث أثرها في كل الأجيال المعاصرة “.

وأخيراً فإن من التحديات الكبرى أن تتحول الحركة التي تدعو للتغيير الاجتماعي وبناء المجتمع على أسس صحيحة أن تتحول إلى طائفة مغلقة وتسود فيها روح التعصب الأعمى لما قدمت من إنجازات وانتصارات على أرض الواقع، يقول الترابي محذراً ومنبهاً لذلك التحدي والابتلاء :

” من أخطر الابتلاءات التاريخية التي تُجابه الحركات هي أن تتحول من حيث لا تدري من دعوة منفتحة مقبلة على الناس، تريد أن تستوعبهم للإسلام ولا تنحصر في ذات أمرها ولا تعكف أو تطوِّف حول نفسها، إلى طائفة مغلقة تزدهي بتاريخها وبرجالها وتريد أن تحتكر الفضل والعلم والكسب كله “.

بل يدعو إلى أن تذوب الحركة في مجتمعها وتنال فضل الشهادة، مؤكداً في ذات الوقت أن هذا أصعب امتحان في مسيرة الانتقال، حيث يقول :” مهما اعتصمت الحركة الإسلامية بدواعي تجديد ذاتها، ولكن لا نريد أن نكِل أمر الدين لأية جماعة كانت، وإنما الجماعة المجاهدة الداعية هي مثل الفرد المجاهد الداعي ينبغي أن يفني ذاته وأن يستشهد في سبيل الله سبحانه وتعالى. فحركة الإسلام التي كانت مؤهلة بشيء من زاد الفقه، والزاد الإيماني تفنى اليوم في المجتمع. وكلما تحقق للمجتمع وجود وحضور للإسلام كلما ذابت هي فيه لأنها ليست غاية لذاتها، وهذا امتحان عسير في مراحل الانتقال لكل حركة. وكثير من الأحزاب التي ادّعت أنها طلائع لتحول اجتماعي لمّا وقع تحوُّل اجتماعي، أصرت على أن تظل هي متمكنة في السلطان. وتحتكر السلطة، وأضر ذلك بقضيتها ذاتها؛ لأنها بدلاً من أن يحاصرها الأعداء الذين يريدون أن يكيدوا لها، رضيت هي بأن تحاصر نفسها، وبدلاً من أن يعزلها غيرها، اعتزلت هي وتجردت، وأصبحت جسمًا منفصلاً عن المجتمع. وهذا يقتضي شيئًا من الصبر ومن التربية. فكلما اتسع الإسلام، ضعفت هي “.

وهكذا برز التحدي الثقافي والاجتماعي في وجه حكومة الانقاذ، ولأن التغيير الاجتماعي هو ما تنشده الحركة الإسلامية السودانية وعبر مسيرتها الطويلة، إلا أنها هذه المرة تستعمل وسيلة أخرى في ذلك ألا وهي السلطة والدولة. ولدولة مثل السودان بوضعها الجغرافي والتاريخي وثقافتها المتعددة (عربية وأفريقية وإسلامية)، وكذلك التنوع الكبير في تركيبته الاجتماعية والإثنية، يكون للدولة دور كبير في المبادرات والمشاريع والبرامج الثقافية والاجتماعية على مختلف الأصعدة.

ويكتب الدكتور غازي صلاح الدين العتباني القيادي بالحركة الإسلامية ومستشار رئيس الجمهورية الأسبق والخبير في التفاوض والعمل الخارجي ويلخص هذه التحديات تحت عنوان:(التحديات التي تُواجه الإسلاميين) وذلك في كتابه (حول الإصلاح السياسي: تجربة سودانية) حيث يقول: ” إن أداء الحركات الإسلامية في الحكم، سيكون أهم محدد لمصيرها وحكم التاريخ نحوها. وبسبب أنها رفعت شعار الإسلام فإن الأحكام الصادرة حول أدائها، ومن ثم القول باستحقاقها، ستكون بمعايير أقسى من تلك التي يصدر الناس أحكامهم وفقها بالنسبة للحركات السياسية الأخرى “.

ويؤكد العتباني أن المهمة ستكون صعبة جداً ومن البداية حيث يقول: ” ستكون مهمة الإسلاميين صعبة منذ البداية، لأنه بالإضافة لخصوصية البندين السالفين في تقويم حكم الإسلاميين، وهما البعد الغيبي والبعد الأخلاقي، فإن الجمهور يتوقع نجاحاً في كل بند من بنود قائمة الأماني التي يُطالب بها الناخبون من يقدمونهم لقيادتهم: الأمن، المعاش، التعليم، الخدمات عموماً “.

وهناك سؤال في تجربة الدولة : كيف أدار إنسان الحركة الإسلامية دولاب الدولة دون الذوبان في بوتقة الفساد ؟ لقد نجح أفراد الحركة الإسلامية (قيادات عليا ووسيطة وأعضاء) في تقديم نموذج وقدوة خاصة في (عشرية الإنقاذ الأولى) قبل أن تُغادر الحركة مقاعد السلطة في 12\12\1999 (قرارات الرابع من رمضان أو ما عُرف بالمفاصلة) . حيث كان أعضاء مجلس قيادة الثورة يسكنون في الأحياء الشعبية مع المواطنين ويذهبون إلى الأسواق بدون حرس أو مواكب رسمية، ويُشاركون في الإفطارات الجماعية (موائد الرحمن)، ويصومون يومي الاثنين والخميس ويحضرون حلقات التلاوة في المساجد وكذلك الجمع والجماعات ويُشاركون في المناسبات المختلفة، حتى أطلق عليهم أحد الصحفيين المصريين (صحابة القرن العشرين).

كذلك مشاركة الوزراء والمسؤولين والقيادات وأذويهم في العمليات العسكرية مع المجاهدين، بل واستشهاد بعضهم تركت أثراً كبيراً في نفوس الناس، وعلى رأس هؤلاء (وهذا على سبيل المثال لا الحصر) :

5 3  الحركة الإسلامية السودانية وتحديات إدارة الدولة (4-4)

أولاً : الشهداء في مناطق العمليات :

الدكتور المهندس محمد أحمد عمر: وزير الصناعة.

الدكتور المهندس محمود شريف : مدير شركة الاتصالات والكهرباء.

عثمان حسن أحمد البشير: شقيق الرئيس عمر البشير.

عبد الخالق الترابي: شقيق الشيخ حسن الترابي.

عصام الترابي: ابن أخت الشيخ حسن الترابي.

مصعب إبراهيم السنوسي: ابن القيادي الشيخ ابراهيم السنوسي.

أبو دجانة يس عمر الإمام: ابن القيادي يس عمر الإمام.

وغيرهم الكثير الكثير.

وبعد التضحية بالنفس في مناطق العمليات،  هنالك طهارة اليد والأمانة والصدق في العمل والذمة المالية، رغم توفر السلطة والمال، وفي خلال العشر سنوات الأولى ورغم السلطة المطلقة لتنظيم الحركة الإسلامية وقلة الخبرة والتجربة في الحكم والسلطة والتعامل مع المال العام إلا أن نسبة الفساد لم تتجاوز الـ(9%) كما ذكر الشيخ الترابي ذلك في إحدى مؤتمرات قطاع الشباب. وكان المراقبة تعتمد على مراقبة الله (الضمير) والمتابعة التنظيمية من المكاتب (الخاصة) و(المتخصصة)، وأراد الترابي استكمال هذه الرقابة بالجهاز التشريعي (البرلمان ليقوم بمحاسبة الرئيس والوزراء والمسؤولين، محاسبة تصل إلى رفع الحصانة والعزل من المنصب)، كذلك مراقبة السلطة الرابعة (الصحافة) وذلك بحرية الصحافة وإلغاء الرقابة القبلية على الصحف، ثم انتخاب جميع المسؤولين من الشعب مباشرة (خاصة الرئيس والولاة)، وهذه التعديلات والتي أصر عليها رئيس البرلمان (الشيخ حسن الترابي) ورفضها الرئيس ومعاونوه (الجهاز التنفيذي) هي التي أدت إلى حل البرلمان (رئيسه هو زعيم الحركة الإسلامية) وإعلان حالة الطوارئ وإلغاء التعديلات الدستورية، وبعدها أعلن الرئيس تجميد الأمانة العامة للتنظيم وتجميد الأمانات المتخصصة وتجميد أمانات الولايات، وبذا اصبحت السلطات كلها بيد رئيس الجمهورية وعادت الإنقاذ إلى المربع الأول (عسكرية). يقول الأستاذ المحبوب عبد السلام : ” استدار الزمان كهيئته إذن، وكما بدأت الانقاذ ببيان عسكري أوّل في 30 يونيو 1989، اختارت جماعة الرئيس الخاتمة ببيان عسكري في 12\12\1999م تلاه الرئيس بنفسه في أمسية الرابع من رمضان من العام 1420 هـ، أعلن فيه حل المجلس الوطني (قبل تمام أجله)، رغم أن حجة البيان الرئيسي، كانت أن المجلس انحلّ لـ(نهاية الأجل)، وإذ إن الدستور لا يعطي الرئيس ذلك الحق “. وحصلت المفاصلة بين تنظيم الحركة الإسلامية بقيادة الترابي، وبين دولة الانقاذ بقيادة البشير. يقول الأستاذ المحبوب عبد السلام : (لسنا أول حزب عقائدي انشق على نفسه، ولكن ظننا أن عساكرنا خير من أولئك وأن لهم براءة في الزبر).

ونختم هذا المقال بالقول أن أخطر التحديات التي واجهت الإسلاميين في سبيل إنجاح حكمهم وتجربتهم ، هي وفي سبيل مد الدولة بالعناصر القوية الصلبة (أقوى العناصر لأصعب المواقف) هاجرت هذه العناصر من قيادة التنظيم وقيادة المجتمع ومؤسساته هاجرت إلى الدولة، فأصبحت بذلك أقوى من المجتمع، وهذا عكس ما جاء به الإسلاميون ، وكما أوضحنا في بداية هذه المقالات أن النظرية الأساسية قائمة على فكرة (المجتمع المؤمن) وكما وردت في الاستراتيجية القومية الشاملة (المجتمع الرائد والقائد). يقول الترابي في حوار بمجلة (قراءات سياسية) وتحت عنوان (الانتقال من التنظيم الى الدولة) يقول : (إذا نظرت إلى قيادات الحركة جميعاً، حتى ولو لم يطلبوا الولاية، وقاوموا شهوات السلطة والتزموا حد الإسلام بذلك، فإنهم إذا تقدموا كلهم إلى الدولة بحجة أنهم أخلص وأفقه، فستُحرم الحركة التي ينمو بها المجتمع من قوتهم، وستصبح الدولة هي المؤسسة الأقوى، وستجنح إلى أن تكون دولة شمولية مطلقة، وسيُحرم  المجتمع من أن يكون فيه من يمكن ان يقوده ليكون هو الأساس للدولة كما ينبغي أن يكون”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى