فكر

تجربة إخوان مصر في الحكم بين الانبثاق والإخفاق

ملامح لتقريب الصورة (الجزء الرابع)

تتواصل في هذا الجزء بعض انبثاقات الصورة عن حال ومآل جماعة الإخوان من خلال رصد الباحثين والناقدين متابعين ومناوئين، من خلالها تخرج بعلامات ضوء يُهتدى بها في متابعة السير وحث الخطا، فلا يزال الطريق مليئا بأشواك الكيد وألغام المكر من متربصين وناصبي الفخاخ، للإيقاع بها في وادي التيه والفناء أو شباك التكبيل والتحجيم عن التمدد والتجدد، ولكن النصح والتصحيح كفيلان بكشف هذه الألاعيب والشباك والتآمر، ومن ثمّ تمزيقها والقفز عليها إلى حين مَرْسَى التمكين وصنع النماء والإباء في استخلاف الإنسان وبناء العمران ونهوض الأوطان، والشعار ” من لم يتفقد نقصه دام نقصه”.

(1)

دروس من تجربة الإخوان في الحكم[1]

بعد صعود الرئيس مرسي رحمه الله تعالى بعام بعد أدائه اليمين الدستوري في 30 يونيو واجه ضغوطات نتج عنها فشل في الإدارة هذا الفشل محل تساؤل عن أسبابه هل لعوامل ذاتية وموضوعية؟ بمعنى فشل أم إفشال.كما تساءل باحث عن طرق نجاح حكم الفاعل السياسي في سياق التحول الديمقراطي الثوري.

يجيب الباحث المصري عبد الرحمن حسام بإجابات موجهة على أداء الرئيس مرسي، بالآتي:

– الوعي باللحظة التاريخية ومقتضياتها وإعادة تعريف نفسك وبناء هياكلك التنظيمية والفكرية وفق هذا العهد.

– إدراك حقائق اللعبة السياسية.

– تصحيح الأخطاء قبل فوات الأوان .

– الوفاء بالتعهدات السابقة .

تجنب الإقدام على مغامرة تفوق طاقتك قبل الاستعداد الكافي.

– حيازة ثقة النخب والفاعلين السياسيين .

– تحويل عملية الفوز في الانتخابات إلى قاعدة سياسية فعالة .

وأعتقد أن جماعة الإخوان لم تحقق هذه الخصال وأنها انضمت للثورة لاحقا وسارعت للمصالحة مع نظام مبارك مقابل بعض مكاسب سياسية وظهر هذا في لقائها بعمر سليمان .

لم يستطيعوا بناء مشروع للتغيير وبناء جسور مع الآخرين المختلفين أيديولوجيا وفكريا وسياسيا وسعوا بانتهازية ليكونوا جزءا من الدولة عبر الانتخابات.

ومقتضيات اللحظة تتطلب السعي في هيكلة مؤسسات الدولة وإصلاحها (الجيش والبيروقراطية الحكومية والامن والقضاء والاعلام)،  ولكن الإخوان أبقوا عليها للحلول محلها وتوظيفها لصالحهم، غير أن مسألة الهيكلة والإصلاح – حسب  رضى فهمي تعقيبًا على هذا  الطرح – كلام نظري فيه  قدر كبير من التبسيط والتسطيح،  إذ من  سيسمح بهذا الأمر في ظل حالة من التربص على المستوى المحلي والاقليمي والدولي، ورأى رياض أنَّ اللحظة الثورية  تقتضي أولًا: إخضاع أماكن النفوذ والتأثير  في الدولة وتحييد كل مكامن الخطر في داخلها وبسط السيطرة لتكون البيئة  خالية من المنغصات  وتساعد على حالة الإصلاح الشامل الكامل، وكل فكرة تستبعد شل أركان الدولة العميقة أولا كلام مستهلك لا ينبني عليها عمل وحرف للبوصلة عن الاتجاه الصحيح، فمقتضيات اللحظة بسط الثورة سيطرتها على كل أطراف الدولة في غضون ٧٢ ساعة الأولى من لحظة  الانفجار، وكلما زاد الوقت عن ذلك تعقدت الأمور أكثر فأكثر هذه خلاصة الثورات التي شرعت في تحقيق اهدافها.

والأصل بناء جبهة ثورية من كل القوى الثورية والسياسية والشبابية والعلمانية لمواجهة الدولة العميقة والجيش الذي عزز سلطته بعد إزاحة مبارك، ولكن الإخوان قرروا استراتيجيا التحالف مع الجيش لأخذ نصيب من السلطة معتقدين أن رضى الجيش والدولة العميقة معزز للمصالح السياسية للإخوان

بينما يرى الاستاذ رضى فهمي أن خطأ الاخوان الاستراتيجي هو رهانهم على إمكانية ترويض المؤسسة العسكرية واستيعابهامع افتقاد الجماعة إلى أدنى مهارات هذا الترويض خاصة أنها كتاب مفتوح لخصومها ويعرفون نقاط ضعف ها أكثر من معرفتها هي بنقاط ضعفهم وجزما لم يذهبوا بنية التحالف مع العسكر وإنما السعي إلى استيعابهم وهذا يكشف عن مستوى غير مسبوق من السطحية والسذاجة التي كانت تدار بها الأمور داخل الاخوان .

وهم بهذا السعي نحو الجيش والدولة العميقة قوضوا قوة الشارع والشباب الثائر ونفروهم منهم وجعلهم يواجهون الجيش مستقبلا وهم مكشوفو الظهر وسيستغله الجيش.

لم يستطع الإخوان تنظيميا إعادة طرح أنفسهم للمجتمع بما يلائم الواقع الجديد بعد الثورة فهياكل الجماعة الصلبة منعت من التفاعل بنجاح مع التغيرات المجتمعية العميقة والسريعة ولم يعيدوا النظر في منهجهم الاصلاحي وتثوير سلوكهم وقواعدهم السياسية.

لم يدرك الإخوان حقيقة ما يدور في المشهد السياسي فغرقوا في وهم استيعاب قيادة الجيش و لم يسعوا لإصلاح ميزان العلاقات المدنية والعسكرية في مصر وأولوية إخضاع الجيش للسيطرة المدنية سواء عندما اتخذ الجيش خطوات تشريعية لإفراغ السلطة وقرارات الرئيس من أي سلطة ومعنى، مع أن الإخوان دعموا التعديلات الدستورية التي فرضها الجيش بعد تنحي مبارك وضمنوا للجيش مصالحه السياسية والاقتصادية في دستور ٢٠١٢م.

ولم يدرك الإخوان حقيقة تحالف الجيش المؤقت معهم وهو اعتقاد الجيش باستطاعة الإخوان والقوى الإسلامية الأخرى تعبئة الشارع لدعم سياسية المجلس العسكري ويمنع فرصة التحالف المحتمل بين الاخوان والقوى العلمانية والشبابية الأخرى وبالتالي يعزل الإخوان عن الجميع.

انقلب العسكر على وثيقة السلم في ١٣ أغسطس ٢٠١١م التي تضمنت مبادئ فوق دستورية حصنت الجيش من الرقابة المدنية ومنحتهم سلطة واسعة على العملية السياسية في البلاد واحتج الإخوان على هذا، واعتبر الجيش أن هذا زعزعة للأمن وحذروهم وذكروهم ١٩٥٤م ، وحلّت المحكمة الدستورية مجلس الشعب المنتخب بعد تحرك الجيش في يونيو ٢٠١١م بعد انتخاب الرئيس مرسي، وحجتهم عدم دستورية قانون الانتخابات، وأدرك الإخوان ان هذا انقلابا عسكريا على الثورة، ولكنهم لم يتبنوا مسارا ثوريا .

يقول الأستاذ رضى فهمي: في الوقت الذي سعى فيه الاخوان لاحتواء المؤسسة العسكرية دون امتلاكهم مهارات أو أدوات لفعل ذلك، عمل الجيش على حرق الإخوان وإخراجهم من الحياة السياسية، والحكمة تقول: إذا قررت أن تذهب مع خصمك إلى لعبة الشطرنج ظل توقعك لتحركات خصمك والتماهي معه في عملية خداع استراتيجي بأنك غير واع بهذه التحركات بينما انت تنصب له فخا وتلقي له بالطعم فيسرع إلى ابتلاعه دون أن يدرك ان نهايته في هذه الخطوة فسيكون الفوز حليفك بالضبط هذا ما فعلته المؤسسة العسكرية مع الاخوان .

بمرور الوقت كما يقول الأستاذ رضى فهمي أيقن الإخوان أنهم خسروا رهانهم على ترويض الجيش أو احترامهم فانتقلوا إلى استراتيجية جوهرها تجنب الصدام معه، في المقابل سعى الجيش بكل ما يملك إلى الصدام مع الإخوان مبكرا وذلك لاختبار قدرتهم على مواجهة هكذا صدام، وللتأكيد على أنه جاء ليحكم منفرداً لا ليتقاسم السلطة مع أحد كما توهم الإخوان، وكان مقال الدكتور أحمد كمال أبو المجد الرسالة الأكثر وضوحا من المؤسسة العسكرية للإخوان بالإضافة إلى وثيقة السلم .

وقد بثّت  الحركة المضادة للثورة إشاعة أن الإخوان تحالفوا مع الجيش ضد القوى الثورية الأخرى لمكسب سياسي  وأنهم بانقلاب الجيش  بدءا من وثيقة السلم لم  يقوموا  بتصحيح مسارهم وتبني مسارا ثوريا لمواجهة الجيش وتسوية خلافاتهم مع التيارات السياسية العلمانية والشبابية بل تفاقم الخلاف بين مرسي والإخوان والقوى السياسية بعد إصدار مرسي الإعلان الدستوري المكمل ٢٢نوفمبر ٢٠١٢م،  مع أن هذا الإعلان حسب  رضى فهمي خطئ جسيم على اعتبار أنه منح نفسه صلاحيات واسعة في حين أن المؤسسة العسكرية ظلت تدير البلد خلال العامين من خلال العديد من الإعلانات الدستورية بالإضافة إلى أن مؤسسات الدولة في هذا التوقيت لم تكن تأتمر بأمر مرسي ما أظهره أمام الشعب بالشخص الضعيف

وفي حين أن هذه الخطوة لاقت ترحيبا كبيرا من عموم الشعب فإنها واجهت صدودا واعراضا من القوى الثورية من باب المكايدة السياسية والانحياز إلى العسكر.

يقول رضى فهمي: إن قبولهم منصب الرئاسة خطأ كارثي؛ لأن التركة التي سيرثها من يتولى حكم مصر بعد الثورة بالغة الثقل، وأنها كانت فرصة للجيش لوضع العراقيل لتفقدهم  شرعية الإنجاز ويستعين بهم للقضاء على أي بوادر ثورية لتغيير حقيقي، فضلا عن ذلك لم يكن لدى الإخوان خبرة بيوقراطية وتنفيذية في إدارة الدولة وظلت منذ تأسيسها وحتى انتخاب مرسي في موضع المعارضة ، وأن حسنة الاخوان تجلت على إسلامي  تونس حيث تعلموا الدرس مما حدث لإخوان مصر وخطوا كل خطواتهم محسوبة بحسابات من يسير على الشوك فهل اختلفت المآلات!!!!!

ومسألة عدم وجود خبرة بيوقراطية أو تنفيذية طرح لا يرى الأوضاع القائمة في المنطقة التي يحيا فيها الكل في دول العالم الثالث ، حيث القوى السياسية المعارضة تفتقد الخبرة البيروقراطية والتنفيذية ؛ لغياب عملية تداول السلطة، فمن أين للمعارضة أو حركات التحرر الوطني أن تكتسب هذه الخبرات والمهارات بينما لا تستطيع أن تسير بمحاذاة أسوار القصور الرئاسية فضلا عن أن تدخلها إذا اعتبرنا مثل هذه الخبرات شرطا لخوض التنافس على السلطة إذا لا مجال للتنافس على السلطة في هذه الدول.

لم يكن للإخوان خطة بيروقراطية وتنفيذية في إدارة الدولة، والإقدام على الرئاسة يتطلب إنجاز التحول من عقلية التنظيم المغلقة المحدودة إلى عقلية الدولة المتسعة المنفتحة كما فشلوا في التطور من حركة معارضة إلى حزب سياسي وهذا يعود لسيطرة أشخاص معدودين على صنع القرار داخل الجماعة وعملية الصنع هذه غامضة وسرية وغير خاضعة لموازين الشورى ودراسات حركة الإنسان اجتماعيا ونفسيا كما هو مرسوم في العلوم الانسانية والاجتماعية، واستطلاعات الرأي ، وقوانين التأثير والاقناع.

وما اعتاده السلوك التنظيمي لإخوان مصر يشبه بحسب باحثة سودانية الحركة لسودانية وأهمها صراع الحركة مع الحزب ، والسياسي مع التنظيمي، و من يكون الرئيس وحدود صلاحياته ، و بما أنه رئيس حركة فترة طويلة فهو أحق برئاسة الحزب والحكومة والدولة وهنا حصل خلاف بين الشيخ حسن الترابي رحمه الله رئيس الحركة والتنظيم ومفكرها وبين العسكر وفيها إشكال مع اختلاف التجربة السودانية عن التجربة المصرية فالبشير منظم من داخل الجيش، كذلك الدعوة إلى السلمية فترة الثورة حين تعرض الناس للسلاح،  وهنا تحتاج المفاهيم إلى اتفاق عليها داخل مكون الحركة الإسلامية وهي قضية المقاومة وشروطها والثورة ومعناها والتأصيل لها مقاومة سلمية بنفس المقاومة العنيفة والدفاع عنها.

01 تجربة إخوان مصر في الحكم بين الانبثاق والإخفاق

كما يبرز سؤال تجربة الإسلاميين في الحكم هل أدت لأسلمة الحكم أو لعلمنة الإسلاميين بأفكار علمانية؟ وتبادل الخبرات أمر مهم بين الحركات الإسلامية ، وهنا ذهب الشيخ  حسن إلى مصر بعد الأحداث ووقف على الأحداث وقدم  لها النصح ومنها التآلب الغربي الأمريكي الاسرائيلي على التجربة الإسلامية وتكالب الإقليم ودول عربية بعينها ضد المشروع ومحاولتها معاكسته ، كما وضح تجربة الاحزاب السودانية المعارضة وكيف حاولت تسقط التجربة السودانية  كما تطرق لمسألة الانقسام الذي حصل بين الإسلاميين ونصحهم بالاكتفاء بالانتخابات البرلمانية وترك الرئاسة لأنها حمل ثقيل جدا و مسؤوليتهم  أمام الشعب المصري وتجاه العالم الدولي ستكون كبيرة ،  وسيفرضوا عليهم  السقوط، وما عندهم  وجود فضلا عن التوسع في المؤسسة الأمنية والعسكرية، والدولة العميقة متحكمة في البلد، والتجربة الإسلامية لم يُسمح لها بالتوغل، ولهذا نصحهم بعدم السعي وراء الحكم والرئاسة والاكتفاء بغيرها إلى أن يتوغلوا، وهذه النصائح والاقتراحات قوبلت بالاستخفاف والرفض والثقة بالنفس، وفي هذا يقول الدكتور  عصام عبدالشافي أنه في لقائه في الخرطوم بالدكتور حسن مكي في جامعة أفريقيا حدثه أنه أي الدكتور مكي ذهب شخصيا مع عدد من المفكرين إلى مكتب الارشاد في القاهرة في ذلك التوقيت وقدموا النصح وحاولوا أن يصلوا إلى المرشد في ذلك التوقيت ولكن كان هناك عدم الجدية على المقابلة وعدم الحرص على الاستماع، ولم يتمكنوا من مقابلته.

والخطأ الأكبر سماحهم بالفشل وعدم اتخاذ حائط ممانعة من الفشل والتفشيل، وينبغي لأي حركة تشتغل سياسة تجهيز سيناريوهات لكل ما يحصل ولو في المسارات الرئيسية في اللجان والعاملين والفاعلين والمسؤولين عن أجندة التعاطي السياسي، ولا تترك الأمور للزمن وهذا جعل حالة التلعثم والزلزلة حاصلة على مسار التنظيم وعدم التفاعل الجيد مع اللحظة الثورية.

وقع الإخوان في خطأ حسب بعض المراقبين وهو عدم استغلال الزخم الذي هو حصان طروادة في أي حدث واستغله السيسي وكان يمكن الاستفادة منه حين أقال المجلس العسكري مرسي، وكان لابد من عمل إجراءات قانونية راديكالية شاملة .

فلسفة الحكم عند الإخوان قائم على الحب وهو ما جعل الآخرين يفشلونهم ويمكنوا لعدوهم وخصم الثورة والأمة ، وهذه فلسفة لا يصح في أي مدرسة حكم في الدنيا، فالأب لما يربي أولاده يستحيل حكمهم بالحب، وليس هذا دعوة لمسارات العنف والترهيب غير القانونية، فأردوغان لما تجاوزت الصحفية حدها تعامل معها بالمسار القانوني بينما شيماء صحفية جاءت من السودان تطاولت على مرسي وهو ساكت ولم يقصف قلم في عهده .

السيسي لم يخدع الإخوان بحسب رضى فهمي كشاهد عيان ؛ وذلك إن السيسي من أول يوم كان واضحا، لم يذكر على لسانه قط سيادة الرئيس ولا شرعية الرئيس ولا الديمقراطية ، كلها كلمة إرادة الشعب، ولكن اعتمد الإخوان على تأجيل وعدم مواجهة السيناريوهات السوداء كطبيعة أي واحد ما عنده عقل استراتيجي ولم يجهز السيناريوهات، فالسيسي لم يخدع أحدا ومن يعرف الصراعات السياسية والحكم سيعرف أن السيسي من أول يوم وهو ينتوي الانقلاب على الحكم نفسه .

حازم أبو إسماعيل كما يحكي باحث أنه قال: بأنه درس الثورات المضادة والكتلوج أمامه ويفهم أكثر في الخطوات القادمة وماذا سيحصل ، فخطأ الاخوان السياسي شرعنت الدور السياسي للمجلس العسكري وأنها أعطته قبلة الحياة لما وافقت على وجوده في السلطة والإدارة الانتقالية وتركته بشكل منفرد يدير العملية الانتقالية بعد 18 يوما من الثورة .

الجماعة امتلكت النقطة الصلبة القادرة على التغيير السياسي وهذه أكبر عقبة أمام المجلس العسكري أنها تقف أمام الكتلة الصلبة والشارع وتفتته وتقف ضده في أي قرار يصدره، ولكن الإخوان لم يستفدوا من هذه الكتلة الصلبة والتي أغلبها شباب.

لم يتحلوا بالمرونة في الحركة على الأرض بالقدر الذي يجعل لهم حضورا سياسيا وهو جالس على الطاولة أمام المجلس العسكري أو غيره ، ففي أحداث محمد محمود لما صدر قرار عدم المشاركة اجتمع بعض طلاب الإخوان وقرروا المشاركة من أجل طالب أصيب في أحداث محمد محمود، ولكن مكتب الإرشاد عمل مشكلة واستنكر هذا القرار ولذلك كل الحركات الطلابية الأخرى عند جامعة القاهرة جمعت 150واحدا والإخوان جمعوا 16 ألفا فردا وهذا معطي للإخوان صورة ووزنا أمام الحركات الطلابية.

الجماعة تفتقد لوجود حس في التعامل مع العمل العام بالشكل الذي يجعل الكتلة القوية يعظم بها المكان.

علم نفس المقهورين مصطلح أطلقه المؤرخ المصري اليامي واعتبره الأكاديمي عصام عبد الشافي مدخلا نظريًّا مهمًّا لتحليل الظاهرة السياسية وخصوصا ما يرتبط بها من الحركات الاجتماعية ذات المرجعية الدينية أو ذات الأيديولوجيات الجامدة أو المتحفظة، حيث الفشل له مبرراته وله سياقاته وله أسبابه والافشال له سياقات ومبررات وأسباب، كما إن من المداخل المهمة سؤال كيف تعاطت حركة إصلاحية في بيئة ثورية؟ هل كانت تمتلك الأدوات والقدرات؟ وفي حال امتلاكها هل قامت بتوظيف ما تمتلكه؟ طبيعة البيئة، هل البيئة قدمت من الفرص والتهديدات الفاعلة ما استطاعت الجماعة أن تتفاعل معه بإيجابية وموضوعية أم التعاطي كان سلبيا في إطار ظرفية إقليمية أو ظرفية داخلية معينة؟

يقول بعض المتابعين: التجربة عمرها عام واحد، والانقلاب العسكري كان سيقع، حتى لو صعد إلى الحكم حمدين صباحي أو البرادعي أو نجيب ساويرس، فالمؤسسة العسكرية لديها قدرات وأدوات كبيرة وتغلغل وتوغل داخلي وخارجي وتستطيع مواجهة أي نظام سياسي يهدد المزايا والمصالح،

هذه إمبراطورية كبيرة تتعامل مع الدولة لا باعتبارها جيشا لدولة وإنما دولة لجيش والسيسي يوزع العطايا للجيش فقد منحهم ولاية 37 جزيرة و13 ألف كيلو متر للسطو، وهي مؤسسة ليست متغلغلة بنية وقدرات وأدوات فحسب، بل لها تحالفات إقليمية ودولية، فسياق تجربة الإخوان في مصر لا يمكن مقارنتها بتجربة الحكم في تركيا من 2002- 2020م أو تجربة تونس من 2011- 2021م ، وذلك للفترة الزمنية الكافية والكفيلة بالتحقيق والتحقق من مرادهم وسلوكهم.

منذ اليوم الأول لهذه الجماعة في الحكم يطالها الاستهداف الممنهج مع الاعتراف بوجود أخطاء مارسها ممثلو الجماعة في مجلس الشعب واالشورى وفي مؤسسة الرئاسة والحكومة وفي إدارة التحالفات السياسية الداخلية، ولكن يجب الالتفات إلى أطراف المعادلة وهي لاتنحصر في ثنائية الإخوان والجيش، ولكن إخوان في مواجهة جيش من خلفه منظومة إقليمية قوية ومنظومة دولية قوية تسعيان للحفاظ على موقع المؤسسة العسكرية لأنها الضامن للمصالح الاستراتيجية لهذه الأطراف في المنطقة وليس مصر .

يقول باحث هناك حديث مبالغ فيه أن الجماعة تمتلك الكثير وكان يجب أن تستخدمها، والانتقادات الموجهة للإخوان من المنتمين والموالين والمتعاطفين لكونها الكتلة الصلبة والكيان الأكبر وتمتلك من القدرات والخبرات والسياسات ما تستطيع أن تدير به مجموعة دول وليس دولة ، فهو انتقاد للقدرات والأدوات غير الموظفة التوظيف السليم في مرحلة مفصلية وتاريخية في تاريخ المنطقة العربية وليس دولة مصر.

الإخوان لم يصلوا إلى الحكم ولم يتمكنوا منه في أرض الواقع، ودرس عام 1954م لم يستفد منه الإخوان، وذلك أن العسكر تحالفوا معهم وضربوا القوى الأخرى ثم بعد ذلك تفرغوا للإخوان وهو نفس ما تكرر في 2011م .

المنظور المجرد يتصور أن الرؤية السياسية الحاكمة في التعامل مع المؤسسة العسكرية كان سيجنب الجماعة ما وقعت فيه أو يخففه.

هناك أفكار وتصورات لدى أفراد الجماعة لم تعلن عنها وذلك لوجود الإخضاع التنظيمي والشغل للجميع تحت سقف واحد فلا تفكر في أشياء ليست وراءها عملا، وربما تؤدي إلى إشكال داخل الجماعة فيحصل فيها تشاقق، والتجربة جعلت الأسئلة تحتاج إلى إجابة ولابد من وضع سيناريوهات لها، فكل فترة وأنت تمارس العمل السياسي وتنتقل من مرحلة إلى مرحلة لابد تبني رؤى وتصورات عامة ستستفيد منها عند حصول محطة التغيير .

المستقبل بيد الله، ولكن الأهم فكرة وجود رؤية سياسية واضحة عند فاعلين سياسيين تحكم طريق عملهم وهذا يتم من خلال بناء الخبرات ووضع تصورات وأفكار في هذا الموضوع ووضع الأشخاص المؤهلين في المكان المناسب فتكون المؤسسة قد استفادة من الأشخاص والأفكار في التفاعل السياسي.

01 تجربة إخوان مصر في الحكم بين الانبثاق والإخفاق

وقد رصد القيادي الإخواني عبد الحافظ الصاوي جملة من السلبيات والايجابيات، تتمثل السلبيات في:

– تأجيل العديد من الإصلاحات الاقتصادية إلى ما بعد 30 يونيو

– عدم مناسبة الخطاب السياسي للقدرات والمقدرات الاقتصادية

– تقديم لافتات لتبني قضايا كبيرة مثل الفساد

– تبني نموذج الاعتماد على الذات (سننتج سلاحنا وغذاءنا ودواءنا) وهذا أثار علينا غضب شركات متعددة الجنسيات لأن مصالحها ستتهدد.

– عدم الاستفادة من فتح قنوات مع شخصيات ومؤسسات نافذة في الخارج .

– عدم إبراز حالات النجاح لرجل الشارع باستثناء حالة الدكتور باسم عودة .

– حالات التردد في بعض القرارات الاقتصادية مثل ضريبة الدمغة.

– شكاوى بعض رجال الأعمال من عدم مشاركتهم في البرامج الاقتصادية .

– عدم الانسجام بين حكومة هشام قنديل وحزب الحرية في الشهور الأولى وبعدها حصل توصل إلى علاقات أفضل.

وأضاف الباحث المصري خالد فؤاد أن تحرك الإخوان واسع في دائرة واسعة لكنها غير مؤثرة لعدم حصول اتصال بالأنظمة والدول سواء في أوروبا وأمريكا، وذلك لسبب غياب رؤية داخلية متماسكة وإجماع شعبي ومثلهم كل من يتكلم عن الملف المصري من القوى السياسية غير واضحة ملامح الحل السياسي المطروح.

– محدودية العلاقات وضعف التأثير الخارجي .

– اتجاه الإخوان إلى عزلة إقليمية ودولية نتيجة أزمات داخلية متوالية وعميقة التي فاقمت من ضعف فعالية الإخوان الخارجية .

وتتمثل الايجابيات في:

– التوجيه لتبني نموذج التنمية الذاتية .

– تصدير رسائل إيجابية لشرائح المهمشين كالفلاحين والعمال والأم المعيلة من الرئيس مرسي وحرصه على مشاركتهم واهتمام الدولة بهم .

– طمأنة القطاع الخاص المحلي والأجنبي.

– انتعاش القطاع غير المنظم .

– العمل على خلخلة سيطرة الأجهزة الأمنية على مؤسسة الأعمال.

– مجلس الشورى اتخذ العديد من الخطوات الايجابية المتعلق بالموازنة وترشيد الانفاق بها.

– أصدر مجموعة من القوانين التشريعية التي تصب في صالح الاقتصاد المصري.

– مؤشرات التحسن في عام الرئيس مرسي قيمة الناتج المحلي من 1و6من 10 تريليون إلى 1و8من 10 تريليون.

– معدل التضخم ما قبل مرسي كان 8و7من 10 وفي عهد مرسي 6و9 من 10.

– اجمالي الإيرادات العامة ارتفع من 303 إلى 350.

– المصروفات ارتفعت من 470 إلى 588.

– تراجع العجز في الميزان التجاري.

– زيادة الصادرات وتراجع الواردات لأول مرة في تأريخ مصر من 34 مليار إلى 30 و6 من 10 نتيجة زيادة الصادرات وتراجع الواردات بنحو أربعة مليار.

– العجز في صادرات السلع والخدمات تراجع من 132 إلى 117 مليار.

ونتيجة هذه الأمور حصلت بعض المؤشرات السلبية وهي زيادة الدين المحلي والدين الخارجي ، وزيادة العجز في الموازنة العامة، ولكن هذا في إطار ما قدم من رعاية اجتماعية مقبول .

ويورد الباحث خالد فؤاد مجموعة من التوصيات لبناء فاعلية خارجية وثقل اقليمي ودولي لحركات التغيير لابد منها:

– مراجعة الأفكار التأسيسية لتأثيرها في تصور العلاقات .

– تماسك تنظيمي وفاعلية محلية.

– العمل المؤسسي وقيادات مناسبة لها قدرة بناء العلاقات وفتح قنوات الاتصال مع الخارج واستطاعة التفاوض.

– العلاقات الخارجية في العقل السياسي ليست من أشكال اللجان الداعمة وإنما جزء أساسي ومؤثر في مكون العقل السياسي.

وضوح واتساق الخطاب السياسي وذلك لسببين :

علاقته بجسمك الداخلي حيت لا يكون عنده انفصال ما بين اتجاهاتك وعلاقاتك الخارجية وما بين الخطاب الداخلي الذي تسوقه داخل الجماعة .

تبني ثقة مع الآخرين التي تتابع خطاباتك الخارجية والداخلية .

الخطر من الوقوع في فخ التوظيف ، فلا بد من نقطة حساسة وفارقة ما بين المصالح المشتركة بينك وبين الدول وما بين استخدام الدول لك وتوظيفك .

التقييم والتطور المستمر لأن السياسة الخارجية / الدولية ديناميك / برنامج ، فيها متغيرات عنيفة وسريعة جدا ، وأنت بحاجة للتقييم الجيد المتجدد.

من يريد أن يحدث تغييرا وإنجازا بحسب الدكتور عصام عبد الشافي عليه أن يكون في مستوى أدبياته وكوادره ويهتم بالعلوم التي تساعد في ذلك ، والدخول في ساحة العمل السياسي بخطاب وعظي وتربوي يؤدي إلى كارثة مثل مشهد مصر.

الدكتور جونو مدير مركز الوليد بن طلال  يقول: فشل مرسي أو نقاط ضعفه أمرا مفهوما لعدم تدربه في هذا المنصب، وعدم استعدادهم لهذه التجربة بعد فوزهم في الانتخابات، إضافة لنقص المعلومات والمعرفة لديهم ببناء حكومة في ذلك الوقت، مع خذلان الجيش وأقطاب الدولة لهم عن دعم الحكومة ولو كان أي رئيس لكان واجه تلك الأزمة الخارجة عن السيطرة، كما عارضه رجال أعمال مرتبطين بالنظام وكذا الكنيسة، و تطور المعارضة ضدهم لأسباب عديدة، وعجز الحكومة عن مواجهتها، وعدم تأييد أمريكا لهم إلى حد رفض أوباما تسمية الانقلاب عليهم انقلابا، وتعرض الرئيس مرسي بحسب  نادر هاشمي لحملة تشهير واغتيال لشخصيته لم يتعرض لها أي رئيس سابق، وقد تعامل معها بشكل سلمي للغاية وكان لاعبا ديمقراطيا فيما بعد مبارك.

وعدم القدرة على تقييم التحديات الكبيرة التي تواجهها مصر، وقد كان الأفضل لها أن تكون في المعارضة عوض أن تكون في الحكومة، وذلك لكون التوقعات ستكون عالية وما هو مراد من الحكومة كبير جدا، كما كان هناك سوء حساب لقدرة الجيش، واعتقادهم أن الجيش معهم وسيحمي الدستور، ولكن الجيش كان يحمي موارد الجيش أصوله.

وتتفهم الأمر الباحثة الدكتورة داليا فهمي بأن الإخوان كانوا في الرئاسة ولم يكن لديهم سلطة ، ودور السعودية والامارات واسرائيل فعال في مصر، وأن الإخوان كأيديولوجيا كانت قادرة على مواكبة التغيرات الاجتماعية والاقتصادية في الدولة، وتساءلت هل كان هناك استراتيجية للتعامل مع التحديات الداخلية والخارجية؟ بالتأكيد كان هناك القيادات الأولى والثانية والثالثة في السجن والذين في المنفي كان عليهم أن يقوموا بوضع استراتيجية لمعالجة هذه الأمور.

أما الباحث د. عبد الله العريان فيقول أن هناك اضطهاداً للإخوان وتدميراً لمشروعهم إقليميا ودوليا، إضافة لأزمة القيادة التي نتج عنها خلافات داخلية علنية لم تكن من قبل بهذا المستوى من التوتر،  بيانات للعلن، وعدم قبول فكرة الانتخابات داخل الصف وهي تحتاج لحل وإنهاء، وإعادة بناء القيادات وهي أزمة لا بد أن تحل.

كما أن بين السياسي و الدعوي ارتباط مباشر بالسمع والطاعة والقيادة الهرمية، وكان هناك إغلاق لبعض المناصب ولا يصل إليها إلا معنيون، وكان الأولى الفصل والتمييز بين الأمرين.

ورغم هذه الحرب على الإخوان فإنه يمكن لهم الحفاظ على برنامج الجماعة الفكري للجيل الحالي وهي تتعرض لتوصيف الارهاب والاشاعات؟

ويعتبر الباحث الدكتور سامي العريان أن الإخوان لم يكنوا ثوريين بما يكفي، والبعض يقول لم يقدموا تنازلات كافية ما مكن الجانب العسكري من التغلب عليهم وتغليب المعارضة العلمانية ضدهم،  والآخرون يقولون لم يكونوا على كفاءة كافية وكانوا يبالغون في اعطاء اعتبار للعسكر.

هناك تعبير أمريكي يقول من السهل أن نطلق الأحكام على الاحداث بعد أن تقع، ولكنه من الصعب بمراحل أن تقوم بأخذ القرار وسط الثورة ، وهذا أحد التحديات التي واجهت الاخوان وجميع الأحزاب التي تصدرت الموقف، وحاصرتهم الأسئلة: متى يجب أن تقدم تنازلا ، ومتى يجب أن تتشبث بموقفك؟ كيف تحقق تفكيك الهياكل العسكرية والاقتصادية للدولة ؟ وما هو الثمن وحجم العنف الذي قد يواجه به هذا المشروع، وإلى أين سيصل في مبتغاه؟

لابد من إدراك أن الثورات نوع من صراع القوة وإلى أي مدى كان لدى الإخوان ما يكفي من القوة للتحالف مع سواهم من الأحزاب والتحالف المدني وغير ذلك ؟

الإخوان المسلمون كانوا مهتمين للعمل مع مجموعات أخرى، ولكن تلك المجموعات لم تكن مرحبة بهذا التعاون وتلك المتطلبات تتطلب شراكات، لهذا سوف تكون هناك انتفاضة جديدة وستكون لحظة تاريخية جديدة ستظهر في مصر وغيرها، ومن المهم أن تكون هنالك رؤية لدى الإخوان لاستغلال تلك المرحلة ، هذا ما يجب التركيز عليه في المرحلة المقبلة .

وقد اضطربت تقييمات الباحثين حول حدث مصر فاعتبر الكثيرون الأمر فشلاً بينما اعتقد البعض بعقبات داخلية وخارجية، أي نوع من العوامل كانت أكثر أهمية وتأثيرًا؟

وحقيقة الأمر أنهم شاركوا في السلطة شكلا لا حقيقة، ولم يسيطروا على شيء، ولم يكن هناك تطبيق للسياسات التي وضعوها، والسلطة الفعلية كانت بيد الأمن والعسكر وقطاع الأعمال والاقتصاد، وكانت درجة الفساد القائمة لا تسمح بأن يسمع أي صوت يفسر ما الذي حدث.

لعل الفشل الاستراتيجي الأكبر هو اغترارهم بأنهم يمتلكون السلطة ومفاتيح السلطة، في حين أنهم لم يكونوا مسيطرين عليها حقيقة وكذلك عدم تمكنهم من النضج. كان لديهم القدرة على تجييش الناس والفوز في الانتخابات، ولكن ما فائدة ذلك وهم لا يستطيعوا قيادة الموقف إلى المكان الذي يريدوه.

لابد من التفكير بإعادة هيكلة الدولة بحيث يكون هناك مكان للأحزاب الإسلامية دون أي تهديدات ومخاوف أمنية. وقد استطاعت الأنظمة التلاعب بالدين والايديولوجيا والسياسة والمجتمع في الشرق الأوسط بعد عشر سنوات من الانقلاب، وقد حدثت تغيرات وتبدلات في حالة التدين في مصر والوطن العربي بحسب الباحث نادر هاشمي، فلم تعد مسائل الهوية هي التي تحرك الناس، بل حدث في المنطقة فقر جماعي وشعبوية منكسرة ومظاهرات حول أمور سياسية لإبقاء الناس على قيد الحياة .

جيل الشباب اليوم مختلف بسبب التكنولوجيا وتغيراتها، جيل معولم أكثر ولديه نظرة شمولية أكثر تختلف عن فهم آبائه، وهذا له تبعات فيما يتعلق بالأحزاب الاسلامية، ويجب على هذه الأحزاب أن تعي هذه التغيرات.

الحاجة إلى بحوث اجتماعية واقتصادية في سياقات معينة ملحّة، فالأمور التأسيسية المتعلقة بملايين الناس هي بقاؤهم على قيد الحياة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي وهي تستهلك الناس بشكل كامل يبحثون عمن يحل لهم هذه الأمور بطرق لم يكن لها صدى قبل سنوات طويلة، وهذا سوف يؤدي إلى تحدي أي مجموعة إسلامية كانت أم غير إسلامية .

وقد تساءل الدكتور عبد الله العريان هل لهذه الحركات دور في الحكم المستقبلي أم لا بد من ثورة؟ كل الطرق مغلقة في وجوههم ولم يبق إلا الثورة، ونموذج تونس قاموا باللعبة الديمقراطية وكل ما عليهم، ولكن لم يسمح لهم.

ما هو الخيار الذي تُرك لهم ؟ النظام العالمي والاقليمي والقوى العلمانية لم تسمح لهم بالمشاركة في السلطة، وهذا يضع الخيار أمامهم محدودًا أي لا خيار غير القوة، فالسياق معقد وربما تعتبر هذه الحركات أن الديمقراطية أكثر كذبة، وأنها سجل من الفشل.

الإسلام السياسي له الكثير من الأعداء في الدول التي يعمل فيها، والإقليم والنظم الأوتوقراطية والغرب كذلك، وموازين القوى تميل ضدهم، والتعامل مع الديمقراطية ليس كافيا فلا بد من التعامل بمزيد من الحكمة حتى ينجحوا، ولابد من الإجابة على هذه التساؤلات والبحث أكثر، فالإحباط يخيم على كثير ممن شاركوا في الثورة، وعلى النخب الاجتماعية أن تتصدر وأن تجيب عن هذه التساؤلات.

وقد أشاد الدكتور طارق الزمر بالثورة وتجربة الإسلاميين، واعتبر أن تجربة إخوان مصر في الحكم أسهم فيها الإسلاميون وآزروها وهي محكومة بمنهج الاخوان وطبيعتها التنظيمية، وأن تجارب تحرير الشعوب يجب ألا تستسلم لنظرية المؤامرة، وتحررات الشعوب تبدأ بانتصاره على المؤامرات والمخططات.

وأن الاعتذار من المؤامرة ليس له مجال في هذا السياق، بل يمثل فشلا وخطأ آخر يجب أن يتنزه عنه الثوار فقوى التربص والإفشال تعمل ليل نهار رغم عقبات ثورة يناير وتحدياتها، لكنها نجحت في وضع لبنات التغيير الأولى في مصر، وعمقت الوعي بضرورة التحرر من التبعية والطغيان، وهي على موعد استكمال النجاح، وعليها انتهاز الفرص مع تشكل الشروط الموضوعية الداخلية والظروف الاقليمية والدولية. فثورة يناير لم تفشل أو لم تستكمل نجاحها لعدة معايير منها:

الثورات الشعبية بطبيعتها تمتد لمراحل زمنية ولا تستقر إلا بعد تحقيق أهدافها ، فالحلم الذي أوجدته ثورة يناير لا يمكن تجاوزه او اقتلاعه مهما كانت المحاولات لتحويله لكابوس.

الثورات الشعبية تختلف في أشكالها وأساليبها ونضوجها حسب طبيعة المجتمع الذي تعمل فيه وطبيعة الثورة والأهداف الكبرى التي تتبناها، وفي مصر الشعب يستدعي الثورة بشكل أكثر بطئا ولا يستسلم كما هو الحال من مئتي عام ماضية.

الأحداث التاريخية الكبرى لا ينبغي الحكم عليها نهائيا في ضوء القراءات الآنية والمتعجلة لنتائجها، بل لابد من تقويمها في حقبتها التاريخية الطويلة نسبيا حتى يكون الحكم أقرب إلى الصواب.

الثورة الشعبية، حتى لو لم تحقق أهدافها ثورة على الظلم والقهر والتخلف والتبعية ضرورية إنسانية ، وكذا الثورة من أجل الكرامة والحرية والعيش اللائق بإنسان متسق مع فطرته وإنسانيته، وهي تمثل انتصارًا في مواجهة عملية تحويله إلى بهيمة لا إرادة له وآلة تتحرك بالدفع. الثورة حققت نتائج مهمة يمكن البناء عليها منها -:رغم حصول الإخفاق في استكمال أهم عناصر النجاح- هزيمة أهم طاغية في الشرق الأوسط وجعلته الثورة عبرة للطغاة ووضعت أركان حكمه وقادة حزبه في حرج بالغ حتى اللحظة رغم مرور 11عاما على الثورة، وكذا وحَّدت الشعب على مطالب جامعة هي إسقاط النظام والظلم، الشعب الذي كان مضرب مثل في عبادة الفرعون أصبح يتجرأ على الفرعون بدعوة رحيله وإسقاطه. ونجحت في جعل الحرية والكرامة لأول مرة واقعاً معاشا في مصر مدة عامين ونصف، وغرست قيما ومعان مهمة لا تزال قابلة للبناء عليها. فضحت الفساد الذي عانى منه الشعب طويلا، ورصدت أوكاره، وجعلت الغضب منصبا عليه بشكل كبير، مما اضطر النظام الإطاحة والتنكيل بالجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة. جعلت الطبقة السياسية تتعرف على بعضها بعد أن كانت سابقا جزرا معزولة عن بعضها، ووجود الفيتو على اقتراب بعضها البعض وإن لم تنجح في بناء أطر وتصور وتوافق يستطيع أن ينتصر للثورة وهو أحد أهم إخفاق الثورة . أجبرت مزوري الانتخابات مدة ستين عاما على إدارة انتخابات نزيهة اكتشف الشعب فيها نفسه واكتشف العالم تلهف الشعب لحكم نفسه ومزاحمة الديمقراطيات الكبرى حول صناديق الانتخابات . نجحت في إجبار المجلس العسكري على قبول رئيس مدني وأدوا له التحية اضطرارا ويتأدبوا في معاملته رغم كرههم له.

نجحت في تفتيت النواة الصلبة للاستبداد ولايزال يسير مضطربا حتى هذه اللحظة ولا يعرف طريقه وإن عرفه فإنه فقد السيطرة على ماكينة الاستبداد. نجحت في فرض منطق وأصول الثورة الشعبية المصرية وعلى ضمير كل دعاة التغيير في مصر. نجحت في جعل الطغاة يخشون الشعب ويتحسبون لغضبه بعد أن كان رقما مهملا لا يأبهون له. ألجأت النظام الخائف إلى اتخاذ كل الوسائل والسياسات والقرارات التي لا تجعل لهذا اليوم أثرا في مصر لأي لحظة قادمة.

10 01 تجربة إخوان مصر في الحكم بين الانبثاق والإخفاق

أسباب فشل الثورة وتعريضها لعدم الاكتمال هي:

– الفشل في إدراك طبيعة المؤسسة العسكرية في مصر وتحكمها في كل مفاصل الدولة والمجتمع وصعوبة تنضيج الإسلاميين لها في 18 يوماً لاستكمال وبناء قيادة تستطيع أن تستكمل الثورة.

– عدم النجاح في استثمار اللحظات الحاسمة لثورة الجماهير في الميادين والتي ينقصها الادارة الاستراتيجية والتوجيه السياسي. خطأ القبول بولاية المجلس العسكري كمن سلم القط مفتاح القرار. ترك الميادين .

– عدم استثمار أخطاء المجلس العسكري فترة إدارته وهذا كان سيهيئ الأوضاع لاحتجاجات جديدة كفيلة بتغيير الخريطة السياسية مثل أحداث محمد محمود ووثيقة على السلمي والاعلانات الدستورية المكبلة .

– عدم استثمار أخطاء المجلس العسكري فترة إدارته وهذا كان سيهيئ الأوضاع لاحتجاجات جديدة كفيلة بتغيير الخريطة السياسية مثل أحداث محمد محمود ووثيقة على السلمي والاعلانات الدستورية المكبلة .

– لم يتم استثمار هزيمة قوى الدولة العميقة في الانتخابات الرئاسية وقبولهم برئيس مدني لأول مرة في تاريخ مصر .

– فشل ثورة التخطيط لاستثمار منصب الرئاسة وما يمثله من الشرعية لقوى الثورة الحية في مهاجمة أوكار الدولة العميقة في قرارات وتشريعات تستند إلى الشرعية الشعبية والسياسية للرئيس أكثر من اعتمادها على الشرعية المؤسسية والقانونية .

– عدم التحرك السريع لمواجهة الدولة العميقة حين بدت مخططاتها منذ دعوة وزير الدفاع القوى السياسية للاجتماع في ديسمبر 2012م ، حيث أعطاها الفرصة لبناء شرعيتها .

– نجحت الدولة العميقة في خداع الرئيس وكذا القوى الأخرى وتعبئة قطاعات شعبية مهمة ضد الرئيس مرسي بوهم فشله في توفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين، وتم استخدام حصار شرعيته القانونية حتى تم تقييضه.

– لم يتم استثمار الغضب الشعبي في ميادين المحافظات ضد الدولة الفاشية التي قتلت الآلاف في رابعة وأخواتها.

– عدم الالتفات لنقد النظام داخل الساحة السياسية على مدى عقود طويلة وتجميله للعديد من عناصره فقد خدع الثوار بالعناصر التي كانت مزروعة داخل الساحة السياسية واستطاعت أن تقوم بدور مضلل وتفكيكي للقوى والمسار الثوري.

– إضاعة استثمار الارتباك السياسي للنظام وخاصة في أولى سنوات الانقلاب وبعد فرصة الإحراج الدولي في أولى سنوات الثورة والذي كان متعلقا بنظام وصل للسلطة عبر الانقلاب .

– إضاعة فرصة التضارب بين مصالح عدد من القوى الاقليمية والدولية خصوصا في التعامل مع نظام وليد انقلاب ، فكان هناك ارتباك وتحفظ وحياء وحرج في تأييده .

– إضاعة فرصة القنوات الاعلامية في الخارج مع نجاحها في التأثير الكبير، ولكنه لم يستثمر بشكل يحقق نجاحات حقيقية على الأرض .

– لم يتم استثمار الانتهاكات الواضحة والجرائم لحقوق الانسان بشكل يوازي مساحته المفتوحة عالميا في هذا المجال الحيوي عصر السماوات المفتوحة.

– عدم النجاح في إيجاد هيكل قيادي يمثل كافة تيارات الثورة .

– لم يتم استثمار الانتهاكات الواضحة والجرائم لحقوق الانسان بشكل يوازي مساحته المفتوحة عالميا في هذا المجال الحيوي عصر السماوات المفتوحة.

ثورة يناير لا تزال حية حاضرة قادرة على التنشيط، ولازال بالإمكان بناء مشروع سياسي يستعيد حيويتها ويكمل مسيرتها لكن وفق شروط وقواعد وأهداف واستراتيجية وقيادة جديدة .

بعد الذي حصل في يناير يتساءل د. الزمر هل يعتبر فشلاً تاما في كل الملفات والاتجاهات إلا من بعض الأمور ، حصلت نتيجة تطور اجتماعي وتاريخي طبيعي للمجتمع؟

فالتغيير العميق في الأمم يحتاج إلى يحتاج فترات طويلة وأكثر من دورة للوصول إلى ذلك ، فهل ما حدث إيجابيا للمجتمع والإخوان أم كله سلبي ؟

تحديد واستمالة قطاعات داخل النظام القديم،  فلم يكن الجيش وحده ضد الإخوان، بل هناك قطاعات أخرى كالقضاء والأمن تحمل عداء وشكوكا حولها بطبيعة نشأة هذه المؤسسات، وكانت قطاعات أخرى في الدولة تعتبرهم رجعيين تقليديين تجاوزهم الزمن إضافة للتخوف من سياساتهم المهددة لمصالحهم، فصممت هذه القطاعات على إفشالها ولم يتحرك الإخوان لطمأنة هذه القطاعات والتفاهم معها فضلا عن التحالف معها ضد القطاعات واضحة العداء.

بناء قاعدة سياسية فعالة ومستدامة يتطلب الثقة المتبادلة بين مكونات الثورة وخطابا سياسيا جامعا وعدم التخندق وراء سياسة الهوية الإسلامية ضد العلمانيين والمسيحيين .

يشير رضى فهمي إلى مسألة مركزية الدولة في عقل الإخوان فرغم عدائهم لها إلا أن تفكيرهم يظل دولتيا يتمركز حول الدولة لا المجتمع.

سعى الإخوان لسرعة الدخول في العملية السياسية وكان هذا نابعا من قناعة لديهم بمركزية الدولة المصرية، وإن موقع الرئيس هو الموقع الأهم وهذا صحيح بالقياس على الرئيس القديم حيث كان يأتي من داخل المنظومة ويفهم قواعد اللعبة، بينما مرسي جسما غريباً على المنظومة والدولة المصرية بكل مكوناتها: المؤسسات الأمنية والرئاسة والحكم والقضاء والإعلام، ورجال الأعمال ، والأزهر، والكنيسة.

مفهوم الشرعية والديمقراطية ليس مفهوما انتخابيا تغالبيًا غير تشاركي معتبراً أن الفوز الانتخابي يخول للمنتخبين البت في كل القضايا المصيرية، بل يتطلب تحويل الفوز إلى قاعدة شعبية فعالة ومستدامة وتمثيل ضمان متنوع للشعب في مؤسسات الدولة.

يعتبر رضى فهمي أن  من أكبر الكبائر التنظيمية التي ارتكبها الإخوان هو التربص بأبنائهم المشاركين في ائتلاف شباب الثورة وتعمد إفشالهم وحين لم تنجح الجماعة في إفشالهم عملت على تشويههم ثم إقصائهم وفصلهم، والحقيقة إن  تاريخ  الجماعة  زاخر بالعديد من الانتهاكات التنظيمية فقد فعلوا ذلك مع النقابيين ومع الرموز السياسية أبو الفتوح والعريان والبلتاجي ومع بعض الأقسام ولجان الجماعة منها على سبيل المثال لجنة فلسطين كل من قدم نموذجا وحالة نجاح بعيدا عن المجموعة التي تتحكم في مصير الجماعة ناصبته هذه المجموعة  العداء وشوهته وأطاحت به،  فالجماعة لم تعاد أحدا كما عادت أبناءها.

تجربة إخوان مصر في الحكم بين الانبثاق والإخفاق

(2)

لماذا فشل الاخوان في إدارة التغيير السياسي.[2]

الفاعلين الرئيسيين في التأثير على المشهد المصري هما الإخوان و الجيش وصعود الإخوان في الانتخابات ٢٠٠٤م و٢٠٠٥م و٢٠١١م لم يكن مستغربا والغريب هو عدم استمرارهم في السلطة لفترة طويلة، البعض فسر ذلك بعوامل خارجية كالعامل الإقليمي الذي لم يكن داعما للتحول الديمقراطي بشكل كاف وعدم قدرتها على بناء تحالفات وتوافقات فيما بينها، والبعض اعتبر المؤسسة العسكرية غير موافقة على التحول الديمقراطي، وهناك عوامل داخلية كان للجماعة قدرة السيطرة عليها .

وهذه التفسيرات لا تغني وتعفي عن سؤال : لماذا تفشل الحركات السياسية في إدارة التغيير السياسي أثناء مراحل التحول الديمقراطي؟ والجواب من وجهة نظر باحث أن غياب مشروع سياسي واضح المعالم عند الإخوان وغيرها من التيارات سبب للتخبط في إدارة التغيير السياسي، بالإضافة لمقاربة السياسة من منظور الدعوة السياسية في موقع المعارضة وليس من منظور حركة سياسية تسعى للوصول إلى السلطة، فالدعوة السياسية شكل من أشكال المشاركة الانتخابية في الانظمة السلطوية ليس من أجل الفوز والتأثير على السياسة أو التحكم في الموارد بل لهدف نشر رسالة المنظمة وتوسيع نفوذها لهدف التاثير الاجتماعي والتغيير السياسي، وهنا المشاركة ليس لإعادة توزيع السلطة والثروة أو إدارة السياسات العامة بشكل مختلف، ومقاربة السياسة بهذه الطريقة ينتج عنه  غياب المشروع السياسي المتكامل المتجانس

السياسات الاقتصادية

في الخمسينات والستينات تجد التنظيم ومنظريه يميلون إلى فكرة الإسلام الاشتراكي ولما جاءت فكرة السوق المفتوح فترة السادات وذلك من خلال اهتمام مجموعة التجار الذين هاجروا الخليج وعادوا للمشاركة ولا تمتلك الجماعة رؤية متمكنة ولم تقم بتقديم إجابات على السياسات الزراعية والصناعية.

وقد ظهر نخبة رجال مال وأعمال في الجماعة من قبل ٢٠١١م لها تأثير وفي صالح التنظيم الحفاظ على خطابها.  كما إن هناك ازدواجية وإشكالية في علاقة الرئيس بالتنظيم في قدرة اتخاذ القرارات وتنفيذها. وبعد انقلاب ٢٠١٣م وتعرض الجماعة لاستئصال ظهرت خلافات وصراعات فسرها بعضهم بأنها خلافات إدارية و لائحية وآخرون قالوا خلافات حول السلم والعنف،  فمن يقرر مصيرها و يتحكم في عجلة القيادة لتوجيه مسار الجماعة .

٢٠١٤م _ ٢٠١٥م خفتت فاعلية التنظيم حول التفكير السياسي والأهداف الاستراتيجية وهي تحت القصف والضغط الأمني الشديد.

يقول رضى فهمي في عام ٢٠٠٧م في سجن المحكوم وهو معتقل مع مجموعة دار نقاش بين القيادات الوسيطة في احتمالات وصول الإخوان إلى الحكم كان الرأي الغالب عدم وجود مؤشرات لذلك، وأن هذا من اللغو الذي نهينا عن الحديث فيه، واستدرك أحدهم الكلام قائلا حتى لو عرض علينا الحكم فلن نقبله من حيث المبدأ، فنحن نريد أن نحكم بالإسلام بغض النظر عمن سيحكم فضلا عن أننا لسنا طلاب سلطة، وكان السؤال ماذا لو وقع الحكم في ظروف استثنائية وقاهرة في نفس الوقت في حجر الإخوان خاصة وأن قطاعا كبيرًا من الناس يرى أن البديل الوحيد المؤهل لحكم مصر في حال سقط النظام لأي سبب من الأسباب هم الإخوان، وهنا طُرح سؤالٌ هل لدينا مشروع للحكم، ظل الجميع ينظر حوله دون الحصول على إجابة من أحد، هل نملك من الكفاءات ما نسد به الفراغ في حال حدوث هذا الاحتمال المستبعد ؟ بكل حماس نعم لدينا قيادات قادرة على ملئ الفراغ.

هل لدينا ظهير إقليمي ممكن الاستناد اليه؟ هذا الوقت لا توجد إجابة.

تجربة إخوان مصر في الحكم بين الانبثاق والإخفاق

كان هناك تيار واسع داخل الجماعة يعتبر أن الوصول لحكم مصر لا ينبغي أن يشغلنا أو يكون على أجندتنا، وبالتالي كان غياب المشروع السياسي أمرًا طبيعيًا ومن ثم يصبح الحديث عن وجود حليف إقليمي أو دولي نوعا من الترف الفكري ، ولا شك أن غياب المشروع السياسي وكذلك الحليف والداعم الإقليمي والدولي أضعف من قدرة الاخوان على إدارة المرحلة الانتقالية بشكل مقبول في بلد مهم كمصر .

من سخرية الاقدار أننا في مصر تعاونا مع غزة لوضع مشروع سياسي لحكم هذا الإقليم الصغير في ظل تعذر تشكيل حكومة وحدة وطنية، حيث رفضت حكومة فتح المشاركة في هذه الحكومة ظنا منها أن هذا من شأنه إفشال حركة حماس، في المقابل لم يلفت انتباه صناع القرار في جماعة الإخوان أن حماس وصلت إلى الحكم اضطرارا لا اختيارا، فقد ذهبت إلى الانتخابات للحصول على الثلث المعطل فإذا بها تصعد إلى الحكم منفردة، لم يلتفتوا إلى أن تضع الجماعة الأم مشروعا للحكم ليوم هو من ضمن مراحل الجماعة  الفرد الأسرة المجتمع الحكومة، هذا تدرج طبيعي أن يكون لك وأن تعمل مشروعا للحكم أو لهذه الحكومة كان يشار لمشروع الحكم في الأدبيات، لكنه كان غائبا في الواقع.  المشروع السياسي له تأثير على إدارة العملية السياسية أي الربط بين الأفكار المكتوبة في البرامج والسياسات وبين الواقع المادي الذي تتحرك فيه هذه الافكار وتتفاعل معه، لماذا لم تستطع الجماعة التفاعل مع هذا الواقع بالقدر الكافي؟

لم تكن المشاركة في الانتخابات من أجل الفوز بالمقاعد والتأثير في هذه السياسات، كان الهدف نشر الدعوة، فغابت السياسة وحضرت الدعوة، والقسم السياسي في جماعة الإخوان ضمن الإطار الشكلي للتنظيم، وتتوجس من السياسة والسياسيين، وتعمل على تهميش وتحييد النابهين منهم كجمال حشمت وأبو الفتوح والعريان والبلتاجي. كان هناك قبة اسمها القسم أو اللجنة السياسية، لكن قبة وليس تحتها شيخ، كل القرارات السياسية يتم تدارسها واتخاذ السياسات بشأنها من خلال مكتب الإرشاد، ثم يبلغ بها الشُعَب ثم يبلغ السياسي عبر مسؤوله في الأسرة والشعبة.

سياسة الاخضاع التنظيمي كانت بديلا عن الانفتاح على الأفكار وتلاقحها وانضاجها في جو من الحرية وعنصر الأمان التنظيمي، وتحسم خلافاتها من خلال إجراءات استثنائية بالفصل أو التجميد على طريقة اضرب المربوط يخاف السائب، وتواجه أصحاب الرأي المخالف بعنف يفوق عنف الدولة، أحيانا تغتال المخالف معنويا بينما كانت الدولة تمارس نوعا من العقوبات المادية والجسدية وهذا متفهم من الدولة باعتبارها خصما بينما الجماعة فهي تحمل قيم الإخاء والوفاء والولاء.

تعاني الجماعة حالة رهاب أو وسواس قهري تجاه التغيير في حد ذاته وليس محتواه؛لاعتباره تهديدا للتنظيم في استقراره وتماسكه وبقائه، وبالتالي تميل القيادة إلى بقاء الاوضاع على ما هي عليه خوفا من المجهول الذي سيأتي عبر هذا التغيير .

يقول الباحث محمد الهامي تقييم تجربة حكم مصرية داخل بيئة إقليمية داخل بيئة دولية المنظور الأفضل فيه هو منظور علم نفس المقهورين، وليس المنظور السياسي،  ومن يقرأ لباحثين حول تجربة الإخوان وتقييمهم أن الاخوان سقطوا يتصور أن الإخوان سقطوا في انتخابات قادمة ولا يتصور أنهم أزيحوا بانقلاب عسكري، وأن المسالة الأساسية في هذه الإزاحة أنها مسالة عسكرية أمنية سلطوية تعتمد منطق القوة وتجاهل هذا الأمر يشوه قراءة التاريخ .

نتفهم السقوط لو انفض عنهم الشارع، لم يحققوا ثقة الأحزاب السياسية الأخرى، عندهم ازدواجية في القيادة ، عندهم تأجيل الأسئلة المفصلية، لديهم عدم وضوح في الرؤية السياسية، كل هذا يمكن أن يكون مؤثراً ومؤشرًا إذا كان السقوط بعد عام من الانتخاب سقوطاً طبيعيًا لا السقوط بالقوة العسكرية البحتة. وما يقال عن أنها جماعة وحزب، وازدواجية القيادة بين مرسي والشاطر، هذا لم يكن مؤثرا في المسار السياسي ولم تكن هناك انقسامات واضحة ومؤثرة بين مرسي والشاطر بحيث يكون علنيا ويؤدي إلى سقوط التجربة، وكونه ليس لديهم رؤية واضحة وبرنامج متكامل واضح المعالم هذا كلام لا تملكه أي ثورة قبل أن تنطلق، بل كان لدى الإخوان بعض التفكير ولديهم كوادر في أقسام العلوم الشرعية في الجامعات.

إذا نظرنا إلى مشروع النهضة هذا العملاق الذي شُوِّه كثيرًا فيه قواعد قوية جدا لبناء تجربة إسلامية قوية. هناك كثير من التجارب الإخوانية التي تخوفت من السلطة منها في العراق الاردن المغرب تونس اليمن وهي تجارب آلت الى ما آلت اليه تجربة مصر.

حصل في الإخوان تخفيف الأيديولوجيا إلى الحد الذي لم تعد مواقفها واضحة، ولم يعد مفهوما ماذا يعني الإسلام السياسي الذي يدعوا إليه الاخوان، فالحركة التي تفقد هويتها تفقد معناها الرسالي، تفقد اتجاهها الواضح، لا تستطيع أن تدعو إلى شيء،  الذي يستطيع أن يتوافق مع الجميع الليبرالي واليساري بين الاسلامي والعلماني بين الدولة والثوري وبين نظرية تمكين المجتمع وبين نظرية نقدها بشكل طبيعي لا يستطيع أن يصدر تصريحاً هذا عيب بنيوي سبق ثورة يناير.

بعد المحنة الناصرية تحاول الجماعة أن تبحث لنفسها عن وجود في بيئة سياسية ترفضها وهي دخلت في هذا المأزق. الإخوان أصل نشأتها وتكوينها هو رسالة تغييرية لهذا الواقع، وهي حاولت بعد المحنة أن تتوافق مع هذا الواقع، فشيء طبيعي أن تفقد عناصر القوة، تفقد الوضوح في الخطاب، ولذلك كثيرا ما كانت تتردى سياسيا .

الاعتماد في الكتابة عن تجربة الاخوان على باحثين أجانب في أمر شهود عيانه حاضرون أمر غير دقيق التحليل، فالأجنبي  مهما بذل من المجهود في الوصول إلى حقائق في بحث قضايانا فلا يمكن أن يصل إلى حقيقة الأمور التي نطق بها من يعيشون في مجتمعاتنا، فهناك  فوارق وفجوات ثقافية وهناك انتقائية في البحث والتحليل ، هذا الباحث الأجنبي إما يجيد العربية أو لا ، وهو إن لم يجد العربية فلن يتكلم إلا مع الاطراف التي تجيد الانجليزية، وشباب الثورة الموجودون في الميادين يعدون بالملايين، ومن يجيدون الانجليزية من الموجودين في الميادين  للتحدث في القضايا السياسية عدد ضئيل ،  وبالتالي إذا اقتصر على هذه الشريحة فهو يقتصر على شريحة غير معيرة، وإذا كان يجيد العربية ففي الواقع إنه لن  يستطيع  أن يخرج خارج النخبة التي تقدمها له القنوات الفضائية والصحف، فمعرفته لا تتعدى هذه النخب التي تتخيرها وسائل الإعلام  في بلادنا سواء في بنيتها الدولية أو كونها أحد ثمرات رجال المال والأعمال التي أنشأتها،  فهي ركزت على تلميع شريحة محددة من هؤلاء الشباب.

ائتلاف شباب الثورة  لم يكن مؤثرا في أي لحظة من لحظات الثورة لا 8 يناير ولا 25 يناير ولا يمكن التقليل من أدوارهم وجهودهم، ولكن أن يوضع ائتلاف شباب الثورة الذي تشكل قبل الثورة لست سنوات في مقابل الإخوان المتغلغلة في المجتمع من 80 عاما، ومع التيارات الإسلامية المتغلغلين في المجتمع من 20 عاما ثم يقال الإخوان غدروا بائتلاف شباب الثورة حقيقة لم يكن هذا الائتلاف مؤثرا ، ثم إن ائتلاف الثورة تعرضوا لحملة يعذرون في بعضها ولا يعذرون في بعضها ، حتى إنهم جعلوا من أنفسهم قيادات ثورية حقيقة وصاروا يتعاملون مع الاخوان بازدراء وتعال واحتقار ولا يشركون الإخوان في قرارهم ولا حتى يعاملونهم بندية وانما اذا استجاب الاخوان فهم استجابوا للثورة وإذا رفض الإخوان الاستجابة فهم انتهازيون مغرضون ، هذا ما تم.

الحديث عن نكث الوعود لدى الإخوان يمكن أن ينكثوا الوعود داخليا،  إذا قيمنا الاخوان داخليا، الاخوان قالوا لن ننافس إلا على ثلث البرلمان ولا نرشح للرئاسة، لماذا فعلوا هذا؟ لأنه ضمن علم نفس المقهورين يريدون للثورة أن تنتصر، يريدون تسهيل القرار الدولي لإزاحة مبارك، ما الذي حصل ؟ الذي حصل أن ائتلاف شباب الثورة بوقوعية تحت ضغط العلمانيين والقيادات الكرتونية مثل محمد البرادعي أصروا أن تكون الانتخابات بالقائمة، حين أصروا أن تكون الانتخابات بالقائمة لم يكن أمام الاخوان إلا أن يترشحوا في كل المقاعد هذا هو النظام ، لو أن الانتخابات موجودة بالنظام الفردي يمكن محاسبة الإخوان على ترشيحهم أكثر من الثلث وإخلافهم ، لكن كان هناك ضغوط سياسية قالت لهم إن الانتخاب الفردي سيجعل الاخوان يفوزوا كونكم غير معروفين لكن ندخل بانتخابات القائمة، على أساس الذين لا يحبون الإخوان، ونشتغل بالإعلام ينتخبوا غير الاخوان من الاحزاب المدنية. الذي استفاد من القائمة هم السلفيون؛ لأن من لا يريد الإخوان ويحتاج إلى دين ذهب إلى السلفيين فإذا بالذين لم يكونوا في المجال السياسي يصبحوا القوة الثانية في مصر .

قالوا لن نرشح رئيسا لكنهم استمروا في العمل حتى صاروا بين اختيارين القصر أو القبر .

فازوا في الانتخابات وحققوا الأغلبية لم يستطيعوا إزاحة كمال الجنزولي رئيس الحكومة ثم في تشكيل الحكومة فال لهم المجلس العسكري أنا سآخذ العشر الوزارات السيادية وأنتم بقية الوزارات وقرار حل مجلس الشعب في درج المحكمة الدستورية يبقى هنا الترشح أمرًا إجباريا خصوصا والمنافسين عمر سليمان وأحمد شفيق والإثنين جاءوا بتهديدات واضحة لإنهاء هذه الثورة .

وهنا لا ينفع القول إن ترشيح الاخوان للرئيس أو منافستهم لمقاعد البرلمان كان من نكث العهود هذا كان من اضطرارات الوضع المعاصر.

لم يستطيعوا بناء مشروع مشترك للتغيير وإقامة جسور مع المختلفين معهم فكريا وسياسيا لا يسمى انتهازية، ممكن الانتهازية داخلية.. الثورة بالنسبة للإخوان كانت زلزلة وعندهم هلع للتغيير، الثورة التي زلزلت الوضع جعلتهم يخافون من أن تنقلب الأمور عليهم مثل عام 54م، فكان سعيهم المحموم تجاه الانتخابات واستكمال المسار الديمقراطي لمصلحة الشعب أو غيره لا يهم، لكن كل ما كان يهدد ويعرقل ويؤجل الانتخابات واكتمال مجالس الشعب والشورى كانوا يرفضونه، المجلس العسكري يقول: نريد استقراراً من أجل الانتخابات، وهم يقولوا نريد استقراراً من أجل الانتخابات ، أحداث محمد محمود قبيل الانتخابات الأمريكية، وربما تبقى ذريعة يتخذها المجلس العسكري للانقلاب على الثورة.

تجربة إخوان مصر في الحكم بين الانبثاق والإخفاق

سؤال مهم في هذا السياق: هل ذهبوا بأنفسهم بداية لترشيح رئيس، والجواب لا ، بل عرضوا على طارق البشري وحسام العرياني وعلى غيرهم من الناس أنهم يترأسوا فرفضوا ، هل أرادوا الانفراد بالحكومة، والجواب لا، بل عرضوا على كثير من الناس بمن فيهم ائتلاف شباب الثورة، ولكنهم كانوا يرون الموقع الذي يحاسبون فيه الإخوان دون أن يتلوثوا بالحكم بمن فيهم وائل غنيم ووائل خليل ، فالإخوان كانوا حريصين  على اكتمال المراحل الدستورية،  وفي هذا الحرص وصلوا إلى حد أن تخلوا عن مبادئهم وهذا التخلي فهم من أجل الوصول إلى مرحلة الأمان، خائفين من أي لحظة انقلاب عسكري، وبالفعل هم لم يقعوا في مرحلة الانقلاب العسكري إلا حينما دخل عليهم السيسي بوجهه المطمئن التخديري، هذا الذي أوقعهم في الانقلاب العسكري، و ظل الإخوان خائفين من المجلس العسكري حتى في فترة السيسي ظلوا إلى أن أتى من أمنهم السيسي وخذرهم ساعتئذ وقعوا في الانقلاب العسكري، لكن حتى هم تجاوزوا الاعلان الدستوري الذي هو الاعلان الدستوري، مثلا  الاستفتاء 19/ مارس، هل مسألة الاستفتاء كان هروبا من الإخوان ناحية الناس  يستولوا على البلد غير صحيح أبدا، الخطأ الوحيد الذي ارتكبه المجلس العسكري أنه اختار لجنة نزيهة لكتابة التعديلات على رأسها طارق البشري وكانت متنوعة فيها المسيحي والوفدي والإخواني والليبرالي، هذه التعديلات التي كتبتها هذه اللجنة كانت في غاية الاحكام، تجري انتخابات مجلس الشعب، وهذه الانتخابات تفرز لجنة للدستور، لجنة الدستور تكتب وبالموازاة تكون الانتخابات الرئاسية بحيث لا يؤثر الرئيس على اللجنة، وتكون اللجنة معبرة شعبيا عن الطائفة المصرية، ويأتي واحد ويقول اللجنة لم تكن معبرة عن الشعب، وأدت إلى انقسام وطني حاد، هذا كلام غير صحيح وفيه ظلم كبير.

اللجنة كانت منتخبة من مجلس الشعب بنزاهة ثم تنازلت الجماعة الاسلامية عن نصيبها في مقاعد الدستور لتحقيق الوحدة الوطنية مع أنه فصيل موصوف بالتطرف، بينما لم يتنازل العلمانيون قط، ولا يوجد واحد من الأحزاب الوطنية تنازل عن مكسب من المكاسب.

لم يحصل تحالف من الإخوان مع السلفيين، بل تحالفوا مع العلمانيين وأغلب القيادات العلمانية التي نجحت في الانتخابات كأمين اسكندر وحمدين صباحي وغيرهم نجحت على قوائم الإخوان

والجماعة الإسلامية تحالفوا معا بما سموه التحالف الاسلامي.

تُتهم الإخوان بتأجيل خلافاتها وترحيلها بما يشي بأزمة قيادة وجماعة، ولكن تأجيل الخلافات ليس عيبا من أي مؤسسة حتى البيت الواحد لو ظلت قاعدة لحل خلافاتها سيخرجوا منفصلين حتى الرجل وزوجته. الأسئلة غير المطروحة حاليا تعد من قبيل الكلام الذي لا ينبني عليه عمل، لماذا نفتح على أنفسنا أمورًا قد تسبب في انقسام للجماعة وهي أمور لم تعد مطروحة في الواقع الحالي، وكذلك لا نعلم ثورة كان لها هذا الاستعداد الكامل الشامل قبل أن تحدث، والنبي صلى الله عليه وسلم حينما هاجر إلى المدينة لم يكن يحمل في جعبته إلا التوحيد والصلوات، لكن الأحكام التفصيلية، العلاقات مع غير المسلمين، المرأة،  مسألة التواصلات مع الكيانات السياسية الأخرى، كل هذه الأحكام نزلت في المدينة بعد وجود الدولة. فتأجيل الخلافات وعدم مناقشة ما ليس مطروحا لا يعد ذمًّا، بل يعد نوعا من الحكمة؛  لأنه قد تأتي الأيام بما يجيب عن هذه الاسئلة أو يجعلها مطروحة، والدليل على هذا أنه في كثير من المكتبات واقسام العلوم السياسية في الجامعات كتبت في المشروع الإسلامي وتصورات ناضجة إذا لم تجد هذه التصورات الناضجة أرضا لتطبيقها فما قيمتها إلا الركون على الرفوف ويعرفها الباحثون فقط.

وما قيل من أن الإخوان لم ينضموا للثورة إلا مؤخراً خطأ تاريخي، فالثورة عمل اجتماعي مستدام من عام 66، 77 وما بعدها حتى الآن.

في ظل فكرة الضغط الكبير على التنظيمات وحصارها تحت ضغط أمني وسياسي وتاريخي ضخم ولها في تركيبتها وبنيتها بعض الأمور لن تتغير، حيث لا يمكن لتنظيم يشتغل في الظروف هذه أن يكون ديمقراطياً وأموره معلنة وتمويله معلنا، فانتقاد هذه التنظيمات وهم على هذه الحالة ليس منطقيا.

ودائما ما يحصل خلط بين إجراءات العملية الديمقراطية، وإجراءات الفعل الثوري، وإجراءات المرحلة الانتقالية، فأخذ إجراءات من هنا والتقييم به لواحد من الثلاثة خلط كبير، فمثلاً في فكرة التشاركية لا توجد حاجة اسمها ديمقراطية تشاركية، من يحصل على 51% يعمل حكومة وليس مطالبا بعمل ائتلاف مع أي حزب ثاني، هذا ينفع في العمليات الانتقالية لما تأتي بعد أحداث تحصل في الدولة، غير الموضوع الثوري الخالص، فالثورة هي التي تحكم، فالخلط بين الثلاثة يقود إلى مشاكل ويصدر أحكاما غير متوازنة وغير صحيحة.

لم تَخْبر الحركات الاسلامية أبعاد وحاجات ومتطلبات الوضع الجديد بعد الثورات دون أن يعني عدم كفاءتها وكفاءات أفرادها.

أهمية ثقافة التوافقات والتسويات السياسية في مرحل تشكل النظام الديمقراطي. ومعروف كما يقول الباحث خليل العناني أن انتقال المعارضة إلى السلطة يفقدها جاذبيتها وجاذبية مشروعها، فقد انقلبت الحواضن الاجتماعية على الإخوان وهي ظاهرة غريبة في مصر وتحالفوا مع النظام في قمعهم، والإخوان وصلوا إلى السلطة بعقلية التنظيمات المغلقة ففقدت جزءا من رونقها ومشروعها.

جماعة الإخوان منذ نشأتها كانت حركة الأفندية والطبقة الوسطى، وخلال الثلاثة العقود الماضية أصبح لها امتداد في الريف وبعض المتعاطفين أو المنتمين أو المستفيدين من الخدمات الاجتماعية التي قدمها الاخوان لهم انقلبوا عليها، وهذا يطرح سؤالا لماذا حدث هذا؟ هل هناك إخلال في برامج التربية والتنشئة والتوعية، أو هذا متعلق بعدم وجود علاقة حقيقية، بل كانت مجرد علاقة زبائنية تتلخص في القيام بالخدمات مقابل التصويت في الانتخابات أو ما إلى ذلك، وهذا لا ينفي عملية غسيل المخ والأدمغة التي تقوم بها الأجهزة الأمنية المرتبطة بالسلطة فيما يتعلق بصورة الإسلاميين بشكل عام والإخوان بشكل خاص.

من التحديات الآنية العمل على ترميم صورتها ووجهها كي تستطيع العودة للعمل لما كانت عليه من قبل، فهناك معركة صفرية بين قوى حلف إقليمي يناصبها العداء وهو تهديد وجودي، ويقوم الحلف ببناء تيار إسلامي جديد يتواكب ويتوافق مع أجندته، وهذه سياسة الإقصاء الديني والسياسي ( مؤتمر غروزني إخراج السلفيين والإخوان محاولة تشويه من البعد السياسي إلى البعد الديني.

فشل خيار الاستئصال والاقصاء كما فشل عبد الناصر، وهذا سيجعل خيار الدمج والاحتواء ( وضع قواعد معينة للعبة ، السماح بالمشاركة مع التحجيم كما كانت مع مبارك ، وكذا حالة الأردن .

فشل الحرب على الارهاب ( فالإرهاب مصطلح فاشل يؤدي إلى مزيد من الارهاب، والحركات الجهادية لن تنتهي، وبالتالي سيلجأ الغرب إلى أسلوبه القديم إلى البحث عن معتدلين أو إسلام ليبرالي لمواجهة الجهاديين.

أن تستعيد حركات التغيير عافيتها هناك حالة انتكاسة وارتكاسة، وهناك صعود للحركة المضادة يستدعي استعادة الوعي المقاوم للسلطوية العربية وليس انتفاضات جديدة، وهذا سيؤدي إلى انفتاح القوى غير الإسلامية على القوى الإسلامية ويسود التعاون، ويكون هناك عودة إلى التأثير على الساحة السياسية لهذه القوى.

إعادة تموضعها داخل خريطة التغيير العربي أن تبتعد عن خطابات الاقصاء والانتقام من شركائهم، ففي مصر هناك حالة تشفي عند اعتقال أي شخصية وهذه مراهقة سياسية.

أن تستطيع الحركات الإسلامية أن تحافظ على تماسكها أمام هذه الهجمة الاستئصالية فهذا شيء إيجابي، وهناك عدة أساليب كثيرة أكثرها خطرا هو استحضار خطاب البلاء والابتلاء وفقه المحنة لأن هذا يؤدي إلى غض الطرف عن الأسباب الحقيقية للمشاكل.

النظر في القضايا المؤجلة أن تبتعد عن سياسة الغموض الاستراتيجي والمناطق الرمادية في مسألة الدعوي والسياسي، مسألة المواطنة، العلاقة مع الآخر، مسألة العنف ، مسألة الإدارة الوطنية.

يقول الدكتور طارق الزمر البعض يدعو إلى التكيُّف مع الدولة الوطنية ولو على حساب الهوية، خطاب تكيُّف الإسلاميين مع الليبراليين هو إلغاء هويتهم، لا يمكن ذلك .

العمل على بناء مشروع سياسي قادر على إعادة بناء مجتمعاتنا وترشيد النظم السياسية التي تحكم فيها ومواجهة تحديات داخلية تواجه الحركة والمجتمعات.

أن تبدأ لحركات الاسلامية بالواجب المفتقد وإن كانوا تفوقوا عليهم في النقد والمراجعة الذاتية.

تجربة إخوان مصر في الحكم بين الانبثاق والإخفاق

الحركة الاسلامية نجحت اجتماعيا وفشلت سياسيًّا.

هناك حاجة ماسة لتقديم هيكل جديد للقيادة الذي قاد 40 سنة الماضية استنفذ أغراضه وأدى ما عليه، لذا يجب أن يتقدم جيل جديد يقود نحو أهداف وآفاق وواقع آخر، هذا جيل يجب أن يترك مساحة لجيل التغيير الذي أذهل الناس في الساحات.

أفق التفكير القديم التقليدي لا يسمح بتخيُّل وتطور سقوط نظام مبارك، ولكن أفق التفكير الجديد فرضه الشباب لما تخلص وتملص من المعادلات القديمة الذي يسير عليها القديم ومن ثم هز بنيان الدولة العميقة وفكك صواميل الاستبداد وهذا الاستبداد لازال يترنح وسيسقط وسيصعب إعادة الصواميل مرة أخرى .

هناك ضرورة لأن تقوم الحركات الإسلامية بإعادة تقديم المشروع الإسلامي، المشروع الإسلامي الذي قدم خلال 40 سنة الماضية ينقصه الكثير من خلال التجربة والاحتكاك والاقتراب من السلطة ثبت أن هناك جوانب افتقار شديد، لابد من تقديم مشروع جديد يؤكد على العدالة الاجتماعية وينحاز إلى الفقراء المهمشين ويتوافق مع كافة مكونات قوى المجتمع ويحرص على عدم تهميشها، ويدافع عن حرية الشعوب وكرامته ، كما يحرص ويؤكد على التواصل والتعايش الحضاري في مواجهة صدام الحضارات.

لابد من رؤية استراتيجية جديدة لم تكن هناك رؤية استراتيجية في 40 سنة الماضية ، وخلال التعامل مع الربيع العربي كان الافتقاد حقيقيا للاستراتيجية وللعقل الاستراتيجي الذي كان المفترض أن يدير مرحلة التحول العربي بكفاءة، ويستطيع أن يهزم الدولة العميقة باقتدار، وهذا لم يكن؛ نظرا لممارسة الاستبداد الطويل من الدولة وعدم التمرس وتدرب القيادة على الوعي الاستراتيجي .

لابد من رؤية استشرافية للمستقبل المحمل بالعديد من المخاطر والتهديدات التي تستهدف وحدة بلادنا وتماسكها وتؤذن بانهيارات أخرى.

هناك انهيارات وتصدعات في العالم العربي تحتاج لاستشراف مكافئ وموازي ووضع تصورات موازية.

هناك انهيارات في السنوات القادمة ستفتح مساحات للحركة لأي مشروع حيوي ناهض قادر على التعامل مع الجماهير؛ لإعادة رسم خريطة جديدة للمنطقة لصالح الشعوب وليس لصالح المخططات. الدولية .

لابد من نظرة جديدة لدى الإسلاميين للدولة والممارسة السياسية وتجاوز كل تجارب الفشل في المجال السياسي على مدى 30 سنة الماضية، وذلك في إطار السعي نحو المشاركة في بناء الدولة المدنية يشارك في تأسيسها الجميع .

تسييس الأنشطة والممارسات الإسلامية وليس أدلجتها، فالأيديولوجيا الموزنة لمعتنقيها لا ينبغي أن تكون هي ذاتها أداة التواصل مع مخالفيها . تواصل الحوار بين الإسلاميين وكافة الشركاء على أرض دولة العدل والقانون وأن يأخذ هذا الحوار طابعا مؤسسيا لا يرتبط بظروف معينة ولا بأشخاص معيينين يمكن لمركز الجزيرة أن يكون هو المؤهل لاستضافة هذا الحوار. يتبنى هذا الحوار رؤيتنا للتعايش الحضاري والتي يجب أن نصدرها للعالم من منطقتنا التي اتهموها بتصدير العنف والارهاب، من الضروري أن يكون الحوار بين الفرقاء على أساس استكمال أهداف الثورة العربية. إصدار وثائق مشتركة بين الفاعلين السياسيين بخصوص النضال المشترك ضد الاستبداد والتصورات المشتركة للدولة التي يتعايش فيها الجميع. الحاجة لميثاق شرف يلزم كافة الفرقاء السياسيين بعدم الانحياز إلى الاستبداد أو التواطؤ على قمع الآخر أيا كان لونه السياسي.

نزع الألغام من الساحة السياسية بتطمين كافة الأطراف بأن الأغلبية لن تكون سوطا على الفئات الأقلية . وتتعهد الحركات الإسلامية بقوانين تمنع الدعاية الدينية في المنافسة السياسية وقوانين انتخابية تضمن مشاركة كافة الفرقاء السياسيين في العملية السياسية هناك تداخل يدل على وجود قطيعة معرفية ونفسية بين وعي التأسيس ووعي النمو ووعي النضج ووعي الاقتدار على تغيير الواقع، ومثاله منصة رابعة بحسب الدكتور سامي إبراهيم ، فقد كان يستعيد خطاب المحنة والمظلومية والشحن العاطفي والتصورات الغيبية عن الواقع والرؤى والأحلام والإلهامات والتحليل التبسيطي للأزمة المصرية .

تحدي مأسسة الشأن التنظيمي الداخلي بالشورى.

التحدي المعرفي متمثل في فقر الأدبيات التي يمكن أن تشكل خلفية معرفية لمشروع سياسي حديث وبرامج للحكم نظرية رغم ما أُلِّف من كتب عن المقاصد والموازنات والمآلات وعموم البلوى، لكتها لم تشكل نظرية في السياسة الشرعية منفتحة على تحديات الواقع.

الضعف الواضح في الوعي بالمسألة الاجتماعية ، قضية العدالة الاجتماعية ومناويل التنمية والزكاة والأوقاف وغيرها من القضايا التي واجهتهم وكانوا في حالة فراغ على المستوى المعرفي، والأدبيات وانتاج الأفكار والحلول.

قضية التمثيل الغيبي للتاريخ فيه استحضار مشوه في وعي ولاوعي الإسلاميين، فيه اغفال جزء من الغيب الذي هو في علم الله سابقا مما اكتسبه الناس باستثمار الأسباب بكامل إرادتهم البشرية .

تحدي سياسي متمثل في قضيتي البعد الوطني والأممي رغم حديث القرآن والسنة بلفظ الأمة والأفراد والقرى والمدن والفئات والقبائل وبعض الإسلاميين يعيش نوعا من الإحساس بالإثم حين الحديث عن المرجعية .. بينما حزب التحرير والسلفية يعتبرون الوطنية فكرة صنمية، فهل يمكن القيام بتأصيل نظري لفكرة الوطنية لتحرير الإسلاميين من التبروء من الانتساب إلى تنظيم جامع، فهل المرجعية الإرادة الوطنية أم الأيديولوجيا ؟

الشرعية الانتخابية والتوافقية والانجاز هذه قضايا تحتاج لبحث، فوعي التنظيمات مشبع بمقولة الخليفة الثالث ماكنت لأنزع ثوبا ألبسنيه الله ، كيف أخون من انتخبوني وأتقاسمه مع من هم دوني بالرصيد، وهنا يأتي سؤال سياسي أخلاقي شرعي هل الصندوق وحده هو مصدر الشرعية خاصة في المراحل الانتقالية التأسيسية أم يحتاج الصندوق لتعزيزه بشرعية أوسع؟

الانخراط في المنظومة الديمقراطية إكراهاً أو اقتناعاً جعل موضوع الفصل بين الحزب والحركة أو الدعوي عن السياسي، فغالباً ما تختار الحركة السياسات وتضبط التوجهات وتحتكر القرار، وهناك إبقاء للعلاقة بشكل عضوي أو من خلال التنسيق.

تونس اختارت ما يطلقون عليه التخصص الوظيفي أي فك الارتباط بين مهام الحزب السياسية مع المحافظة على المرجعية وبين مهام الدعوة والتربية والثقافة والخيرية التي وقع إيكالها إلى المجتمع المدني وتبقى المهام المتمحضة للحزب السياسي هي تكوين الكفاءات المؤهلة للحكم وصياغة البرامج لذلك وخوض غمار الحياة السياسية بكل استحقاقاتها.

على المستوى المعرفي هناك مخاض ومراجعات فكرية وتطور نحو التمثيل المدني السياسي وهذا يعوزه تأصيلات نظرية وخلفية مرجعية وشجاعة الاجتهاد والتجديد النوعي .

لابد من الاستثمار في المعارف التي تعين السياسيين على فهم الواقع العلوم الإنسانية والمعارف التي تعين السياسيين على إدارة الشأن العام.

النقد الذاتي والمراجعة والروح النقدية لا مناص منها لبناء روح جديدة .

التعاقدات والتشارك بين الاسلاميين ومكونات المجتمع ضامن استراتيجي لبقائها وتطبيعها مع واقعها وتطورها ثقافياً.

مطلوب من الحركات الإسلامية تأسيس نظرية جديدة في السياسة الشرعية المدنية في مقابل السياسة القائمة على التوحش والتوحيش.

على الحركات الإسلامية أن تصوغ مشروعا إسلاميا ديمقراطيا مواطنيا اجتماعيا مقابل تراث الإسلام السياسي الإحيائي القائم على أن الإسلام هو الحل دون تحقيق مقتضيات تحويل هذا الشعار إلى معرفة ذكية قادرة على تغيير الواقع وتحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة وتحقيق المساواة .

تحدي الدولة الحديثة التي تشتغل في بيئة سياسية واقتصادية دولية تتجاوز المعطيات المحلية ، هذه الفكرة قائمة على أن المشاركة السياسية والايمان بالديمقراطية والاشتغال داخل المؤسسات يفرزا إشكالات من نوع مختلف عن الاشكالات ذات الطبيعة النظرية ويدفع الناس إلى البحث عن حلول تتجاوز النقاشات النظرية التي لم تحسم لو بقيت في إطار النقاش النظري، فالاشتباك مع الواقع والانخراط معه هو الكفيل بحل كثير من المشاكل النظرية لا العكس فالوقوف مثلا على ارتفاع العجز التجاري وانخفاض معدل النمو واحتياطي العملة  وارتفاع مشاكل البطالة سيجعل التفكير فيها مختلفا عن الطريقة التي تفكر بها قبل ان تلج هذا المجال .

التحدي الأساسي في الممارسة السياسية والذي يدعوا إلى الانتباه ، أن ما يصطلح عليه التميز أو التفوق الأخلاقي للإسلاميين اختباره الأساسي يكمن في داخل السلطة وليس خارجها.

الحفاظ على النزاهة والاستقامة الأخلاقية عبر آليات مؤسساتية تنظيمية تضمن عدم القرب من المال العام يمكن أن يحافظ على الكثير من شعبية الإسلاميين وحضورهم في وعي الصحاب رغم عدم قدرتهم الإجابة على انتظاراتهم وطموحاتهم لمعرفة الناس بأن الاكراهات تتجاوز هذه التنظيمات والأحزاب لكنهم لن يقبلوا إطلاقا الانغماس أو ضعف الإسلاميين أمام مغريات السلطة والسلطة بطبيعتها محاطة بمغريات وهو فخ .

كلما اشتبكنا مع الواقع وكلما توفرت شروط الانخراط مع هذا كلما أفرز الواقع تحديات جديدة تفرض أجوبة مختلفة تماما عن الأجوبة التي نحن نفكر فيها .

الهوامش:

  1. ورقة بعنوان 368 يوم من السلطة سبعة دروس مستفادة من تجربة الاخوان في الحكم دراسة حالة ائتلاف شباب الثورة عبد الرحمن حسام باحث وعضو هيئة تدريس مركز تحالف الحضارات بجامعة ابن خلدون في اسطنبول وهي ورقة لم يتم استعراضها كما عرضها الباحث بل هنا عرض متخلل التعقيب.
  2. ورقة قدمها الباحث أحمد محسن وهو طالب دكتوراه في قسم العلوم السياسية بعنوان : الصعود إلى الهاوية لماذا فشل الاخوان في إدارة التغيير في مصر. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى