فكر

مقالات نقدية لبعض شبهات التشكيك في الحديث النبوي (3-8)

الترادف اللغوي بين الحقيقة والوهم

س: ما الترادف اللغوي؟

ج/ الترادف لغة: التتابع، واصطلاحاً: دلالة عدد من الكلمات المختلفة على مسمى واحد باعتبار معنى واحد ويسمى المترادف، وهي ظاهرة لغوية معروفة وتعني وجود كلمات يمكن أن تتبادل المواقع مع بعضها دون أن يتغير المعنى على الرغم من اختلاف المكونات الصوتية لهذه الكلمات:

مثل: (الحزن- الغم- الغمة- الأسى- الترح- الكآبة- الجزع- الأسف- الحسرة- الجوى- الحرقة واللوعة)، ومثل :فلان يشبه فلاناً ويشابهه، ويشاكله، ويشاكهه، ويضاهيه، ويماثله، ويضارعه، ويحاكيه، ويناظره) ومثل:(هفوة، وسقطة، وعثرة، وكبوة)، و(القمح والحنطة)، و(الليث والأسد).

س: ما موقف علماء اللغة من ظاهرة (الترادف) في اللغة؟

ج/ هناك خلاف قديم بين فريقين كبيرين من علماء اللغة العربية حول ظاهرة الترادف اللغوي ما بين مؤيدين قائلين إن المترادفات أسماء لمسمى واحد، وما بين معارضين لوجود الترادف لأن اختلاف الأسماء/ الألفاظ يوجب اختلاف المعاني؛ وأن المترادفات في الحقيقة هي صفات لمسمى واحد، ومن أبرز الأسماء في كلا الفريقين:

أولاً/ المؤيدون لظاهرة الترادف: [سيبويه، قطرب، أبو زيد الأنصاري، قدامة بن جعفر، الأصمعي، القاسم بن سلام، ابن السكِّيت، ابن خالويه، ابن جني، ابن سيده، الفيروز آبادي، فخر الدين الرازي، أبو الحسن الرماني].  ومن المؤيدين المعاصرين: [علي الجارم، د. إبراهيم أنيس، د. رمضان عبد التواب، د. محمد علي بشر].

ثانياً/ المعارضون: [أحمد بن فارس، أبو علي الفارسي، أبو هلال العسكري، ابن الأعرابي، أحمد ثعلب، ابن درستويه، الراغب الأصفهاني، ابن قتيبة].  ومن المعارضين المعاصرين: [محمد المبارك، أحمد مختار عمر].

وكذلك انقسم المستشرقون ما بين مؤيدين لوجود الترادف ومعارضين له.

س: هل يرى المعارضون لظاهرة الترادف أنها خديعة وخرافة كبرى، وأن اختلاف الألفاظ تعني التغاير التام في المعنى بين اللفظين؟

ج/ فريق المعارضين يسلمون بوجود الترادف أو الترادف العام؛ إلا أنهم يقولون إن هناك فروقاً في المعنى عند التدقيق في أصل كل كلمة، فهي متقاربة في المعنى، وتدور حول معنى واحد، والفرق بينها هو في الصفات فقط مثل: (السيف، الصارم، البتار، اليماني). ومنهم -مثل الراغب الأصفهاني- من ينفي وقوع الترادف في لغة واحدة (من لغات العرب) لكنه لا يرفض وقوعه في لغتين أو أكثر؛ إذ يمكن أن تتعدد الألفاظ لمعنى واحد بحسب تعدد لغات العرب. وبعض العلماء قسموا المترادفات إلى:

1- ألفاظ متواردة وهي الواقعة على ذات واحدة مثل :(المسكن، البيت، الدار)، و(الحنطة، البر، القمح).

2- ألفاظ مترادفة وهي المتقاربة في المعنى، أي التي يجمعها معنى عام.

وخلاصة كلام المعارضين للترادف أنهم قالوا إن المترادفات فرقاً في الصفة وليس تغايراً، فالفرق بين السيف والحسام والمهند والصارم هو فرق في الصفات لكنها جميعا تدل على تلك (الحديدة) التي تستخدم في القتال، ولم يقل أحد منهم أن الحسام غير المهند، والمهند غير السيف، والسيف غير الصارم، والأكثر أهمية ودلالة أن لا أحد منهم قال إن الفرق يؤدي إلى تغير جذري في فهم معاني النصوص المقدسة أو البشرية، ولا في الأحكام الشرعية على اختلافها. (2)

س: ما سبب وجود ظاهرة الترادف اللغوي؟

ج/ الأصل في كل لغة أن يكون للمعنى الواحد لفظ واحد يعبر عنه؛ لكن عوامل عدة تؤدي إلى وجود أكثر من لفظ للمعنى الواحد مثل: السيف والحسام، والعقول والألباب، ودعا ونادى، ومن هذه العوامل ثراء اللغة في مفرداتها في التعبير عن الشيء الواحد، ومنها الاقتراض اللغوي – مثلاً- من لغات الفرس والروم والأحباش بدخول عدد من الكلمات الأعجمية إلى اللغة العربية مُشَكِّلة ترادفاً مع الكلمات العربية التي تحمل نفس المعنى مثل: النرجس، والخيار، والمسك، والياسمين ويرادفها: العبهر، والقثد، والمشموم. ومنها أن يوضع اللفظ للمعنى الواحد في لغة قبيلة واحدة مختلفاً عن مثيله في لغة قبيلة أخرى (أو أكثر)، ثم يشتهر الاسمان/الأسماء. فمثلاً: السكين= عند أهل مكة وغيره، والمدية= عند بعض الأزد، والقمح هو لغة شامية، والحنطة لغة كوفية، وقيل: البر لغة حجازية.

وفي كل الأحوال فقد كانت الفروق في الصفات واضحة عند إنشاء تلك الألفاظ أما بعد ذلك؛ ومع مرور السنين؛ فقد صارت كلها في الذهنية العامة تعني شيئاً واحداً هو (السيف) على سبيل المثال، أي افتقدت الوصفية والمقصود بها مع مرور الزمن.(3)

س: لماذا لا يكون اختلاف الألفاظ موجباً التغاير التام في المعنى؟

ج/ إن قيل إن الاختلاف بين الألفاظ يعني بالضرورة تغايراً تاماً في المعنى فسوف يؤدي ذلك إلى إشكاليات كبيرة؛ فمثلاً في قوله تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ  عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ  هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ  سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ  لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى  يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ  وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [الحشر: 22-24].. ففي هذه الآيات نيف وخمسة عشر اسماً لله تعالى، وكلها تدل على الله تعالى، ولا يمكن أن يقال إن بينها تغايراً تاماً بسبب اختلاف ألفاظها. وعبارة (الأسماء الحسنى) ذاتها نص قرآني واضح على أن الله تعالى له أسماء عدة وليس اسماً واحداً. (4)

كذلك إن قيل إن اختلاف الألفاظ يوجب التغاير في المعنى؛ فقد يفهم من ذلك أن العكس صحيح أي وجوب اتفاق معاني الكلمات التي تتفق ألفاظها أو حروفها وهو أمر يتقاطع مع حقيقة اختلاف معاني كلمات كثيرة في اللغة العربية متطابقة الألفاظ تطابقاً تاماً؛ بسبب وجود اختلاف في تشكيل حرف واحد من الحروف (فتحة أو ضمة أو كسرة) يؤدي إلى اختلاف المعنى اختلافاً واضحاً متفاوتاً، وقد جمع اللغوي الشهير قطرب مجموعة الكلمات الثلاثية التي تتفق في كل ألفاظها لكن تختلف في معانيها بسبب الفتحة والضمة والكسرة، وهي المنظومة المعروفة باسم (مثلثات قطرب)، ومنها:

قَمة- قُمة- قِمة            حَلم- حُلم- حِلم

حَمام- حُمام- حِمام         جَد- جُد- جِد

دَعوة- دُعوة- دِعوة         أَمة- أُمة- أِمة

كما أن هناك ألفاظا عديدة في اللغة العربية متفقة في المعنى مع وجود اختلاف في المبنى مثل:

– آباء وأبُوّ وأبوّة، تلاميذ وتلامذة، أباعير وأباعر وبعران، أبالسة وأباليس، الأضياف والضيوف، إخوان وأخوة وآخاء، وأرانب وأران، وبعول وبعال وبعولة (جمع بعل=الزوج أو الزوجة)، أرَضون وأرْضون وأراض وأروض.

الهوامش:

1- للمزيد في موضوع ظاهرة الترادف اللغوي:

أ- الألفاظ المترادفة المتقاربة المعنى، أبو الحسين الرماني، تحقيق/ د. فتح الله صالح المصري، (نسخة إلكترونية).

ب- الترادف في القرآن الكريم، سعيد مصطفى دياب، (نسخة إلكترونية).

ج – بيضة الديك: نقد لغوي لكتاب: الكتاب والقرآن، يوسف صيداوي، ص37 وما بعدها، نسخة إلكترونية.

د- ظاهرة الترادف عند القدماء والمحدثين، د. سليمان أبو عيسى، نسخة إلكترونية.

ه- موقع شبكة الألوكة.

و- هل هناك ترادف في القرآن؟ شريف محمد جابر، مدونات الجزيرة 9/10/2017.

2- المصادر السابقة.

3- بيضة الديك، ص60، مصدر سابق. ظاهرة الترادف في اللغة، موقع منتدى مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية.

4- بيضة الديك، مصدر سابق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى